الصحافى محمد على صالح والتجوال فى عقول دعاة الإنفصال!! … بقلم: د. احمد خير/ واشنطن

 


 

د. أحمد خير
24 September, 2010

 



الصحافى السودانى الأمريكى الأستاذ محمد على صالح شغل حيزا فى وسائط الإعلام الأمريكية والسودانية ، ليس بما يكتبه فقط ـ بل بما يكتب ويفعل . فهو بالإضافة إلى عمله الرسمى كمراسل لجريدة "الشرق الأوسط" في واشنطن، يكتب فى الصفحات الإسفيرية، وفى الصحف اليومية السودانية والأمريكية
أما عن أفعاله فهو قد قرر ومنذ زمن أن يقف أمام البيت الأبيض حاملا لافتة عليها سؤالان: الأول: "ماهو الإسلام؟" والثانى: "ماهو الإرهاب؟"  وذلك بعد أن أصابه الملل من الحملات الموجهة ضد الإسلام، التى لايرى آساسا لها سوى ان هناك مجموعات تعمد على تشويه الدين الإسلامى، وتحد من إنتشاره السريع.
ما دفعنى لحوار الأستاذ محمد على صالح هو السلسلة التى عمد فيها على إجراء لقاءات مع بعض الإخوة من جنوب السودان بغرض إستطلاع الآراء حول الإستفتاء القادم فى بداية العام 2011 .  مايثير قلق محمد على صالح هو تمسك بعض من إلتقاهم بالقشور التى فى نظره لايمكن ان تؤخذ كذريعة لإنفصال الجنوب عن الشمال، خاصة وأن العالم فى وقتنا هذا يبذل قصارى الجهد لإيجاد تكتلات والإبتعاد عن التشتت والإنقسامات !
لكى يؤخذ الكلام من خشم سيدو، رأينا أن  نتوجه ببعض الأسئلة للأستاذ محمد على صالح عسى أن نتمكن من سبر غور مايرنو إليه من مقابلاته مع الناشطين من أبناء الجنوب:
------------------------

س: عن ماذا تبحث فى لقاءاتك بالإخوة من أبناء الجنوب؟
 
ج: بسم الله، والتوفيق من عند الله.  مؤخرا، اقتنعت بان المثقفين الشماليين الذين يكتبون عن موضوع الشمال والجنوب يتحاورون مع بعضهم البعض، او مع مثقفين جنوبيين يتفقون معهم فى الرأى .  لهذا، رايت ان احاور مثقفين جنوبيين لهم وجهات نظر أخرى قد تؤدى إلى تقسيم السودان، او ممن هم لم يحددوا موقفهم من قضية الإستفتاء والمحصلة النهائية .
اعترف باني لم اعرف مثقفا جنوبيا معرفة شخصية، عندما كنت في السودان، ومنذ ان جئت الى امريكا قبل اكثر من ثلاثين سنة.  لهذا، سعدت بالحديث مع هؤلاء. وسعدت لاني عرفت منهم اشياء عن الجنوب والجنوبيين ما كنت اعرفها.
حتى الان، نشرت خمس حلقات من "حوار مع جنوبي" (بالانجليزية مع الترجمة العربية). وانوى ان تصل الى عشر حلقات تقريبا.  ثم، ان شاء الله، ابدا حلقات "حوار مع شماليين لإستطلاع الآراء حول الجنوب."
 
س: فى لقاءاتكم تقارنون بين الغبن الذى كان على السود من ذوى الأصول الإفريقية فى أمريكا وبين الغبن الذى وقع على أبناء الجنوب. وكيف أن السود فى أمريكا لم يعد يأبهون كثيرا عن مايقال عنهم من كلمات نابية مثل " نيقر "، وكلمة "عبد " التى يعتبرها أبناء الجنوب بأنها إهانة لاتغتفرويجب أن تسن القوانين للحد منها . هذا بالرغم من أن كلمة "نيقر" لاتعنى اللون بقدر ماهى تشير إلى  السلوك "أتيتيود" .
 
ج: رغم الاختلافات الحضارية الكبيرة بين امريكا والسودان، توجد تشابهات كثيرة، منها: تعددية دينية وعرقية، وحب الحرية، ورغبة في التسامح، وطيبة لها جذور دينية.  أسفا، لا توجد حرية في السودان مثل التي في امريكا.  لكن، يظل الشعب السوداني حر في اعماقه.  وايضا، توجد تشابهات في العلاقات بين البيض والسود في امريكا، وبين الشماليين والجنوبيين في السودان: تجارة الرقيق، والتفرقة العنصرية والاثنية، والرغبة في فتح صفحة جديدة.  
وطبعا، لقد فتح البيض والسود فى امريكا صفحة جديدة (وصار اوباما اول  رئيس اسود).  لهذا، يبقى الدور على السودانيين ليفتحوا صفحة جديدة.
اما عن كلمة "نيقر" (عبد) في امريكا، فانها، مثل اي شتيمة اخرى، ستظل ما ظل الناس يشتمون بعضهم. اسفا،لا تزال اغلبية سود افريقيا يركزون على كلمة "نيقر"، وكأنها قضية محورية.  لهذا، يحتاجون الى التخلص من هذه العقدة. ولن يقدروا على  ذلك  إلا اذا تخلصوا من عقدة اللون، ومن اعتبار ان لونهم هو اساس هويتهم.
 
س: لماذا فى نظرك أن الإخوة من أبناء الجنوب يتخذون من كلمة "عبد" ذريعة للإنفصال؟ وهل تلك الكلمة يعممها أبناء الشمال على أبناء الجنوب أم أنها مجرد وهم عشعش فى عقول البعض ا؟
 
ج: مثل حالة سود امريكا، اساس المشكلة ليس كلمة "عبد" او "نيقر".  اساس المشكلة هو اعتبار اللون اساسا للهوية.  انا لا اعتبر لوني  اساس هويتي.  اساس هويتي هو ايماني بالله (كنت ساقول نفس الشئ لو كنت مسيحيا او يهوديا او بوذيا او اعبد بقرة او أى كائن أو شيئا يقربنى من الرب).  بعد ايماني، تأتي ثقافتي، وهي عربية وافريقية.  لهذا، اقول انا "افريقي"، لا "اسود".  طبعا، اذا سرقت بنكا وهربت، ستعلن الشرطة انني "رجل اسود شايب".  لكن، هذا مجرد وصف، وليس هوية.
لهذا، كلى أمل ان يتخلص سود امريكا وجنوبيو السودان من اعتبار لونهم الاسود اساسا لهويتهم. وحتى يفعلوا ذلك، ستطفح لديهم عقدة النقص مع أى إحتكاك مع طرف آخريختلف  عنهم فى لونه .
 
 س: كما تعلمون أن فى السودان تقال كلمات لاتعنى بالضرورة محتواها مثل : حلبى وعبد . حتى أنه أحيانا إذا فعل شخص شيئا شبه مستحيل يقولون له ياعبد  وهى كلمة تعنى العظمة وليس التقليل من قيمة الشخص أو الفعل . فلماذا فى نظرك أن أبناء الجنوب لديهم تلك الحساسية المفرطة تجاه  كلمة عبد؟ .
 
ج: ليس ابناء الجنوب وسود امريكا فقط.  حتى بعض الشماليين الذين يأتون الى امريكا، او يذهبون الى دول اروبية او عربية.  وربما كل الافارقة، وربما كل السود في كل العالم (حتى سود جنوب الهند، وسود غينيا الاستوائية).  وربما كل السمر ايضا، مثل العرب الذين يأتون الى امريكا
اعتقد، والله اعلم، ان السبب واضح، وهو ان الحضارة التي تقود العالم اليوم حضارة الرجل الأبيض .  ولا يخفى بعض الغربيين استعلاء لونهم.  صحيح، في دنيا مثالية يجب الا يفعلوا ذلك.  لكنهم يعرفون ان كل العالم يلهث وراءهم.  
حسنا، ماذا تفعل شعوب العالم الثالث؟
اولا: يعترفون بعظمة وسمو هذه الحضارة التى قامت على أكتاف البيض بغض النظر عن أصول حضارات الماضى .  
ثانيا: يعترفون بان الاعلى حضارة يميل، طبيعيا، نحو الاستعلاء على الاقل حضارة.
ثالثا: لمواجهة ذلك، لابد لهم من أن  يفخروا بإنسانيتهم وهوياتهم بدون مقارنتها بهويات الآخرين .
 
س: لماذا تقال كلمة عبد لشخص لونه أسود أو أزرق بالرغم من أن العبيد هم من كانوا يجلبون للأسواق للبيع والشراء ؟ وحدث أن يكون لونهم أسود . هذا بالرغم من أن العبودية كانت قد بدأت أصلا مع بيع وشراء الإناث من ذوات اللون الأبيض للمتعة . وبعد الحاجة إلى الإستخدام الإقتصادى للأيدى العاملة لجأ البعض إلى إستخدام الرجل الأسود لقوته  الشئ الذى حول مايجلب إلى سوق العبيد من رجال سود بدلا عن إناث بيض . ذلك حسب قانون العرض والطلب الذى كان سائدا آنذاك ؟ وتلك التجارة روج لها الرجل الأبيض وخاصة من تلك الدول التى كانت تملك الأساطيل البحرية مثل البرتغال وبريطانيا وهولندا . وقلعة " المينا " فى غانا بغرب إفريقية لازالت شاهدا على ماكانت تقوم به البرتغال من أعمال وحشية تجاه الأفارقة من الذين وقعوا فى قبضة تجارها . ومانلاحظه أنه بالرغم من ذلك ليس هناك عداءً بين الأفارقة والرجل الأبيض !
 
ج: قبل عشرين سنة تقريبا، صدر فيلم "ايتارز اوف ذا ديد" (آكلوا الموتى)، اعتمد على رواية امريكية، إرتكزت على مذكرات احمد بن فضلان، رحال عربي ايام هارون الرشيد. كتب ابن فضلان الى هارون الرشيد عن رحلاته الى روسيا واسكندينافيا.  واشتكى من ان "الشقراوات" هناك تنبعث منهن روائح كريهة، ويتبولن في ملابسهن، ويبصقن امام الرجال، ويقهقهن في ابتذال.
اعتقد ان الكلمة المفتاح هي "الحضارة".  كان العرب متحضرين بالمقارنة إلى الغربيين. والان، انعكس الوضع.  واسفا، يظل  معظم الافارقة السود اقل حضارة من الجانبين: من الغرب، ومن العرب.
 
س: لكن، الجيل الجديد من أبناء الجنوب الذين يركنون إلى أن كلمة عبد ستكون هى الآساس للتصويت لصالح الإنفصال بينما نفس هذا الجيل لم يشهد حادثة واحدة تم فيها بيع أوشراء أى من أبناء الجنوب؟
 
ج: اعتقد، والعلم عند الله، ان مشكلة اللون الاسود (وحتى الاسمر، مثل لون العرب) ستستمر ما دامت الحضارة البيضاء هى المسيطرة .  
وبالنسبة لجيل الجنوبيين الجديد، اضيف الى هذه المشكلة مشكلة الشماليين الذين، حقيقة، يسيئون معاملة  الجنوبيين.  لهذا، يجب على الشماليين ان يقتدوا بالبيض في امريكا في طريقة معاملة السود. لقد فتح بيض امريكا صفحة جديدة، وصوتوا لرجل اسود (اوبامأ) ليكون رئيسا عليهم.
 
س: نعلم أن العامل النفسى يلعب دورا كبيرا فى التخوف وفقدان ثقة أبناء الجنوب حيال السلطة فى الخرطوم التى تتمسك بقوانين الشريعة التى يعتقدون أنهم لن يحصلوا على حقوق المواطنة الكاملة تحت ظلها، مما سيجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية ؟ هل تعتقدون أن على السلطة فى الخرطوم العمل على إلغاء قوانين الشريعة من أجل أن يظل الجنوب ضمن جغرافية الدولة ؟
 
ج: مشكلة الشماليين ليست فقط سوء معاملة الجنوبيين، ولكن، ايضا، سوء معاملة انفسهم.  في الوقت الحاضر، يحكم حزب واحد شمالي الشماليين.  فاقد  الحرية لا يعطيها.  ومنذ استقلال السودان، ومرات كثيرة، ظلم حكام وسياسيون شماليون اخوانهم الشماليين، ناهيك عن ظلم الجنوبيين.
 
س: هناك من أبناء الجنوب من ثارت ثائرتهم حيال مناداة بعض من أبناء الشمال وحثهم للسلطة فى الخرطوم للعمل على بقاء السودان موحدا.    ما رأيكم، هل أبناء الشمال يبكون على الأرض أم على الإنسان الجنوبى أم على الأثنين معا؟
 
ج: ساكون واحدا من الذين سيبكون (في شوارع واشنطن) يوم يعلن رسميا تقسيم السودان. يذهب الناس، وتبقى الاوطان.  
الاحظ ان الفلسطينيين يحتفلون كل سنة بما يسمونه "يوم الارض"، وليس يوم الشعب. طبعا، الذين فقدوا جزءا من ارضهم يعرفون اكثر من غيرهم اهمية الارض.  وطبعا، الارض ليست البترول، ولكن ارض الاجداد منذ ماقبل البترول، وقبل البشير، وقبل سلفاكير، وقبل اتفاقية نيفاشا.
 
س: أخيرا ، ان كنت جنوبيا ، هل كنت ستنادى بالإنفصال أم فى البقاء فى دولة ستكون فيها مواطنا من الدرجة الثانية كما يعتقد من ينادون بالإنفصال ؟
 
ج: لست جنوبيا، وافضل الا اجيب على سؤال افتراضي. لكن:
اولا: الاوطان، كما ذكرت، اهم من مواطنيها، شماليين او جنوبيين، بيضا او سودا.  
ثانيا: قبل الثقة في الشماليين، يحتاج الجنوبيون للثقة في انفسهم.  وكما قلت، ما دام بعض الجنوبيين مصابين بعقدة اللون، لن يقدروا على الثقة في انفسهم.  أولئك يحتاجون للبحث عن هويات دينية او روحانية.  قابلت سودانيين جنوبيين واميركيين سودا في كنائس، واحسست انهم اكثر ودا واقل توترا. فالعامل الروحى يؤثر إيجابا فى سلوك الفرد .
 
س: هل رؤية الإنفصال هى رؤية جنوبية أم هناك جهات خارجية تعمل على صياغتها والعمل على تنفيذها بهدف إضعاف الدولة التى باتت فى نظرهم بتوجهاتها الإسلامية تمثل لهم صورة من صور الإرهاب ؟
 
ج: بعد سنوات قليلة من هجوم  11 سبتمبر، واعلان الرئيس السابق بوش الابن ما سماها "الحرب ضد الارهاب"، اقتنعت بان هذه الحرب ليست الا حربا غير مباشرة، وغير معلنة ضد المسلمين.  واقتنعت بان السياسة الاميركية نحو المسلمين والعرب يسيطر عليها الجمهوريون المحافظون، والمسيحيون المتطرفون، واليهود المتطرفون.
لهذا، ما دامت في السودان (وايران، وغزة) حكومات اسلامية، تقع هذه في خانة "اسلاموفوبيا" (الخوف من الاسلام والمسلمين).
 
س: قامت بعض الجهات فى بذرالشك فى أن الجنوبيون فى حالة إنفصالهم لن يتمكنوا من تسيير دفة حكم أنفسهم، وبذا يتوقع أن تنهار دولة الجنوب، مارأيكم فى ذلك؟
 
ج: في السنة الماضية، كتبت مجلة "ايكونوميست" المحترمة تقريرا عن الجنوب عنوانه: "اول دولة في العالم تفشل قبل تاسيسها".  وقبل ثلاثة شهور، نشرت مدرسة لندن للاقتصاد (ال اس ايه) تقريرا عنوانه: "جنوب السودان يناقض نفسه"
وفي بداية السنة، قدم الجنرال قريشون  تقريرا الى الكونغرس شكك فيه في قدرة الجنوبيين على حكم انفسهم.   وفي الاسبوع الماضي، قالت هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية، ما يشبه ذلك!
 
س: ماهى حصيلة لقاءاتكم مع بعض الناشطين من أبناء الجنوب؟ كيف ينظرون إلى مستقبل السودان؟
 
ج: كما قلت في بداية هذه المقابلة، ما كنت اعرف كثيرا عن المثقفين الجنوبيين.  والأن عرفت ان غالبيتهم عاقلة وذكية.  لكن مشكلتهم الرئيسية هي التركيز على الماضي، وعلى ظلم الشماليين لهم وعلى لونهم الاسود.  كررت لهم: لماذا لا نكون مثل بيض وسود امريكا،
ونفتح صفحة جديدة؟  لم يرفضوا المبدا.  لكنهم كرروا الحديث عن تجارة الرقيق والتفرقة العنصرية وكلمة "عبد".
في الجانب الأخر، من الاشياء التي تعلمتها منهم، لمواجهة هذه المشكلة، هي ان الشماليين يجب ان يكونوا مثل البيض في امريكا:
اولا: يعتذروا عن اخطاء الماضي.  
ثانيا: يعوضوهم عن بعض خسائر الماضي.  
ثالثا: يعلنون قوانين تضمن المساواة.  
رابعا: يعلنون "افيرماتيف آكشن" (قانون تفضيل الاقلية على الاغلبية احيانا).
س: أخيراً، مارأيكم فى كل ماقيل ويقال بشأن إنفصال الجنوب؟
 
ج: افضل عبارة "تقسيم السودان" على عبارات مثل "انفصال الجنوب" و "استقلال الجنوب".  اعتقد، والعلم عند الله، ان هذه مرحلة تاريخية، ومسئولية  تاريخية. وخطأ تاريخي، اذا حدث.  ويجب ان يسجل هكذا (سواء مسئول عنه الشماليون او الجنوبيون).
والف شكر.
-------------------------------------
سنلتقى مرة أخرى بإذن الله مع الصحافى محمد على صالح بعد أن يكمل مقابلاته مع بعض الإخوة من أبناء الجنوب لنتوقف على حصيلة إستطلاعاته .  

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء