د. مصطفى عثمان اسماعيل: رفقا بالعباد فأول الحرب كلام … بقلم: سيف الدين عبد العزيز ابراهيم

 


 

 


سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
هناك أمثله فى التاريخ البعيد نسبيا أو متوسط المدى يمكن الاستدلال بها لاستبيان ما أرمى اليه ولكن حتى تكتمل الصوره لدى القارئ بمنحى يمكنه من تلمس المثال فالأجدى فى تقديرى هو التاريخ الحديث أو المعاصر بالتحديد  لوضوحه فى ذهنيه  القارئ وقربه النسبى داخل المخيله لدى المتلقى. ابدأ بالاشاره الى قوة و نفاذ الكلمه اطلاقا وبالتحديد الكلمه التى تنافى الحكمه أو التفوه بالمشاعر والناريات من العبارات التى تخاطب العواطف بعيدا عن العقل والتى عادة  ماتفضى الى ما لايمكن التنبأ بعقباه. فى التاريخ الحديث وفى ثلاثينيات القرن الماضى تحديدا عندما استخدمت النازيه فى ألمانيا بوقها الاعلامى بقدره فائقه وشيطانيه مؤثره للترويج (لأصالة ونقاء ) الجنس الآرى و(تضائل) بقية الاعراق أمامه و الذى بدوره دق ونمق أصوات طبول الحرب التى حصدت أرواحا عديده طالتنا حتى فى السودان حيث حارب آبائنا ضمن جيوش الحلفاء فى الحرب العالميه الثانيه بعد وعدهم بدوله مستقله ان فعلوا ذلك ورغم خيبة أملهم متمثلا فى عدم التزام المستعمر البريطانى كالعاده قى الايفاء بوعده عقب انتهاء الحرب بخسارة النازيه, الى أنها قادت فى النهايه الى استقلال البلاد ضمن عوامل أخرى ساعدت على ذلك. ذلك البوق وذلك النداء الذى يصطحب طبل الحرب ليضفى على صوته القبيح صوتا موسيقيا نشاز فى محاوله بائسه لتجميله ولكن وللأسف ورغم نشاز ذلك الصوت الا أنه عادة ما ينجح فى جرف وتضليل قلة بالولوج فى آتون حرب تحصد الزرع والضرع قبل الانسان. تكرر ذلك الطبل وذلك الصوت المتحشرج فى دولة يوغوسلافيا السابقه متمثلا فى المتطرفين الصرب الذين نادوا بتصفية دولتهم من (دنس) كل من لم يكن صربيا خالصا مما قاد تلك الشعوب الى حروب ضروس رأيناها جميعا على شاشات التلفزيون حيث اسقطت القذائف عمدا فى قلب الاسواق فى سارييفو وفى زغرب وكريشتينا وغيرهم من مدن تلك الدوله التى تمزقت الى دويلات صغيره ولم يتبق من تلك الدوله اليوغسلافيه والتى كان يتباهى بها الدكتاتور تيتو الا شبحها القديم فى مسخ مشوه روجت له وتسببت فيه الكلمه غير المسؤوله. ورغم أن جذور المشكله اليوغسلافيه متأصله من ايام الدوله العثمانيه ووصول الاتراك المسلمين قبل قرون وحكمهم لتلك البقعه, الا أن التاجيج الذى سبق هذه الحرب والتى تفككت بسببه يوغسلافيا كان فى غاية عدم المسؤوليه, وان كان الكثيرون يعرفون الزعيمين الصربيين  رادكو ميلادج ورادافان كرديج والمليشيا الصربيه التى اعانتهم على ارتكاب المجازر ضد المسلمين فى البوسنه والكرواتيين قى كرواتيا, الا أن الذى الهب المشاعر كانت تلك الخطب الناريه وغيرها من خلال الراديو التى كان يلقيها متشددى الصرب والتى حثتهم للانخراط فى المليشيات لسحق الأغراب (الاتراك الاصل).  ثم نمضى لنرى بوادر التصريحات والتلميحات غير الحكيمه التى بدأت فى التلميح للحرب فى رواندا بواسطة حكومة الاغلبيه من قبيلة الهوتو ضد التوتسى وهى المجموعه العرقيه الثانيه والكبرى فى تلك الدوله الافريقيه ذات الطبيعه الخلابه والتى تضاهى جمال أشهر منتجعات العالم. من خلال برنامج اذاعى يبث من قناه حكوميه ظل يروج لتلك الافكار الشريره. اندلعت الفتنه وقتل الهوتو الآلاف من أفراد قبيلة التوتسى بلا رحمه وبقسوه هستيريه لم يسلم منها جيرانهم فى الاحياء والقرى, ذلك الهلاك والذى قامت به مليشيات الهوتو بمساعده من جيش الحكومه التى سيطر عليها الهوتو لم يسلم منها حتى الهوتو المعتدلين الذين وقفوا ضد مايجرى وابدوا اعتراضهم حيث تمت تصفيتهم فى الشوارع ولم يسلم من ذلك حتى رجال الكنيسه من الهوتو المعتدلين. بالطبع ذلك الهوس لم يأت فقط بين ليله وضحاها حيث أصل الاستعمار البلجيكى لذلك فى تلك البقعه لسياسة القبليه والتفرقه بانتهاج سياسة تفريقيه ولدت الاحساس لدى الهوتو بأن التوتسى قبيله محببه ومقربه له, تلك السياسه رسخت ذلك الاعتقاد بل ولدت اراده وفهم  لدى الهوتو بان التوتسى هم عقبه فى طريهم للوصول الى السلطه واقامة دولة الهوتو التى تمتد الى داخل حدود الكونغو, وبالطبع ندرى جميعا أن بعض أفراد الهوتو لايزالون فى حالة حرب داخل أراضى الكونغو  الشئ الذى يعقد المشهد الامنى السياسى فى دولة الكونغو والتى ظلت ولازالت تعانى من ويلات حرب معقده جدا.
هذ الامثله التى سقتها لم تحدث بسبب الكلام فقط وصاحبتها ترسبات وتعقيدات لاحقه قبل حدوث المكروه كما بينت فى حالة يوغسلافيا ورواندا, ولكن الكلام غير الحكيم كان كالزيت فوق النار, والامثله لاتنتهى هنا فيما سردت وما أحداث موريتانيا قبل سنوات الا بدليل  وضف عليها سييراليون والتى كان يقف فيها الخطباء المتطرفين فى العاصمه فرى تاون بالبوق الحقيقى فى الشوارع لحث المتقاتلين على ارتكاب الفظائع. وسوداننا الحبيب ليس ببرئ من مثل هذه التهم حيث ان فترة التسعينات من القرن المنصرم صاحبتها موجه هستيريه من الزخم الاعلامى الترويجى لحرب دينيه وعدت والجيها (الجنه التى تجرى من تحتها الانهار) وحور عين لم ترى مثيلات لهن دفعت بالبلاد الى تأجيج وتاصيل ثقافة الحرب التى جعلت من الدوله محتفلا رسميا بموت الشباب فى ما سمى آنذاك بعرس الشهيد دقت له الدفوف وتقدمته أخوات نسيبه المزغردات والمغردات. وأصبح الصبح ليخرج علينا الشيخ (العارف بالله) ويطلعنا الى أن ماوعد به لم يكن وان ماحدث لم يكن جهادا وان كل دبابا مات كان (كالفطيس)و ياعجبى, لقد مات خيرة الشباب من طلاب وغيرهم وهم عماد بناء الدوله الحديثه فى حرب أعلن عرابها الأكبر أنها كانت (دقسه), ومات الانسان البرئ والضعفاء والأطفال والنساء بمساعدة استعار نار الكلمه غير الحكيمه.
كل هذ المقدمه سببها ما قرأته مؤخرا من تصريحات كثيره لمسؤوليين تنفيذين وتشريعين ومستشاريين. أى بمعنى أنها لم تصدر من اناس خفيفى الوزن أو من طراز (قريعتى راحت) من أمثالنا الذين يكتبون ولا يأبه بكتابتهم أحد ولكن عزاءنا أننا نقول كلمة الحق فى وجه المخطئ حتى تكون كلمتنا شفيع لنا فى يوم لاتنفع شفاعة أحد الا رحمة الله سبحانه وتعالى. مكمن خطورة هذه التصريحات هى فى تقديرى انها صادره من أفراد لهم مناصب تتحكم فى حياة ومصائر الملايين من العباد, وان تصرفاتهم وكلماتهم لها تداعيات خطيره وليست فقط من باب (طق الحنك) ولخطورتها وجب علينا التحذير والتنبيه والتذكير. من أكثر تلك التصريحات خطورة هو ما أقدم عليه مستشار رئيس الجمهوريه د. مصطفى عثمان اسماعيل حينما صرح فيما معناه أنه يدعو الشباب والطلاب وكل قادر على حمل السلاح للاستعداد للحرب. الخطوره هنا تكمن فى أن هذه تصريحات انسان يقف على بعد بوصات من أذن رئيس الدوله أى وبتحليل بسيط, هى اما محاوله لدفع الرئيس لاعلان الحرب, أو تنفيذ لسياسه تضمر الحرب وهذا حديث فى منتهى الخطوره. لا نكاد نصدق اننا تخلصنا من حرب وبدأنا فى التخلص من ثقافة حرب طالت كل اسرة سودانيه بطريقه مباشره أو غير مباشره سواء أكان ذلك فى جنوب السودان أو شماله وهذه الحكومه هى التى حققت انتهاء تلك الحرب رغم سلبيات الاتفاق الذى بموجبه توقفت الحرب الا ان توقف الحرب كفعل فى حد ذاته محمده تشكر عليها مناصفه مع القائد الفذ ذو النظره البعيده د. جون قرنق دى مبيور وهذا للامانه الفكريه لأن نقدنا لسياسات الحكومه لن يعمينا من الاشاره الا ما نراه سليم لان نقدى لاينبع من ايدولوجيه أو حزبيه تكبلنى من قول الرأى الذى أؤمن به فأنا لست مقيد أو بمنتمى لاى حزب ولكن أمر بلادى يهمنى رغم البعد الجغرافى. هذا الشباب الذى يدعوه سيادة المستشار للحرب والموت هو ثروة السودان الحقيقيه ان كان للسودان أمل فى النهوض والتقدم  فكيف يتسنى لك وبكل بساطه أن تروج وتدعوه الى الموت والخراب الذى ستأتى به تلك الحرب. لقد انتقدنا تصريحات بعض منسوبى الحركه الشعبيه فى السابق والتى كانت تلمح الى الحرب فى حالة عدم تنفيذ الاستفتاء ووجهت انتقادى لباقان أموم وياسر عرمان ليس لسبب سوى أيمانى القاطع بان الحرب هى مربع يخسر فيه, وبه الكل ولكن الخاسر الأكبر هو المواطن السودانى المسكين المغلوب على أمره فى الجنوب والشمال والذى ابتلاه الله بقيادات تنقصها الحصافه والحكمه وقصر النظر وضيق الافق. هذه التصريحات الصادره من سيادة المستشار وقبلها التى صدرت من قبل بعض قادة الجنوب تصريحات فى غاية عدم المسؤوليه ولم تراعى النظر الى مآلات مايمكن أن تؤدى اليه تلك التصريحات.
هذه ليست بمحاوله لاعلان المخطئ والصائب فى معترك الشريكين حول انفاذ بنود اتفاقية نيفاشا والمتعلق بالاستفتاء بغض النظر عن موقفك من مناصر لهذا الفريق أو تلك الكتله أو ايهما تراه على حق وصواب,  ولكنها دعوه الى ضبط النفس من قبل المسؤوليين وتحرى الحكمه ووزن الكلمات قبل النطق بها لأن الكلمه لها نفس تأثير صوت المدفع والبندقيه لانها تدفع وتعجل بدويهم الاثنين. هذه التصريحات قد تفسر أو بالأحرى قد تمثل وجهة النظر أو السياسه الرسميه لذلك الطرف القائل وبالتالى تفسيرها والرد عليها من الجانب الآخر هو فقط اطلاق الطلقه الأولى وبعدها يختلط الحابل بالنابل ويضيع المواطن الأعزل بين الثوريين العجوزيين الذين يتهاوى جسديهما المترهلين على كل من تحتهما لتحويله الى طحين. فيا سيادة المستشار لم اصرخ فى وجهك موبخا من قبل حين شطحت ووصفت الشعب السودانى (بالشحادين) قبل وصولك الميمون الى كراسى السلطه رغم عمق ما اصابنا من جرح من جراء ذلك الحديث واكتفينا بردود بقية الأخو والاخوات الحادبين على مصلحة الوطن لأنهم أوفو الكيل حينها ولكن حديثك الاخير لايرتقى الى أن يصدر من شخص بمكانك ومنصبك لما له من تداعيات قد تزهق أروح ابرياء من نساء وأطفال وكبار سن غير الشباب الذى تدفعه دفعا بحديثك هذا والذى كنا نتمنى أن نرى فى تصريحاتك حصافة الدبلوماسى المتمرس تمرس شخص تقلد منصب كبير الدبلوماسيين الا وهو منصب وزيرالخارجيه السودانى. لايحجر عليك احد أن تلتزم خطا سياسيا محد وتسعى لتحقيقه ولكن دق طبول الحرب من منصبك وفى تصريحات يقرأها الكل منهم العاقل والذى يدرى حيثيات وخلفيات واسباب التصريح وهذه قله, ومنهم من يأخذ التصريح موقع الجد ويصيح من أعلى الجبل للكل بالتسلح وبدا المعركه اليوم قبل الغد وهؤلاء كثر وذلك كان دافعى للتحذير وهو خوفى على بلدى وأهلى والله المستعان.
 

 

آراء