ثنائي نيفاشا ولحن الانفصال … بقلم: عبدالبديع عثمان

 


 

 


تمخضت اتفاقية نيفاشا الثنائية فولدت انفصالا   بعد أن قرر شعب جنوب السودان مصير الوطن لا مصير الجنوب .  ليصبح دولتين بعد أن كان دولة واحدة .  وبذلك خرجت الأغلبية المغيّبة لا الغائبة من المولد السياسي بدون وطن.  بعد أن أصبح حكرا على  المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فهما من يتفاوض ويقرر في أمر الوطن ولهما وحدهما كل الحق في تقرير مصير الجنوب ومصير الوطن بكامله  .

 كل ذلك تم بشرعية نيفاشا الثنائية  المسماة (دلعا ) باتفاقية نيفاشا للسلام  الشامل  وكان الأجدر بها أن تسمى اتفاقية نيفاشا للانفصال الكامل .

ظللنا ننادى منذ توقيع الاتفاقية وحتي اللحظة الأخيرة  بضرورة إعادة فتح الاتفاقية أمام الشعب السوداني وتعديلها نصا وروحا  مع إشراك الشعب السوداني في تطبيق الاتفاقية وإنزالها على ارض الواقع ومعنا في ذلك نفر من الحادبين على مصلحة الوطن. ولكن لا حياة لمن تنادي  بل كانت   نبرة الانفصال على الدوام هي النبرة الأعلى حتي أصبح  من يدعو للوحدة في الشمال والجنوب كمن يؤذن في مالطا .


إن نيفاشا أصابها منذ خروجها للحياة مرض متلازمة الثنائية التقاسمية   وازدادت حالتها سوءا حينما أصر المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على أنهما فقط الممثل الشرعي للشمال والجنوب واحتكرا  توقيع الاتفاقية وتطبيقها وتقاسما ثروة الوطن وسلطته  حتي وصل بهم الأمر إلى تقاسم  الجمل بما حمل .  ومع ذلك يصرا على أنهما لن يتحملا نتيجة الانفصال دون سائر القوى السياسية ،  وعليها ما عليهما ، من تبعات وصمة الانفصال ، وهذا لعمري  جدل عقيم وحجة لا تستقيم.

الغريب في الأمر انه وبعد أن وقع الانفصال وتقرر مصير الوطن لا الجنوب.  ظللنا نستمع لخطاب أكثر غرابة وأكثر أثارة للدهشة ،  مفاده أن  الانفصال يمكن أن يؤسس لعلاقة  أقوى من التي كانت ستسود  في حالة الوحدة   وذلك  بحكم العلائق والوشائج التي تربط  الشعبين ! .  ولو كان الأمر كذلك وكان ثنائي نيفاشا ينظر لهذه العلائق والوشائج ويعلم علم اليقين أن الوطن لن ينفصل لماذا أصرا  على تغليب   الانفصال وإضاعة الوحدة والحديث عن الوحدة باللسان وترسيخ الانفصال بالأفعال ؟.  وعلى امتداد الفترة السابقة منذ توقيع الاتفاقية حتي قيام الاستفتاء كنا لا نرى غير  المماحكة والملاسنات والتلاوم  والصراعات ، كما ظللنا نسمع في أمر الوحدة طحنا ولا نرى عجنا أما في أمر  الانفصال فرأينا  عجنا ولم  نسمع طحنا حتي وصل بنا الأمر إلى هذا الحد  .

إن  الثنائية لن  تحل مشكله الوطن وان أوجدت حلولا فستكون حلولا آنية   و معلبة ولا تمت للواقع بصلة .  كما أنها ستكون حلولا على الورق ومن المستحيل إنزالها على الأرض لتسعى بين الناس.  ولذلك نلحظ المصاعب الجمة التي تنتظر تطبيق الانفصال الذي يضع على طرفا نيفاشا تبعاته ومصاعبه .  وبالنظر للمشكلة السودانية من زاويتها الصحيحة بعين لا يحجبها بريق الثروة وأذن لا يشوش عليها رنين العملة نجد أن    المشكلة السودانية في ثوبها القديم لا تمت بصلة  لتقسيم المناصب والأموال المسمى بتقاسم الثروة والسلطة .  بل  أن  المشكلة الحقيقية تكمن في  كيفة  إعادة   الثقة بين الشمال والجنوب بعد حرب طويلة . و كيفية   محو آثار تلك الحرب على كل الاصعده بشقيها التنموي والنفسي . ولكننا نجد انه  وعلى الرغم من أن توقيع الاتفاقية قد احدث نقلة نوعية  وجعل الحركة الشعبية تأتي إلى الشمال ولكننا نجد أن ذلك  قد نقل الصراع من الغابات الطبيعية في الجنوب  إلى الغابات الأسمنتية في الشمال وأصبح الصراع يمارس داخل القاعات المغلقة ووسائل الإعلام ولنا في هذا عدة شواهد .  حيث  بدأت هذه الصراعات منذ  تدشين الاتفاقية وتجلت في  الخلاف الذي نشب بين الطرفين في تقسيم الحقائب الوزارية والذي أبان  منذ البداية أن الطرفين سيركزا جهودهما في المستقبل على موضوع الثروة والسلطة لنصل أخيرا إلى محطة الانفصال ليستأثر كل طرف بجزء من السودان شمالا وجنوبا ..

أن النبرة التقاسمية طغت على الاتفاقية  منذ الوهلة الأولى  في وطن شهد أطول الحروب في القارة السمراء ويعاني من ضائقة اقتصادية طاغية  وتفرق أبناؤه  أيدي سبأ  بين المنافي بحثا عن ما يسد الرمق . وهذه لعمري  مفارقة تدعو للدهشة والاستغراب وان كانت  توضح بجلاء نهم ثنائي نيفاشا للثروة والسلطة وانصرافهما إلى ذلك دون مواضيع أكثر أهمية مثل ترسيخ الديمقراطية وتحقيق السلام والوحدة والنماء . وكنا على الدوام  نلحظ انصراف  (الثنائي) إلى  صراع محموم على فتات أموال النفط وكراسي السلطة و كان الأجدر بهما  أن يتقاسما مشاكل التنمية والنزوح والفقر في الشمال والجنوب لا  تقاسم الأموال والثروات .

إن ثنائية الاتفاقية وبناؤها على أساس تقاسم الوطن وثرواته وإغلاق الباب أمام الأحزاب الأخرى جعلها تنأى عن الوحدة وتجنح إلى الانفصال .  واعتقد أن الانفصال لم يأتي من فراغ بل حدث  بسبب قناعة ثنائي نيفاشا  بتقاسم السودان بدلا من تقاسم موارده .  وهنا مربط الفرس . وتأسيسا على  ما سبق لم نكن نطمع أن تؤدي نيفاشا إلى أمر بخلاف ما انتهت إليه . وكنا نطالب على الدوام  بإشراك القوى السياسية السودانية قاطبة  في الشمال والجنوب وإعطاء تلك القوى بعض الفعالية . وان حدث ذلك كان بالإمكان  تغيير  الوضع .   وربما كنا سنشهد واقعا أفضل مما نحن فيه اليوم.  وليتنا نتعظ مما حدث ( ونوكي   الجراب على العقاب ) .

abduosman osmanmajop [abdosman12@hotmail.com]

 

آراء