الله عليكم يا شباب مصر … بقلم: منى عبد الفتاح
كيف لا
كثير هو ما استفدناه من شباب مصر في ثورتهم المباركة ، يوم أن صدروا أشتاتاً إلى ميدان التحرير بينما شعّت روح الحماسة في بقية مدن مصر المؤمّنة. هذا النصر السياسي الذي حققه هؤلاء الشباب لم يشيع روح البهجة والفرح في مصر وحدها بل شمل كل العالم العربي وأفريقيا وانتشلها بالأمل في أن للظلم نهاية لا محالة، وأن الحاكم المستبد لا بد أن يجد من يقف في وجهه معترضاً ومحتجاً ومطالباً بتغييره رضي ذلك أم أبى فإنه في النهاية زائلٌ ، وزائلٌ ملكه حتى ولو كان في عناد فرعون القرن الواحد والعشرين.
اليوم يمكننا أن نتطلع إلى مصر كحاضر وطني حافل ، فجيلنا لم يشهد عهد ريادتها وقيادتها للأمة العربية ولو أن كثيراً من تاريخها وحضارتها تحكي عن مصر مفقودة ، ترى صمتها على وجه أبي الهول وتحت ظلال الأهرامات وبين ثنايا المومياءات . حقّ لها أن تنطق اليوم عن شيء أشبه بالمعجزة ، وهو زحزحة نظام يملك كل الأجهزة القمعية ووسائلها بينما لا يملك الشباب غير الإرادة والتصميم على مطالبهم بحقوقهم التي تم نزعها لثلاثة عقود .فقد استطاعوا أن يفعلوا ذلك حتى دون قيادة من أي نوع متبرئين من التحزب إلى أي فئة أو الانقياد وراء أي شعار غير الشعار الذي وُلد في الميدان : الشعب يريد تغيير النظام . وعندما قام النظام بتغيير بعض الأوجه ، لم تنطلِ عليهم الحيلة . وعندما قام بمواراة بعض الأوجه السابقة أيضاً بقناع خادع كُتب عليه أنه مع الشباب ومطالبهم ، لم يقتنعوا بالخدعة وثبتوا على موقفهم بأن: الشعب يريد تغيير النظام .
لم يقف شيء ضد إحساس كل فرد حر بأن هذه الثورة ومنذ بدايتها خاصته إلا الإحساس المريض للأنظمة الشبيهة بنظام حسني مبارك ، فقد صمتت كما أهل القبور مدعومة بأجهزة إعلامها . لم تقل شيئاً عن الثورة خلال أيامها الثمانية عشر ، ولم يفتح الله عليها بكلمة مؤيدة أو معارضة للثورة إلا بعد أن أينعت وقطفها قبلهم شعبهم في تمنٍّ أن تحقق ما حققته لمصر . فخلال المتابعة في تلك الأيام الملتهبة ومنذ 25 يناير أصبحت القضية شاغل العالم كله بقنواته وإعلامه الغربي والعربي إلا بعض الأنظمة المتوجسة . ففي سوداننا وفي تلك الفترة من التغطيات لم يحرّك أعلى هدير للدماء المراقة في ميدان التحرير ساكناً لتلفزيون السودان وفضائياته التابعة . الجهاز الرسمي مشغول بترهاته وقناة النيل الأزرق لا تكفّ عن الغناء ، والشروق تحاول أن تزركش طريقتها وصوتها بأنها إعلام السودان الممنهج ولا شيء في الحقيقة من ذلك ، أما ساهور وزول فغوغائية في البث من غير وجهة محددة . كل هذا وبقية الفضائيات تنقل صيحات شباب الميدان ودموعهم وسهرهم ، لم أجد صوتاً لشعبي حيث عملت فضائياته بمساندة النظام على كتم صوته ولم تسمح له بأن يرى نفسه في هؤلاء الشباب الغرّ الميامين مستعيداً لذكرى أكتوبر وأبريل.
أما بالنسبة لصوت الحكومة الرسمي فقد خرس تماماً وحلّت محله صورة بلهاء لا تنطق ولا تشي بشيء . من المؤكد أن الموقف السلبي لحكومتنا لم يكن ليوقف إرادة شعب في سبيل تحقيق مطالبه ، أراد فسعى وفعل ثم نال. والخوف والهلع من أن تتكرر التجربة على الطريقة السودانية لا يحلّ أزمة الحكم ولكنه سيظل بعبعاً مخيفاً كلما حاول النظام أن يغطيه يكبر ويكبر حتى يصبح أضخم ممن حجبوه .لم نسمع صوت الحكومة إلا بعد انتصار الثورة ، فأُجريت الاتصالات وأُذيعت التهاني على أعلى المستويات .لم يكن مستغرباً موقف الحكومة ولكن الاستغراب كان في تهنئة الأحزاب المعارضة التي جاءت متأخرة عن حدث الثورة مثلها مثل تهنئة الاتحاد العام للصحفيين والاتحاد العام للمحامين السودانيين .فماذا يجدي التأييد عند النصر والسلامة .
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]