بل دفاعاً عن العميد شرطة مختار طلحة محمد رحمة … بقلم: علي يس الكنزي
بسم الله الرحمن الرحيم
من أبواب متفرقة
alkanzali@gmail.com
الكاتب حين يكتبُ كتاباً أو مقالاً أو تحليلاً، يندر أن يعود إليه بعد نشره، ويصبح الكتاب أو المقال أو التحليل ملكاً للقارئ يفعل به ما يشاء. لهذا فمن النادر أن ابحث في قوقول (Google search) عن كتاباتي. فعلتُ ذلك الأسبوع الماضي وأنا أتصفح سودانايل ، فهالني أن أجد رداً على مقالاتي الثلاث التي نُشرتْ بجريدة السوداني، وسودانايل، وسودانيزاولاين، عن اغتيال الشهيد الأمام الهادي المهدي تحت عنوان (ولتعرفنهم في لحن القول).
أي كاتب سيكون جد سعيد أذا حظي مقاله بتعقيب أو أكثر، والمهم عنده أن يكون التعقيب توسيعاً للحوار وإثراءً للمعرفة و تمليكاً للحقائق، وإكمالاً لبعض الجوانب التي غابت عن الكاتب. أما أن ينحرف المُعَقِبْ وينزلق ويخرج من المسار الأساسي للموضوع، ويلقي بالأوصاف والتهم والنعوت جازفاً، ويرمي بها كيف ما يشاء، متناسياً أن المسلم مسئول عن قلمه، كما هو مسئول عن لسانه، وما الأقلام إلا ألسنة على الورق كما قال السيوطي وهو ينشد: (فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه). فمن فات عليه قول السيوطي فعليه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكْبُ الناس يوم القيامة على النار إلا حصاد ألسنتهم؟). هذا ما عنى لي وحملني على الرد لما جاء في مقال سعادة اللواء شرطة معاش عبدالرحيم أحمد عيسى تحت عنوان (بل دفاعاً عن العميد مختار طلحة محمد رحمة !!) والذي نشر بجريدة السوداني وسودانايل.
سأبدأ بما انتهى إليه المقال لنرى كيف رمى سعادة اللواء بسهامه الخاطئة نحوي وهو يقول: "وأخيراً أقول ..من هرب من بلده بحثاً عن الفردوس المفقود وعاش على أموال الضمان الاجتماعي في دول الغرب وهبات المنظمات الكنسيه .. ثم تخلى عن هوية وطنه لقاء هوية بلد آخر .. ليس من حقه أن يوزع صكوك الغفران على الآخرين ولا أن يعطينا دروساً مجانية في المهنية والوطنية". انتهى قول سعادة اللواء.
علي يس الكنزي يا رعاك الله، لم يهرب من بلده بحثاً عن الفردوس المفقود، بل جاء إلى الغرب بتأشيرة عمل حصل عليها من الخرطوم، ومكث حتى الآن لما يربو عن ثلاثين عاماً لم يشكو الفاقة يوماً، ولم يلجأ للضمان الاجتماعي وسيستخدمه متى ما دعته الضرورة لذلك ولا حرج عليه، كما سأبين لاحقاً. أما حديثك عن تبديل الهوية، فما الحرج في ذلك والسودان شرع قانوناً يسمح لمواطنه أن يحمل جنسية بلد ثاني؟ " أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله؟" هل تعلم يا سعادة اللواء أن من وزراء حكومة السودان من يحملون جنسية بلد آخر؟!! أيجري عليهم قولكم الذي جرى علي الكنزي " ثم تخلى عن هوية وطنه لقاء هوية بلد آخر .. ليس من حقه أن يوزع صكوك الغفران على الآخرين ولا أن يعطينا دروساً مجانية في المهنية والوطنية".؟
هون عليك سعادة اللواء، وأعلم أن علي يس الكنزي لا يتمتع بجواز سفر غير الجواز (الأخضر الليموني)، ولا غرو أن عَلِمْتَ: أنه عُرضتْ عليه جنسية البلد الذي يقيم فيه مرتين فصدها. مرة عندما استغنى عن خدماته في 29 يوليو 1989، مخدمه الذي آتى به من الخرطوم، وترتب على ذلك فقدان شريعة البقاء في البلد المضيف، فعرض عليه محامي نافذ، ورئيس لحزب يمين شهير في المدينة التي يقيم فيها، أن يتولى إجراءات تجنيسه دون مقابل، فلم يقبلها رغم حاجته لها. ولو علمت سعادتكم بتفاصيل ما وراء إنهاء خدمة الكنزي لأقشعر بدنك، وأيقنت أن في السودان رجال. أما الثانية فعندما صُدِقَ لكل أسرة الكنزي دفعة واحدة بجنسية البلد المضيف، فتحصل أفراد أسرته على الجواز، وأعتذر الكنزي مرجئ الأمر إلى المستقبل.
هذه حقيقة علمها لا ينفع القارئ بقليل، وجهلها لا يضره بكثير، وما كنتُ راغبٌ في إيرادها لو لا عظيم قولكم ورميكم للتهم تعجلاً وجزافاً، يا سعادة اللواء. ولعلها بشارة أزفها لكم بالقول: (أن علي يس الكنزي، وجد حقاً الفردوس المفقود في البلد الذي يعيش فيه حالياً)، ولله الفضل والمنة.
سعادة اللواء، ليتكم تعلمون أن العيش على أموال الضمان الاجتماعي ليس ببدعة ولا سبة ولا منقصة للإنسان في الغرب. فالضمان الاجتماعي هو حق يكفله القانون لمن توفرت فيه الشروط. وهو نظام ابتدعه الألمان منذ عهد بزماركBismarck's في سنة 1881. الهدف من ورائه حفظ كرامة الإنسان، والتخفيف من وطأة الفقر، ومنع التسول والجريمة الناتجة عن الحاجة لتغطية ضروريات الحياة. لحقت بألمانيا بقية دول أوربا الغربية وأمريكا في بداية القرن الماضي. ليتنا نتمثل بهم ونمشي على خطاهم ونفعل كما فعلوا. فالضمان الاجتماعي يا سعادة اللواء، ما هو إلا كفالة من المجتمع لبعض أعضاء المجتمع الذين تعرضوا لفقدان العمل، أو تعذر الحصول عليه (البطالة)، أو الذين أقعدتهم الإصابة أو المرض عن العمل، أو أصحاب العاهة الطبيعية أو الناتجة عن حادث، أو الذين بلغوا سن المعاش. ألا ترى نحن أولى بذلك منهم يا سعادة اللواء؟
دعني أروي لكم قصة وبعدها لكم أن تقارنوا، وتحكموا. صديقي وزميلي في العمل، ابتعثته وزارة الخارجية السودانية ومكث في وظيفته بالسفارة سنوات، وعندما تم نقله للخرطوم وجد وظيفة في المكان الذي أعمل فيه الآن. أحيل صاحبنا إلى المعاش لبلوغه سن التقاعد. تقدم بطلب للسلطات المحلية للسماح له بالبقاء في بلد الكنائس. ووجدت السلطات المحلية أن احتياجاته الشهرية هو وزوجته تربو عن الأربعة ألف وخمسمائة دولار، ومعاشه الذي يتقاضاه من المنظمة التي عمل فيها لثمان سنوات لا يغطي 25% من تلك الاحتياجات. أتدري ماذا فعلت السلطات المحلية؟ قامت بإكمال ال 75% ومنحته حق الإقامة، إكراماً للفترة التي قضاها بين ظهرانيهم - خمسة عشر عاماً- فرأت أنه ليس من الإنسانية أن ترمي به وهو في هذه المرحلة من العمر. أليست هي قصة شبيهة بقصة عمر بن خطاب مع اليهودي الطاعن في السن في مدينة المصطفى؟!!!
وللمقارنة أحكي لكم قصة أخرى. أحد معارفي طلبته دولة يقصدها كثير من السودانيين للعمل فيها، هاجر إليها في أواخر الستينات قبل أن تعرف الناس الهجرة، وعمل في بودايها وقراها ومدنها معلماً للغة الإنجليزية. في بداية هذا القرن أكمل أربعين سنة من الخدمة في تلكم البلاد. أتدري ما زال فعل؟ بقى في تلك البلاد، والآن يعمل بياعاً للأثاث في إحدى المعارض ليقتات من عمله وهو في سن الشيخوخة. فالرجل رغم أنه في دولة المآذن، لكنها لم تجعل له غطاء الضمان الاجتماعي، مثله مثل كثير من السودانيين الذين أفنوا زهرة عمرهم وساهموا في ازدهار وبناء تلك البلاد، والبلاد المجاورة. وها أنتم تتحسرون في مقالكم على من تدافعون عنه قائلين: "أنه يتقاضى معاشاً لا يربو عن مئة دولار". صدق محمد عبده حين قال: (أنه عندما ذهب إلى الغرب وجد إسلاماً ولم يجد مسلمين، وعندما عاد إلى الشرق وجد مسلمين ولم يجد إسلاماً).
سعادة اللواء، أطمئنك بأنه ليس من بيننا من يعيش على هبات الكنائس، ولكن حقاً، منا من يعيش على الضمان الاجتماعي مُكرهاً عليه. فجل السودانيين اجبروا على البطالة والعيش تحت غطاء الضمان الاجتماعي، علماً بأن كثيراً منهم يحمل من المؤهلات ما تبز التي عندي وعندك، ومع ذلك نجدهم على استعداد للعمل في أي وظيفة مهما تدنى عائدها ومقامها طالما أنه عمل حر شريف يجبر المرء للخروج صباحاً والعودة مساء. وليتك تعلم أن الغرب جعلها سياسة وإستراتيجية غير معلنة تقف حائلاً أمام هؤلاء للحصول على العمل. فالغرب يرى أنه من الأنسب الإبقاء على القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا خارج دائرة العمل الفاعلة ما أمكن ذلك، حتى ينشأ منهم جيل ثاني أقل تأهلاً وتطلعاً وطموحاً من أبناء جيلهم من الغربيين، وبذلك تبقى الريادة والقيادة والسيادة محتكرة لأهل البلد الأصليين، وتبقى الوظائف الدنيا والأعمال الهامشية لأبناء المهاجرين.
أما دفاعكم عن زميل مهنتكم فهذه محمده تحسب لكم، وقليل منا يفعل ذلك. ولكن من الواضح أن دفاعكم يا سعادة اللواء أتى خارج حلبة النزال، فتحاشيتم بذكاء رجل الشرطة أن تردوا على النقاط والتساؤلات الأساسية التي وردت في مقالاتي الثلاث التي سلطتُ الضوء فيها على ما جاء من قول منسوب للعميد معاش مختار طلحة محمد رحمة في التحقيق الصحفي الذي أجراه معه الصحفي النابه الأستاذ عبدالوهاب همت. وتساؤلاتي تنحصر في:
• كيف يسمح ضابط الشرطة "مختار طلحة محمد رحمة" لضابط مجلس محلي "محمد حسين بامسيكا" أن يتسلم قيادة رجاله وقيادته وفي حضور سعادته؟
• كيف عجز ضابط الشرطة مختار طلحة محمد رحمة" أن يوفر الحماية لأسيريه "سيف الدين الناجي ومحمد أحمد مصطفى حسن" اللذان قتلا تحت الأسر، واحدهما أمام عينيه؟ أنظر لقوله: "سيف الدين الناجي أطلق عليه بامسيكا ثلاث رصاصات من قرب ولم يمت، وطلب من أحد الشرطة أن يُجْهِز عليه، فرفض الشرطي. فما كان من بامسيكا إلا أن طلب من الشرطي الأخر " وداعة سيد أحمد" أن يقوم بذلك ففعل. وصاحبكم واقف يترقب؟ عجبي، وبعد هذا أنت فخور به وبخدمته؟!! أما محمد أحمد مصطفى حسن فقد قُتِل بطلقة في ظهره وهو داخل العربة التي كان من المفروض أن تحمله إلى الدمازين.
• كيف عجز ضابط الشرطة مختار طلحة محمد رحمة عن إسعاف الأمام الهادي وتركه ينزف حتى الموت، متعللاً بأنه ذاهب إلى الكرمك لإحضار طبيب، ولكنه أتى وبرفقة جزاراً. فجاء متأبطاً بامسيكا الذي قضى على سيف الدين الناجي، وقد أدانته المحكمة مع الشرطي وداعة سيد أحمد بجريمة القتل.
• من جانبي أشك في هذه الرواية، لأن الأمام ربما مات من أحد الطلاقات الطائشة التي أطلقها بامسيكا علي سيف الدين الناجي وهو جالس على الأرض يحتضن الإمام على صدره، فبتأكيد أن سيف الدين لا يحتضن جثمان ميت بل أمام حي ينزف دماً. فكما استهان بامسيكا بروح سيف الدين فروح الإمام عليه أهون؟
• كيف تكون الجريمة إذن إن لم يكن عجز العميد معاش مختار طلحة محمد أحمد، عن حماية أسراه بجريمة، وسلبيته تجاه بامسيكا جريمة أخرى؟!! ألم يتنازل لبامسيكا عن قيادة أفراد الشرطة الذين هم تحت أمرته؟ ألم يصبح هو تحت أمرة (ضابط حكومة محلية) وسمح له أن يعطي الأوامر لأفراد الشرطة؟ ألم يسمح له بإطلاق النار على الأسير سيف الدين الناجي وربما الإمام، ومن ثم الإجهاز على جريح أو جريحين؟
أما ما جاء من وصفكم لشخصي في صدر مقالكم بأنني استندتُ علي: "الوساويس والهلاويس والمعطيات والفرضيات الخاطئة والسهام المسمومة دون وعي وتدبر". فهذا ينم عن ذكاء رجل شرطة أقفل الإجابة على التهم الأساسية التي جاءت في مقالاتي، وأسهب في الرد على ما أوردناه من تفاصيل كان الغرض منها جذب القارئ.
من منبر جريدة السوداني أدعو سعادة اللواء معاش شرطة عبدالرحيم أحمد عيسى، وكل متداخل في أي حوار ومع أي كاتب في المستقبل، أن يكون الحوار في حدود ما هو مطروح، وأن نحترم بعضنا بعضا، ونترك ما هو شخصي، فقد ألحقتم بي ما ليس لي فيه حظ ولا نصيب، سامحكم الله وعفا عنكم وعني، وعن كل مذنب جهول.
من غرائب الصدف:
بعد انتهائي من مقالي والدفع به إلى جريدة السوداني في مساء يوم الثلاثاء 5 يوليو 2011 ليتم نشره في يوم الخميس 7 يوليو 2011، اطلعتُ في مساء ذلك اليوم على جريدة النيويورك تايمز NYTimes الصادرة لنفس اليوم فوجدتُ الخبر التالي الصادر من وكالة الاسوسيتد برس:
ملخص الخبر يقول: " أن محكمة الاستئناف الهولندية (بهيغ) وجدت: أن هولندا مسئولة عن موت ثلاث ضحايا مسلمين من ألبوسنا تم قتلهم بواسطة الصرب في مجزرة صربرنتشا Srebrenica. كما ألزم قضاة الاستئناف الحكومة الهولندية بدفع تعويض لأقاربهم. ودعوى الشاكي تقول:" أنهم كانوا تحت حماية القوات الهولندية لحفظ السلام في صربرنتشا التي عجزت عن حمايتهم"، ولم تشفع حجة محامي الدفاع من تبرئة الحكومة الهولندية من مسئوليتها بدعوى أن الجنود كانوا يمثلون الأمم المتحدة بالقبعات الزرقاء. هذا مما يفتح الباب أمام مطالبات اسر ضحايا صربرنتشا
Srebrenica Victims Win Lawsuit Against the Dutch
By THE ASSOCIATED PRESS
Published: July 5, 2011 at 3:28 PM ET
THE HAGUE, Netherlands (AP) — The Netherlands is liable for the deaths of three Bosnian Muslim men slain by Serbs during the 1995 Srebrenica massacre, appeals judges ruled in a civil suit Tuesday, ordering the Dutch government to compensate the men's relatives. The case was brought by Hasan Nuhanovic, an interpreter who lost his brother and father, and relatives of Rizo Mustafic, an electrician who was killed. They argued that all three men should have been protected by Dutch peacekeepers.