في الاقتصاد السياسي للاشتراكية “الإمبريالية”

 


 

 

في الاقتصاد السياسي للاشتراكية "الإمبريالية"

او في حكوة التنين الفالت!.

الحلقة الأولى


Siddiq01@sudaneseeconomist.com

لم يعد تقسيم العالم اليوم كما كان معهودا من قبل. ولا شك في ان انقسامه الحاد لقطبين، كما في السابق، قد إختفى. وكاد ان يكون ذا قطبٍ واحد إلا ان ذلك لم يتحقق هو الآخر بالرغم من الظلال الكثيفة التى ينشرها الحضور الامريكي الطاغي والعنيف في انحاء شتى  من الكرة الارضية. إن العالم ما زال مقسوماً وبشكل واضح بين اغنيائه وفقرائه، إنقساماً إخترق جدار التسليم بأن القطب الواحد هو قدر العالم في الحاضر والمستقبل، وذلك لأن المدافعين فيه عن ضرورة ان يسود العدل في العالم آثروا  البقاء في كل السوح الفكرية منها والحقوقية وغيرها. 
كان متوقعاً ان يعكس انقسام العالم الحالي بعضأ من سمات انقسامه السابق، فيما يخص اطرافه، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي، إلا انه لم يكن متوقعاً لبعض القوى ان تلعب دوراً كالذي تلعبه الآن، وإن لم يكن مثيراً للدهشة حين فحصه والنظر اليه عن قرب.
إن النظام الصيني هو ابرز تلك القوى المشار إليها. والذي سيكون امر البحث في الدور الذي يقوم به في الجانب الاقتصادي والجانب السياسيي على مستوى العالم بشكل عام، وعلى مستوى البلدان النامية والمتخلفة بشكلٍ خاص، سيما في افريقيا هو موضوع هذه الكتابة. 
شهدت جمهورية الصين الشعبية تحولاً مذهلاً إثر تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح التي تبنتها القيادة السياسية للحزب الشيوعي الصيني في ديسمبر 1978م.  لم تعد دولة الصين تُعرف كقوى كبرى او عظمى من خلال عضويتها في مجلس الامن، وإنما اصبحت تعرف من خلال قوتها الاقتصادية وموقعها كمحرك اساس لاقتصاد السوق على مستوى العالم. وقد ظهرت نتائج برنامج "الإصلاح الرأسمالي" لجمهورية الصين "الإشتراكية" بشكلٍ جلي بعد تسع سنوات من بداية تطبيقه، اي في العام 1987م حيث زادت الوفورات في ميادين إقتصادية حاسمة. وقد صحب برنامج الاصلاح إعلان النظام الصيني بانه لا يتخلى بذلك عن "الشيوعية"، وإنما المنشود هو السعي لاجل تحسينها. وفي وجهة ذلك تمّ التخفيف عن قبضة الدولة وعن تدخلها والتقليل عن فرض وجودها في التخطيط الاقتصادي المباشر لمصلحة عمل آليات السوق.
إن النتائج المباشرة المترتبة على التوجه الاقتصادي الجديد في جمهورية الصين الشعبية تمثلت في الزيادة الملحوظة في معدل عائدات عمليات الاستثمار، وهو معدلٌ فاق الـ 20% مما يجعله اعلى بكثير من معدلات حققتها دول صناعية متطورة اخرى تليدة في سلكها لطريق "التطور الراسمالي". والدليل الساطع الآخر هو القيمة الاجمالية للصادرات والواردات التي زادت اربع اضعاف نسبتها، خلال العشرة سنوات الاولى من تطبيق برنامج الاصلاح، حيث انها كانت تساوي 10% من الدخل القومي فاصبحت تساوي 35% منه.
ولكن القفزة الحقيقية التي احرزتها جمهورية الصين "الاشتراكية" هو ما توفرت عليه من إحتياطيات اجنبية، إذ نمت إحتياطياتها من 21 مليار دولار امريكي في عام 1992م إلى 2,130 مليار دولار امريكي في العام 2009م، أي ان إحتياطيها من النقد الاجنبي اصبح يساوي 46% من اجمالي انتاجها المحلي. بل ولتكون صورة "الاصلاح الرأسمالي"، والذي تبناه نظام جمهورية الصين "الاشتراكي"، اكثر وضوحاً نجد انه لابد من ذكر ان الولايات المتحدة الامريكية "قلعة النظام الراسمالي" وراعيته في العالم، مدينة لجمهورية الصين "الاشتراكية" بحوالي 1,61 تريليون دولار!!!، وهي في شكل سندات حكومية وضمانات مالية اخرى مختلفة.
على اية حال هذه هي الخلفية الاقتصادية للصورة التي تسوق بها جمهورية الصين "الاشتراكية" نفسها للعالم، وخاصة في بلدانه المتخلفة في القارة الافريقية على وجه التحديد. بالطبع يحتل السودان مكان القلب في عملية التوسع الصيني "الاشتراكي الرأسمالي" والذي بالكاد ان يوفر مجالاً لم يدخل إليه!!!.
نرى انه من المهم جداً ولاجل فك الإلتباس الذي يكتنف الدور الرأسمالي الذي يقوم به نظام جمهورية الصين "الاشتراكية"، لابد من الإشارة إلى بعض الحقائق ذات الاهمية الخاصة على المستوى النظري والعملي والتي منها أن قيادة الحزب الشيوعي في جمهورية الصين "الاشتراكية" حينما اقرت إتباع برنامجها للاصلاح والتعديل الاقتصادي في نهاية السبعينات من القرن الماضي كان ذلك في وجود ما كان يعرف بمنظومة الدول الاشتراكية ، وذلك قبل زوالها في العقد الاخير من القرن الفائت.
وعودٌ على بدء ما تم به افتتاح هذا المقال حول تقسيم العالم، واساس ذلك التقسيم، نود ان نشير إلى انه لا نتفق مع محاولات تفسير الاستقطاب الحادث الآن على ضوء "صراع الأديان" او "صراع الحضارات" بإعتبار انهما "الصراعان الحاسمان" في شأن ذلك التقسيم، وإنما نذهب في وجهة ان الاساس الذي يقوم عليه التقسيم هو "صراع المصالح" لانه هو الاساس "الرئيس" و"الاصل" وما عداه لا يعدو ان يكون سوى "اساسٍ" ثانوي. إننا نسعى لتبني تلك الوجهة لاجل تفسير عدم الاختلاف بين ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية الصين "الاشتراكية"، بل واصطفافهما جنباً إلى جنب وعلى صعيدٍ واحد في عملية الفرز التي تجري الآن وتقود إلى التقسيم الجاري في عالمنا اليوم.

ــــــــ.
(*) بالتزامن مع جريدتي "الميدان" و"الايام" في يوم 14 اغسطس 211م.

 

آراء