من ضحايا تدين المظهر

 


 

علي يس الكنزي
14 November, 2011

 

الله الرحمن الرحيم
من مدارات الحياة
علي الكنزي
alkanzali@gmail.com


الله الله، من الذي جرى ويجري في السودان، أمور تجعل الولدان شيباً، هذا ما عكسه عمود كلام الناس يوم الأحد 13 نوفمبر 2011. فقد أفسدتَ عليَ بهجت يومي بمقالك (يا أستاذ نور الدين)، عن الأم التي أقلت بابنها في بئر المرحاض  خشية إملاق! لكي لا يجوع من بعد ذلك أبداً، وترتاح هي من بكاء جائع عجزت عن إطعامه.
فبعد هذا نقول نحن من أمة تنتمي لدين محمد الذي قال في حقه ربه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) آية 107 من سورة الأنبياء. أين ذهبت الرحمة بيننا؟ أم لا تجد حليب لرضيعها، فتلقي به في بئر المرحاض، والجيران يسمعون بكاءه  ونحيبها؟ وأخر منا، وهو فينا راع، يجد السارق في خزانة ببيته مائتي مليون جنيه نقداً؟ وقد بلغه الخبر وهو يطوف بالكعبة المشرفة! أعلى الله ورسوله تستهزؤون؟ ذكرني حادث السرقة هذا بخطبة ساخرة باكية خطبها الخال العزيز عبدالله علم الهدى أحمد (أستاذ اللغة الإنجليزية الفذ). في أيام حكم نميري، أعتلى الأستاذ عبدالله منبر مسجد قرية الشوال بولاية النيل الأبيض ليؤم الناس في صلاة الجمعة. فقام في المصلين خاطباً وهو يرمي بحديثه بعض منهم -اللجنة الشعبية أو شيء كهذا الاسم-: "تأكلون سكر التومين، وتبيعون جزولين المشروع، وتطمعون أن تدخلوا الجنة؟!!! يا حلاة لِقْلِقْ!". فيا حلاة لِقْلِقْ من هذا وهؤلاء واولئكم، الذين لو دخلت الرحمة قلوبهم وجادوا (بزبالة) طعامهم على مثل هذا الطفل لما تخلصت أمه منه؟!!
بعد هذا يأتي من يقول لنا أننا نؤمن بمحمد وندين بدينه، ومحمد هذا صلى الله عليه وآله وسلم (يا أستاذ نور الدين)، قيل أنه عندما توفاه ربه كان درعه مرهون ليهودي؟!!! ويروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أن أقيمت الصلاة يوماً بمسجده، وقبل أن يكبر لتكبيرة الإحرام ذهب لبيته مهرولاً، وبعد تمام الصلاة سأله أصحابه، لم فعل ذلك؟ فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: "تذكرتُ بأن ببيت آل محمداً درهاً فخشيتُ أن ألقى الله وأنا كانز". أو تدري كيف كان بيت محمدٍ؟ حجراتٌ متلاصقاتٌ، بنيت بجريد النخل واللبن، مغشّية من الخارج بمسوح الشعر. وأظن أن عرض البيت من باب الحجرة نحو أربع إلى خمس أمتار. تبتدئ الحجرات ببيت عائشة، وتنتهي ببيت فاطمة. وما أظن مساحة الحجرات كلها وممراتها تتعدى مئة وأربعون متراً مربعاً. وقد رآها كل من يسر الله له زيارة قبره الطاهر الشريف ومسجده.
أنظر لقول وفعل هذا النبي الأمي المرسل رحمة للعالمين، وأنظر لإدعائنا وإدعاء من جاء ينادي فينا بأنه ما يرد إلا أن يوردنا مورد محمدٍ؟ محمد هذا (يا أستاذ نور الدين) تربى وتعلم علي يديه صحابي اسمه عمر، فتعلم هذا العمر كيف يكون الدين رحمة. فعندما أصبح أميراً للمؤمنين نقرأ عنه في الأثر أنه كان يتفقد رعيته ليلاً، فسمع ذات ليلة صراخ أطفال جوعى، مثل الذين قتلتهم أمهم رمياً في البئر خشية إملاق. فسعى هذا العمر بالطعام إليهم، وطبخه بيديه فأطعمهم وأطعم أمهم. محمد هذا الذي ندعي حبه (يا أستاذ نور الدين) ونقول أننا ننتمي لدينه ونقتدي بأفعاله وأعماله، من وصاياه لنا، أن إذا طبخنا شواءً فعلينا أن نرسل للجيران منه نصيب، لأن رائحة الشواء تأخذها الريح لبيوتهم! محمد هذا الذي نشهد له بالنبوة والرسالة في يومنا مرات ومرات أكثرها عند وصلواتنا، يقول لنا: "إن دخلتم بيوتكم بفاكهة فلا يراها الجيران، فإن رأوها فلهم حق ونصيب فيها".
أتدري ما يقول محمد (يا أستاذ نور الدين)؟ وإن دريتَ، فهل وعيت؟ وإن وعيت فهل عملت؟ فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بات مؤمناً، قيل من يا رسول الله؟ قال ما بات مؤمناً، قيل من يا رسول الله؟ فرددها ثلاث مرات؟. قال: "من بات شبعان وجاره جيعان".  الم يقل الله في آل محمد ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) سورة الإنسان آية 8.
هذا هو محمد الذي ندعي (نحن) حبه والإقتداء به. وهذا هو دين محمد الذي نريد أن نراه في بلادنا، فليس الدين في كثرة المساجد، ولا اثر الصلاة التي تبين على جباهنا، ولا تقصير الثوب الذي نتشدد فيه، ولا اللحية التي لا نحفها.  وما تلك إلا مظهر من مظاهر الإسلام. ولكن جوهر ديننا هو (الرحمة)، وجوهر ديننا هو (حفظ كرامة الإنسان) وجوهر ديننا هو (المعاملة). أسمعت قوله الرحمة المهداة (يا أستاذ نور الدين) حين قال: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، التقوى ها هنا التقوى ها هنا وأشار إلى قلبه ثلاث مرات".
والله، وآه من هذا القسم العظيم. في السنوات الأخيرة كلما عدتُ لوطني فلا أرى إلا أجساداً وصوراً تحكي مظهر هذا الدين! ولكن جوهر الدين انزوى فينا لركن قصي. فلو كان الدين في قلوبنا (يا أستاذ نور) لما حرم طفل من حليب، ولما قتلت أم فلذات كبدها خشية إملاق. (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ) آية 17 من سورة الإسراء.
الله الله، كيف نلقى الله يوم يأتي الأجل ومثل هذا الأمور تجري أمامنا وبيننا كل يوم! حتى أصيبتْ أحاسيسنا بالتبلد والغباء وعدم الاهتمام، وصرنا لا نلق للفقير ولا للمظلوم بالاً.


2011/11/14 ALI YASSIN <alkanzali@gmail.com>

 

آراء