التحالف الثوري. . . السباحة عكس التيار
عادل الباز
21 November, 2011
21 November, 2011
21/11/2011م
شهد تاريخ السودان القديم عدة تحالفات من لدن تحالف الفونج والعبدلات إلى لتحالف الثوري. شهدنا في ذاك التاريخ تحالفات قبلية وعنصرية وسياسية وجهوية ولذا فإن التحالف الثوري ليس استثناءً في تلك التحالفات، وهو ليس وليد اليوم بل سبقته تحالفات على ذات الشاكلة في تاريخ السودان القريب. اليوم يخرج هذا التحالف من جسد الحروب والنزاعات الأهلية والصراعات الإثنية والقبلية وجاء للحياة بعد وفاة السودان القديم وتشظية وفي ظروف بالغة التعقيد محليا وإقليميا ودوليا. ولد هذا التحالف وبحر من الدماء يغرق فيه الوطن وأزمات تعصف بالإقليم وعالم تكاد اقتصادياته تنهار!!
بقراءة أولى للبيان الأول للتحالف الثوري بإمكاننا أن نرى مأزقه وآفاق مستقبله. البيان يبدأ بكذبة غير مهمة ولا ضرورية ولكنها تكشف عن مأزقه حين يقول البيان: إن التحالف عقد اجتماع (كاودا الثاني) والحقيقة أن كاودا لم تكن في أي زمان مكانا لاجتماع التحالف الثوري. قد يعتبر كثيرون أن هذه ملاحظة شكلية ولكنها في جوهرها كاشفة ودالة. هذا الاجتماع انعقد في ياي بالجنوب وليس كاودا ولكن لحسابات السياسة لا يمكن الإعلان عن تحالف شمالي يبدأ من الجنوب، إذ سيضع نفسه مباشرة أمام تساؤلات حرجة وذلك يكشف مأزق التحالف الأول. تاريخ ميلاد وزمان التحالف سيدل على نوع الحلفاء الحاضنين والذين سيستمد منهم التحالف عمقه الاستراتيجي
مأزق البيان الثاني في ثلاث دعوات بعث بها إلى ثلاث عناوين الأول إلى القوى السياسية والتنظيمات دعا فيها إلى رفض الحلول الجزئية والعمل على تغيير النظام في الخرطوم. ثم دعوة أخرى أرسلت للشباب لإسقاط النظام في الخرطوم عبر العمل الجماهيري السلمي والمسلح. أخيرا دعا المجتمع الدولي للضغط على النظام لكي لا يستخدم الطعام كسلاح ضد اللاجئين.
الغريب أن مكونات هذا التحالف كلها سعت تاريخيا لحلحلة مشاكلها عبر الحلول الجزئية لا الحل القومي. فالسيد ياسر عرمان المنتمي للحركة الحركة الشعبية بالجنوب أول من مارس الحلول الجزئية مع ذات النظام في نيفاشا رغم إلحاح كل قوى الشمال أن يتم التفاض مع النظام كوحدة لحل القضية السودانية لكن الحركة اختارت أن تحل مشكلتها الجنوبية لإنفاذ أجندتها القاضية بانفصال الجنوب. لاحقا جاءت تلك القوى للداخل باتفاق جزئي هو اتفاق القاهرة ثم جاء جبهة الشرق باتفاق الشرق. وغربا جاء السيد مناوي للقصر على صهوة أبوجا وهي اتفاق جزئي. تلك هي المواقف العملية لأطراف التحالف من قضية الحلول الجزئية تاريخا فكيف يستقيم أخلاقا الآن إدانة الساعين لاتفاقيات جزئية مع ذات النظام الذي اتفقوا معه جزئيا في وقت سابق.
بطاقة الدعوة الأخرى التي وجهت للأحزاب لن تجد لها مكانا من الإعراب لدى تلك الأحزاب التي هي أصلا تمارس نضالا تها بحسب قدرتها وفعاليتها لإسقاط النظام قبل ميلاد التحالف الجديد بعشرات السنوات فماذا ستضيف مثل تلك الدعوة لأجندة الأحزاب. أخيرا توجه البيان إلى الشباب يحثهم على العمل الجماهيري والمسلح لإسقاط النظام وهذه مثل تلك فالشباب الذي يستهدف إسقاط النظام منخرط الآن في العملية ولا أتصور أنه ينتظر دعوه من هذا التحالف أم ذاك. بطاقات دعوة مجانية يبعث بها التحالف دون أدنى تصور للاستراتجيات ولا للبرنامج وللأهداف المشتركة.
قراءة البيان من زاوية أخرى تقود للحيرة التي يعانيها التحالف لطرائق عمله واكتشاف الأساليب الصحيحة لنضاله ضد النظام. على أن الفقرة الرابعة من بيان التحالف هي أحطر الفقرات على الإطلاق التي تنص على (تكوين لجنة عسكرية عليا منوط بها مهام العمل العسكري الجماهيري التحرري وأولى مهامها التصدي للهجوم الصيفي لنظام الإنقاذ العدواني الذي يستهدف المدنيين في المقام الأول وسيتم التصدي بحسم وعزم له وإضافة مسارح العمليات بما فيها الخرطوم). يعني ذلك أن الكفاح الثوري العسكري هو الطريق الذي اختارته قوى التحالف لإسقاط النظام. وليس في ذلك جديد، فالقوى الموقعة على البيان ظلت لسنوات تعمل على إسقاط النظام بالبندقية وقد وصلت الخرطوم من قبل ولكنها لم تسقطه. الجديد هو ذلك التهديد المبطن بأن الخرطوم أصبحت جزءا من مسرح العمليات. إذا أضفت إلى ذلك الخطاب العنصري والإثني والقبلي لمكونات التحالف سنجد أن مثل الدعوة لا تخدم أي هدف للتحالف إنها تثير الرأي العام ضده وتصعد من مخاوف اجتياح عسكري يتبنى خطابا عدائيا للوسط بشكل عام. حتى في أوساط القوى الحزبية المستنيره ووسط جماهيرها لن يحظى أي تحرك عسكري على تلك الخلفية بأي سند. كان موقف حزب الأمة لافتا في هذا الصدد.
نأتي إلى العزلة التي يعانيها التحالف من الإقليم. اليبان خلا تماما من أي إشارة للقوى الإقليمية لطلب مساندته ودعمة. اتضح مبكرا موقف الإقليم من خطورة اندلاع حروب في السودان. دول الإقليم تدرك بأن عدم الاستقرار بالسودان سينعكس عليها مباشرة. ولذا كان لافتا موقف أثيوبيا من التحركات العسكرية على حدودها بعد اندلاع الحرب في النيل الأزرق إذ رفضت تماما دخول أي قوات عسكرية لحدودها. القراءة الصحيحة لموقف الإقليم ترى على ضوء الاستثمارات الضخمة التي قام بها لإقليم لأجل صنع الاستقرار في السودان ابتداءً بنيفاشا مرورا بأبوجا والتدخل المباشر للاتحاد الإفريقي بلجنة مقيمة (لجنة أمبيكي) لمنع اندلاع حرب جديدة بين الشمال والجنوب. ليس من مصلحة الإقليم بأية حالة دعم التحالفات الإثنية والقبلية لتغيير الأنظمة في البلدان المؤثرة على أمنه القومي. كل دول الإقليم تعاني من التشرزم القبلي والإثني، وإذا انفتح باب الدعم والمساندة لتلك المجموعات فستغرق القارة في لجة صراعات لا تنتهي بإسقاط نظام بل بإسقاط الدول نفسها. هذا ما تكابده الآن، فالصومال الكبير في السبعينات على عهد سياد بري تحول الآن إلى صوماليات قبلية وإثنية عجزت كل الدول الكبرى والمجاورة عن استعادة أمنه واستقراره.
أخيرا مناشدة التحالف للمجتمع الدولي أتى بنتائج عكسية تماما. فسارع السيد الأمين العام للأمم المتحدة بعد أيام قلائل من البيان بإصدار إدانة واضحة. جاء في أنباء الأسبوع الماضي ( وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انتقادات لتحالف كاودا العسكري الجديد بين الحركات السودانية النشطة بدارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان لإسقاط الحكومة في الخرطوم منوها طبقا لسودان تربيون إلى التحالف يمكن أن يؤدي للحرب بالوكالة نظرا للروابط للتاريخية لأعضاء الحركة الشعبية في كل من السودان وجنوب السودان. وأعرب مون عن قلقه بشأن الحرب الكلامية بين الخرطوم وجوبا وهجمات المتمردين ضد الشمال لافتا إلى إمكانية أن تدفع تلك التطورات الجيش السوداني لمهاجمة جوبا وإشعال حرب جديده بجنوب السودان وحث مون الطرفين على الابتعاد عن استخدام القوة). هذه الإدانة القوية للتحالف وطبيعته وأجندته توضح بجلاء موقف المجتمع الدولي من التحالف الثوري. استغرب كثيرون من تلك الإدانة السريعة وعدم الاعتراف بالتحالف من قبل المجتمع الدولي وكان يظن خلاف ذلك. في تقديري أن الخبر أعلاه يفسر هذا الموقف، فإن وجود ذلك التحالف في تلك المنطقة فهذا التحالف الذي يتشكل على حدود دولة الجنوب سيجر الدولة الجديدة التي يتعهدها المجتمع الدولي برعايته إلى الحرب مما يردي لفشلها ويجر الإقليم كله لبحر من الفوضى.
لم يجف حبر تصريحات السيد بان كي مون حتى أطلق مصدر في الخارجية الأمريكية تصريحا نشرته الشرق الأوسط اللندنيه مفاده (انتقدت وزارة الخارجية الأميركية، إعلان الإعلان عن تنظيم مسلح في مواجهة نظام الخرطوم وشددت على أن الحرب لن تحل المشكلة، داعية إلى ابتدار مفاوضات جدية، وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، طلب عدم الإشارة إلى اسمه ووظيفته: «الولايات المتحدة تؤيد تغيير النظام في السودان عن طريق عملية ديمقراطية شاملة. وبذل ما أسماها الجهود غير العنيفة لتحويل السودان إلى دولة أكثر انفتاحا، وديمقراطية. وأكد المسؤول أن واشنطن نقلت ذات الرؤية للحركات (المسلحة) السودانية. وأن الهدف المتمثل في تأسيس نظام حكم ديمقراطي يجب أن يتحقق بإشراك حكومة السودان في حوار سياسي، بدلا عن الاشتراك في صراعات مسلحة وقال: «الولايات المتحدة تؤيد جهود ميلس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي، وثابو أمبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، وهيلي منكيريوس مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان، لإقناع الأطراف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات). رفعت الأقلام وجفت صحف الدعم الغربي المأمول للتحالف!!
هكذا سبح التحالف الجديد ضد حركة التاريخ حين اختار السلاح أحد وسائله لحسم صراعه من الخرطوم وهذا زمان الشعوب والساحات الملأى بالمناضلين الغاضبين السلمين المنادين بالحرية والانعتاق وقد أنجزوا في زمن الربيع العربي ثورتين سلميتين وثالثة حولها طاغية ليبيا لحرب. ولا تزال الجماهير تملأ ساحات صنعاء وحمص واللاذقية. سبح التحالف الجديد عكس التيار حين بنى أسسه على اختيارت جهوية وإثنية وقبلية بدلا عن تأسيس جبهة عريضة لتحالف قومي يتشكل من مكونات الوطن جميعها، فمارس بذلك إقصاء وحدد استراتيجيته ووسائله ودعا الآخرين للحاق به، كأنهم مقطورات في قطار التحالف وليسوا بفاعلين أساسين. سبح التحالف ضد رغبات الإقليم في الاستقرار والنماء وسلك طريقا دفعت وتدفع ثمنه شعوب المنطقة وتعرف الحكومات معاناته وتدرك أنه لا يفضي لشيء سوى الفوضى. سبح ضد استرتجيات المجتمع الدولي الذي بدأ يستثمر في السلام لا الحروب. أي أمل يتبقى في تحالف يسبح ضد التاريخ وعكس الحاضر وبلا أفق للمستقبل؟.