الديانة النصرانية في اثيوبيا عوامل الاستمرار والسيطرة السياسية
د. المعتصم أحمد علي الأمين
20 December, 2011
20 December, 2011
د. المعتصم أحمد علي الأمين*
العلاقات العربية الأثيوبية موغلة في القدم ، وقد تأثرت بكثير من الأفكار والرؤى والديانات التي نزلت في هذه المنطقة أو في جوارها المباشر سواء كان ذلك في الشام أو العراق أو فلسطين او الحجاز.
وقد ورد في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى إشارات للصراع الذي دار بين المسيحيين الأثيوبيين واليهود اليمنيين في عهد سيف بن ذي يزن " أحد ملوك اليمن " عندما احرق بعض المسيحيين لخروجهم عن ديانة الملك اليهودية ، وهم اصحاب الاخدود ، وقد كان هذا الامر سببا فيما بعد لدخول الاحباش جزيرة العرب مع مولد الرسول الكريم(1).
وبالتالي يمكن القول بأن هذه المنطقة ومن ضمنها اثيوبيا تقع في قلب الأحداث الدينية الكبرى التي وسمت تاريخ المنطقة والعالم وماولدته من صراعات سياسية ودينية واقتصادية علي مر العصور.
وعندما بدأت الدعوة الإسلامية كان للأثيوبيين أو الحبشة على مستوى القيادة فقط فيما يبدو دوراً كبيرًا في مساندة الدعوة الجديدة من خلال إيواء المهاجرين الأوائل ومساندتهم ضد المطالبين بهم من كفار قريش كما هو معلوم من تاريخ.
ولعل مساندة النجاشي اصحمة للمسلمين الأوائل وأيمانه بما جاءت به رسالة الإسلام قد أثر كثيرا في جيوش الفتوحات الإسلامية فيما بعد في أن تتجه نحو أثيوبيا لضمها لدار الإسلام كما فعلت بالنسبة للعراق ومصر والشام وغيرها من مناطق الفتوحات الاسلامية وكان أقرب للجزيرة العربية مما عداها ، وذلك تأثرا بتلك الأحداث القديمة فى بداية الدعوة الاسلامية والتصور الذي من الممكن أن يكون قد انطبع في أذهان الكثيرين من الصحابة والتابعين من أن أثيوبيا هي تلك المنطقة التي أوت المهاجرين الاوائل ونصرتهم وبالتالي ترك الأمور كما هي عليه فى الهضبة الاثيوبية بالرغم من قربها الشديد من مهد الدعوة ، بالاضافة للخطورة التي يمكن أن تشكلها في حالة تحالفها مع عدو بعيد في تهديد الأماكن المقدسة في الحجاز ، وسوف نري هذه المخاوف قد تحققت كثيرا في عهود تاريخية لاحقة(2).
كما يبدو أن العديدين في عصور تاريخية لاحقة قد غاب عنهم أن النجاشي اصحمة لم يكن حاكما عاما علي إثيوبيا بقدر ما كان حاكما إقليميا للساحل المطل علي البحر الأحمر كما أورد ذلك العديد من المؤرخين ، وبالتالي كانت مناصرته للدعوة الإسلامية متمثلة فيه فقط ولم تكن متمثلة فى سكان امارته بدليل الضغط الذي تم عليه من قبل الكهنة والأعيان لتغيير موقفه من الإسلام وتظاهره بذلك فى اخر عهده (3)، كما أن قصر عمره بعد الهجرة الإسلامية الاولى قد حد من تزايد متانة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين الأحباش ، حيث توفي في السنة التاسعة للهجرة أي عندما كان الرسول الكريم( ص) مازال حياً يرزق ، وقد أوردت أخبار السنة النبوية أنه (ص)قد صلي عليه صلاة الغائب وترحم عليه .
والشيء الذي يبرهن أن النجاشي أصحمة كان استثنائيا في أثيوبيا واستثنائيا في مناصرته للمسلمين أن خلفاءه سرعان ما أرسلوا حملة بجهة الساحل تجاه مكة للقضاء علي الدين الجديد (حتي فى عهد الرسول الكريم)، وقد استمرت محاولات الإثيوبيين للقضاء علي الدعوة في مهدها كذلك في عهد سيدنا عمر بن الخطاب وفي عهد الدولة الأموية .
إلا أن الشيء المهم من كل ذلك أن الحبشة ارتبطت في أذهان الكثيرين بنصرتها للمهاجرين الأوائل ، وكانت علامة مضيئة في تاريخها وتاريخ الإسلام ، وربما أبعد ذلك الموقف التاريخى عن أذهان العديدين من المسلمين التفكير فى ضمها لدار الإسلام بدليل ان المسلمون كانوا يستطيعون ذلك بعد أن وصلوا الي الأندلس البعيدة في شبه الجزيرة الايبرية وصلوا إلى الهند والروسيا وقضوا علي أكبر قوتين في ذلك الزمان وهما الفرس والروم ، وبالتالي كان من السهل عليهم فى ظل ذلك النجاح العسكرى ضم أثيوبيا الي ارض الإسلام ، ولكن فيما يبدو أن الوجل من ضم الحبشة التي أوت المسلمين الأوائل لعب دوراً في ترك الأمور علي حالها بمعني أنها خرجت من كونها دار حرب.
أما تفسير انتشار الإسلام في اجزاء كثيرة من الهضبة الاثيوبية فيرجع إلي الهجرات الصغيرة التي تواصلت علي مدي عدة قرون ، ومن ثم اخذت جموع المهاجرين تتوغل قليلا قليلا وبطريقة مسالمة حتي وصلت إلي حدود الهضبة الأثيوبية او حدود دولة اكسوم القديمة التي استمدت منها اثيوبيا الحديثة روحها التاريخية المتمثلة في اللغة الجعزية والديانة المسيحية الأرثوذكسية القبطية والمنهج اليعقوبي.
ومع ازدياد إنتشار المسلمين السلمي أخذت أثيوبيا في التوجس خيفة من اتحادهم وبالتالى تهديد دولتها ذات الجذور التاريخية القديمة ، وهذا شيء طبيعي للمناهضين لها فى الرؤى مثلها فى ذلك مثل اى دولة تتخوف علي وجودها وكينونتها في ظل تنامي أعداد المسلمين أو أي اخرين مخالفين لها فـي الدين سواء كانوا يهودا أو أصحاب ديانة وثنية محلية ، لذلك أخذت في تشديد قبطتها علي المسلمين وتوجيه حملات عسكرية للقضاء عليهم خصوصا بعد أن تمكنوا من إنشاء إمارات صغيرة تعرف بدول الطراز الإسلامي علي تخومها الشرقية والجنوبية والشمالية وامتدادهم حتي وسط الهضبة نفسها بالقرب من اديس ابابا الحالية ، مثل ممالك بالي وزيلع وهدية طلفجار وعدل وأوفان ومقديشو وغيرها (4).
والذي زاد من حدة التنافس والمواجهة بين هذه الممالك والامبراطورية الاثيوبية هو أن الصراع بين الطوائف الدينية والعقدية كان معروفاً بدقة في الهضبة الاثيوبية حيث سبق وان تنافست الديانتين اليهودية والمسيحية لازمان طويلة ، حيث اسست كلا ألاسرتين سلطنات تبادلت الحكم فيما بينها كما في اسرة أجوا اليهودية والأسرة السليمانية المسيحية .
كذلك أعتمدت الأسرتين علي الأعراق الموجودة في اثيوبيا لمناصرة قضيتها فى تنسم الحكم ، فالأسرة الاجوية إعتمدت علي الفلاشا الحاميين والأسرة السليمانية اعتمدت علي الأمهرة والتجراى الحاميين كذلك ، وقد انتهي الصراع اخيرا لصالح إنصار الديانة المسيحية القبطية . لذلك عندما بدأ الإسلام يتوسع قليلا فى بدايته الاولى في شبه الجزيرة العربية وقبل أن يصل المناطق المجاورة استشعر البعض في اثيوبيا من الخطورة التي يمكن أن تشكلها الدعوة الجديدة لذلك راينا تلك الحملة العسكرية تجاه ساحل مكة حتي زمن الرسول الكريم في السنة العاشرة للهجرة .
ومع ازياد الممالك الإسلامية الصغيرة في الهضبة الإثيوبية كان لابد للصراع أن ينشب وتحاول الاطراف التى طالما هيمنت علي السلطة تحجيم منافسيها أو القضاء عليهم وهذه من طبيعة الاشياء وليست قاصرة على جهة دون الاخرى .
ومن الأسباب الأخري لتأجيج الصراع هو أن الحكام الإثيوبيون كانوا لا يستطيعون أن ينصبوا ملكا أو حاكما جديدا مالم يستعينوا برجل دين مسيحي قبطي من مصر حيث ظلت الكنيسة الأثيوبية وعلي مدي عشرين قرنا من الزمان جزءاً من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية ، وتستمد وجودها وتجديد دمائها وحيويتها من الكنيسة المصرية من خلال مدها بالرهبان ورجال الدين المصريين .
وبالتالي أدي ذلك أن يكون الصراع داخل الهضبة الأثيوبية ليس محصوراً بين أهل تلك المنطقة وحسب بل يشمل كذلك جهات أخري مثل مصر والقدس وغيرها وذلك للوضع الذي يأخذه رجال الدين المصريين داخل السلطة الاثيوبية، وبالتالى يكون تاثيرهم طاغيا على الاحداث التى تمس اثيوبيا او تمس بلادهم الاصلية وهذا يؤدى توسيع شقة الخلاف .
وبالتالي كلما تعقدت العلاقة لاي سبب من الأسباب في مصر الإسلامية مثلا بين الحكام المسلمين والأقباط نجد أثر ذلك مباشرة يشمل معه الهضبة الاثيوبية ، وأمر مثل هذا كثير الحدوث بسبب قسوة بعض الحكام المسلمين احياناً او لرغبة الأقباط في نيل مزيد من الاستقلال وتخفيض الجزية المفروضة عليهم أوالسماح لهم ببناء مزيد من الكنائس وذلك بالرغم من أختلاف نوع المعاملة الذي كانوا يجدونها من الرومان الذين هيمنوا علي مصر قبل قدوم المسلمين عندما كان كبيرهم مختفيا جراء الاضطهاد الروماني في عمق الصحراء المصرية(5).
هذا الصراع بين المسلمين والمسيحيين في الهضبة الأثيوبية استمر لاكثر من ألف عام تقريبا دون أن يحسم أحد طرفي الصراع الأمر لصالحه بصورة نهائية ، وإن كانت الكفة كانت تميل كثيراً لصالح اثيوبى الهضبة وذلك لعدة أسباب لعل من أهمها أنهم كانوا يتمركزون في مناطق حصينة من الهضبة الاثيوبية تهطل فيها الامطار لأكثر من 6 أشهر في العام وتتميز باعتدال مناخها وكثرة محاصيلها التي تحصد مرتين في العام ، بينما انتشر المسلمون علي حواف هذه الهضبة في مناطق جافة تعاني من قلة الأمطار والأنهار الجارية وقلة المراعي وتباعدها عن بعضها البعض ، وبالتالي عدم الاستجابة لنجدتها بالسرعة الكافية في حالة مهاجمتها من الطرف الاخر هذا إذا خلصت النية أصلا لتقديم المساعدة ، والتاريخ يروى لنا ان كثيرمن هذه الامارات كانت متباغضة.
هذا المناخ القاسى أدي إلي قلة السكان المسلمين وتناثرهم في مناطق واسعة تفصل بينها الصحارى حول الهضبة الأثيوبية بينما تركز الإثيوبيون المسيحيون في مناطق محدودة بأعداد مكثفة مما مكنهم من أن يتصدوا الي اي قوة مهاجمة بتجمعهم السريع.
أضف إلي ذلك أن هؤلاء المسلمون وعلي قلتهم كانوا ينتمون إلي مذاهب متعددة ومتنافسة مع بعضها البعض ولها مشكلاتها التاريخية العالقة ، وغالبا ما قدمت الي هذه المنطقة بسبب الاضطهاد الذي لحق بها بسبب معتقداتها المذهبية في بلدانها الأصلية ، فعلى سبيل المثال نجد أن الشيعة بمختلف مذاهبهم لهم وجود مقدر في ممالك الطراز الإسلامي سواء كانوا شيعة زيدية او جعفرية أو اباضية ، كذلك للسنة ايضا وجود وبمختلف مذاهبهم كذلك سواء كانوا شافعية أو أحناف أو مالكية (6).
كما أن السكان أيضا كانت لديهم خلفية عرقية مختلفة سواء كانوا عربا أو صوماليون أو من الجالا أو الدناقل الحاميين أو الفرس أو الزنوج وبالتالي كان من الصعب جمع كل ذلك الخليط في كتلة واحدة قوية تتصدي للهيمنة الاثيوبية الحاكمة التي رانت عليهم بسيطرتها الغليظة قرون عديدة.
وكان من نتائج ذلك التنوع الإسلامي المذهبي والعرقي عدم الثقة الذي تكون لدي العديد منهم في الطرف الآخر والتحاسد والتباغض والمنافسة التي ميزت اغلب امارات الطراز الإسلامي ، وكان من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن يكون الحاكم الأثيوبي هو الحكم الذي يفصل بين الفرقاء الاسلاميين المتخاصميين ، مما سهل عليه وضع بذور الفتنة فيما بينهم لاضعافهم علي ضعفهم ، وتشديد الهيمنة عليهم وتعيين من يراه مطيعا حماكما عليهم ، ولعل هذا الأمر فيما بعد أسهم في زيادة رقعة اثيوبيا الحاكمة في القرن التاسع عشر بفضل اعتبارها ان هؤلاء رعاياها الذين ظل اسلافهم يعتبرونهم حكاماً ولائيين وليسوا أصحاب حق أصلي في الحكم فى تلك المناطق بدليل التعينات التي كانوا يصدرونها اسلافهم لفرضهم كحكام في مناطقهم ،وهى حجة كما نرى رصينة من جانب حكام اثيوبيا ولا تخلو من وجاهة ومنطق سليم ، والغريب أنه كان لايعُترف بحكام الامارات الاسلامية من قبل أهاليهم كحكام في اماراتهم مالم يعترف بهم الحاكم الاثيوبي الذي يكون في كثير من الأحيان أشد ضعفا ! ولكن المنافسة بين الفرقاء والتحاسد يلعب دورا في تفرق الكلمة(7) .
ومن جهة اخري نجد ان هذه الصراعات التي كانت بين المسلمين قطع شك لايمكن أن تقتصر عليهم فقط لأن ذلك لايتفق مع طبيعة النفس البشرية لأن التنافس والتحاسد يشمل تقريبا كل الجنس البشري ، لذلك كانت أيضا هناك منافسة مستشرية بين الاثيوبيون انفسهم بقومياتهم المتعددة وخلفياتهم البيئة كذلك ، إلا ان الاثيوبيون اصحاب السلطة استطاعوا ان يحسموا كثيراً من اسباب التنافس فيما بينهم بصورة كاملة سواء كان بتخصيص منفى نأئي داخل الهضبة الاثيوبية عليه حراس اشداء لوضع ابناءهم واخوانهم فيه كيلا لاينافسوهم أو فقع اعينهم لو تطلب الامر كى ألا يعودوا صالحين للحكم (8) .
كما أن طبيعة الهضبة الاثيوبية جعلت من قوميتى الأمهرا والتجراي ( بنفس هذا الترتيب ) هم من يتولوا زمام الحكم فيما بينهم وذلك لخصوبة اراضيهم وكثرة اعدادهم ، وربما لعبت تجارة الرقيق دوراً مؤثراً في ابقاء السلطة بيد الامهرا والتجراي بصورة غير مباشرة من خلال تفريق شمل المنافسين من القوميات الاخرى وتشتيتهم بالاتجار بهم تارة وابعادهم نحو الأطراف تارة اخرى حتي صاروا الكتلة الأكبر التي من الصعب التغلب عليها من قبل اى عرقية اخرى محلية منافسة، اضف الي ذلك أن الاقباط المصريين لعبوا دوراً فعالاً فى توحيد الجبهة الداخلية وعدم السماح للخلافات ان تطفوا الي السطح ، وكانت كلمة الكنيسة هي الحكم الفصل بين الحكام والأسر المتعاقبة الجالسة فوق العرش(9).
ونتيجة لهذه الهيمنة الكنسية علي الأمور في اثيوبيا وخضوع الناس لها فقد خصص الحكام الاثيوبيون المتعاقبون ثلث الاراضي القابلة للزراعة لصالح الكنيسة بالاضافة الي الاموال والهدايا الاخري واعفاء رجالها من العمل في جيش الامبراطور(10) .
وكان من نتيجة ذلك أن ازدادات ثروة الكنيسة الاثيوبية واصبحت أغني جهة داخل الدولة وربما اغني من الامبراطور نفسه مما مكنها من جذب أفضل العقول الموجودة في المنطقة وترسيمهم ككهنة ورهبان للمحافظة علي تقوية الدين المسيحي وزيادة رقعته ، كما أن هذه الأموال الطائلة مكنتهم من بناء كنائس حجرية ضخمة بمساعدة خارجية لتكون معالم حضارية بارزة تطفي الرهبة والوقار في نفوس الجماهير الاثيوبية وتشجع علي تمسكهم بكنيستهم المحلية التى انجزت مثل هذا الصرح المعماري والحضارى (11).
اضف إلي ذلك أن الكنيسة القبطية كانت تسمح للرهبان ورجال الدين ان يتزوجوا علي عكس الكنائس الأخري التي كانت تحرم ذلك ، وبالتالي نشأت نتيجة لذلك أجيال جديدة تمتد أصولها عميقا في تاريخ الكنيسة ومشبعة برسالتها وبدورها وتقاليدها ، ومهيئة تلقائيا للدفاع عنها وفتح آفاق جديدة امامها بحكم نشأتها ورعايتها الكنسية ، لذلك كان من الطبيعي أن يكون ذلك الاخلاص من أجيال نشأت اول ما نشأت في الأديرة وبجوار الكنائس تنهل من علمها وتسير علي نهجها .
وفي المقابل كانت أمارات الطراز الإسلامي فقيرة وموزعة علي سهوب واسعة وجافة لم تستطيع ان تكّون مدينة واحدة او رباط يعتز به لنشر الدعوة كما مثل الأزهر او الزيتونة أو القرويين أو تمبكتو أو غيرها من المدن التي تاسست أصلا حول مدينة إسلامية ثم توسعت لتشمل كل المنطقة لتضرب للإسلام جذورا عميقة في التربة المحلية(12).
وهذا لم يحدث حول الهضبة الاثيوبية لأن المسلمين كانوا من مذاهب متنافسة مختلفة كما رأينا علي قلتهم وفقر أراضيهم ، بالإضافة إلي الحروب التي شنتها اثيوبيا بصورة متواصلة علي المنطقة علي مدي عشرات القرون ، مما لم يمكّن ايجاد استقرار سياسي واقتصادي يسمح بنشر الدعوة فى حقب متواصلة وممتدة ومستقرة.
وعدم الاستقرار هذا أثر علي المسلمين اكثر مما أثر علي الاثيوبيين بالرغم من أن الحروب كانت متبادلة لأن الجيوش الاثيوبية كان من السهل عليها التوغل داخل الاراضي الإسلامية والوصول إلي عواصمها سواء كانت هرر اوبالي اوعدل او غيرها وتدميرها علي ساكنيها ، بينما كان من الصعوبة بمكان التوغل داخل الهضبة الاثيوبية لوعورتها وسهولة الدفاع عنها الا لمرة واحدة فى تاريخ اثيوبيا أبان المجاهد إبراهيم الجران .
ومن العوامل الأخري التي ابقت الانتصار المسيحي في اثيوبيا مستمرا ان السلالات العرقية المكونة لأمارات الطراز الإسلامي ظلت كما هي غير مختلطة (محتفظة بنقائها العرقي) ، فالعرب ظلوا عرباً علي الدوام بالرغم من مئات السنين التي تفصل مابين رحيلهم من جزيرة العرب الي الهضبة الاثيوبية ، بمعني انهم لم يتحولوا كي يصبحوا جزءاً من النسيج السكاني الداخلي وظلوا في أغلب الأحوال جزئا خارجيا حاكما لمناطق إفريقية وليس جزءا طبيعيا من صميم المنطقة ، وهذا الأمر يبدو كأوضح مايكون عند العرب الذين حكموا ساحل افريقية الشرقي انطلاقا من زنجبار وبمبا ومالييندي وسوفالا وكلوا وغيرها ، حيث ظلوا جزءاً من جالية اجنبية برغم من قدم بقاءهم في هذه الانحاء ، وهذا الشيء ينطبق علي الفرس الايرانيين والهنود وغيرهم من ألاجناس حيث احتفظت كل جالية بنقاءها العرقي(13).
كذلك لعب الاقباط دوراً مؤثراً في ابقاء الهيمنة المسيحية علي اثيوبيا بخلاف دورهم الديني الذي رأينا ملمحا منه في نشر الدعوة وحسم الخلافات بين الاسرات الحاكمة وشرح اصول الدين والكتب المقدسة ، ويتمثل دورهم هذا في أنهم ومن خلال خبرتهم المالية العريقة التي أسهمت حتي في تقوية الدولة الإسلامية في أول عهدها من خلال إمساكهم لدفاتر الحسابات والواردات والمنصرفات وايرادات الدولة وضرائبها أسهموا في اثيوبيا كذلك في تنظيم ايرادات الدولة كأفضل مايكون ، حيث لم يكن كبير الكهنة وحدة فقط من مصر وإنما شمل هذا الامر الاقباط من مختلف المهن افواجاً افواجاً على وعورة الطريق خصوصا ابان اضطهادهم في عصر الدولة الفاطمية ، حيث أسهموا بالتجارة والصناعة والمحاسبة والتطبيب ، وغيرها من ضروب الحياة التي لايمكن لدولة أن تعيش بدونها وتتقدم (14).
وهذا التطور المالي والاقتصادى الذى كان يعيش فيه حكام اثيوبيا كان مفتقرا في كثير من الأوقات عند ممالك الطراز الإسلامي ويرجع ذلك الامر لقلة خبرة العرب انفسهم حيث استعانت الدولة الإسلامية حتي في بداية عهدها بآخرين لتنظيم حساباتها ومن ضمنهم الاقباط كما رأينا وصعوبة الانسجام المذهبي لكثير من الوافدين المسلمين في تلك المناطق من الذين يحملون الخبرة الكافية في تسيير ميزانية الدولة .
اضف إلي ذلك أن التعسف مع الماليين المسلمين كان وارداً بشدة من قبل الحاكم المسلم أو أحد رجالات الدولة من الأمراء والوزراء وهذا الامر يكاد ينعدم في الحالة الإثيوبية لأن الماليين الاقباط لم يكونوا يستمدون سلطتهم من قدرتهم المالية وحسب بل من هيمنتهم الدينية التي يوفرها الكاهن الأكبر الذي يستطيع حتي التصدي للامبراطور لو تطلب الامر.
ومن الامور الأخري جعلت من استتباب الأمر للمسيحية ممكناً في الهضبة الإثيوبية هو أن اتباع محاكم التفتيش من خلال اجبار المسلمين وخصوصا الذين اعتنقوا الدين الإسلامي حديثا والاسري علي التنصير!" وهي نفس الطريقة التي أفلحت في إخلاء الأندلس من المسلمين" وقد عين الامبراطور الاثيوبي كاهن مختص بهذا الامر سمي أكابى ساعات (15) وعين له هيئة قوية تسانده من الرجال والمال تحت طاعته المباشرة ، وبمرور الوقت وزيادة نفوذ الأكابي ساعات أصبح من أهم رجال الدين في الهضبة الاثيوبية كلها ويأتي ترتيبه البرتكولي بعد الامبراطور مباشرة ، وفي لحظات ضعف احد الأباطرة يكون أكابي ساعات الشخصية الدينية والسياسية الأولي في الهضبة الإثيوبية .
والذي سهل طاعة رجال الدين المسيحيين في اثيوبيا اكثر من نظرائهم المسلمين هو أن علاقة المسيحي بربه لابد وأن تتم من خلال وسيط هو الكاهن أو القسيس بينما علاقة المسلم بربه مباشرة ولا تحتاج لوساطة من أحد ، ويستطيع أن يؤدي كل طقوسه العبادية لوحده في أي مكان شاء ، علي عكس المسيحي وبالتالي صار تدخل رجال الدين السياسي في الهضبة الاثيوبية واضحاً واشد نفوذاً وتاثيرا .
ومن جهة أخري نجد أن اثيوبيا كانت حريصة علي تمتين الاتصالات مع العالم المسيحي للخروج من الدائرة الإسلامية التي تحيط بها من كل جانب وكثيراً ماخاضت معها الصراعات المسلحة والهجمات المتبادلة وهذا شيء طبيعي أن تبحث – أي دولة عن حلفاء محتملين بغض النظر عن الدين أو الثقافة السائدة ، وكذلك فعل المسلمين من خلال الاستعانة بجيراهم المسلمين في اليمن ومصر وغيرهما لمناصرتهم ابان تغلب الاباطرة الاثيوبيين عليهم وميل الكفة لصالحهم .
وقد وفر هذا الاتصال الخارجي مع العالم المسيحي فوائد جمة للاثيوبيين مكنتهم من التصدي للمسلمين والاحتفاظ بكينونتهم الثقافية والدينية لحقب طويلة وربما لولا هذا الإتصال بالعالم الخارجي لما تمكنت اثيوبيا من البقاء لوحدها في ظل ذلك البحر من المسلمين الذي يحيط بها .
وكانت أول قناة إتصال مع العالم الخارجي تمثلت بالاقباط كما راينا منذ ماقبل ظهور الإسلام وكانوا السبب المباشر فى اعتناق الديانة المسيحية والتمسك بها جيلاً بعد جيل، وكذلك فى ظل وجود بعثة اثيوبية دينية فى بيت المقدس وجدت قناه اخرى حيث وفرت فرصة مواتية للاتصال بأوروبا وطلب مساعدتها سواء كانوا في القسطنطينية أو روما فيما بعد ، بالرغم من اختلاف المذاهب الدينية بين الاقباط الارثوذكس والرومان الكاثيوليك (16) .
وقد نشا نتيجة لهذا التحالف والرسائل المتبادل قيام تحالف حقيقي ووثيق وجلب معه رسل قدمت الي اثيوبيا واستقرت فيها واسهمت بشدة في نقل كثير من الأفكار الأوربية الحديثة الي اثيوبيا وبناء عدد من الكنائس الضخمة علي الطراز القوطي الاوروبي، بالاضافة الي ان الجيش الاثيوبي نال حظه في التطور والتسلح علي يد الأوربيين خصوصا فى العهود المتاخرة نسبياً(اى بعد وصول البرتغاليين)(17).
كل تلك الاتصالات أسهمت في تعّرف اثيوبيا علي العالم الخارجي وأطلعتهم على أهم الأفكار والمخترعات السائدة في العصر علي عكس جيرانهم المسلمين الغارقون في اختلافاتهم المذهبية والعرقية مابين الشيعة الاباضية والزيدية والسنة وبقية المذاهب الاخري ، مما مكّن بالفعل اثيوبيا الحاكمة من التقدم كثيرا على جيرانها المباشرين .
بيد أن معرفة اثيوبيا بأوروبا او معرفة اوروبا باثيوبيا لم تكن متساوية حيث كانت المعرفة والاتصال أول امرها متينة مع اوربا الارثوذكسية وكبير كهنتها في القسطنطينية (بحكم الاشتراك فى المذهب الارثوذكسى)، اما بقية اوروبا فلم تكن بنفس هذا الوضوح والمعرفة حتي سقطت القسطنطينية علي يد العثمانيين في 1442م مما أحال فعليا الاهتمام الاثيوبي بالعالم المسيحي الأخر المخالف في المذهب الدينى(18).
وفي اثناء ذلك نشأت اسطورة مؤثرة في اوربا الغربية وشبه جزيرة ايبريا بفضل كتابات بعض الرحالة غير الموثوق فيهم بوجود ملك مسيحي عظيم يدعي يوحنا يقبع خلف بلاد المسلمين (البرابرة بحسب تعبيرهم) ، وقد صورته الاساطيرعلى انه ملك قوي آلحق الهزائم بالمسلمين ، وقد استمرت هذه الأسطورة تتفاعل ابان العصور الوسطي في اوربا لاكثر من ثلاثة قرون واصبحت جزءاً لايتجزأ من مكونات الشخصيةالاروبية المتدينة في اجزاء كبيرة من القارة(19) .
لذلك عندما وصل البرتغاليين الي المحيط الهندي لاول مرة في 1498م كان من أهم اهدافهم البحث عن الملك المسيحي والتحالف معه ضد المسلمين .
لذلك دخلت البرتغال بكل ثقلها لمساندة ملوك الحبشة خصوصا في عهد المجاهد أحمد ابراهيم الجران بفضل تغلغل اسطورة الملك المسيحي يوحنا في الوجدان البرتغالي والاندفاع الكبير لعقد تحالف معه في ظل محيط اسلامى معادي .
والحقيقة اختلف المؤرخون فيمن استعان بالآخر لتحقيق النصر ؟ هل هم المسلمون الذين استعانوا بالاتراك لنصرتهم و خصوصا في عهد احمد ابراهيم الجران ام الاثيوبيون هم الذين استعانوا بالبرتغالييين عندما توغل المسلمين لأول مرة داخل الهضبة الاثيوبية وهددوا بزوال السلطة المسيحية في اثيوبيا .
بيد أنه ومن المؤكد ان المسلمين ما كانوا ليحققوا هذا النصر لأول مرة لولا الدعم التركي لهم ومساندتهم مساندة قوية بالسلاح بحيث اصبحت اثيوبيا لأول مرة دار حرب عند كثير من المسلمين ربما منذ الهجرة الأول لصحابة الرسول الكريم لافريقيا .
ومن ناحية أخري تذكر بعض الدراسات (20) أن الأوربيون وعلي رأسهم البابا اتفقوا فيما بينهم علي أن يشغلوا الاتراك بجبهة اخري غير الجبهة الأوروبية بعد ان توغلوا كثيرا داخل أوروبا ووصلوا الي حدود فينا الحالية ، وهددوا باجتياح أوروبا كلها لو استمروا بنفس التقدم .
وكانت المنطقة الوحيدة التى يمكن ان تلفت نظر العثمانيين عن أوروبا مكة المكرمة لأنها مهد الإسلام وفي تهديدها تهديد لشيء نفيس وغالى يعتز به كل المسلمون ويحجون إليه كل عام ، لذلك سارع البرتغاليين الي الوصول الي البحر الأحمر بعنف وجلبة كبيرة ، ثم مالبثوا وان تحالفوا مع الاثيوبيين لتهديد الحجاز مما جعل العثمانيين يوقفون زحفهم باتجاه وسط اوربا والالتفاف الي الوراء بجيش كبير قضي علي الصفويين في ايران والمماليك في مصر وسيطر على الجزيرة العربية ، لذلك كانت مسألة دعم مسلمي اثيوبيا امراً لا مفر منه فى حالة ضمان عدم تكرار تهديد الحجاز من قبل المسيحيين ، وفي هذا السياق كانت انتصارات إبراهيم الجران كبيرة وغير مسبوقة .
اضف إلي ذلك أنه وبنفس الحماس الذي دفع العثمانيين الى تجميد حروبهم في أوروبا كان الحماس البرتغالي لمناصرة ملك اثيوبيا المسيحي ، وبالفعل فقد وقعت مواجهة شرسة بين الطرفين و ما كان لها ان تتم لولا العامل الخارجي الذي نصر كلا الطرفين(فى الهضبة الاثيوبية) ، وكان في صالح اثيوبيا في آخر المطاف بعد تغلبها علي الامام احمد ابراهيم الجران .
ومن خلال كل ذلك السرد يمكن القول أن اثيوبيا إستفادت كثيرا من العالم الخارجي وثبتت سلطتها باكثر مما استفاد المسلمين المتحلقين حول الهضبة الاثيوبية ، وكان هذا الأمر من أكبر عوامل بقاء اثيوبيا مسيحية فى بحر من المسلمين.
والجدير بالذكر هنا أن المساندة البرتغالية لم تكن مساندة محدودة وقصيرة المدة ولكنها مساندة مستمرة وفعالة استمرت منذ العالم 1531 وحتي العام1622م اي حوالي تسعين عاما متواصلة علي بعد البرتغال من إثيوبيا ، وهذا الامر يبرهن علي مدي حماس البرتغاليين فى نصرة القضية الاثيوبية(21) .
كما وانه وبعد ضعف البرتغال لم تتخلي أوروبا عن نصرة الاثيوبيين في وجه المسلمين المحيطين بهم من كل ناحية وكأن هذا أصبح من ثوابت السياسة الأوربية ، فبعد البرتغال تصدت بريطانيا لمهمة حماية اثيوبيا ثم فرنسا ثم روسيا وكانت الدوافع في كلها الحالات دينية خالصة .
وتاكيداً للمناصرة الاروبية المستمرة حتى فى عهود نسبياً نجد أنه وحتى فى عهد خلفاء محمد علي باشا الذين مروا علي حكم مصر أجبرت بريطانيا فعليا الأتراك المصريين علي عدم التوغل في الهضبة الاثيوبية والاكتفاء بالمواني الخارجية التي كانت علي الدوام في ايدي المسلمين . وحتي عندما اصر خلفاء محمد علي علي التوغل في الهضبة الاثيوبية حرصت بريطانيا علي التأكد من ان قيادة الجيوش المصرية تحت يد انصارها سواء كانوا أرمن أو أوروبيين في عهد كثرت فيه الاستعانة بالاوربيين أمثال غردون وجسي ولورنس العرب للحكم وقيادة الجيوش !!، وهذا اسلوب بريطاني معروف في ادارة الصراع علي عكس الاسلوب البرتغالي الذي تميز بالمصادمة والعنف وعدم استعمال الحيلة في التمكين لسياستها، بالاضافة الى الحدة الدينية التي تجعل من الصعب للطرف الاخر الخضوع لهذا الامر الا عن طريق القوة المفرطة ، وهذا امر قد لايكون متوفراً علي الدوام ، اما بريطانيا فقد استطاعت ادارة تسعة أعشار الكرة الارضية بأسلوب إستعماري جديد يبعد الدين ولو ظاهريا ويعتمد الدبلوماسية وإن كان لايتخلي عن القوة والدين في كل الاوقات (22) .
لذلك نجد أن اثيوبيا وفي ظل الهيمنة البريطانية على العالم ايضا نالت حظها من الحماية والتوسع الكبير في كل انحاء الهضبة الاثيوبية والاراضي المجاورة لها لاول مرة، وبذلك تكون القضية الاثيوبية قضية مسيحية أوروبية خالصة على مر الحقب والعصور .
ومن المؤشرات الأخري الدالة علي حرص اوربا علي ابقاء اثيوبيا كما هي وعدم تعريضها لهزات سياسية عنيفة في الماضي والحاضر هو أن بريطانيا بعد قضائها علي الامبراطور تيودور الذي احتجز ممثليها في العام 1864م ورفض اطلاق سراحهم واحتجاز المفاوضين الذين جاءوا لإطلاق سراحه أيضا داخل اثيوبيا !! لم يكن منها الا ان ارسلت حملة عسكرية من الهند للهضبة الاثيوبية وهي غير راغبة في ذلك لولا إحتجاز ممثليها وضغط الراي العام البريطاني بضرورة اطلاق سراحهم بدليل انسحابها بمجرد اكتمال مهمتها وهي التي كان بامكانها ان تضم اثيوبيا لامبراطوريتها التي لا تغرب عنها الشمس باقل من ذلك المجهود الذي تطلب تحرير الرهائن والانسحاب مرة اخري، بالاضافة الي الحرص علي تنصيب حاكم جديد من نفس الاسرة وتقديم سلاح الحملة له لتثبيت حكمه وقهر اعدائه في اشارة قوية في احتضان البريطانيين للاثيوبيين والدفاع عن استقلالهم وهم الذين ماتركوا ارضا في المعمورة الا وتقاسموها معا ماعدا اثيوبيا !!، لذلك ظلت الدولة الوحيدة التي حافظت علي استقلالها في وجه الأوربيين ماعدا اربع سنوات كسر فيها النظام الفاسي الايطالي هذه القاعدة(23) .
أما التجربة الايطالية والحرب التي دارت بينها وبين امبراطور الحبشة منليك فقد كانت مثلها فى ذلك مثل البرتغاليين والبريطانيين جاءت اصلاً لمساندة الاثيوبيين من خلال الاتفاق الذي ابرم بين منليك وايطاليا (24) للسماح للايطاليين بالسيطرة علي موانيء البحر الأحمر وكسلا وجزءاً من الهضبة الاثيوبية مقابل دعم الاثيوبيين بالسلاح للتوسع في الناحية الجنوبية والغربية والشرقية من الهضبة الاثيوبية " أي في مناطق نفوذ أمارات الطرازالإسلامي" ، وبالتالي كان التحرك الايطالي في أول أمره يأتي في اطار الفهم العام بضرورة الانحياز الأوروبى المسيحي لصالح اثيوبيا خصوصا وان المناطق التي سوف تحثلها ايطاليا لم تكن يوما في يد الاثيوبيين .
الا أن التنافس الاستعماري بين الأوروبيين والطمع الايطالي في توسيع رقعة مستعمراتها الخارجية جعل الصدام امراً لا مفر منه بين الطرفين، لذلك اخذت اوربا كلها ممثلة في بريطانيا وفرنسا وروسيا ومن خلال تفعيل تراثها القديم لنصر بلاد القديس يوحنا الذى ضرب عميقاً فى الوجدان الدينى الأوروبى بضرورة مساندة اثيوبيا حتي لو كان الطرف الآخر اوروبي مسيحي مما الحق هزيمة كبيرة بالايطاليين في عدوة(25)!.
ولعل تواصل النزاع الايطالي الاثيوبي فيما بعد وإحتلال ايطاليا لكامل الهضبة الاثيوبية لفترة محدودة 1936- 1941جعل من النظام الفاشي من اكثر الانظمة كرها في القارة الاوربية بحيث وضع جنباً الي جنب مع النازيين وغيرهم من انظمة الحكم الديكتاورية، ولعل هذا الأمر يعود جزئيا الي خسارتها الحرب في آخر المطاف و التاريخ يكتبه المنتصرفى اخر الامر، بالاضافة الي تحطيم التابو الاثيوبي لأول مرة ومحاولة اخضاعه للاستعمار ضد رغبة اوربا جميعها والتي طالما رأت في اثيوبيا الشقيق الحقيقي الذي يقبع خلف اراضي المسلمين والذي يمكن ان يتم التحالف معه فى ظل محيط معادى .
ويمكن ملاحظة انحياز أوروبا المطلق عموما لصالح اثيوبيا كاوضح مايكون ابان تفجر الحرب الاثيوبية الصومالية في عام 1977م وكان كليهما يتبع المذهب الاشتراكي الا ان الولايات المتحدة (بحكم تمثلها للتراث الاروبى) ظلت علي الدوام تنظر الي اثيوبيا بعين العطف وتري ان الاشتراكيين ربما يكونوا عارضين علي الحكم في اثيوبيا ليبقي جوهرها المسيحي الذي ظل يلهم اجيال أوروبية عديدة في العصور الوسطي وبالتالي ظل جزءاً مؤثراً من التاريخ الأوروبي القديم الذي سوف ينتقل بدوره مع المهاجرين الي العالم الجديد(26) .
والدليل الاخير لانحياز اوربا والولايات المتحدة لصالح توجهات الحكم في اثيوبيا هو أن الاوربيين والامريكيين كانوا مترددين علي الدوان في انهاء نظام سلطة منقستو هايلاماريام الديكتاورية الاشتراكية في اثيوبيا1990 خوفا من الفوضي في اثيوبيا ووصول جهات غير مرغوب فيها للسلطة ، لذلك كانت الترتيبات معقدة وشاقة لحين معرفة من يحكم اثيوبيا واريتريا بعد رحيل نظام الدرك (27).
الهوامش والمصادر :
1-طه حسين ، علي هامش السيرة ، ط 24 ، الجزء الأول ، دار المعارف ، مصر 1974م ، ص 95م.
2- ريتشارد هول ، امبراطوريات الرياح الموسمية ، ترجمة كامل يوسف حسين ، ط أولي ، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، أبوظبي 1999م ، ص 299.
3-رجب محمد عبدالحليم ، العلاقات بين مسلمي الزيلع ونصاري الحبشة في العصور الوسطي، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985م ، ص 34.
4-المرجع السابق ، ص 218
5- د. عمرو عبدالسميع ، الاقباط والرقم الصعب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2001م ص 167.
6-رجب محمد عبدالحليم ، العلاقات بين مسملي الزيلع ونصاري الحبشة في العصور الوسطي ، مرجع سابق ص 221 .
7-المرجع السابق ، ص 219
8-زاهر رياض ، تاريخ اثيوبيا ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة 1966، ص 74
9-المرجع السابق ، ص 67.
10-المرجع السابق ، ص 67.
11-المرجع السابق ، ص 67.
12-رجب محمد عبدالحليم ، العلاقات بين مسلمي الزيلع ونصاري الحبشة في العصور الوسطي، مرجع سابق ، ص 221.
13-زاهر رياض ، تاريخ اثيوبيا ، مرجع سابق ، ص 69.
14-المرجع السابق ، ص 79.
15-المرجع السابق ، ص 81.
16-ريتشارد هول ، امبراطوريات الرياح الموسمية ، مرجع سابق ، ص 195.
17- المرجع السابق ، ص 299.
18-المرجع السابق ، ص 195.
19-ريتشارد هول ، امبراطوريات الرياح الموسمية ، مرجع سابق ، ص 194.
20-المرجع السابق ، ص 238.
21-زاهر رياض ، تاريخ اثيوبيا ، مرجع سابق ، ص 99.
22-د. جعفر محمد علي بخيت ، الإدارة البريطانية ، والحركة الوطنية في السودان 1919- 1939م. ترجمة هنري رياض ، المطبوعات العربية للتأليف والترجمة ، الخرطوم 1987م ، ص 5.
23-زاهر رياض ، تاريخ إثيوبيا ، مرجع سابق ، ص 123.
24-المرجع السابق ، ص 123.
25-ريتشارد هول ، امبراطوريات الرياح الموسمية ، مرجع سابق ، ص 194.
26- قائد محمد العنسي ، الصراعات السياسية والعسكرية في القرن الإفريقي وأثرها علي اليمن ، مكتبة الشريف الأكاديمية ، ط أولي 2000م ، الخرطوم ، ص 65.
27-المرجع السابق ، ص 20.
Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]