مشروع الجزيرة في طريق العودة لسيرته الاصل

 


 

 


Siddiq01@sudaneseeconomist.com
(4) من (4)
الإستقالات لوحدها ... لا تكفي!!!.

إنه، وفي سعينا الدائب في معالجة قضايا مشروع الجزيرة والعرض لها بهذا الشكل الدائم والمتسع، نحاول ان نوصل للقارئ، إن كان في داخل السودان او خارجه، حقيقة واحدة اساسية، ترتبط بها جملة المسائل الاخرى في شأن هذا المشروع.
إن تلك الحقيقة التي نرمي إليها هى أن مشروع الجزيرة لا يمثل مشروعاً زراعياً فقط، وكما يبدو، وإن كان ذلك صحيحاً أيضاً، وإنما هو وفي حقيقة الامر يمثل ظاهرة كونية، وإنجاز بشري يضاف لجملة الانجازات الانسانية بكل ما يعنيه مفهوم "الانجاز البشري" من معنى. وفي الوقوف على ذلك وللتأكد منه، يمكن للقراء والمهتمين أن يراجعوا الكم الهائل من الأدب الذي كتبه المتخصصون، والاكاديميون، والسياسيون، والعلماء والناشطون، وعلى مستوى العالم، حول هذا المشروع خلال قرن من الزمان، اي منذ ان بدأ التفكير في إنشاء هذا المشروع في عام 1911م.
وهنا لابد من ذكر حقيقة في غاية الاهمية، وهي ان اقلّ الناس تناولاً ودراسةّ وكتابةً حول مشروع الجزيرة هم الاسلاميون السودانيون، ولذلك كانوا هم الافقر معرفة به والاقل إلماماً بجوهره وبعمق دوره، وبسبب ذلك الفقر المعرفي الذي إحتوش عقولهم، كان ضررهم بليغاً بالمشروع وبأهل المشروع وبالسودان عامةً، خاصةً بعد ان اقاموا دولتهم الدكتاتورية الدينية، وبقوة السلاح.
فمشروع الجزيرة لا يمثل ظاهرة كونية لانه اكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة، وإنما لأنه وبالإضافة لذلك وكقطاع إنتاجي موّحد، يرتبط بعملياته الانتاجية وبشكل عضوي ومباشر ما يقارب الثلاثة مليون فرد من جملة الستة ملايين من سكان منطقة الجزيرة، والذين هم في مجملهم، اي كل سكان الجزيرة، مرتبطون بشكل غير مباشر بتلك العمليات الانتاجية. ولكن ومن جانب آخر أكثر دقةً فإن كل سكان الجزيرة يعتمدون في حياتهم على المشروع. وهنا، بالطبع، اردنا الاشارة لضرورة التمييز بين الارتباط الفعلي بعمليات الانتاج وبين التوطن او الاستقرار والعيش في منطقة الجزيرة، والذي يشمل كل المواطنيين بما فيهم الأطفال والعجزة ومن يعملون في مهن أخري في مجال خدمات التعليم والصحة والتجارة والمؤسسات القانونية وغيرها من المجالات الخدمية الاخري التي لا علاقة مباشرة لها بالعمليات الانتاجية في المشروع. 
إنه وعلى ضوء هذا المفهوم، والذي يتخطى النظرة المبتسرة إلى المشروع بإعتباره كأيٍ من المشاريع الزراعية الاخرى، نرى ان يتم التعامل مع ما جرى في مشروع الجزيرة خلال العقدين الماضيين. إن الخطوة الأولى هي تحديد الجهات المسئولة، وعلى رأسها يأتي أعضاء مجلس إدارة مشروع الجزيرة وأعضاء إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل الذين يجب تقديمهم للمساءلة القانونية، وليست الادارية، ورصد كل ممتلكاتهم والمطالبة بإخضاعها للمراجعة القانونية العادلة، لأن اعضاء هتين المؤسستين، بالنسبة لاهل الجزيرة، إشتركوا وتواطأوا بل واحجموا عن أداء واحدة من مهامهم الاساسية المتمثلة في حماية وصون ممتلكات المزارعين واصول المشروع، والتي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات. ذهبت كل تلك الممتلكات والأصول إن كان عن طريق البيع او النهب والسلب الذي شجع عليه موقف كل من مجلس الادارة وإتحاد المزارعين.
إن مشروع الجزيرة، الآن، في حالة من الإنهيار التام، حيث أنه توقف عملياً عن أداء دوره كمشروع تنموي، وكفّ كذلك عن المساهمة الفعليه في دعم الاقتصاد الوطني.
أما  الجهة الثانية، والتي يجب ان تحظى بالإهتمام والرصد، فهي الشركات الخاصة التابعة لنافذي النظام واقربائهم واعوانهم، وعلى رأس تلك الشركات تجئ شركة الهدف، هذه الشركة ذات المهام المزدوجة، الامنية منها اولاً والاقتصادية.  اوكل النظام الحاكم لهذه الشركة مهام لا تنطبق في سبيل آدائها ولا ترقى إليه مؤهلات العاملين بها والقائمين على امرها، إذ انهم وفي احسن الاحوال يمكنهم القيام بجمع العوائد والمكوس. ولقد ثبت في التجربة العملية انهم وحتى في ذلك المجال، وبما اذاقوه للمزارعين من بطشٍ وإحتقار، كانوا اسوأ من الباشبذوق والمستعمرين الأتراك الذين ساموا شعب السودان الهوان!!!. ومن ضمن منْ تتبع لهم هذه الشركة الطفيلية نائب رئيس النظام علي عثمان محمد طه.

وثاني تلك الشركات، تأتي شركة "روينا" والتي اصبح لها دورٌ لا ينافس في إدارة عملية الري في مشروع الجزيرة، تلك العملية التي تمثل الركيزة الاساسية والعصب الحي للمشروع، ومن اعمدة هذه الشركة الشريف بدر رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة ورجل النظام النافذ الاول في عموم المنطقة.

وأما الثالثة، فهي الشركة التابعة للاسرة الحاكمة، اي "شركة علي وياسر" وهما ابناء عم الرئيس عمر البشير، وهي معروفة بـ "شركة صراصر للخدمات". فقد استولت هذه الشركة على عقارات كبيرة واراضي واسعة تابعة لمشروع الجزيرة، وبدون وجه حق البتة.

فكل هذه الشركات وغيرها، لابد من رصد ممتلكاتها  ومعرفة الثابت والمنقول منها وكذلك معرفة اصحاب الاسهم فيها، وتقديمها للمساءلة القانونية والمطالبة بالحجز على ممتلكاتها. فهي شركات مشبوهة وتابعة لجهات لها مصلحة حقيقية في تصفية مشروع الجزيرة، حيث ان تلك الجهات صاغت الاطار القانوني لتصفية المشروع، والمتمثل في قانون سنة 2005م الذميم وسيئ الصيت. وفي أنجاز ذلك، كلنا نعلم، بانها إستعانت بمؤسسات راس المال العالمي التي كانت تترصد بالمشروع ولعقودٍ طويلة.

إن الامر يجب ألا يتوقف عند مجلس إدارة المشروع وإتحاد المزارعين وشركات الراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) وحسب، وإنما من الضروري بمكان ان يشمل الافراد وقادة تنظيمات العمل من أمثال تاج السر عبدون رئيس نقابة العمال في مشروع الجزيرة سابقاً، والرئيس الحالي لاتحاد المعاشيين، الذي شارك في تصفية المشروع  بأن قَبِلَ إستلام ومن ثمَّ تملك ممتلكات تخص المزارعين والمشروع، بل انه شارك في مذبحة تشريد العمال الذين كان من المفترض ان يحميهم، وإلى جانبه في فعل ذلك كمال النقر رئيس نقابة العمال الحالي. إن اعوان النظام من أمثال هؤلاء يجب الاتيان بهم لساحة القضاء ايضاً.

بدأتْ الآن بوادر التحايل وذرُّ الرماد في العيون، إذ قام الشريف بدر، رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، بتقديم إستقالته!!!. غير ان ذلك سوف لن يهيأ له النجاة من الملاحقة والعقاب. فعلى نظام الإنقاذ ان يفعل ما يشاء بخصوص رجاله واعوانه، إن كان من الناحية الادارية أو السياسية، حتى ولو قام بتصفيتهم فإن ذلك لن يكن سوى امر يخص نظام الانقاذ وحزب المؤتمر الوطني، وسوف لن يكن بديلاً، بأي حال من الأحوال، لحكم القانون وردِّ ممتلكات المزارعين واصول المشروع.       
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) بالتزامن مع جريدتي "الايام" و "الميدان" السودانيتين، في يوم 12 فبراير 2012م.

 

آراء