كيف لا
هل أتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بجديد على القيم الإنسانية عند دعوته الدول الإفريقية تقديم العدالة على السلام . الواقع أن الحكومة باتت لديها حساسية مفرطة من تردد لفظ العدل والعدالة على مسامعها حتى نسيت أن "العدل" هو اسم من أسماء الله تعالى.كما أن السلام هو أحد أسماء الله تعالى :" هو اللّه الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام " ( سورة الحشر ،الآية 23). والذي قال عنه أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه "أمان الله في الأرض"، كما أنّ المفسرين قد أرجعوا كلمة الإسلام إلى أنها تحمل في طياتها معاني السلم والسلام اشتقاقاً ودلالة.
ولأهمية العدل في الإسلام فقد ووردت الكلمة في القرآن الكريم (28) مرة، كما وردت مرادفتها كلمة (القسط) (25) مرة. وجاء قوله تعالى حاثّاً على العدل :"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ..." (سورة النحل،الآية: 90).
وبالرغم من شيوع مصطلح"العدل" ومشتقاته في سماء السياسة السودانية ، الذي تمثل في حركات مسلحة أو أحزاب سياسية أو أدبيات أخرى ، فمثلاً نجد :"العدالة والمساواة" ، "منبر السلام العادل" وغيرها مما يؤكد أنها مجرد أحلام تائقة وشائقة لتحقيق "العدل والسلام " على أرض الواقع ، بينما هناك على الأرض صراع بين هدفي السلام والعدالة دون أن تكون هناك أولوية لأي منهما.
والتاريخ القريب يحكي كيفية دخول كلمة "العدالة" قاموس السياسة السودانية في عهد الإنقاذ من باب السياسة الخلفي. وذلك حينما تبنى ديبلوماسيون وناشطون ومحامون قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير وسموها "دعوة للاقتصاص أمام العدالة". تلك الدعوة التي وجدت صداها العالمي قابلها عجز تام من قبل الحكومة السودانية في الدفاع عن سكان دارفور الذين صدر قرار تحقيق العدالة باسمهم ، هذا بالإضافة إلى قيام الحكومة بطرد المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان.وبمواجهة الأوبئة والجفاف أصبحت الحكومة بشكل آخر مواجهة بفقدان الأرواح نتيجة المعاناة والمرض وقلة الدعم ، وبسبب آخر غير الذي تم تدوينه في مذكرة التوقيف.
هذا دليل دامغ آخر بأن الحكومة هي التي أخذت اصبعها ووضعته في عينيها وعيني شعبها، حين أوردتها القرارات المتعجلة موارد الهلاك. فلو أن الحكومة وقتها لم تتحمل عناء طرد المنظمات الأجنبية ووقفت عوضاً عن ذلك لتلقي نظرة على تاريخ رؤساء سابقين صدرت أوامر التوقيف بحقهم : الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسبفتش، الرئيس اللايبيري شارلز تيلور ، ما هي تهمهما، وما هي الظروف المحيطة بحكمهما والتي عجّلت باسقاطهما ، فلربما أخرجت الظروف قوة أخرى مساندة لمعرفة ما الذي كان يجري بالضبط في دارفور .أما سخرية القدر فهي في مقاومة الحكومة لهذه الاتهامات ثم التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل وحصول جنوب السودان وفقاً لذلك على تقرير المصير في يناير الماضي ، ثم انشطار البلد (نصين) ،ليتراجع بعدها الغرب عن مبدأ التحول الديمقراطي الذي دعمه قبل توقيع الاتفاقية ليقبض الشعب الريح.
هل نقول سلامٌ على "السلام والعدالة" ؟ ماذا لو أن مندوب السودان الدائم للأمم المتحدة لم يعلن رفضه لدعوة بان كي مون ثم دعاه إلى مخاطبة المجرمين الحقيقيين بدلاً من استجداء أفريقيا لدعم المحكمة. ماذا لو دعمت أفريقيا مبدأي العدالة والسلام ؟ أليس هذا ما تطلبه القارة في خضم صراعات زعمائها الأهلية والسياسية على السلطة وسيادة الأقوى. ألم تخرج القارة من استعمار الأجنبي الذي نهب الثروات وأضعف البلاد والعباد إلى استعمار داخلي يدير عجلة الزمان إلى ما قبل نضال أبنائها لنيل الحرية بدمائهم ، لتُرجع شهوة السلطة معظم دول القارة إلى مثلث الجهل والفقر والمرض.
ماذا كان سيضير مندوب السودان الدائم للأمم المتحدة لو اعترف بأن عدالة أخرى غالية قد فرضت نفسها وتحملت المخاطر فكانت نفحات ثورات الربيع العربي التي جعلتها العدالة السماوية أفريقية من تونس ومصر وليبيا .
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]