هل السائل أعلم من المسئول؟!
مهدي إسماعيل مهدي
2 March, 2012
2 March, 2012
(أفكار مبدأية – وليست أولية- حول الحركة الشعبية)
mahdica2001@yahoo.com
- في البدء لا بُد من الإقرار بأن حالة الإحباط العام المقرونة بالحيرة الغاضبة قد بلغت ذُراها، وأن حبل المهلة لم يعُد يربُط ويُفضِل، وفي مثل هذا المناخ فإن السير على الجمر أهون من تسطير المقالات، وليسمح لي الأستاذ/ عُمر العُمر، بأن أقتبس خاتمة مقاله المنشور على الملأ الإسفيري بتاريخ 20/12/2011، بعنوان "الصبر أيضاً حبله قصير" والذي جاء فيه (ربما يكون الإحباط سيد المشهد الراهن، غير أن حركة التاريخ ترفض الجمود، فالتوغل في الطُرق المسدودة يُفضي في النهاية إلى الإصطدام، كما الإنسداد السياسي يؤدي حتماً إلى الإنفجار. هذا منطق لا تُبطل فرضياته التاريخية الهيمنة الأمنية أو التقاعس السياسي. فاتورة الحياة اليومية تزداد كُلفةً، المنزلقون تحت خط الفقر يزدادون تكدُساً، النزعات الجهوية تتصاعد حدةً، الدولة المركزية تزداد ترهُلاً حد القعود عن واجباتها، ألا يُنذر ذلك بالإنسداد المُفضي إلى الإنفجار ؟!. إذا كان الصبر سِمة الشعب السوداني، فللصبر حدود).
- عندما تطاول الإنتظار و "فات الصبُر حد الصبُر، وتُركنا في عز الجمُر- كما يتغنى كمال ترباس"، حملنا إحباطنا وحيرتنا، وسألنا صديقينا القياديين بالحركة الشعبية/شمال؛ د. الواثق كمير ود. محمد يوسف المُصطفى (المُكنى بـ، ود يوسف- أيام الطلب في الجميلة ومُستحيلة) ما الأمر؟، فقد تقاطعت الدروب، وتشابه البقر، وساد لون الرماد!، ولكن جاء ردهما الصاعق "ما المسئول بأعلم من السائل!!" وترفق د. ود يوسف فأرفق مقالاً – أضاف ضغثاً على إبالة- بعنوان (أفكار أولية حول الحركة الشعبية)، فصار لسان الحال "أتيتكما سائلاً فهل أجد نفسي مُجيباً؟!"، فهل يا تُرى المسئول أعلم من السائل؟!" - ويا عبد المعين جيناك تعين لقيناك عاوز تنعان، فقد تعذر علينا يا صديقي (نحن المؤلفة قلوبهم) إستيعاب مقالك عن أفكار أولية حول حركة كُنت ضمن كادرها القيادي لثلاثة عقود مددا!!.
- لقد كانت المسألة واضحة جداً لدى أبالسة المؤتمر الوطني، بعد تغييب الكاريزمي الطاغي/ د. جون قرنق (في حادث طائرة أيضًا، كما الخليل إبراهيم!!) وتنفُس البشير الصعداء بعد أن صار -في وجود قرنق- مُجرد جُثة سياسية تنتظر الإكرام بالإسراع في الدفن.
- لا جدال أن أن النظام الإسلاموي لم يكُن حريصاً في أي يوم من الأيام على وحدة السودان، خاصةً إذا تعارضت هذه الوحدة مع ثابت بقائه في الحُكم (ولا نقول ثابت الشريعة المُفترى عليها)، وعلى الجانب الآخر يممت الحركة الشعبية شطر الإنفصال (وأعفونا من جدل لماذا وكيف!!) منذ أن ووري جثمان قرنق ثرى جوبا المُنتحبة، وتأكد للجميع أن الجنوب ذاهب في حال سبيله، خاصةً بعد إرخاء الحبل على قارب كتابات الطيب مُصطفى المتواترة ضد إتفاقية نيفاشا ودعوته الجلية المُبكرة إلى حظر نشاط الحركة الشعبية وتفتيت الحدادي مدادي (وما أشبه ليالي دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ببارحة الجنوب)، ولعل مقالات الهندي عزالدين تؤكد إن المتأسلمين والموتورين لا يزالون سادرين في غي التفتيت وأوهام النقاء والإستعلاء، ولعل من أبرز مقالات الهندي (وأكثرها صفاقةً)، مقاله بصحيفة "الإهرام اليوم" بعنوان "وتزعمون أنكم لا تركعون لغير الله؟!" -الأربعاء الموافق 29 يونيو 2011. والذي قال فيه بالنص (وجاءوا بـ "نيفاشا الأُخرى".! بل أشد ضلالة وأقبح فكرة..!! فالأساس الذي انبنى عليه إتفاق "نافع/عقار" أمس "الثلاثاء" في أديس أبابا، هو نصوص إتفاقية السلام الشامل وبروتوكولات "قسمة السُلطة" و "الثروة" و "مشاكوس" ووثيقة الحقوق الواردة في صدر الدستور الإنتقالي لعام 2005.! نيفاشا وزيادة، لأننا ما صدقنا أنها "أي إتفاقية نيفاشا" ستذهب إلى مزبلة التاريخ بعد أيام قلائل، في التاسع من يوليو القادم، حتى فاجأنا/ نافع بإتفاق جديد- يعني إتفاق أديس أبابا الإطاري بتاريخ الثُلااثاء 28 يونيو 2011- يعتمد الحركة الشعبية لتحرير السودان حزباً قانونياً مُصرحاً له بالعمل السياسي، بل وبالشراكة في السُلطة والثروة وترتيبات الأمن بالشمال).
- لقد إتضحت النية المُبيتة لوأد التحول الديمقراطي (تاج إتفاقية نيفاشا، وعزها) منذ التمسك بوزارة الطاقة والتلاعب بالإحصاء السُكاني (والذي أثبته إعترافهم بتأجيل الإنتخابات وإعادة التعداد في جنوب كُردفان)، والتلكؤ في تنفيذ المشورة الشعبية لولايتي جنوب كُردفان والنيل الأزرق، وتجميد عملية إنشاء القوات المُشتركة "والتي كان يؤمل أن تكون نواة للجيش السوداني القومي الجديد" وغيرها من المُمارسات التي تعني في جوهرها إفراغ إتفاق السلام من محتواه.
- أعود بعد هذه التقدمة المُضجرة، إلى فُرساننا ودكاترتنا الثلاثة (المنصور خالد والواثق كمير وود يوسف المُصطفى) فأبصم بالعشرة وأقول بملء الفم، نعم هُنالك أخطاء كبيرة (وكبيرة جداً) لقيادة لحركة الشعبية الراهنة، ولا بُد من إنتقادها والصدع بعثراتها بُغية تصويبها، ومن هذه الأخطاء على سبيل المثال؛ التباطؤ في فك الإرتباط التنظيمي بين الشمال والجنوب- وكتبنا في ذلك مقالاً في حينه بعنوان الإنفصال والفطام (حيث دقينا الجرس في سودانايل والراكوبة وأجراس الحُرية بتاريخ 13/04/2010، أي بعد الإنتخابات العامة وقبل إعلان نتائجها؛ وأعدنا نشره لأهميته بتاريخ 08/يوليو/2011- قبل يوم واحد من إجراء إستفتاء تقرير مصير الجنوب)، إضافةً إلى تغييب القواعد "Grass roots"، وسيطرة فكرة تقرير المصير "الإسم المُخفف للإنفصال" والإهتمام بها أكثر من مسألة التحول الديمقراطي، والإذعان للتيار القومي الجنوبي-الإنفصالي، والإنسحاب من الإنتخابات، وعدم عقد إجتماع مجلس التحرير أو مؤتمر عام للحركة الشعبية شمال، ووووووووو،، إلخ.
- ولكن ومع الإقرار بكُل هذه الأخطاء الفادحة، إلا أنه ليس من المُلائم الإختباء خلفها في الوقت الراهن "الذي يتطلب ويستوجب إيلاء الأولوية لقضية المُحافظة على وجود الحركة ذاتها وفي عضُم نفسها" ومن بعد ذلك فلتأت مسألة تصحيح المسار وتصويب الأخطاء والمُساءلة. فالمطلوب الآن وبإلحاح وقبل كُل شئ (يا خليليً وأستاذي) هو الإنضباط التنظيمي والإلتزام الصارم بوحدة الحركة الشعبية، لأن الوحدة والثبات، صمام أمانها والسبيل الوحيد لإفشال مُخطط إضعافها وإزالتها من الساحة السياسية.
- ينبغي أن يكون واضحاً لكُل منصف أن الحرب الدائرة حالياً في ولايتي جنوب كُردفان والنيل الأزرق!! ليست من تصميم وإخراج الحركة الشعبية - فالحركة لم تُبادر بالحرب، وإنما دُفعت إليها دفعاً (مُكرهاً أخاك لا بطل)، إذ لا مصلحة لمالك عقار أو عبدالعزيز الحلو أو ياسر عرمان في إثارة الحرب والتشرد والمُساسقة بين كمبالا وكاودا وجوبا.
- ليست الحركة الشعبية هي من رفض تنفيذ المشورة الشعبية وحاول الإلتفاف عليها، وليست هي من رفض قرار لجنة ترسيم حدود أبيي، وليست الحركة من رفض قرار محكمة لاهاي، وليست هي من أعلن على رءوس الأشهاد أن إتفاق أديس أبابا الإطاري تحت الجزمة، وليست الحركة من قرر وحاول نزع سلاح الجيش الشعبي/شمال بالقوة،،،،، إلخ. مالكم كيف تحكمون؟!.
- إن النهج الصائب للخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإنسانية الراهنة يتطلب تحكيم صوت العقل والصدع بكلمة الحق في وجه سُلطان جائر والقول لعُمر وعبدالرحيم وثالثهم النابح بالقول الفسل صباح مساء- بملء الفم والصوت الجهير "قفوا مكانكم، كفى عبثاً بأقدارنا، وكفى جرنا إلى حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، وقد آن للحركة الإسلامية التي أدخلتنا في جُحر الضب هذا، أن تقول قبل غيرها لعُمر البشير (Enough is Enough) كما آن لما تبقى من ضُباط وطنيين بالقوات المُسلحة (إن كان بها وطني واحد الآن) أن يتقوا الله في جنودهم المساكين الذين يرسلونهم إلى حرب تخص البشير وثلته فقط- علً ذلك يشفع لهم قليلاً يوم الحساب!.
- ليس أمام تحالف كاودا بقيادة الحركة الشعبية إلا الصبر وشد الضُراع فالحقوق تؤخذ ولا تُعطى، وزُبدة القول ولحمته وسُداه "إن بُندقية عساكر هذا الحلف تُحدد مدى لعلعة حناجر ساسته على موائد التفاوض-" هذا التفاوض الذي يرونه بعيداً ونراه أقرب من حبل الوريد، وأيسر من لحس الكوع،، يا نافع!!".
- لعل في التجربة القاسية للحركة الشعبية دروساً تستدعي التفكر وعبراً ينبغي أخذ الحكمة منها، حتى لا تُكرر أخطائها وأخطاء غيرها، وقديماً قيل (كُل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها)، وأول الدروس المُستفادة، إختبار مدى صلابة وإلتزام العديد من عناصر وأنصار الحركة الشعبية، وتخلصها من الشحم والورم الزائد والإنتهازيين الذين تقاطروا وتوافدوا عليها (الأعمى شايل المكسر) عندما أخضر مرعاها ولاحت بشائر نصرها في ميدان الساحة الخضراء عام 2005، ولعلك ياعزيزي القارئ تذكرت في هذه اللحظة غازي سليمان وتابيتا بنت بُطرس وغيرهما، ولعل موسم هجرة الإنتهازيين-أمثال الحاج آدم وفتحي شيلا،، إلخ- إلى سلة القُمامة السياسية المُسماة بالمؤتمر الوطني (الذي احتوى كُل نطيحة وموؤدة)، ما يكشف هول الكارثة الأخلاقية التي جلبها نظام الإنقاذ على السودان الذي كان سمح وزين.
*- ينبغي على الحركة الشعبية التريث والتدقيق في تحالفاتها وإستخلاص العبر من تجربة التجمع الوطني وتحالف جوبا، فبعض الحُلفاء ظلوا يجتمعون معها نهاراً ويتآمرون عليها ليلاً؛ وقد أشار إلى ذلك د. حيدر إبراهيم، عندما قال إن قادة أحزاب الأمة والإتحادي يسعون لوراثة الحركة الشعبية بعد الإنفصال. والغريب في سودان العجايب أن أحد المُتهجمين على التحليل السياسي (سيف الدين البشير) نادى علناً وفي برنامج تلفزيوني، بتوزيع مقاعد الحركة الشعبية بالبرلمان على أحزاب ما يُسمى بحكومة القاعدة العريضة (كما أوردت صحيفة الراكوبة الإلكترونية خبراً بهذا المعنى بتاريخ 20/12/2011).
- تقول قوانين الطبيعة "أن لكُل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار مُضاد له في الإتجاه"، ولذلك عندما تواطأ اليمين التقليدي في الستينيات وحلَ الحزب الشيوعي السوداني وحظر نشاطه، كان إنقلاب مايو بقيادة العقيد/ جعفر نميري، الذي عالج جريمة وأد الديمقراطية (أي حل الحزب الشيوعي) بجريمة أكبر فأعلن عن حل كُل الأحزاب السياسية وحظر نشاطها، وبلغت المأساة/الملهاة قمتها بتعيين رئيس القضاء- الذي إستقال إحتجاجاً عل إنتهاك مبدأ الفصل بين السُلطات (جوهر الديمقراطية)- رئيساً لمجلس وزراء حكومة الإنقلاب على الديمقراطية!!. كما أدى نكوص نميري عن إتفاقية أديس أبابا "بعد هوجة الأسلمة والإمامة" إلى ميلاد الحركة الشعبية. وها هي الإنقاذ ترتكب الموبقات الثلاث؛ إذ حلت الحركة الشعبية وحظرت نشاطها رغم أنف إتفاقية نيفاشا، ونكصت عن إتفاقية أديس أبابا الإطارية بلا أي مُبررات مُقنعة، وقسمت دارفور إلى خمسة ولايات دونما أي منطق، فحصدت تحالف كاودا الذي ولد بأسنانه، وسوف يُريها النجوم في عز الظُهر.
- أتمنى من كُل قلبي أن لا تكون ثمة دوافع ذاتية وراء صمت دكاترة الحركة الثلاثة (د. منصور ود. كمير ود. وديوسف!!)، فتقديرنا لهؤلاء الثلاثة كبير، ونعتقد بأنهم يمثلون قيمة رمزية لقومية الحركة تصُد عنها محاولات التشويه التي يدمغ بها جهاز أمن الإنقاذ كُل وطني/مُهمَش مخالفٍ للرأي، كما نربأ بهم من الإصابة بمتلازمة غرور النُخب (كما وصفهم منصور خالد، للمُفارقة) الذين ينظرون إلى الشهادات العُليا بإعتبارها وثيقة إنتقال طبقي، ونضيف من عندنا أن الدرجات العلمية الرفيعة أصبحت في عهد الإنقاذ مطية للإستوزار والقيادة والزعامة، بالرغم من أن الدكتور منصور أيضاً قال للدكتور لام أكول (إن الدكتوراة وحدها لا تصنع زعيماً سياسياً)، واللبيب بالإشارة يفهم!!.
- كما لقادة الحركة الشعبية الحاليين أخطاءهم (عرمان وعقار والحلو)، فإن للجميع أخطاؤهم أيضاً، إذ لا أستطيع أن أفهم كيف كتب د. الواثق مقاله المعنون "كيف يُرضي الرئيسان المُنتخبان، مواطنيهما؟" عُقب إنتخابات قاطعتها حركته ووصفتها بالمزورة!!!!، وكيف وافق د. منصور أن يكون وسيطاً للبشير في قضية هو صاحبها وطرفها بالأصالة، أما د. محمد يوسف فلم نسمع له صوتاً طيلة فترة إستوزاره الطويلة!!. وعموماً من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر، وإن كان لي رجاء فأناشدهم بالرجوع إلى العمل بهمة في لجنة الرؤية والبرنامج- التي رمينا بسهمنا القصير فيها.
- دون أن نغمط أعضاء الحركة وقادة قطاع الشمال "الذين إنتموا إليها قبل أكثر من رُبع قرن وتحملوا في سبيل رؤاهم ما تحملوا" حقهم المُطلق في إتخاذ ما يرونه مُلائماً، كما لسنا في موضع تنظيمي يؤهلنا لتقرير سياسات الحركة الشعبية، ولكن وبإعتبارنا من المؤمنين برؤية السودان الجديد والمُنافحين عنها ومن موقع الحرص والإلتزام الوطني الديمقراطي، نعتقد أن على الحركة الشعبية إنجاز المهام التالية:-
i. عقد مؤتمر عام، مهما كانت الصعوبات والعوائق، لتمتين وحدتها والحفاظ على عضويتها وتمكينها من طرح كافة تساؤلاتها على بساط البحث إعمالاً للشفافية والمُساءلة، وتفريغ ما احتقن في الصدور من خلافات حتى لا تتحول إلى ضغائن ينفذ من خلالها الأعداء.
ii. إيجاد إطار سياسي تستطيع من خلاله عضويتها بالسودان (والخرطوم تحديداً) العمل بُحرية، لأن حالة السيولة السائدة الآن وإنقطاع التواصل بين القيادة والقاعدة من أخطر آفات العمل السياسي.
iii. إبتداع آلية للتحاور مع الحُلفاء الطبيعيين (الأقربين أولى بالمعروف)، وأعني بذلك الحزب الشيوعي وقوى اليسار كافةً، والسعي لتشكيل جبهة عريضة على غرار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، أو التنسيق على أقل تقدير، فحالة الجفوة الراهنة بين القوى الديمقراطية غير مفهومة وغير مُبررة إطلاقاً.
iv. العمل على إصدار بيان صريح من تحالف كاودا، يُعلن فيه تعهده وتمسكه التام بوحدة السودان مهما عظُمت التحديات، والتأكيد على عدم إقصاء أي موطن سوداني أو حرمانه من العمل العام، إلا وفق حُكم قضائي عادل.
بريتوريا: 29/02/2012
///////////////