دلالات خبر التأجيل
د. حسن بشير
6 April, 2012
6 April, 2012
بالرغم من ان افتتاح مشروعات صغيرة مثل مصنع سكر او جسر هنا او هناك او طريق بين مدينتين، يعتبر خبرا غير مثير لاهتمام المارة والأشخاص العاديين في اي دولة تعرف مسارات التنمية والنشاط الاقتصادي في دوراته الطبيعية، إلا أن مثل هذه الأحداث تصاحب بصخب كبير في السودان وتقام لها احتفالات وكرنفالات، إذا جمعت تكلفتها خلال عدد من السنين لكانت كافية لإقامة مشروع مهم من مشروعات البنية التحتية.
لذلك فان أول دلالة لمثل هذه الأحداث هو ضعف المسار التنموي في السوداني مما يدفع الي تضخيم الانجازات الصغيرة وتحويلها لفرح عظيم. لا غرابة إذن بان الدول المتقدمة لا تحتفي بافتتاح مثل هذه المشروعات وإلا احتاجت لتخصيص وزراء علي مستويات الحكم المختلفة يتخصصون في افتتاح المشروعات المختلفة التي يعتبر انجازها روتينا يوميا. تخيلوا إذا تم تكليف المسئولين الكبار في اي دولة تشهد نشاطا تنمويا واقتصاديا ضخما بافتتاح المشروعات والإعمال المهمة التي تدر عائدات في يوم واحد تقارب نتاجنا القومي السنوي، في هذه الحالة سيكون من الضروري افتتاح عدد من المشروعات مثل الطرق، الجسور، الأنفاق، محطات القطارات ، مترو الأنفاق وغيرها يوميا، ولاضطر رؤساء مثل الأمريكي والفرنسي ورئيس الوزراء في انجلترا واليابان وغيرهم، إلي الحضور يوميا لحضور جلسة افتتاح بورصة الأوراق المالية التي تدور فيها الملياردات من الحزم والمكونات المالية والنقدية ليس يوميا فقط وإنما، أحيانا علي مدار الساعة.
من دلالات احتفالات الافتتاح حتي للمشروعات الصغيرة تسيس التنمية وتصويرها وكأنها انجازا شخصيا او كأنها منحة او منة من الحكومة او المسئول وليس عملا من صميم واجبات واختصاص الحكومة تم تمويله من مال الشعب او علي حسابه بقروض يتم اقتطاعها من دخله القومي. يحدث ذلك حتى بالنسبة للمشروعات الصغيرة التي يتم تمويلها علي حساب الجبايات وأحيانا التبرعات او فرض إتاوات قسرية علي المواطنين أو فئة منهم، مثل التجار او مستهلكي السكر، علي سبيل المثال وفي هذه الحالة يصدق القول بان (الشعب في خدمة الحكومة)، بدلا من ان تكون الحكومة في خدمة الشعب.
أما في الحالات المماثلة لافتتاح مصنع سكر النيل الأبيض الذي تم تأجيله فتتعمق الدلالة لتصبح ظاهرة تستحق الدراسة للاستنتاج ولاستلهام الدروس والعبر، التي لم تعد مجدية مع الحالة السودانية، التي تزداد غرابة كل يوم. فهذا مصنع للسكر وليس للزبادي, يعني ذلك ان العمل فيه تم بشكل منظم وعلي مراحل وبنظام إداري مفترض أن يكون متطورا ومنضبطا وملبيا لمتطلبات انجاز المشروع حسب المواصفات والأجل المضروب. بناءا علي تلك الفرضيات (نفترض) أن وزارة الصناعة قد رتبت لحفل الافتتاح بواسطة رئيس الجمهورية في الأول من ابريل بالتزامن مع انعقاد اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية الذي ساهم بشكل مقدر في تمويل المشروع.
الإشارة إلي أن التأجيل تم بسبب عدم توفر برنامج ال (Software ) الناتج عن المقاطعة الأمريكية يدل علي خطل إداري معيب وغريب، إذا كان فعلا هذا هو السبب، ذلك لان المقاطعة الأمريكية لم تحدث إثناء انعقاد اجتماعات البنك حتى تمنع الحصول علي البرنامج، كما آن مثل هذا الأمر المهم والضروري للافتتاح لا يتم شرائه في نفس اليوم المحدد له وكأنه وجبة غداء يتم إعدادها في فندق فاخر للمؤتمرين، بل هو شيء يتم تجهيزه مسبقا ووضع البدائل المناسبة له. يصلح ان يكون هذا الحدث دليلا علي التسيب الإداري وسوء التخطيط والتدبير والتسيب وعدم التأهيل وقلة الحيلة في ابسط الأشياء، مما جعل الشأن السوداني موضوعا للسخرية والاستهزاء خاصة وسط العرب. لكن اذا كان هذا هو حال الافتتاح لمثل هذا الحدث بحضور مثل هذا الحشد النوعي المحضور إعلاميا، بمشاركة قمة هرم السلطة القائمة في البلاد، فكيف إذن سيكون حال العمل والانجاز واستمرار يته بالكفاءة اللازمة؟ كيف هو حال الأداء في مؤسسات (مجازا) الدولة المختلفة؟ ما هو الانطباع الذي سيخرج به المشاركون؟ خاصة وان مثل هذه المناسبات تعتبر فرصة للترويج للاستثمار وجذبه الي البلاد في هذا الظرف العصيب الذي يمر به اقتصادها.
هذا الحدث واحدا من دلالات انهيار الخدمة المدنية العامة والخاصة في السودان، أما أكثر ما هو ايجابي في الموضوع هو تحرك وزير الصناعة وامتعاضه من الفشل وتقديمه لاستقالته التي تم رفضها حسب ما جاء في الإخبار. أخيرا ظهر وزير سوداني في حضرة الجيل الحالي شرع في تقديم استقالة بسبب فشل عام وصرح بأنه يتحمل المسئولية عنه،في وقت تم تجاوز مئات الحالات الأكثر خطورة، سببت الكثير من الخسائر وأزهقت أرواحا، دون أن يعيرها احد اهتماما او يكلف نفسه عناء تبريرها ناهيك عن تفسيرها لعامة الشعب. هذه ظاهرة نوعية نتمنى أن لا تكون (حادثة فردية معزولة)، حتى تكون ذات مدلول يمكن الرجوع إليه.
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]