بسم الله الرحمن الرحيم
إحتلال دولة الجنوب لمنطقة حقل هجليج البترولى السودانى أنموذجاً
مقدمة:
بالرغم من تحريم المواثيق الدولية والمنظمة الدولية (UN) لإستخدام القوات المسلحة للدول أو الإلتجاء إليها أو التهديد بإستخدامها فى العلاقات الدولية (الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المادة 41 والمادة 42) إلا فى حالة الدفاع عن النفس (الفصل السابع المادة 51), نجد أن العديد من الدول فى عالمنا المعاصر تستخدم قواتها المسلحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية لتحقيق أهدافها القومية أو لتنفيذ مخططات تتعلق بداعيمها وحلفائها الإقليميين والدوليين, وذلك إما عن طريق الإستخدام المادى المباشر لقواتها المسلحة, أو التهديد بإستخدام قوتها المسلحة محاولة منها لإجبار الطرف الآخر بالرضوخ والإستجابة لمطالبها, وظاهرة إستخدام القوات المسلحة كأحد أدوات السياسة الخارجية ظاهرة منتشرة وقائمة فى العلاقات الدولية, منذ الأزمنة السحيقة وحتى عصرنا الراهن, وهى ظاهرة تهدد بها أو تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية فى سياستها الخارجية فى عصرنا الحالى لتحقيق سيطرتها على مجريات الأمور العالمية ونشر ثقافة العولمة والنموذج الغربى الليبرالى خاصة ضد الدول المقاومة والممانعة لتمدد قيم الثقافة الغربية التى تتعارض مع قيم ومعتقدات ثقافتها الوطنية, وإن ما حدث فى منطقة حقل هجليج البترولى السودانى من إحتلال وتخريب للمنشآت النفطية السودانية فى العاشر من أبريل من العام 2012 م من قبل قوات دولة جنوب السودان والحركات الدارفورية المدعومة من جانبها وإعتراف دولة جنوب السودان بذلك, بالإضافة لتهديد رئيس دولة جنوب السودان السيد سلفكاير مليارديت بإستخدام القوة لإحتلال أبيى بالرغم وجود قوات إفريقية إثيوبية بها, كل ذلك يصب فى خانة تهديد السلم والأمن الدوليين التى تحرمه المواثيق الدولية, وهو عمل غير أخلاقى وغير شرعى ويتنافى مع القيم والأعراف والمواثيق الدولية التى تحرم من إستخدام القوة أو التهديد بها فى العلاقات الدولية.
إحتلال دولة جنوب السودان لهجليج تكتيك أم إستراتيجية؟:
منذ إنفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان بكل سلاسة وهدوء فى التاسع من يوليو من العام 2011 م, لاحت فى الأفق العديد من الإشارات السالبة التى تدل على أن العلاقات بين الدولة الوليدة فى جنوب السودان وجمهورية السودان التى إنبثقت من بين ثناياها دولة جنوب, سوف تعترض مساراتها العديد من العقبات المخطط لها بإحكام, فبالرغم من حضور رئيس جمهورية السودان السيد المشير عمر البشير لإحتفال تكوين الدولة الوليدة بجنوب السودان, وإعتراف جمهورية السودان رسمياً بالدولة الوليدة, كان خطاب رئيس الحركة الشعبية ورئيس الدولة الوليدة فى جنوب السودان السيد سلفاكير مليارديت فى إحتفالات تكوين دولة جنوب السودان يصب فى إتجاه تعميق الإختلافات بين دولة جنوب السودان الناشئة والدولة الأم التى إنبثقت من بين ثناياها, حيث أشار رئيس الحركة الشعبية ورئيس الدولة الوليدة السيد سلفاكير مليارديت فى خطابه أمام رئيس جمهورية السودان الذى جاء ليشارك فى إحتفالات تكوين الدولة وكل الوفود العالمية الأخرى أنه لن ينسى أخوانه فى دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان, وهذه الإشارات التى جاءت فى خطاب سلفاكير تم تنفيذها على أرض الواقع بعد فترة وجيزة من هذا الإحتفال, حيث أشعلت الحركة الشعبية الحاكمة فى جنوب السودان نيران الحرب والتمرد عبر دعمها لقوات الحركة الشعبية فى شمال السودان التابعة لها فى مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة, بالإضافة لإيوائها لحركات دارفور المسلحة, والتى شكلت منها فيما بعد ما يعرف بتحالف كاودا الذى تحول فيما بعد لتنظيم الجبهة الثورية, بينما تضمن أيضاً خطاب ممثلة الولايات المتحدة فى إحتفال تكوين الدولة الوليدة السيدة سوزان رايس إشارات لم تخلو من السلبية بحكم دور الولايات المتحدة كدولة عالمية قائدة وكوسيط فى إنهاء الحرب الأهلية التى قادت لإنفصال جنوب السودان عبر إتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقع فى التاسع من يوليو من العام 2005 م بضاحية نيفاشا الكينية, حيث قالت فى مضممون خطابها أن إنفصال جنوب السودان إنتزع عنوة, وأن دولة جنوب السودان سوف تلقى الدعم والإهتمام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, وما جاء فى خطاب السيدة رايس فى إحتفال إنبثاق دولة جنوب السودان إنعكس على أرض الواقع بعد فترة وجيزة أيضاً, حيث إنحازت الولايات المتحدة الأمريكية الوسيط فى عملية السلام السودانية لجانب دولة الجنوب مباشرة بعد الإنفصال, حيث رفعت كل العقوبات الإقتصادية وحظر تصدير الأسلحة عن دولة الجنوب مباشرة, بينما أبقت على كل العقوبات التى تفرضها على جمهورية السودان, مما يدلل على أن الولايات المتحدة الأمريكية إستخدمت التكتيك لفصل جنوب السودان عبر إتفاقية السلام الشامل (CPA), وذلك نتيجة لفشل الحركة الشعبية من التمكن على السيطرة على زمام الأمور فى جنوب السودان وربما فى كل السودان بواسطة وسيلة العنف المسلح إسوة بالحركات المسلحة الأفريقية الأخرى التى تلقت الدعم منها وتولت مقاليد الحكم فى بلادها عبر الثورة المسلحة.
لقد إتسعت دائرة إستهداف دولة جنوب السودان لجمهورية السودان بدءاً من إندلاع العنف المسلح فى ولاية جنوب كردفان ومن بعده فى ولاية النيل الأزرق بواسطة جناح الحركة الشعبية فى الشمال السودانى بدعم مباشر من دولة جنوب السودان, وقيام دولة جنوب السودان الوليدة بإيواء الحركات الدارفورية المسلحة ودعمها هى وجاراتها يوغندا, وإتسعت دائرة إستهداف جنوب السودان لجمهورية السودان عبر الإنتقال من الإستراتيجية الغير مباشرة التى تعمل على تغذية الحروب على طول حدودها مع جمهورية السودان عبر دعم الجماعات المتمردة على الدولة السودانية فى النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور, إلى مرحلة إستخدام الإستراتجية المباشرة المتمثلة فى الإستخدام المادى للقوات المسلحة لجنوب السودان مباشرة فى الحرب على السودان, وهذا ما حدث بالفعل فى هجليج, فبالرغم من المفاوضات الجارية بين حكومة السودان ودولة جنوب السودان, وإتفاق الطرفين على وقف العدائيات, وزيارة كبير مفاوضى دولة جنوب السودان السيد باقان أموم للخرطوم ودعوته للرئيس السودانى لزيارة جوبا, إلا أن بمجرد عودة السيد باقان لبلاده, يفاجأ السودان بدخول قوات جيش جنوب السودان لمنطقة حقل هجليج البترولى السودانى التى تعتبر منطقة سودانية ليست محل تنازع بين الدولتين, هذا الإستخدام الهجومى المفرط للقوة المسلحة لدولة جنوب السودان لإحتلال أرض نفطية سودانية ليست محل تنازع بين الدولتين, يعتبر دولياً عمل لا أخلاقى وغير شرعى من قبل دولة جنوب السودان, وهو عمل يهدد السلم والأمن الدوليين ويمثل تعدى على مبادىء وقواعد القانون الدولى الذى ينظم العلاقة بين بين وحدات المنتظم الدولى ذات السيادة على أراضيها, وبالرغم من إدانة المجتمع الدولى والإقليمى لهذا العدوان الذى قامت به دولة جنوب السودان عبر إحتلال هجليج التى تقع ضمن السيادة السودانية, إلا أن إحتلال هجليج يطرح العديد من الأسئلة المحورية التى تحتاج لإجابات واضحة, أول هذه الأسئلة يتمحور حول لماذا يدعم جنوب السودان الحركات المسلحة الدارفورية والحركة الشعبية فى شمال السودان ولماذا تناصر الولايات المتحدة الأمريكية هذه السياسة, وثانى هذه الأسئلة يدور حول هل قرار وقف تصدير النفط الجنوبى عبر خط أنابيب النفط فى الشمال السودانى هو قرار نابع من دولة الجنوب, وإذا كانت الإجابة بنعم فما هو الهدف من ذلك القرار, أم أن هذا القرار نابع من إرادة الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التى دعمت إنفصال الجنوب ليكون أرضاً فاصلة لمصالحها النفطية فى المنطقة, وإذا كان الأمر كذلك فما هى الدوافع الأمريكية من دعم إتخاذ مثل هذا القرار؟, ثالثاً ما الذى يفسر وقف دولة الجنوب لتصدير النفط عبر شمال السودان بالرغم من مساهمة النفط بحوالى 98 % من ميزانية جنوب السودان؟, وهل هنالك من يساند دولة جنوب السودان فى تحمل العواقب والنتائج المترتبة من إيقاف ضخ النفط عبر الشمال السودانى؟ ومن تلك الجهات التى تساند ذلك القرار وما هى دوافعها؟
إن إحتلال هجليج من قبل دولة جنوب السودان وإعترافها بذلك, أمر يشكل خطورة كبيرة ليست فقط على السودان فحسب, بل على كل دول الإقليم, حيث ربما تمهد هذه الظاهرة لإنتشار ظاهرة حسم الصراعات والتمدد على حساب أراضى الدول الأخرى بإستخدام القوة المسلحة على حساب الطرق السلمية لفض النزاعات القائمة بين دول القارة الإفريقية, مما يمثل تهديداً للأمن والسلم الإفريقى, الذى تسعى الدول الأفريقية لتحقيقه من خلال مجلس الأمن والسلم الأفريقي (AUPSC) عبر فض النزاعات بين الدول الإفريقية بالطرق السلمية, ويبقى هنالك سؤالاً محورياً يدور حول كيف تتجرأ دولة جنوب السودان الوليدة من إحتلال أراضى دولة أخرى متجاهلة كل الأعراف والمواثيق الدولية دون أن تكون مسنودة من جهات أخرى, وكيف لدولة ناشئة وضعيفة الإمكانيات تتجرأ على الهجوم على أراضى دولة جمهورية السودان دون أن تجد سند من قبل الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة) اللاعب الرئيسى فى تحريك الأحداث والتفاعلات فى الإقليم, والمتواجدة بكثافة فى منطقة البحيرات ودول وسط أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقى لتحقيق مصالحها الحيوية فى هذه المناطق, والتى يشكل النفط أحد أهم أولياتها, ولذلك هى تعمل على تغيير موازين القوة والخارطة الجيوسياسة فى هذه المناطق بإستمرار, بينما يلوح سؤالاً آخر فى الأفق عقب قيام القوات المسلحة السودانية بتحرير منطقة هجليج العسكرية من قبضة جيش جنوب السودان وإنزال هزيمة قاسية بجيش الحركة الشعبية فى يوم الجمعة الموافق العشرين من أبريل من العام 2012 م, فى هجوم شنته القوات المسلحة السودانية من ثلاثة محاور لإسترداد منطقة هجليج النفطية السودانية راح ضحيته ما يقارب من 1200 عسكرى من جنوب السودان وتدمير معظم آليات وعربات الجيش الشعبى والقوات الدارفورية الأخرى المدعومة من طرفه, حسب ما نقلته وسائل الإعلام السودانية والخارجية من مصادر عسكرية سودانية, هذا السؤال يتمحور حول لماذا تعالت الأسواط داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد تحرير الجيش للسودانى لمنطقة هجليج, خاصة تلك الأسواط التى يقودها السانتور الأمريكى فرانكلين جرهام المطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بضرب كل المطارات السودانية التى تقلع منها الطائرات العسكرية السودانية المقاتلة التى أستخدمت فى الدفاع عن الأراضى السودانية المعتدى عليها من قبل دولة الجنوب بحجة أنها تقتل المدنيين الأبرياء, أليس دخول جيش جنوب السودان لهجليج لم يزهق أرواح المئات وشرد الآلاف من أبناء شمال السودان, أليس تخريب منشآت النفط فى هجليج ووقف إنتاج النفط بعد هجوم الحركة الشعبية للمنطقة سوف يسهم فى زيادة معاناة 33 مليون سودانى إقتصاديا, أم مدنيين الجنوب هم أهم من مواطنيين شمال السودان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لإنتمائهم للهوية العربية الإسلامية التى تتعارض مع إسلوب ومنهج ثقافة الغرب الليبرالية, يبدو أن الجانب العقدى يلعب دوراً مهم فى الصراع القائم الآن بين الجنوب والشمال, وأن الأصوات الأمريكية التى تتعالى من أجل ردع المعتدى عليه تتحكم فيها العاطفة العقدية وصراع الحضارات الذى تغذى نيرانه الحركة الصهيونية العالمية من أجل أن تتمكن من السيطرة على العالم بعد إرهاق المسلمين والمسيحيين سوياً بالصراعات فيما بينهم, أما إذا كان هدف دولة الجنوب من إحتلال أراضى السودان وتدمير مكتساباته وإمكانياته الإقتصادية النفطية والزراعية و إزهاق أرواح أبنائه, هو إسقاط المؤتمر الوطنى حسب إدعائهم, فهذه بالطبع هى ليست مهمتهم, وإنما هى مهمة الشعب السودانى, وهو كما يعلم الجميع شعب قادر على التغيير متى ما أراد ذلك, وليس فى حوجة دول ناشئة لا تملك القدرة فى توفير أدنى سبل المعيشة لمواطنيها فى أن تساعده على التغيير, المنطق يقول إذا أردت أن تساعد شعباً فلما تشن عليه حرباً وتدمر بنيته الإقتصادية, يبدو أن الحجة واهية, وأن الهدف هو تطويع شعب بأكمله فى إطار ثقافة العولمة التى تتعارض مع ثقافته وهويته الوطنية, , وأن جنوب السودان مستخدم فى إطار تنفيذ هذا المخطط بإرادة حكومة الحركة الشعبية التى تستولى على مقاليد الحكم فيه.
ويبدو من قراءاة الأحداث والعمليات العسكرية التى تتم من قبل دولة الجنوب على الأراضى السودانية أن هنالك على ما يبدو مزيج من الحرب التكتيكية (Tactical Warfare) والحرب الإستراتيجية (Strategic Warfare) والحرب الإستنزافية (War of Attrition) تنفذ ضد جمهورية السودان, مقصود منها فرض واقع جديد يخدم مسارات ومصالح النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) يهدف لنشر قيم الثقافة الغربية وتعميم قيم النموذج الغربى الليبرالى فى المنطقة, وأن الدولة والأمة السودانية المتبنية للثقافة العربية الإسلامية التى تتعارض مع قيم الثقافة الغربية الليبرالية, مستهدفة من قبل مشروع العولمة بغية تطويعها ودمجها فى ثقافة العولمة عبر إستخدام كل الأساليب, وتمسك السودان بهويته العربية والإسلامية, جعله بإستمرار أن يكون فى مصاف الدول المصنفة بأنها داعمة للإرهاب والمناوئة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية, وبناء على ذلك إستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة إحتواء (Policy of Containment) النظام السودانى عبر فتج جبهات من دول الجوار فى الفترة منذ عام 1995 م وحتى بدايات الألفية الثانية, ومنها إنتقلت للعب دور الوسيط فى إتفاقية السلام الشامل السودانية (CPA) من أجل فصل جنوب السودان بموارده البترولية ليتحقق ذلك فى التاسع من يوليو من العام 2011 م, ومن ثم إنتقلت لدعم قيام الحرب فى جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور عبر دولة جنوب السودان ضمن إطار حرب تكتيكية (Tactical Warfare) كان الهدف منه إرهاق القوات المسلحة السودانية, عبر فتح جبهة قتال تمتد لأكثر من 1850 كليومتر على الحدود الفاصلة بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, ومن ثم مزجت الحرب التكتيكية بحرب إستراتيجية (Strategic Ware fare) تمخض عنها قيام دولة جنوب السودان بإحتلال منطقة حقل هجليج النفطى السودانى بواسطة قوتها المسلحة من أجل كسر عظم الإقتصاد السودانى, وبالتالى العمل على شل قدرة الدولة عن القيام بواجباتها نحو مواطنيها والدفاع عن نفسها وتعكير صفو الجبهة الداخلية مما يساعد فى هز أركان الدولة السودانية وبالتالى سقوطها وتقويضها, وعليه تم إستخدام الحرب التكتيكية الممزوجة بالحرب الإستراتيجية لإستنزاف قدرات الدولة السودانية بعد إنفصال الجنوب لتفتيت الدولة فى الشمال السودانى لعدة دويلات فى إطار إستراتيجية عالمية مخطط لها من قبل الحركة الصهيونية المتواجدة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة (إسرائيل المركز) فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى.
دوافع إستخدام الجنوب لقوته المسلحة فى علاقته مع جمهورية السودان:
من المسلم به فى الفكر السياسى العسكرى أن إستخدام القوة المسلحة فى العلاقات الدولية لأغراض هجومية (Offensive War Capability), يكون الغرض منه دائماً هو إنتهاك السيادة الإقليمية (Territorial Integrity) للدولة المعتدى عليها, والعمل على إنتهاك إستقلالها السياسى من أجل تغيير الواقع الداخلى فى الدولة المعتدى عليها بالقوة, وبالتالى تحقيق تغيير فى موازيين القوة والوضع الجيوإستراجى فى الإقليم ككل, لتبنى عليه علاقات قوى جديدة فى المنطقة عبر إستهداف وتطويع الدول الممانعة لهذا التغيير أولاً, وبما أن السودان يصنف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بأنه أحد الدول الممانعة والداعمة لما يسمى بالإرهاب بالرغم من تعاونه مع الإدارات الأمريكية المختلفة بخصوص هذا الملف, عليه لا زال السودان يتعرض لسياسة الضغوط والإحتواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة عبر دولة جنوب السودان الوليدة بعد ان تحسنت علاقات السودان بدول جواره اللصيق ودول محيطه الإقليمى, عليه بدأ إستخدام جنوب السودان بموافقة الحركة الشعبية المسيطرة على الحكم فيه من أجل الضغط على جمهورية السودان عن طريق دعم التوترات فى جنوب كردفان والنيل الأزرق دارفور, من أجل إرهاق وتشتيت وإستنزاف القدرة العسكرية للسودان, عبر فتح جبهة واسعة ضد السودان من أقصى نقطة فى حدوده الشرقية فى النيل الأزرق, مروراً بجنوب كردفان إلى أقصى نقطة فى حدوده الغربية مع جنوب السودان, بيد أن دولة جنوب السودان والدول التى تساندها ربما رأت أن هذه الإستراتيجية الغير مباشرة غير كافية وحدها لإسقاط النظام وتغيير الأوضاع الداخلية فى جمهورية السودان, لذلك دعمت هذه الإستراتيجية الغير مباشرة بإستراتيجية مباشرة تمثلت فى الإستخدام الهجومى للقوة المسلحة (Offensive War Capability) لجنوب السودان من أجل الوصول لنتائج سريعة ومباشرة تعمل على الإسراع بإنهيار الدولة فى شمال السودان, وخفض روح حكومته وشعبه المعنوية, تمهيداً لدمج وتطويع شعب السودان فى إطار النموذج الغربى الليبراليى, وتمكين سيادة العنصر الإفريقى الزنجى المسيحى الحاكم فى جنوب السودان (الحركة الشعبية) الموالى للغرب على حساب العناصر الأفريقية االزنجية والعربية المسلمة المسيطرة على مقاليد الحكم فى شمال السودان, إذن تم إستخدام الإستراتيجية المباشرة من قبل الحركة الشعبية من أجل الوصول إلى نتائج مباشرة وسريعة لحسم صراعهم مع الدولة السودانية فى الشمال حسب إعتقادهم وتصوراتهم, نتيجة لأن الإستراتيجية الغير مباشرة دائماً ما تأخذ وقت طويل لتصل إلى النتائج التى تهدف للوصول إليها, ولذلك تم الهجوم المباشر بالقوة المسلحة لدولة جنوب السودان على منطقة هجليج البترولية التى تنتج حوالى 70% من النفط السودانى الذى يصل إنتاجه لحوالى 115 ألف برميل فى اليوم, من أجل تعطيل عجلة الإقتصاد السودانى وتوسيع رقعة مساحة أراضى دولة جنوب السودان على حساب أراضى دولتها الأم جمهورية السودان ما وراء حدود 1956 م, بالإضافة لإستخدام هجليج فى إطار المساومة فى القضايا الأمنية العالقة مع عدم التفريط فيها حتى إذا تم التوصل لإتفاق, إنه نفس منهج الإحتلال الإسرائيلى الذى يبتلع الأراضى العربية فى فلسطين المحتلة كل يوم بصورة ممنهجة ومدروسة ويتفاوض من أجل تثبيت ما تم إقتلاعه من أراضى وكسب الوقت لإضافاء الشرعية على أعماله التى يقوم بها, وبالتالى جاء هجوم دولة جنوب السودان على حقل هجليج النفطى السودانى فى العاشر من أبريل من العام 2012 م, بصورة مباغتة وسريعة وتم إختيار الوقت الملائم لهذا الهجوم بصورة مخطط لها بعناية وذلك بعد وصول الطرفين لتفاهمات بينهما لوقف الأعمال العدائية وتفعيل الحريات الأربعة, أى بعد بث الإطمئنان لدى جمهورية السودان المعتدى عليها.
شرعية إستخدام السودان للقوة المسلحة كأداة دفاعية لحماية سيادته على إقليميه:
نتيجة لتعرض جمهورية السودان لهجوم مباشر بواسطة القوة المسلحة التابعة لدولة جنوب السودان, وإحتلال هذه القوة المسلحة التابعة لجيش جنوب السودان حقل هجليج النفطى السودانى, الذى يقع على مسافة حوالى 70 كليومتر داخل الأراضى السودانية, وإعتراف دولة جنوب السودان بذلك الإعتداء بالرغم من تحريم مواثيق الأمم المتحدة من إستخدام القوات المسلحة فى الإعتداء على الدول فى العلاقات الدولية, إستخدمت جمهورية السودان الإسلوب الدفاعى الذى كفلته لها مواثيق الأمم المتحدة (المادة 51) للدفاع عن سيادة أراضيها لتحرير منطقة هجليج من قبضة جيش دولة جنوب السودان, ولرد إعتداءات جيش جنوب السودان والحركات المسلحة التى يدعمها على مناطق أم دافوق فى ولاية جنوب دارفور, وتلودى فى فى جنوب كردفان, ويابوس فى النيل الأزرق, دفاعاً عن أراضيه ومكتسابات شعبه الإقتصادية المتمثلة فى النفط الذى يعتبر أحد مقومات الإقتصاد السودانى والعنصر الهام فى عملية التنمية الإقتصادية فى جمهورية السودان, وبالتالى كان إستخدام القوة العسكرية من قبل جمهورية السودان شرعياً ووفقاً للأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع المادة 51) الذى يكفل للدول بالدفاع عن نفسها وسيادتها فى حالة الإعتداء عليها, كما توجب على المجتمع الدولى بإنزال أقصى العقوبات لردع المعتدى حتى لا يقوم بتكرار الإعتداء, ولكن نجد أن المجتمع الدولى الذى تتربع على عرشه الولايات المتحدة الأمريكية, بدل أن يعاقب الدولة المعتدية (جنوب السودان) عقاب رادع إكتفى فقط بالإدانة ومطالبة دولة جنوب السودان بالإنسحاب, وعقب قيام القوات المسلحة لجمهورية السودان من تحرير منطقة حقل هجليج النفطى من قبضة الجيش الشعبى لجنوب السودان, وتكبيد جيش جنوب السودان هزيمة كبيرة تراوح عدد القتلى فيها من جانب الحركة الشعبية إلى حوالى 1200 قتيل على حسب تصريحات مصادر عسكرية سودانية, تعالت الأصوات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) بضرورة فرض عقوبات على جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, بالرغم من الأولى (جمهورية السودان) معتدى عليها وهى خاضت حرب دفاعية لتحرير أراضيها, كما أنها حتى الآن تقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية, وبالرغم من أن الثانية (دولة جنوب السودان الوليدة) هى الدولة المعتدية التى خرقت ميثاق الأمم المتحدة بإستخدامها للقوة المسلحة لإحتلال أراضى الغير التى ليست محل نزاع بينها وبين دجمهورية السودان, والتى من المفترض أن تعاقب وحدها لخرقها للمواثيق والأعراف الدولية, يبدو أن سعى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجلس الأمن عبر مندوبتها فيه ورئيسة دورته الحالية السيدة سوزان رايس فيه نوع من الدهاء السياسى, الذى يسعى لإستخدام الفصل السابع لإستقدام قوات دولية للحدود بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, ليتم إستكمال حلقات مسرحية إتفاق السلام الشامل (CPA) من أجل إستكمال مشروع الزحف نحو الشمال السودانى< ومواصلة الضغط على الهويات الأفريقية العربية والزنجية المسلمة, وفق مخطط صهيونى يهدف للقضاء على كل ما هو عربى وإسلامى, بالإضافة لإحداث قطيعة فى العلاقات العربية الأفريقية, وربط كل ما هو إسلامى أو عربى بقضية ما يسمى بالإرهاب, ومحاولة زج الإسلام والمسلميين فى كل الأعمال التى تتعارض مع الأخلاق والمبادىء والأعراف الدولية.
الخاتمة:
جمهورية السودان تحتل موقع جيوبوليتكى هام فى القارة الأفريقية, وهى تعتبر أحد المناقط المهمة فى الربط والتواصل بين العالم العربى والأفريقى, وهو دولة تزخر بالموارد الطبيعية المائية والزراعية والبترولية والمعدنية, كما أنها تتبنى الهوية العربية الإسلامية ثقافة وعقيدة, واصبحت الأمة السودانية منذ الإستقلال وحتى هذه الفترة تواجه إستهداف يهدد بقاء كيان الأمة والدولة السودانية, فبالرغم من توقيعه لإتفاقية السلام الشامل (CPA) فى التاسع من يوليو من العام 2005 م بضاحية نيفاشا الكينية, وإعترافه بدولة جنوب السودان التى إنبثقت من بين ثنايه بإرادته من أجل تحقيق السلام, لم تتوقف الحرب فيه بعد كل هذا الجهد المضنى للوصول للسلام, بل إتسعت رقعة الحرب عليه عبر حدوده مع دولة جنوب السودان الوليدة, حيث تبنت دولة جنوب السودان إستراتيجة حرب إستنزاف ممزوجة بحرب تكتيكية تم إستخدام مجوعات الحركة الشعبية فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وحركات دارفور المسلحة وقود لها, وأخيراً تم إستخدام الإستراتيجية المباشرة من قبل دول جنوب السودان, إستخدم فيها جيش جنوب السودان فى السيطرة على هجليج التى هى ليست محل نزاع بين الدولتين, مما ينبىء بأن مستقبل العلاقات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة سوف يشهد العديد من التوترات والصراعات, لا سيما بعد تصريحات جنوب السودان الصريحة الرافضة للوساطة الأفريقية, ومناداتها بوساطة دولية وتشكيل قوات دولية لحراسة الحدود بينها وبين دولة السودان, وهو نفس ما تنادى الولايات المتحدة الأمريكية به, مما يدلل على أن هنالك نوعاُ من التنسيق بين الطرفين بشأن إستقدام قوات دولية لتحقيق غرض ما محسوب له, الشىء الذى يرفضه السودان, والذى ربما يؤدى إلى توسيع نطاق الصراع فى كامل إقليم القرن الأفريقى.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية و متخصص فى شؤون القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com