لا لوم على الصحافة
منى عبد الفتاح
5 May, 2012
5 May, 2012
كيف لا
في عزمها لإلغاء نسختها الورقية وبعد أكثر من ستة عقود ، تترقّب الصحيفة الفرنسية "فرانس سوار" قرار المحكمة التجارية بفارغ الصبر ، خاصة بعد أن أضرب الصحفيون عن العمل احتجاجاً على خطة تحولها من نسخة ورقية إلى إلكترونية. وعزم الصحيفة ليس مجرد قرار نتيجة العجز عن المنافسة في سوق الصحافة الورقية وإنما هو واقع سيتنزل عليها وعلى ما عداها من صحف العالم .
لم تعد صحافة الشرق الأوسط استثناءً من هذه التطورات بل عمتها أيضاً ولكن بطرق عديدة . أولها تمت بصحافة المعارضة التي تتخذ من الغرب ملاذاً فتصدر ما تريد قوله من هناك . ثم تحولت إلى الداخل المقموع الذي يعبّر عن رأيه أيضاً افتراضياً من عوالم الانترنت والشبكات الاجتماعية التي تعاملت معها الأنظمة المستبدة باستهتار وسخرية شديدتين.فقد كانت صحافة العام الماضي 2011م مختلفة في هذا الجزء من العالم، والعلامة الفارقة هي كثافة التغطية الصحافية المصاحبة لثورات إسقاط وتغيير أنظمة الحكم . وما صنعه الغرب من أجهزة وبرامج استخدمه شباب الربيع العربي بكثافة ، فلم تعد صحافة المواقع الاجتماعية لتناقل أخبار الفن والجمال والتسلية وإنما انطلقت من الحديقة الخلفية وشبّت في قلب الأحداث ، وسط النيران والدماء وأنفاس الهتافات الحارة.
وعلى إثر هذا التقدم فقد تراجع دور الصحافة التقليدية لصالح الصحافة الإلكترونية والتي من أهم مميزاتها أنها صحافة مستقلة وفيها مساحات غير محدودة من حرية التعبير . وكما صنعت الميادين الثورات على الأرض اشتعل الفضاء الإلكتروني بتناقل هذه الأحداث وتداعياتها في السماء.
وقد ذهبت الصحافة لأكثر من ذلك وتجاوزت مرحلة الكمبيوتر واللابتوب لتصبح صحافة الهاتف المحمول التي بفضلها تعلم حتى غير المختصين كيفية التغطية في أي وقت ومن أي مكان. وهي بذلك استفادت من مقومات الهواتف الذكية المزودة بكاميرات عالية الدقة وإمكانية التصوير والتعليق والإرسال من هاتف فقط.
ولكن رغم النجاح الهائل لصحافة المواطن في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن إلا أنّ هذا النوع قد لا يصلح لكل الأزمان .لأن ذاك الشكل من الصحافة كان صحافة ضرورة أملتها ظروف الثورات والصراعات. أما وقد هدأ الوضع في تلك الدول باستثناء سوريا فإن المتلقي سيعود مرة أخرى ليبحث عن الجودة بدلاً عن التلقائية ، وعن التقارير والأخبار المحكمة بدلاً عن المرتجلة ، وسيتحول مرة أخرى إلى صحافته التقليدية أو الهجينة نصف إلكترونية ونصف تقليدية ، ليتابعها أثناء ارتشافه فنجان قهوته ، أو مستلقياً على كرسيه بدلاً من لهاثه وراء شاشات لا تهدأ ثانية واحدة.
أما في سوداننا الحبيب فسيظل المواطنون يتصفحون الجرائد بأشكال مختلفة : قياماً كما يحدث أمام أكشاك بيع الصحف ، وقعوداً كما في المواصلات العامة ، وعلى جنوبهم كما في المكاتب والمنازل . وبذا فسيكون السودانيون من بين الشعوب التي أنعم الله عليها فاحتفظت بحق الاستمتاع بهذه الميزة إلى أن يشاء الله . وليس هناك من أجل مسمى لأن المواقع الإلكترونية للصحف السودانية لا تفي بالغرض المطلوب ، كما أن تصفح الانترنت في السودان يزداد مشقة كلما بعد المتصفح عن أبراج الشركة المشغّلة
إذن لا يجب لوم الصحفيين السودانيين على عدم مواكبتهم لأنه حتى الألياف الضوئية قصّرت دونهم ، ولا يجب لومهم على إنكفائهم إلى الداخل ، لأن ما في البلد من مشاكل يكفيهم ويفيض ورغماً عن ذلك يتعاملون معها وفقاً لما هو متاح . ولا يجب لوم الصحف التي تعمل في ظروف أقل وصف لها هو أنها ظروف قاسية ، ورغماً عن ذلك تتعرض إلى وصف الإعلام المدسوس. وأخيراً لا يجب لوم الشعب السوداني لأنه لا يستطيع الآن إشعال ثورة أسوة بثورات الربيع العربي وذلك لأنه ما زال يفكر بعقلية أكتوبر 1964م ، يريد استنساخها وما درى أن أكتوبر بنت ظروفها وزمانها الذي لا يمكن أن يُعاد .
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]