الأزمة الإقتصادية والأزمة السياسية وجهان للعملة ذاتها
لا يوجد حل إقتصادي للأزمة بدون حلول سياسية
النظام الحالي غير قادر وغير مؤهل لتنفيذ الحلول السياسية:
ايقاف الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق فورا
الوصول لاتفاق مع حكومة الجنوب حول القضايا المعلقة
الاستعداد للموسم الزراعي وفقا لسياسة جديدة وعلاقات انتاج جديدة
إلغاء قانون 2005 لمشروع الجزيرة والعودة للشراكة على أسس جديدة عادلة
إعادة تأهيل القطاع الصناعي في مجالات الزيوت والنسيج والأغذية والأسمنت
التراجع عن سياسة حرية التجارة الخارجية وتقييد الاستيراد وحماية الانتاج المحلي وتشجيع الصادر
احداث تغيير جذري في السياسة المصرفية وتمويل الزراعة والصناعة على أسس جديدة
أوضح وزير المالية في تقريره للبرلمان المزورة انتخاباته تعمق الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد، ولكن الغريب أن السيد الوزير فوجئ بالأداء الردئ لميزانيته التي لم تكمل نصف عام، وكأنه وأخوانه في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية يعيشون خارج السودان ولا يعرفون مشاكل البلاد. ولكن الحقيقة المرة أنهم يعرفون ويخادعون أنفسهم ويحاولون خديعة الشعب السوداني. فالأزمة المالية والاقتصادية الحالية ليست فقط نتيجة للسياسات المالية والإقتصادية للنظام منذ إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية على النظام الديمقراطي فقط، بل هي نتيجة مباشرة للأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البلاد الآن، بل أن الأسباب المباشرة لتدور الأداء المالي للحكومة وفشل الميزانية العامة في ربع العام الأول وتحقيقها لعجز وأرتفاع حاد في المنصرفات وتدهور الميزان التجاري وميزان المدفوعات، سببه المباشر هو انفصال الجنوب وعجز الحكومة السودانية في الوصول لحلول عقلانية ومعقولة للمشاكل المعلقة بين البلدين وفي مقدمتها مشكلة ضخ البترول الجنوبي عبر السودان للتصدير مما كان سيوفر على الدولة موردا ماليا يزيد على إثنين ونصف مليار دولار لو أخذت الحكومة بمقترحات الخبراء الوطنيين والتي تبناها حزب الأمة (رسوم عبور وخدمات تبلغ 15 دولار للبرميل، أي بمعدل 7.5 مليون دولار في اليوم مما يعني عائدا يساوي 2737.5 مليون دولار،إثنين وسبعة من عشرة مليار دولار) وكان هذا سيكون كافيا لعودة التوازن للميزانية ولميزان المدفوعات ولوقف تدهور قيمة الجنيه السوداني، ولو أضفنا لذلك أن السودان سيكسب مبلغ أخرى من التجارة بين البلدين من خلال تصدير سلع سودانية مباشرة للجنوب كزيت الطعام والبصل والذرة والبهارات والخضروات والفواكه، وسيكسب مبالغة معقولة من استعمال الجنوب لموانيئه للإستيراد واستعمال طرقه والنقل النهري والسكك الحديدية، لقلنا أن مجرد العلاقة مع الجنوب كان من الممكن ايجاد بعض الحلول للميزانية وميزان المدفوعات وقيمة الجنيه. ولكن الحكومة الحالية غير قادرة، وغير مؤهلة وغير راغبة للسير في طريق الحل السياسي لمشاكل البلاد.
يقول وزير المالية أن " استمرار الحصار الاقتصادي والتوترات الامنية في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان، والتي زادت الصرف بنسبة 13% متجاوزة كل الاعتمادات المرصودة لمقابلة الطوارئ . " وهذه مسألة سياسية أخرى، وحلها سياسي في الأساس ولكن الحكومة الحالية أختارت طريق الحرب التي ـاكل الأخضر واليابس، تعطل الإنتاج في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وتضر ب 8 مليون سوداني في حدود الجنوب والشمال، إلى جانب زيادتها للمنصرفات على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والدفاع الشعبي والمليشيات بأشكالها المختلفة. ويمكن اختصار كل ذلك وتوفيره، إلى جانب صيانة حياة المواطنين من تلك المناطق وأفراد القوات المتحاربة. هذا حل سياسي آخر لا تملك السلطة الحالية القدرة ولا الرغبة لتنفيذه وبالتالي تتعمق الأزمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في البلاد.
ورغم أن مثل ما قدمناه حلول سياسية لا يعالج كل المشاكل للإقتصاد السوداني، ولكن الحلول الإقتصادية لما تبقى من مشاكل لا تستطيع ولا ترغب هذه الحكومة لاتخاذها فمثلا:
1- الاستعداد للموسم الزراعي الجديد يحتاج لإجراءات سياسية حاسمة حول إلغاء قانون الجزيرة لعام 2005 والاتفاق مع المزارعين على علاقات إنتاجية جديدة، تعود بالمشاريع المروية للشراكة بين الدولة والمزارعين على أسس جديدة يحيث تكون شراكة فعلية وليست شكلية، بمعنى أن يشترك المزارعون في إدارة المشاريع، ويشتركوا حقيقة في جني العائد بقدر ما يبذلوا من مجهود، أي يتصاعد نصيب المزارع في العائد كلما زادت الإنتاجية. إن الاستعداد للموسم الزراعي الجديد لا يمكن أن يتم تحت أجهزة فاسدة بعيدة عن رقابة المزارعين ولا تخضع لأسس الرقابة والشفافية والمراجعة كما حدث في المواسم السابقة فيما عرف بقضية شركة الأقطان والشركات التابعة للمسئولين منها. كما أن الاستعداد للموسم الزراعي الجديد لايمكن أن يتم بدون وضع كل الاستعدادات لحل مشاكل الري، وهذا لن يتم إلا بإعطاء الرمح لباريها، أن تكون المؤسسة العمة للري والحفريات ووزارة الري هي المسئولة عن الري وصيانة قنواته وترعه. ولا يمكن الاستعداد للموسم الجديد بدون البحوث الزراعية التي ظلت تقوم بعملها لمدة قرن في السودان منذ بدء التجارب في طيبة لزراعة القطن، وحتى في القطاع المطري فإن عودة الأبحاث الزراعية لمعالجة قضايا القطن المطري والفول السوداني وأنواع الذرة ودعم إنتاج وتجديد البذور. ولكن السلطة الحالية تريد أن تتخلى الدولة عن كل تلك الواجبات وتترك الزراعة للقطاع الخاص، والقطاع الخاص الأجنبي ببيع أراضي السودان للأجانب.
2- إن الإصلاح الإقتصادي مستحيل تحت سياسة تحرير التجارة الخارجية والتي رفعت الحماية عن إنتاج المحلي وتركت صادراتنا تنافس بدون دعم وحماية الدولة وبدون التنسيق بين مصدرينا والذي كانت شركات الإمتياز تقوم به. لا سبيل لاعادة اصلاح الصناعة السودانية بدون حمايتها من التنافس الأجنبي بحيث تعود صناعات مثل الزيوت والنسيج والأغذية لوضعها السابق بل ووتطور لتستعد للمنافسة، ويتطلب ذلك خطة متناسقة في الجوانب التمويلية والتكنلوجية والتدريب والتسويق، والتعامل مع الغرف الصناعية المختلفة لحل مشاكل الصناعة المحلية. إن السلطة الحالية غير راغبة في ذلك لأنها تمثل فئة تعتمد على التجارة الخارجية واستيراد ما نحتاجه وما لانحتاجه، ولا تهتم بما إذا ننتجه أو يمكننا إنتاجه. اتلسلطة الحالية غير قادرة على حل مشاكل الصناعة وخاصة في مجال التمويل لأنها تتمسك بصيغ البنوك الإسلامية التي لا تنفع في تمويل الصناعة من ناحية راس مال ثابت ولا من ناحية رأس مال جاري أو دائر.
3- وهذا يقودنا لضرورة اصلاح النظام المصرفي بحيث يكون قادرا على تمويل الاستثمارات الصناعية والزراعية وتمويل عملياتها الجارية. والسلطة الحالية غير قادرة لاصلاح النظام المصرفي لأنها مستفيدة من نظم المشاركة والمضاربة التي تتبعها وينال منسوبي السلطة ومؤيديها وحزبها الحاكم النصيب الأوفر من تمويل النظام المصرفي.
ويمكننا الاستنتاج أن حل الأزمة الإقتصادية يحتاج لاجراءات سياسية واقتصادية لا تستطيع السلطة الحالية تنفيذها لأن السلطة الحالية جزء من الأزمة فطبيعتها كممثل للرأسمالية الطفيلية يجعلها غير راغبة في الحلول المعادية لمصلحتها.
Sidgi Kaballo [skaballo@blueyonder.co.uk]