حكاية الزعيمين

 


 

 

كيف لا

moaney [moaney15@yahoo.com]
إنّ الضرورة الوطنية تدفعنا إلى النظر فيما وصل إليه الحال بزعيمي حزب الأمة السيد الصادق المهدي وزعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي بعد صلحيهما الأخير على يد زعيمة حركة حق الأستاذة هالة عبد الحليم. ولعل ما في الصلح من خير للوطن يقابله خوف في وجهه الآخر من قبل بعض الجماعات الإسلامية التي ترى في التجديد الإسلامي ضلالة وكفر تستلزم الاستتابة.وترى في اجتماع زعيمين بذخيرتهما الفكرية الساعية إلى التجديد قد يلقي في روع هؤلاء كثيراً من الهلع خوفاً على سلطة دينيٌّ ظاهرها بينما باطنها دنيوي.
وعندما نتحدث عن مفكرين بحجم المهدي والترابي فإننا نتحدث عن خصوصية فكرية استلهماها من الحركة الصوفية المنتشرة في أرجاء السودان وتربيا في أحضانها بحكم النشأة.والصوفية كطريقة فهي تتغلغل عميقاً في تركيبة الإنسان السوداني الذهنية بمكوناتها الثقافية والدينية وهي ما تميزه عن بقية المسلمين وتحسن من إسلامه المتصالح مع المجتمع السوداني المجبول على رفعة الخلق بالفطرة.
وبعيداً عن ظن السياسة الذي يحصر فكر الترابي في ردة فعل لخصومة مع شركائه السابقين ، والتي تحصر المهدي كحامل غبينة إثر إنقلاب الترابي على حكومته المنتخبة ديمقراطياً في يونيو 1989م ، فإن ما أنتجاه لم يكن نتيجة لتأثيرات آنية وإنما ضرورات عصرية اقتضت ضروباً شتى من الدراسات العلمية التي أنجزاها، لن نبالغ إذا قلنا أنها تساهم في تمكين  الإنسان السوداني المسلم من استشراف رحاب الفكر الإسلامي.
الترابي والمهدي رمزان فكريان وسياسيان من رموز هذا البلد الذاخرة . فمن موقعهما أسسا لحركات فعلية أسهمت في صنع تاريخ وحاضر هذا الوطن وإن تم تكفيرهما فيجب على عقلاء هذا الوطن أن يبحثوا في المواقف والأحداث والتي هي نتاج تراكمات تاريخية بين أفكار متقاطعة أدت في النهاية إلى هذه المواجهة الحادة.والتقليل من فكرهما أو أدوارهما هو ضرب من إبادة الانتاج الفكري كمثل ذلك الذي تم في ظلاميات العصور الوسطى.
فالصادق المهدي الذي تم تكفيره هو الداعي للحل والتأصيل الإسلامي عبر الإجماع الشعبي وبالوسائل الدستورية والتبشير بالصحوة الإسلامية وتطبيقها على المجتمع والإقتصاد لحل قضايا البلاد . وهو المنادي بالكف عن التلاعب بالدين وبالشعار الإسلامي لصالح الكسب الدنيوي .وهو إمام الأنصار بالانتخاب والأمين العام لهيئة شؤون الأنصار ومجلس الشورى لكيان ديني يقوم على الشورى والمؤسسية.
والترابي الذي يرتكز تفكيره على "التوحيد في كل شيء والحرية في كل شيء" يدعو إلى فهم الدين بطريقة لا تصوّر الإسلام غريباً أو مهيباً فشمول الدين لأوجه الحياة من فن وجمال وعلم وسياسة هي التي جعلت كتبه ذات طابع تجديدي تأسيسي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر .وهو الذي لم يلن عندما  انقلب عليه نظام النميري بعدما فرض الحليفان حكومة النميري وجبهة الميثاق الإسلامي قوانين الشريعة الإسلامية المتعارف عليها بقوانين سبتمبر في عام 1983م . كما انقلبت عليه بعدها حكومة الإنقاذ بعد اختلافه معها حول قضايا الشورى والحريات والفساد والتي انتهت بحل البرلمان عام 1999م .
القضية ليست مخالفة الزعيمين للشرع لأنه لا يجدر بهما ذلك ،كما لا تملك أي زعامة أخرى حق إلقاء صحائف المعصية في وجهيهما . ولا يمكن بالطبع غض الطرف عن الانشقاقات في الحركة الإسلامية السودانية وتضارب التأويلات حولها ، فما زالت غالبية الآراء تعتبرها خلافات شخصية وتنافسية أكثر منها فكرية ، فالثابت إذن هو انتهاج خطي الزعيمين الفكري  لسنة التجديد.
وبالنظر إلى ما وصل إليه الحال في ظل هذا الحكم والتشوهات التي غطت وجه التركيبة الاجتماعية السودانية ،يمكن لأي شخص أن يشك في أن القضية ليست قضية حجاب وحرص على عفة المرأة السودانية . فأين هي الجماعات الإسلامية ودورها تجاه الذين (يسعون في الأرض فسادا) وما حكمها على ممارسيه بالجرم المشهود.إذن الأزمة هي أزمة تطور نتمنى أن ينتهي إيجابياً ، وفترة مخاض لمرحلة قادمة نتمنى أن يجتازها المختلفون.
عن صحيفة "الأحداث"

 

آراء