تحديات العلاقة ومقومات التواصل
علاقة جمهورية السودان بدولة جنوب السودان الوليدة:
تحديات العلاقة ومقومات التواصل
مقدمة
يبدو من قراءة الأوضاع الراهنة أن المشهد السياسى علي مستوي المسرح الدولي والإقليمي, يشهد العديد من المتغيرات، والمتابع للأحداث علي مستوي القارة الأفريقية يلحظ العديد من المتغيرات في النظم الإقليمية الفرعية في القارة الأفريقية, وذلك لتأثر النظم الإقليمية الفرعية الأفريقية بالتحولات العالمية, وعلي سبيل المثال نجد أن منطقة القرن الأفريقي التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإقليم حوض نهر النيل، حيث أن أغلب دولها تنتمي له, تشهد تغيرات جيوسياسية عميقة, تهدف فى مجملها لصياغة خارطة المنطقة بشكل جديد, بصورة تعبر عن مصالح قوي خارجية ترغب في انشاء إقليميات جديدة, تعظم نفوذها ومصالحها الاقتصادية والسياسية من خلالها، وعليه شهدت منطقة القرن الأفريقي في الاونة الاخيرة, إنبثاق دول جديدة (اريتريا – جنوب السودان – جمهورية أرض الصومال التى لم يعترف بها حتى الآن)، وبروز مسألة الإثنية والعرقية مقابل إضمحلال القومية، ولقد شكل إنبثاق دولة جنوب السودان الوليدة, بداية لإنتهاء عهد الدولة التي ترتكز علي أُسس قومية, والإتجاه نحو بناء دول ترتكز علي أُسس إثنية, والتي بدأ تطبيقها فعلاً في أثيوبيا, التي تبنت إسلوب الفدرالية الإثنية.
تشكل الدولة الوليدة في جنوب السودان:
في إطار التحولات في النظام العالمي, وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي في بدايات تسعينات القرن الماضي، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية علي مجريات الأحداث العالمية، حيث أضحت القطب الوحيد المسيطر علي العالم, بالرغم من وجود دول أُخري كُبري وأُخري صاعدة في عالمنا المعاص، وإتجهت الولايات المتحدة الأمريكية لضبط إيقاع التفاعلات الدولية هرمياً بالتعاون مع دول كبري لتحقيق مصالحها الحيوية، كما تبنت إستراتيجية للتحكم في النظم الإقليمية والسيطرة عليها, عبر إستخدام مسألة حقوق الإنسان, وحقوق الأقليات والإثنيات, ومشاكل البيئة, بغرض تحقيق فلسفة الولايات المتحدة الأمريكية, التي تنادي بنشر قيم الليبرالية والثقافة الغربية, بإعتبارها النموذج الأمثل الذي يجب أن تحتذي به كل دول العالم، عليه نتيجة لإرتباط إقليم القرن الأفريقي بمصالح النظام العالمي الجديد, بحكم ما توجد فيه من ثروات وموارد طبيعية وبشرية هائلة، يمثل البترول فيها أحد أهم هذه الثروات المستهدفة في إقليم القرن الأفريقي, وتليه أهمية مصادر المياه العذبة المتجددة في إقليم حوض نهر النيل، نجد أن إقليم منطقة القرن الأفريقي أصبح يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمصالح النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, والتي بالطبع تحركها من خلف الكواليس مصالح الحركة الصهيونية العالمية، التي تسعي للسيطرة علي العالم, عبر إضعاف العالم العربي والإسلامي بإستخدام الغرب المسيحي لتعميق شدة الإختلاف بين الإسلام والمسيحية.
نتيجة للمعطيات أعلاه، ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية, والدول الغربية, ودولة إسرائيل في إنبثاق دولة الجنوب الوليدة، لتكون دولة فاصلة للمصالح الأمريكية والغربية في منطقة القرن الأفريقي, وإقليم حوض نهر النيل, ودولة تعمل علي خنق العالم العربي والإسلامي من جنوبه, ولذلك لم تكن مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإيقاد, سوي إتجاه أمريكي غربي إسرائيلي لفصل جنوب السودان عن شماله, للحد من التواصل العربي الأفريقي الذي يشكل السودان أحد أهم ركائزه، وللضغط علي السودان ومن ثم مصر في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يمثل إنبثاق دولة جنوب السودان إضافة دولة جديدة في إقليم حوض نهر النيل, وبالتالي زيادة عدد الدول في الإقليم ليس من مصلحة الأمن المائى للدولة المصرية، كما يمثل هذا الإنبثاق لدولة جنوب السودان, وفتحها لجبهات قتال في مناطق النيل الأزرق, وجنوب كردفان وأبيي والنيل الأبيض, في الحدود الجنوبية لجمهورية السودان, مؤشراً علي أن إتفاقية السلام الشامل, لم تكن تهدف لحسم الحرب الأهلية في السودان, وإنما تهدف لفصل الجنوب, والعمل من خلال الدولة الوليدة علي تهديد الأمن الوطني السوداني, وبالتالي تهديد الأمن القومي العربي, أي انه منهج وإسلوب عمل غربي وصهيوني, تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تطويع الثقافات العربية والإسلامية, والحد من إنتشارها بإتجاه الجنوب الأفريقي, وهي سياسة إسرائيلية معلنة من قبل, تسمي سياسة شد الأطراف, التي تسعي عبرها لشد أطراف العالم العربي والإسلامي, ومن ثم بترها, من أجل اضعاف العالم العربي والاسلامي في اطار الصراع العربي الإسرائيلي, وما يؤكد ذلك, إنه بالرغم من انفصال الجنوب بهدوء تام عبر وفاء السودان بتحقيق تقرير المصير, وإعترافه بالدولة الوليدة في الجنوب، تم رفع العقوبات عن الدولة الوليدة, ولم ترفع عن الدولة الأُم، وقام المجتمع الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية) بالإعتراف ودعم الدولة الوليدة في زمن قياسي, بينما تضع الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية العراقيل امام الإعتراف بالدولة الفلسطينية، تم رفع العُقوبات عن الدولة الوليدة، كما تم رفع حظر بيع الأسلحة عنها، بينما لم يتم رفع العقوبات عن السودان، وأُبقي حتي الآن في ظل قائمة الدولة الراعية للإرهاب، بينما لا زال العمل العدائى مستمر من قبل دولة جنوب السودان, علي الحدود الجنوبية لجمهورية السودان، دون إستنكار من جانب الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية، بينما يشكل تحرك الدولة السودانية لإحتواء التمرد المدعوم من قبل جنوب السودان بإستعمال القوات المسلحة، إتهاماً للسودان بقتل المدنيين وقصف دولة جنوب السودان والإعتداء عليها، عليه تؤكد كل تلك المؤشرات أعلاه، أن إنشقاق وإنبثاق وتشكل دولة جنوب السودان، هو إطار يصب في خانة تشكيل دولة جديدة، وإقليميات جديدة، تعمل علي تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية التى تحركها, في منطقة إقليم حوض نهر النيل وشرق أفريقيا، من أجل تحقيق مصالحها العليا, التي تتعارض مع مصالح الهويات الثقافية في المنطقة, التي تتعارض مع سياسة الهيمنة والنفوذ التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة .
الأوضاع في جمهورية السودان قبل وبعد الإنفصال:
في ظل رغبة السودان في إنهاء الصراع القائم في جنوب السودان, بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية المتمردة، توصل السودان في عام 1997 م, لإتفاق سلام مع الجناح المنشق من الحركة الشعبية, اٌطلق عليه إتفاقية الخرطوم للسلام, ولكن هذا الإتفاق لم يجد مساندة المجتمع الدول لأنه لم يحقق مصالحه، كما أنه لم يستوعب القوي الرئيسية فى الحركة الشعبية, وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد الراحل جون قرن, وعليه لم تصمد إتفاقية الخرطوم للسلام، ولم تحقق الغرض الرئيسي منها، والذي يتمثل في إحلال السلام في السودان, عليه إتجهت الحكومة السودانية للجلوس مع الحركة الشعبية, عبر مظلة الايقاد, برعاية أمريكية وضمانات غربية، الي أن تم التوصل الي اتفاقية السلام الشامل(CPA) في التاسع من يوليو2005 م, والتي إعترف فيها السودان بحق تقرير مصير الجنوب، بيد أن الإتفاقية حوت ضمن طيات بنودها تغليب عامل الوحدة يبن شقى السودان علي الانفصال.
عند بداية الفترة الإنتقالية, وبعد وفاة قائد الحركة الشعبية, العقيد الراحل جون قرن, وضح تماماً ان القيادة الجديدة للحركة الشعبية, تتجه نحو الإنفصال وتشكيل دولة جديدة بجنوب السودان, ولقد عبرت العلاقات المضطربة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (مشكلة أبيي – وتقاسم الثروة والسلطة)، عن مدي عمق عدم التجانس بين الطرفين في إدارة أمور البلاد في الفترة الإنتقالية، وربما عكس انسحاب الحركة الشعبية المتكرر وتهديدها المستمر بالإنسحاب من الحكومة، ودعمها للحركات المتمردة في دارفور، والدور الأمريكي في تدريب وتسليح جيش جنوب السودان عبر شركة(CTC) لتطوير الاسلحة، والإنتشار الكثيف لجيش الحركة الشعبية (SPLA) علي حدود 1956 م الفاصلة بين جنوب السودان وشماله، وتوجه الحركة الشعبية لإقامة علاقات دولية, عبر إنشاء مكاتب تمثيل لها بالخارج، أحد المؤشرات التي تدل علي نزعة الحركة الشعبية نحو الإنفصال.
عليه بالرغم من إرادة حكومة جمهورية السودان القوية لتحقيق الوحدة, حدث إنفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو من العام2011 م, عبر إستفتاء قال عنه أحد قيادات الحركة الشعبية المنشق منها والمعارض لها, أن إنفصال جنوب السودان لم يتم برغبة كل اهل جنوب السودان، لكنه إنفصال تحقق برغبة النخبة المسيطرة علي الحركة الشعبية, بإيعاز من جهات خارجية ترتبط مصالحها معها، وأن نتيجة الاستفتاء لم تكن واقعية، وشابتها العديد من عمليات التزوير, وأن عدد 300 ألف فقط من جملة تعداد سكان جنوب السودان البالغ عددهم 000،8 مليون نسمة, هم الذين صوتوا في الاستفتاء، وأن أغلبهم لم يصوتوا لصالح الانفصال.
إذن بالرغم من إرادة تحقيق السلام والوحدة من قبل جمهورية السودان، إنفصل جنوب السودان، وبالرغم من أن عملية الإنفصال تمت بكل هدوء وبحضور رئيس جمهورية السودان, إلا أن خطاب رئيس دولة جنوب السودان في إحتفال الانفصال وتكوين الدولة الوليدة، أشار فيه بوضوح لدعمه لمتمردى دارفور وأعضاء الحركة الشعبية فى جبال النوبة والنيل الأزرق, وكذلك خطاب المبعوثة الامريكية سوزان رايس, أشارت فيه بوضوح أن إنفصال جنوب السودان تم إنتزاعه بالقوة، ولقد تم إنزال هذه الاشارات السالبة في خطاب سلفا كير وسوزان رايس علي أرض الواقع عبر تصعيد دولة الجنوب لقضية أبيي, وبعدها إشعال القتال في مناطق النيل الازرق وجبال النوبة, وإتهام الولايات المتحدة الامريكية للسودان بضرب المدنيين في جبال النوبة والنيل الازرق وأبيي، بينما شكل إيقاف تصدير النفط الجنوبي عبر الخطوط الناقلة له فى الشمال ومنها إلى لميناء بشائر في البحر الاحمر، وإتهام دولة جنوب السودان لجمهورية السودان بسرقة النفط الجنوبي، وقيام الحركة بشن هجوم علي حقل هجليج النفطي في السابع والعشرون من مارس من العام الجاري، أحد أهم أدوات التصعيد من قبل الجنوب لزعزعة الإستقرار في جمهورية السودان، وبالرغم من المحاولات الأفريقية لرأب الصدع في العلاقات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة، إلا ان أنسحابات وفد الحركة المتكررة من المفاوضات، وإستناد الدولة في الجنوب علي علاقتها مع الولايات المتحده الامريكية, فى لعب دور وظيفي يهدف لتغيير النظام في السودان بإعتباره نظام مناويء للولايات المتحدة الأمريكيه, نتيجه لتبنيه نموذج الثقافه العربيه الاسلاميه كهوية وطنية التى تتعارض مع نموذج الثقافه الليبرالي الغربي الذي يعمل علي تطبيع الهويات الثقافيه الأخري في إطار ثقافه العولمه التي يتبناها.
مقومات التواصل بين جمهوريه السودان وجنوب السودان:
بعد إنفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان في التاسع من يوليو من العام 2011، أصبح جنوب السودان دولة ذات سيادة, وعليه أصبح التعامل بينه وبين الوطن الأم جمهورية السودان, يتم وفقاً للقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين وحدات المنتظم الدولي، وعليه هنالك العديد من المقومات التي يمكن الإرتكاز عليها في بناء علاقات قويه بين البلدين، منها التداخل والتصاهر بين المكونات القبليه والإثنيه في حدود البلدين, والتي يمكن أن تعمل علي خلق روابط إندماجيه بين البلدين، بينما تشكل الروابط الثقافيه المشتركة بين الشمال والجنوب, أحد ركائز التواصل بين الشعبين، فالثقافه التعليميه والغذائيه المشتركة تؤطر لمزيد من التعاضد والترابط بين القطرين، وربما شكل العامل الإقتصادي أحد اهم الروابط بين البلدين، فبالرغم من توقيف ضخ النفط الجنوبي عبر خطوط نقل البترول في الشمال السوداني, فإن تصدير نفط الجنوب عبر الشمال, سوف يظل أنسب الطرق لتصدير نفط الجنوب لإعتبارات طوبغرافيه وإقتصادية, ولقرب المسافه بين مناطق الانتاج والتصدير والتي تقدر بحوالي (1600) كلم، بينما تشكل السلع الغذائيه المنتجة في جمهورية السودان, بالإضافه للسلع الصناعيه الأخري، سلع تعود المستهلك في جنوب السودان عليها, وبالتالي شكلت جزءاً من نمط ثقافته الاستهلاكيه، بينما تشكل قاعده الشركات السودانية التي تعمل في مجال البنية التحتية وإستخراج البترول، فرصاً لدولة جنوب السودان الوليدة للإستفادة من خبراتها في مجال تطوير البنية التحتية, وإستخراج البترول, كما تشكل الطرق البريه وخطوط السكك الحديدية بين البلدين, أحد الوسائل المهمة لربط دولة جنوب السودان بمواني البحر الاحمر, لخدمة صادراتها ووارداتها, بالاضافه لربطها بالأسواق العالمية المهمة في الشمال الأفريقي والخليج العربي والغرب الافريقي، وعليه فإن مقومات التواصل بين البلدين, تعد من أكبر الفرص التي يمكنها من ترسيخ العلاقات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة, في إطار خدمة مصالح كل من الشعبين, وتلبيه طموحاتهم الآنيه والمستقبليه، وفي إطار تحقيق التكامل الإقتصادي الإقليمي, ومن ثم التكامل الاقتصادي القاري, الذي يسعى الاتحاد الافريقي لتحقيقه, في إطار تشكيل إندماج إقتصادي أفريقي يعزز من فرص تنمية ونمو الإقتصاد الأفريقي.
التحديات التي تواجه العلاقه بين البلدين:
بعد توقيع اتفاقيه السلام الشامل (CPA) في التاسع من يوليو2005 م، وفي أثناء الفترة الإنتقالية, برزت أزمه ثقة حاده بين النخبه الحاكمة في الحركه الشعبيه والمؤتمر الوطني, أثرت على العلاقه بين الطرفين، وإستمرت أزمه الثقة بين الطرفين الي ما بعد إنفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان، مما أسهم في وجود فجوة في العلاقات بين البلدين، وتبقى مسأله عدم إكتمال التفاوض حول الملفات العالقة بين الطرفين أمراً يشكل تحدياً كبيراً لكل من الطرفين, ويقف عائقاً أمام التوصل لإتفاق حولها, وخاصه مسأله ترسيم الحدود ومسأله ابيي، بينما يشكل ملف النفط والديون أحد الملفات الهامة التي تقف عائقاً في تطبيع العلاقات السياسيه بين البلدين، وربما كان لتأثير العامل الخارجي على النخبه الحاكمة في دولة جنوب السودان الوليدة أثراً كبيراً في إحداث فجوة عميقة في العلاقات بين البلدين، فعدم حسم ملفات الحدود وأبيي والبترول من قبل الوساطه المتمثله في الايقاد برعاية الولايات المتحده الامريكية, والإسراع في توقيع اتفاق السلام الشامل، أسهم في إشعال هذه الملفات بعد أن إنفصل جنوب السودان عن وطنه الأم جمهورية السودان، بينما شكل إنحياز الولايات المتحدة الأمريكية الي جانب دولة الجنوب في كل المواقف, عاملاً أسهم فى عدم الرضا والإرتياح من جانب حكومة جمهورية السودان، وفى جانب آخر يواجه الوسيط الأفريقي ظروفاً صعبه لتقريب وجهات النظر بين البلدين, نتيجة لإنسحابات وفد جنوب السودان المتكرر من المفاوضات, معبراً على الدوام على عدم رضاه من الوسيط الإفريقي, ومستنداً على الدعم الأمريكي السياسي لدولته، وربما شكل إنحياز الولايات المتحده الأمريكية لصالح دولة جنوب السودان, وزيارة سلفاكير لاسرائيل في أوآخر العام 2011 م, وإعلان كل من أثيوبيا وكينيا وجنوب السودان, عن رغبتهم في بناء ميناء لامو فى كينيا لتصدير نفط الجنوب من خلاله، والإعتراض على قبول عضويه السودان في المجموعه الاقتصاديه لشرق افريقيا (EAC), تحدياً آخراً في سبيل توطيد العلاقات بين الطرفين, حيث من الواضح أن هنالك لاعب دولي, وآخر إقليمي, يعملان على دفع دولة جنوب السودان لتوطيد علاقتها مع دول شرق أفريقيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً على حساب علاقاته مع دولته الأم جمهورية السودان، والعمل على إحداث قطيعه بينه وبين محيطه العربي والاسلامي، ولعل تكتل دول المنبع ضد دول المجرى والمصب الإفريقيتين العربيتين, يعطي مؤشراً لذلك، وربما تكون الثورات العربية التي حدثت في الشمال العربي الأفريقي, وإنبثاق تنظيمات إسلاميه ذات ثقل جماهيري فى الساحة السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا, جعلت من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل, أن تمارس ضغوطاً على جمهورية السودان عبر دولة جنوب السودان, بإعتبار أن تهديد الكيان في شمال السودان سوف يساعد على التأثير والضغط على تشكل مصر ما بعد الثورة, وأن الوجود الإسرائيلي في جنوب السودان سوف يسهم في تعقيد ملف مياه النيل, الشىء الذي قد يساعد على الضغط على مصر ما بعد الثورة لترضخ للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، نتيجة لظهور مواقف متشددة من قبل مصر مابعد الثورة, تطالب بالغاء اتفاقية كامب ديفيد, عليه تُشكل التحديات التي تم التعرض عليها أعلاه, أحد العوائق في تحسين مسار العلاقات بين جمهورية السودان وجنوب السودان.
الخاتمة:
يبدو أن مسار العلاقات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة, تعتريه العديد من العقبات التي تعمل علي توسيع الفجوة والهوة بين الطرفين, لإعتبارات تعمل علي تحقيق مصالح قوة دولية وأخرى إقليمية في المنطقة، علي حساب تطوير العلاقات الودية بين الدولتين وتحقيق التعاون والتكامل بين دول المنطقة، ولعل إستمرار حالة العداء بين أثيوبيا وأرتريا نتيجة للخلاف حول المنطقة الحدودية بينهما, بالاضافة لبروز الخلاف بين دول المنبع والمصب، والجود العسكري الامريكي في منطقة شرق أفريقيا (AFRICOM), وتعزيز وجوده في منطقة البحيرات (أوغندا كينيا أفريقيا الوسطى)، وزيارة رؤوساء أوغندا وكينيا وجنوب السودان لإسرائيل في فترات متقاربة نهاية العام 2011 م, وإستبعاد مصر من مظلة القيادة الأمريكية لأفريقيا, وجعلها تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM), تبرهن علي أن العامل الخارجي أصبح العامل المؤثر في تشكيل منطقة القرن الأفريقي، والتأثير علي العلاقات بين دول المنبع والمجري والمصب في إقليم حوض نهر النيل، وعليه تأثرت علاقة السودان بدولة جنوب السودان سلبياً، نتيجة للتحولات الإقليمة في المنطقة، الهادفة لاعادة صياغة المنطقة وفقاً لمفاهيم جديدة تعبر عن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما، وبما أن السودان يرفع شعار الهوية العربية والاسلامية، فهو يوصف على الدوام من قبل النظام العالمي الجديد دولة مناوئة له يجب تطويعها ودمجها في ثقافة العولمة, عبر ممارسة العديد من الضغوط عليه من إتجاه دولة جنوب السودان, وعليه سوف يصبح مسار العلاقات بين السودان وجنوب السودان تعتريه العديد من الصعوبات, ما لم تتكتل الأطراف العربية مجتمعة, وتحدث إختراق إيجابي يصب في صالح تحسين علاقات جمهورية السودان بدولة جنوب السودان الوليدة, وتعمل علي تعزيز مصالح الأطراف العربية في المنطقة, وتحييد الأطراف الأخري التي تمارس مخططات لاتصب في صالح مصالح الأطراف العربية في المنطقة.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الأفريقى
asimfathi@inbox.com