أمريكا الشمالية والزحف نحو أفريقيا
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
12 June, 2012
12 June, 2012
بسم الله الرحمن الرحيم
دوافع التحرك الكندى للحصول على قواعد بأفريقيا وآسيا
مقدمة:
يبدو من متابعة الأحداث فى القارة الأفريقية, أن أفريقيا مرشحة لأان تكون أحد أهم المسارح الرئيسية التى سوف تشهد صراعاً عنيفاً بين القوى العالمية التى تسعى للسيطرة على مواردها الطبيعية والبشرية, والتغييرات الجيو إستراتيجية التى تشهدها معظم أقاليم القارة الأفريقية حالياً وبالتحديد منطقة القرن الأفريقى ومنطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء ومنطقة الشمال الأفريقى, تعكس مدى سخونة الأجواء التنافسية بين القوى الطامحة فى السيطرة على موارد القارة الأفريقية, وبينما تغلغل النفوذ الصينى فى القارة الأفريقية عبر خدمة مسارات التنمية والبنية التحتية فى دول القارة الأفريقية مقابل الحصول على المواد الخام الأولية وبالتحديد البترول وموارد الطاقة الأخرى, نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية إنتبهت لأهمية القارة الأفريقية لمصالحها الإستراتيجية بعد إنتهاء الحرب الباردة فى بداية تسعينات القرن الماضى, وبالتحديد فى أوآخر العام 1998 م فى نهايات عهد الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية بيل كلنتون, ولكن إصدمت الولايات المتحدة الأمريكية فى طريق عودتها لتثبيت أقدامها فى المناطق الحيوية فى القارة الأفريقية بقوة تغلغل النفوذ الصينى الذى أوفى بكامل إلتزاماته نحو تنمية القارة الأفريقية, الشىء الذى لم تفعله الولايات المتحدة الأمريكية, فما كان لها من مفر سوى أن تعمل على عسكرة سياستها إتجاه القارة الأفريقية, ولذلك قامت بتأسيس القيادة الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) من أجل الحد من إنتشار النفوذ الصينى فى أفريقيا ومحاولة إبعاده من القارة الأفريقية وخلق كيانات إقليمية فى أفريقيا تساعدها فى تحقيق مصالحها الحيوية, وذلك عبر زيادة رقعة الحروب وفرض عدم الإستقرار فى جميع أقاليم القارة التى ترتبط بمصالحها الحيوية, ومن ثم إعادة صوغ دول القارة الأفريقية بصورة تخدم مسارات المصالح الحيوية الأمريكية فى أفريقيا, والآن كندا ذلك القطر الغنى بالموارد الطبيعية الذى يقع فى أقصى االغرب فى منطقة الشمال من قارة أمريكا الشمالية, بدأت تخرج من عزلتها وتبحث لها عن قواعد إستراتيجية ومناطق نفوذ فى كل من أفريقيا وآسيا, وقد يفسر هذا الخروج الكندى من العزلة فى إتجاه دعم إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فى سبيل تعزيز قبضتها وسيطرتها على العالم, والحد من تنامى النفوذ الصينى فى أفريقيا وآسيا وبقية دول العالم, وربما يفسر فى نزعة كندا (إسرائيل القوة الكامنة) لتصبح دولة قائدة ومؤثرة فى النظام العالمى فى ظل تشكل عالم متعدد الأقطاب.
الدور الكندى المساند للولايات المتحدة الأمريكية:
من الواضح أن كندا أصبحت تلعب دوراً مسانداً للولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر من العام 2001 م, وانها ظلت ولاتزال تدعم الولايات المتحدة الأمريكية فى حربها على ما يسمى بالإرهاب فى كل من أفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم, وهى لا زالت تمتلك آلاف الجنود فى أفغانستان, كما تشير بعض المعلومات المؤكدة بوجود مجموعات من القوات الكندية الخاصة بقاعدة ليمونيه الأمريكية بجيبوتى والتى أنشئت فى العام 2002 م مقابل إيجار سنوى من جيبوتى يبلغ 30 مليون دولار, كما تشير معلومات مؤكدة إلى وجود شركة كندية تعمل فى مجال تنقيب البترول فى السواحل الشمالية للصومال, وهذه الشركة تدعى أويل كورب (OIL CORP), وتقول أويل كورب أن كميات النفط المتوقع إنتاجها من هذه المنطقة ربما تصل إلى أكثر من مليون برميل نفط فى اليوم, والجدير بالذكر أن هذه الشركة تقيم أبراج للحراسة على طول مناطق إستكشافاتها النفطية تحرسها شركات حراسة كندية خاصة, كما أن كندا ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال مكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة الساحل الأفريقى فى إطار المبادرة الأمريكية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء (PAN SAHIL COUNTER TERROSIM INITITATIVE) التى تم العمل بها عام 2005 م, والتى إنبثقت من مبادرة مكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة الصحراء لعام 2002 م, ولدولة كندا قوات خاصة تعمل فى إطار هذه المبادرة متواجدة فى مالى حتى الآن, وقد يعكس توقيع القائد العام للقوات الكندية إستيورت بيير(STEURT BEARE) لإتفاقية تعاون مع الحنرال كارتر إف حام (CARTER F HAM) قائد القوات الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) لتنسيق أعمال القوات الكندية سيفكوم (CEFCOM) والقوات الأمريكية فى أفريقيا أفريكوم (AFRICOM) للعام 2012 م, نوعاً من التحالف بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية فى سبيل تحقيق هيمنة القوى التحالفية لأمريكا الشمالية على أفريقيا وبقية دول العالم.
وتعمل الآن كندا على إيجاد قواعد عسكرية إستراتيجية لها فى أفريقيا فى كل من تنزانيا وكينيا فى منطقة الشرق الأفريقى بالإضافة لقواعد أخرى فى منطقة الغرب الأفريقى, بالإضافة لإنشاء قواعد أخرى فى آسيا وأمريكا اللاتينية, وقد جاء هذا الإعلان الكندى عن الإستراتيجية الكندية الجديدة لإقامة قواعد عسكرية فى سبعة مناطق عالمية ذات موقع إستراتيجى متزامناً مع زيارة وزير الدفاع الأمريكى ليو بانيتا لآسيا وإعلانه عن إستراتيجية أمريكية جديدة فى قارة آسيا تستهدف نقل جميع الأساطيل الأمريكية الحربية بنهاية عام 2020 م لمنطقة المحيط الهندى وبحر الصينى الجنوبى, الذى تمر به تجارة الصين العالمية والتى تقدر بحوالى 5.5 ترليون دولار أمريكى سنوياً, وربما يكون هنالك تنسيقاً محكماً بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية من أجل العمل على إحتواء النفوذ الصينى, والإنفراد بموارد القارة الأفريقية الطبيعية والبشرية, ولا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت منذ العام 2002 م أنها فى حوجة ماسة للبترول وأن أفريقيا تشكل الأرض الواعدة لتعويض الولايات المتحدة الأمريكية إقتصادياً من البترول وموارد الطاقة والموارد الأولية الأخرى, وبينما تذخر كندا بموارد أولية ضخمة وإحتياطات هائلة من الموارد الطبيعية وتمتلك إحتياطات ضخمة من البترول والماس والمعادن الهامة الأخرى, يبقى السؤال المطروح الآن ما هو سر هذا التمدد الكندى الإستراتيجى فى مناطق العالم الأخرى, وربما نستطيع القول فى هذا الصدد وفقاً لمعطيات رئيسية تستند على فكرة أن الإدارات الحاكمة فى كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية تسيطر عليها اللوبيات الصهيونية, وبالتالى يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) إنهكت إقتصادياً فى معركتها على ما يسمى بالإرهاب, وبما أن فى إنتظارها معارك أخرى لإحتواء النفوذ الصينى المتنامى فى العالم, بالإضافة إلى فرض نفوذها على موارد القارة الأفريقية والقارات الأخرى فى العالم, فإن كندا (إسرائيل القوة الكامنة) أخذت تخرج من عزلتها بتأثير من اللوبى الصهيونى المتحكم فى الإدارة الكندية من أجل دعم الولايات المتحدة الأمريكية فى معركتها ضد ما يسمى بالإرهاب, وإحتواء النفوذ الصينى فى القارة الأفريقية, والسيطرة على موارد القارة الأفريقية الطبيعية والبشرية, ولعل هذا هو التفسير الوحيد الذى يجعل من كندا أن تفكر فى التمدد خارج حدودها والخروج من عزلتها عبر إقامة قواعد إستراتيجية فى مناطق حيوية فى أفريقيا وآسيا, لأن كندا لديها موارد وإحتياطات معتبرة من الموارد الطبيعية تكفيها لفترات طويلة, وأن معظم تجارتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية, إذن ما حوجة كندا للتمدد فى مناطق بعيدة من موقعها الجغرافى سوى رغبة اللوبى الصهيونى فى مساندة الولايات المتحدة الأمريكية المترنحة إقتصادياً فى السيطرة على أفريقيا للتعويضها إقتصادياً, والحد من تغلغل النفوذ الصينى فى أفريقيا والذى أصبح يشكل خطراً مباشراً على أمن الطاقة الأمريكى حسب وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية, إذن مصالح الحركة الصهيونية العالمية التى تسعى لتكوين حكومة عالمية تهيمن بها على مقدرات شعوب العالم هو الذى يقف وراء دفع كندا للتمدد خارجياً لخدمة أغراض المشروع الصهيونى العالمى.
المشروع الكندى لإنشاء قواعد عسكرية إستراتيجية فى مناطق حيوية من العالم:
بدأ التفكير الكندى فى إنشاء قواعد عسكرية إستراتيجية فى مناطق حيوية من العالم بعد أحداث العاشر من سبتمبر 2001 م, وقد قدم إستشاريين كنديين إستراتيجيين إستشاراتهم فى هذا الخصوص للحكومة الكندية, من أجل المساعدة فى مكافحة ما يسمى بالإرهاب, والإستجابة للحروب القادمة والأزمات والكوارث الإنسانية على حد قولهم, بينما جاءت الأوامر الرسمية للقيام بهذا المشروع فى نوفمبر من العام 2008 م, حيث اصدر رئيس هيئة الأركان للجيش الكندى الجنرال والتر (WALTER) تعليمات للبدء فى إنشاء هذه القواعد الإستراتيجية, قائلاً انها سوف تساهم فى خفض التكاليف عن طريق تخزين المعدات واللوازم القتالية الأخرى فى خارج كندا, وهى معدات وآليات حربية نحن فى حاجة إليها فى عملياتنا الحربية القادمة !؟, وقد قال مسؤل فى قيادة دعم القوات الكندية كانوسكوم (CANOSCOM) أن التحضير لإنجاز هذا الغرض سوف يأخذ وقتاً طويلاً وان هنالك ميزانية مبدئية لإنجاز المهام الأولية والتحضير لتكوين هذه القواعد الإستراتيجية تقدر بحوالى 500.000 مليون دولار أمريكى.
وتستهدف كندا سبع دول فى مواقع إستراتيجية من العالم لإنشاء قواعد عسكرية فيها, منها كينيا وتنزانيا فى الساحل الشرقى لأفريقيا, ومالى ودولة اخرى فى غرب أفريقيا, وسنغافورة فى آسيا, بالإضافة لقاعدة فى أمريكا اللاتينية, من أجل أن يكون لها أثر دائم فى منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبى وعلى جانبى القارة الأفريقية ومنطقة جنوب شرق آسيا, وهى تسعى فى ذلك لإنشاء شبكة من القواعد البحرية والجوية ومهابط خاصة للطائرات بدون طيار المقاتلة, التى سوف تنتج كندا الجيل الحديث منها قريباً بعد إجراء تجارب ناجحة للتصاميم التى أعدتها لها قبل أن تدخل مرحلة التصنيع, وقد قال وزير الدفاع الكندى بيتر ماكاى (BETER MAKAY) أن كندا تسعى بنشاط فى هذه الآونة لإقامة هذه القواعد, وأن واحدة من هذه القواعد سوف تكون فى الساحل الشرقى لأفريقيا وأخرى فى سنغافورة.
ولا تعرف الدوافع السرية من تصميم إنشاء كندا لهذه القواعد الإستراتيجية فى أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا, ولكن معطيات التحليل تدفع بوجود دور للحركة الصهيونية المسيطرة على الإدارة الكندية فى تحريك كندا فى هذا الإتجاه, لإحكام السيطرة على العالم, والحد من نمو النفوذ الصينى المتعاظم عالمياً, بالإضافة بالإضافة لتدجين كل ما هو عربى وإسلامى والذى يتعارض أيدلوجياً مع أهداف الصهيونية العالمية, وبينما دفع هذا اللوبى الصهيونى المسيطر الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من عزلتها المجيدة ومشاركتها فى الحرب العالمية الثانية للحفاظ على المصالح الصهيونية فى أوربا, وجعلها فيما بعد القوة الرئيسية فى محاربة النفوذ السوفيتى الصاعد فى ذلك الوقت والمناهض لها أيدولوجياً, نجد أن اللوبى الصهيونى يدفع الآن بكندا (إسرائيل القوة الكامنة) للخروج من عزلتها لمساندة الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) فى إطار إحتواء النفوذ الصينى والمد العربى والإسلامى المتعارض معها أيدلوجياً, نتيجة لعدم قدرة الولايات المتحدة وحدها للقيام بهذه المهمة الشاقة والصعبة, وذلك نتيجة لخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب الباردة والحرب على ما يسمى بالإرهاب منهارة إقتصادياً ومعنوياً وإجتماعياً, وبالتالى كان لابد من دفع كندا (إسرائيل القوة الكامنة) من أجل مساندة الولايات المتحدة فى هذه المرحلة, أو القيام بالدور الرئيسى فى المعركة لإحتواء النفوذ الصينى وتدجين الأنظمة العربية والإسلامية فى إطار العولمة, عبر إستخدام شبكة من التحالفات التى أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض الأنظمة الأفريقية والآسيوية.
الخاتمة:
يقول الكنديون أنهم يستهدفون بإنشاء هذه القواعد المساعدة على القضاء على عدم الإستقرار العالمى فى المناطق الملتهبة فى أفريقيا وآسيا, بالإضافة للإستعداد للحروب القادمة ومجابهة الكوارث الإنسانية والطبيعية, وبنفس القدر يقول الأمريكيين أن الهدف من إنشاء أفريكوم (AFRICOM) وتبنى إستراتيجية عسكرية جديد إتجاه آسيا, يهدف لمحاربة ما يسمى بالإرهاب, وزيادة التعاون بين بلدانهم والبلدان الأفريقية والآسيوية الأخرى, بينما الدلائل على أرض الواقع تقول أن كلا البلدين يسعيان عبر قواهم التحالفية للسيطرة على موارد القارة الأفريقية والآسيوية معاً, ومحاربة النفوذ الصينى المتنامى, ويعترف الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش (GORGE W BUSH) فى خطابه أما الإتحاد الأمريكى فى عام 2002 م أن بلاده تحتاج بشدة للبترول حيث أن الإقتصاد الأمريكى أصبح يدمن البترول, وان الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تستورد ما يعادل 60% من إحتياجاتها النفطية من دول خارجية, وفى خطابه أمام مجلس الأمن القومى فى عام 2006 م, إعترف الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش بأن الصين أصبحت منافساً إقتصادياً وعسكرياً خطراً للولايات المتحدة الأمريكية وأشار لإختالفهم معها أيدلوجياً, وربما يفسر هذا الشىء تحرك الولايات المتحدة الأمريكية وإتخاذها لإستراتيجية جديدة لآسيا, وعزمها على نقل كل اساطيلها الحربية للمحيط الهندى وبحر الصين الجنوبى بنهاية عام 2020 م, بينما تشن الحرب على ما يسمى بالإرهاب لتدجين الدول العربية والشعوب الإسلامية التى تتعارض أيدلوجياً مع ثقافة العولمة وأهداف الصهيونية العالمية, وعليه خروج كندا من عزلتها لمساندة الدور الأمريكى لمحاربة النفوذ الصينى وتدجين الأنظمة العربية والشعوب الإسلامية, يصب فى خانة تعظيم مصالح الصهيونية العالمية التى تعمل للسيطرة على العالم منفردة وتكوين حكومة عالمية (SUPERINTERNATIONAL GOVERNMENT) تعمل على السيطرة على كل مقدرات شعوب العالم الأخرى, والتى تعتبرها الحركة الصهيونية أنها خلقت لتخدم وجودهم ومصالحهم, ومحاربة الإتحاد السوفيتى وإسقاطه فى بداية تسعينيات القرن الماضى, والعمل الذى يجرى الآن لإحتواء النفوذ الصينى يفسر إتجاه الحركة الصهيونية لإحتواء أى بروز لقوة عالمية أخرى لا تخضع لقوتها وأهدافها, والتى من شأنها أن تخلق موازين قوة تضر بمحاولاتها المستمرة للهيمنة على العالم.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الأفريقى
asimfathi@inbox.com