موسم العبرة من الشمال -3-

 


 

 





abdu osman [abdbdeaa@hotmail.com]
كنت قد كتبت مقالين منذ عام ونصف عقب الثورتين التونسية  والمصرية  تحت عنوان " موسم العبرة من الشمال(1-2) " دعوت من خلالهما الحكومة السودانية لأخذ العبرة  من الربيع العربي ، والرضوخ لصوت الشعب ، و إعادة  السلطة للشعب السوداني فورا و طوعا  ،  قبل أن ينتفض ويسترد سلطته بيده .

كان ذلك قبل انتصار الثورة الليبية واليمنية واندلاع الثورة السورية، كما دعوت الحكومة السودانية إلى اخذ العبرة والاعتبار قبل فوات الأوان،  فما من ثورة انطلقت وتراجعت، وعليها أن تستبق الثورة السودانية الوشيكة والكامنة في الصدور قبل اندلاعها.

و عقدت من خلال المقالين مقارنة بين الحالة المصرية قبل الثورة والحالة السودان في تلك اللحظة  ، وقلت :  الشعب السوداني هو  صاحب ثورتي ابريل وأكتوبر الباذختين وقد  حاز على  قصب السبق في تفجير الثورات ، والزج  بالدكتاتوريات  في غياهب النسيان ،  ومزابل التاريخ .   فبالأمس القريب كانت مايو وهي في آخر أيامها تتحدث عن وقوف  الشعب خلف الأخ القائد ،  ولا تأبه بما يدور ويمور في الصدور ، بسبب ما أوجدته من ظلم بتجبرها على شعب السودان ،  لينتفض الشعب ويدك معاقلها  ، يقذف بها في غياهب النسيان ،  لتكون من التاريخ وعبرة لمن يعتبر. فليس بمستغرب أن يثور الشعب السوداني فهو صاحب ثورات وصولات وجولات ولكن الغريب ألا ينتفض!.

كما قلت في المقال  : أن نجاح الثورة المصرية ومن قبلها التونسية يعتبر من  اكبر المحفزات للثورات العربية المندلعة ،  وان الثورات العربية أرسلت رسالة مفادها : أن الشعب إذا أراد التغيير فلابد للحاكم أن يستجيب ، ولا سبيل أمامه غير ذلك ، حتي  لو استخدم كافة أنواع الحيل،  والخطط والتكتيكات ، واعتمد على خبراته المتراكمة في الحكم ،  فكل ذلك اثبت عدم فعاليته .

و أشرت في الجزء الثاني من المقال بان  ما حدث في مصر في طريقه إلى الحدوث في السودان ، وذلك بسبب القرب الجغرافي و التقارب الثقافي بين شطري وادي النيل ، بالإضافة إلى التشابه الكبير بين ممارسات حزبي المؤتمر الوطني السوداني الحاكم  ، والحزب الوطني الديمقراطي المصري الحاكم سابقا . وقلت :  ليس بالإمكان التكهن  بتوقيت الثورة السودانية ، غير انه ليختلج في باطني أن ما  يمور في الصدور ليس أمامه والانفجار إلا أن ينفجر .

ولفتت إلى أن الانتفاضة السودانية واقعة كوقوع المطر في الخريف ،  فحين تتلبد السماء بالسحب الماطرة فماذا بعد ذلك غير  الهطول، أم حين توضع  البذرة في الأرض الخصيبة ، ويفاجئها الماء ، فهل أمام تلك البذرة غير الإنبات ؟.

وتمنيت في نهاية الجزء الثاني من موسم العبرة من الشمال أن يسجل الحزب الحاكم نقطة ناصعة في تاريخه السياسي ،  ويقوم بخطوات حقيقية وجادة في طريق الحل السياسي  وذلك   بجلوس الجميع على طاولة حوار متكافئ  ،  مع القيام بإصلاحات سياسية تتمثل في  ترميم الجسد السياسي السوداني ،  وفتح الباب أمام الحوار البناء والقائم على  المساواة والشفافية ، و فتح الإعلام الوطني أمام الجميع للإدلاء بدلوهم  وإسماع صوتهم  للجماهير ،  كما تمنيت أن يقوم الحزب الحاكم  بإنهاء حالة الاستقطاب السياسي ، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة ، وبهذا سيتم الخروج بالوطن إلى بر الأمان .

الآن  اندلعت الثورة السودانية و هي  في طريقها للانتصار فكلمة الشعب دوما هي العليا في ميزان السياسة وقوانينها ، وان طال الزمن وازدادت التضحيات . و  الثورة ستنتصر في نهاية المطاف كما انتصرت الثورات العربية الربيعية .

واعتقد  أن السودان يعتبر  قدوة للشعوب في تفجير الثورات ومعرفة بواطنها،  فقد فجر الشعب ثورتين من قبل حقق من خلالهما نصرا مؤزرا على الديكتاتورية والشمولية ، واليوم يعيد التاريخ نفسه ، وان كان اليوم ليس كالأمس ، فقد شهدت الساحة السياسية تغيرات جذرية ،  فضلا عن  التغيرات الإقليمية والدولية ، ولكننا نجد  أن الثورة السودانية قد اندلعت هذه المرة ، في وقت شهد العديد من الثورات في المنطقة وهذا يصب في مصلحتها  ويمثل دافع قوي لنجاحها.



ليس بالإمكان  إعادة الأمور في السودان لما قبل تفجر الثورة ، كما لا يمكن إرجاع عقارب الساعة في العالم العربي لما قبل الربيع العربي ،  ولكن أمام الحكومة السودانية والمؤتمر الوطني فرصة تاريخية حتي الآن ،  تتمثل في القيام بإصلاحات حقيقية وذلك بإعادة  السلطة للشعب السوداني الآن ، وتشكيل حكومة قومية ، فالرجوع للحق فضيلة ، وان كان ذلك بعد 23 عاما من المراوغة والمكابرة وتزييف الحقائق .  فالحقيقة الماثلة للعيان تقول :  أن الشعب قد خرج لإرجاع سلطته التي استولت عليها الإنقاذ بليل في العام 1989،  فان أعادتها الإنقاذ طوعا فقد كفي الله المؤمنين شر القتال،  وان أبت فان الشعب لن يعود للخلف،  ولا توجد قوة تستطيع الوقوف في وجه الشعب السوداني ، ولكم في النظام التونسي والمصري والليبي واليمني والسوري أسوة سيئة ، و هذا موسم العبرة من الشمال.

نتمنى أن تستمع الإنقاذ لصوت العقل فالعالم يتغير،  و العقلية التي استولت بها على السلطة في العام 1989 ليست صالحة لهذا الوقت،  في ظل التدفق الإعلامي الهائل،   وشيوع الديمقراطية.  فهاهو الشعب التونسي والمصري يختاران  حكومتيهما  عبر الآلية الديمقراطية،  ويتبعهما  الشعب الليبي،  فشعبي جوار السودان ، يمارسان الديمقراطية في الهواء الطلق وتحت عدسات الإعلام ،  والجار  يتأثر بجاره ،  و قتار قدر الديمقراطية في مصر وليبيا  يؤذي الثوار في السودان . فقد حان  وقت أداء  حق الديمقراطية الباهر ،  والرجوع عن باطل الشمولية.

والله ولي التوفيق.

 

آراء