كسلا والسفير

 


 

 



(ا)
كسلا
عندما علمت ان هناك كتابا اصدره اسطورة الكرة السودانية محمد حسين كسلا يتحدث فيه عن مسيرته الكروية والطبية ومجمل تجربته في الحياة بعنوان (محطات في حياتي) حرصت على الاطلاع عليه حبا في هذا اللاعب الذي شهدت ابداعه بام عينيى ايام هوس هلالي لازمني طويلا والحمد لله قد انحسر الان كثيرا لاسباب كثيرة (بلاش منها الان) محمد حسين كسلا كان ومضة في مسيرتنا الكروية فقد لعب للهلال فترة  قصيرة جدا بمقاييس الايام ولكنها حفرت في الذاكرة عميقا بحكم الكيف فقد كان  فنانا يمتع نفسه اولا بالكرة ثم يرسل  امتاعه للجمهور الذي يتقبله في دهشة بالغة  لقد بنى  مجده وجمهوره بمعدلات غير مسبوقة  ولكنه فجاة قرر هجر الملاعب والتوجه الي موسكو لدراسة الطب فترك في نفوسنا حسرة مازلت استطعهما حتى هذة اللحظة وقد ظننا وقتها ان الامر كان  مؤامرة 
لئن اقبلت على الكتاب بدافع المحبة لكاتبه الا ان الكتاب احتواني  ومن اسطره الاولى برقي اسلوبه ورصانة لغته وترتيب افكاره فانفصل عن صاحبه واصبحت قيمته في ذاته ويالها من قيمة واشهد الله انني لم اطلع على مذكرات شخصية بهذا الابداع مثل هذة التي اختطها يراع اللاعب المدرب الطبيب كسلا فلئن كان زملائه في الدارسة اطلقوا عليه شكسبير في الفصل وبيليه في الميدان لاتقانه اللغة الانجليزية وكرة القدم  فيما بعد  طبيب بارع في المستشفى فمن يطلع منهم على الكتاب سوف يضيف الطيب صالح في الكتابة
الكتاب ليس موجها لجمهور كرة القدم وحدهم  انما هو موجها لكل محبي القراءة والاطلاع  فما ان يذكر اسم بلد او شخص الا ويعطيك المؤلف نبذة ضافية عنه ولكن الاهم من ذلك ان الافكار المبثوثة فيه لاتنسحب على الكرة والطب فقد انما تصلح لكل الحياة  فمثلا عن قدرته على تخطي خصومه المدافعين يقول استاذ الاجيال هاشم ضيف في تقديم  للكتاب  واستخلاصا من متنه ان كسلا لايكتفي  بقراءة الموقف الناشئ امامه انما يتعداه بقراءة الاحتمالات التالية فيما بعد لذلك يشق طريقه بين خصومه في الفريق الاخر  تاركهم مشدوهين ولعمري مثل هذة الطريقة في التفكير تصلح لكل ضروب الحياة
هذة المساحة لن تتيح لنا استعراض اي محطة من محطات كسلا التي تتوزع جغرافيا على كل قارات العالم وبتركيز على السودان  والاتحاد السوفيتي والامارات العربية ولا محطات تجربته  كلاعب وطبيب ومدرب ومتخصص في الطب الرياضي ولامحطات عمره البايلوجي كصبي  وشاب وكهل  وان كان ثمة نقد يمكن يوجه للمؤلف فانه بادبه الجم لم يفصح عن اسماء لديه عليها ماخذ مما يسبب للقارئ (شعتفة روح) والمذكرات دوما ينبغي ان تكون صريحة لدرجة التجريح فسكلا لم يكشف اسم لاعب المريخ الذي يبدو انه عرقل انتقاله للمريخ ولم يذكر اسم الذي كتب البرقية تاييدا لهاشم العطا والفريق القومي في ليبيا  ولا مهاجم الهلال الذي اعتدى على الطيب سند ومن هو اللاعب الذي شطبته العمة  ومن هو الاماراتي  الذي جعل تكريمه في الامارات ادبيا  وحرمه من مائة الف دينار ؟ ليت كسلا طعم هذة المعلومات بذكرالاسماء كما فعل مع شداد وهو يحمله مسؤلية ضياع كاس افريقيا من الهلال  عام 1987  هذة الملاحظة لاتقلل من قيمة الكتاب ومتعته وفائدته كتشخيصه لعلل الكرة السودان في الفصل العاشر فشكرا كسلا على هذة التحفة
(ب )
السفير
الحكمة تقول تكلم لكي اراك لان المرء مخبؤ تحت لسانه ولكن لاباس من ايجاد رديف لها يقول (اكتب حتى اراك ) اذ لم اتشرف بمعرفة السفير مصطفى مدني ابشر معرفة شخصية ولم اتشرف بقراءة مكتوب له من قبل لاادري ان كان ذلك تقصير منى ام ان سيادته لايطرح ما يكتبه للعامة ؟ ولكن ما ان فرغت من قراءة سفره الصادر في نوفمبر 2012  (ثلاثون عاما في الدبلوماسية ,, حديث الذكريات) حتى شعرت بانني رايته بالكامل داخله وخارجه (التعبير بالانجليزية له جرس اجمل لانها اصل الفكرة) ولعمرى ان هذا يشئ على براعة الكاتب في تستطير دواخله واهم من ذلك جراته في قول ما يريد قوله  ولكن بدبلوماسية عاليه يحتاج فهمها  لشحذ ذهن انه كتاب ذكي لقارئ ذكي  كتب بمزاج ذكي
لقد شدني بصورة لم تحدث لي من قبل اسلوب المؤلف فهو اسلوب متفرد لم تالفه المكتبة العربية كثيرا فبداية الكتاب غير تقليدية اذ ابرز اربعة احداث لها وقع خاص في نفسه واستطاع بمهارة ان يجعلها موضوعية في ثنايا الكتاب كما انه ما ان يبدا الاقتراب من حدث الا يوصله لنهايته ثم يعود من حيث بدا بكل يسر وسلاسة وبدون اي (دقداق) وقد رصدت اكثر من عشرة مواقع في هذا الشان .للمؤلف قدرة فائقة على الربط بين الاحداث لدرجة الفانتازيا فقد حكي حجوة الفارس الذي كان ولدا وحيدا وسط عدد من البنات وقد كان هيابا واردت شقيقاته ان يحملنه على الشجاعة فربطهن على فرس وهو مرتعب ودخل صفوف الاعداء وفرتقها فاصبح فارس زمانه مع انه كان يرتجف من الدواخل ارادت والدته بتلك الحجوة  تربيته على الشجاعة لانه الوحيد وسط خمسة شقيقات . بعد عدة صفحات ياتي المؤلف  ليحكي لنا  خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة وهو دبلوماسي يافع وكيف انه هز المنبر وهو على المنصة مرهوبا متوترا ثم مالبث ان اختفى ذلك الشعور وشعر بالهدؤ فكان التوفيق في تمثيل بلاده
ان متعة القراءة في ذلك اكتاب  لها شواهد وعناصر كثيرة لايمكن ان نستعرضها في هذة المساحة ولايجاريها الا الجانب الموضوعي في الكتاب هو سرد امين ودقيق لنشاة الدبلوماسية السودانية فوزارة الخارجية هي الوزراة الوحيدة التي لم يرثها السودانيون من الاستعمار فقد قامت بفكر وجهد سوداني خالص ولحسن الحظ ان السفير مصطفى قد عاصر هذا الامر وكان جزءا لايتجزا منه وفي تقديري ان اي باحث في تاريخ الدبلوماسية السودانية سوف يجد في هذا الكتاب مادة قيمة ولكن في تقديري ان الاهم من كل ذلك وقد ركز عليه المؤلف وبثه في ثنايا  كتابه وهو المهنية العالية التي كانت تمتلكها وزارة الخارجية السودانية وكيف ان الحاكم في يوم مضى كان يركن اليها كمرجعية معتمدة لسياسة البلاد الخارجية ولكن مر على السودان يوما همشت فيه تلك الوزارة في مدخلاتها ومستخرجاتها فكان ماكان . شكرا سعادة السفير مصطفى مدني على دفقة الوعي والتاريخ التي مددتنا بها وليت كل من ترك الخدمة العامة كرها او طوعا كتب لنا (حديث ذكريات) والشكر موصول لصديقي الدبلوماسي الشفيف السفير صلاح محمد علي الذي اهداني الكتاب  وكم كان صادقا عندما قال لي (اكان مسكتو ما حاتفكو)

عبد اللطيف البوني [aalbony@gmail.com]

 

آراء