عايرة وادوها سوط

 


 

 

صراع الزراع والرعاة امر شائع في المجتمعات التقليدية التي  لم تسمها يد الحداثة وهذا الصراع منشاه ان المورد الواحد الضيق  تتناقض فيه المصلحة فالزراع يريدون حصد ثمار محاصيلهم بينما الرعاة يريدونها علفا لبهائمهم . في المجتمعات الحديثة تم تنظيم المصلحة حول ذات المصدر وذلك بان يحصد المزارع محصوله ثم يبيع مخلفات الحصاد او حتى  بعضه للراعي الذي هو بدوره يقوم ببيع بهائمه لمقابلة مطلوباته ومطلوباتها ولكن هذة الدائرة التي تقوم على تكامل المنافع ليس لها وجود في المجتمعات التقليلدية لانها لاتعرف الاقتصاد النقدي (الكاش البقلل النقاش) وهو الفيصل بين التقليدية والحداثة في الاقتصاد

في دارفور لم يخرج الصراع في بداياته عن الذي ورد في الرمية اعلاه ولكنه تصاعد الي ان  اختفت ملامحه الاولية واصبحت ينؤ بمحمولات اخرى معروفة للجميع  ولكن الذي حدث مؤخرا في الفولة وفي جبل عامر لخبط كل الكيمان وجعل القضية محتاجة لمنصة جديدة للانطلاق  ففي الفولة حيث اصطرع وبالاسلحة الثقيلة  اولاد سرور واولاد هيبان وهما بطنان من قيبلة واحدة وهي قبيلة المسيرية  اما ما حدث في جبل عامر من قتال شرس بين بني  حسين والابالة من الرزيقات لقد كان صراعا بين زراع ورعاة ولكنه لم يكن بسبب ان بهائم  الرعاة دخلت على زرع بني حسين انما كان حول الذهب  ثم اتت  مؤخرا حرب البني هلبة مع القمر –بكسر القاف-  والملاحظة الاهم ان هذا القتال يدور بين القبائل العربية وليس فيه اي ذرة من ايقونة (عرب / زرقة) اما السيدة نيالا اكبر مدن السودان بعد العاصمة فقد تحولت الي تكساس محتاجة للاف بي اي او ما يقابله

اذن ياجماعة الخير ان الامور في دار فور  وصلت مرحلة يصعب معها اي تاطير فلم تعد صراع موارد بين رعاة وزراع ولاصراع عنصري بين زرقة وعرب  ولاهو صراع حضاري بين حداثيين وتقليديين ولاصراع سياسي بين متمردين وحكومة  ولاصراع اداري بين دولة ومجتمع انه صراع مركب من عناصر متعددة واحيانا يتحول من خليط فيزيائي الي مزيج كيمائي يصعب ارجاعه لعناصرة الاولية وحتى ولو قلنا ان هناك مؤامرة على السودان من خلال ثغرة دارفور فانه من الصعب ان نقول ان  هناك جهة تمسك بكل الخيوط بيد ان المحصلة النهائية تصب في الفوضى الشاملة التي يصعب معها  لملمة الاشياء

الحكومة , الحركات المسلحة , الادارة الاهلية, المثقفون كل هذة العناصر محتاجة الي اعادة النظر في مواقفها وتحسس سياسستها فالكل خاسر في هذةالقضية والفاتورة سوف يدفعها المواطن العادي في دار فور ويدفعها السودان الكبير ان لم يكونا قد دفعاها وانتهيا وان كان ثمة شئ يستحق التخصيص في تقديري انه يجب فسح الطريق للحداثة ان تنداح في دافور ولعل اهمها التحديث الاقتصادي فالذهب رغم كل شئ يمكن ا ن يحول اقتصاد دارفور من تقليدي الي نقدي ولكن سيطرة الادارة الاهلية بمساعدة الدولة على ريعه فان هذا يسير عكس التيار لابد من تحديث اداري فالدولة يجب ان تعتمد على جيشها وبوليسها وقضائها وادارييها فاعطاء كل هذا للادارة الاهلية سباحة عكس التيار . قوام الادارة الاهلية في دارفور  اناس متعملين ومثقفين ومطلعين ويمكن ان يصلوا للسلطة من خلال احدث وسائل المشاركة السياسية لكن لاادري لماذا يصرون على عدم البدلة والبنطلون  هناك ؟ قد تكون للحدبث بقية

(ب )

حصاد الاصفار

بالامس قلنا ان الاوضاع في دارفور قد انفلتت عن التاطير فلم تعد صراع موارد رعاة/ زراع ولم تعد صراعا عنصريا زرقة/عرب ولم تعد صراعا حضاريا تقليديون/ وحداثيون ولم تعد صرعا سياسيا حكومة/ ومتمردون ولم تعد صراعا ادرايا دولة/ مجتمع انما اصبحت مزيجا كيمائيا يصعب ارجاعه لمكوناته الاولية لذلك اصبح باب دار فور مفتوحا لكل الاحتمالات بما فيها التغييب عن الدولة السودانية او تدخل خارجي او ... او... حتى هذة الطامات المتوقعة لن تمر بسهولة مما يزيد البلاد والعباد في دارفور وفي السودان رهقا على رهقهم وجرحا في اجسام لم يعد فيها موطئا لجرح جديد ولو كان طوله سنتمترا واحدا

يبدو ان السبب في التردي الحاصل في دارفور يعود الي الارهاق غير الخلاق فكل مكونات الازمة اصبحت من الضعف بمكان ولم يعد في مقدورها الحسم اي حدث ما يمكن تسميته توازن الضعف وهو غير توازن القوة لان هذا الاخير يمنح السلام والاستقرار بينما توازن الضعف يورث التفكك والفلتان فالحكومة المسؤل الاول عن كل شئ في دارفور وعلى راس مسؤلياتها  الامن لم تستطع  تفعيل اجزتها من جيش وشرطة وقضاء وادارة وكرست كل جهدها لمحاربة الحركات المسلحة الخارجة على الدولة  واصبحت تتفرج على الحروب القبلية التي يموت فيها الناس باكثر من معدلات الحرب مع الخارجين على الدولة فتحالفات الحكومة السابقة واللاحقة جعلتها تتفرج على الحرب القبلية رغم ان هذة الحرب تتم بسلاح الحكومة

السلطة الاقليمية الجديدة  بقيادة الدكتور السيسي تنظر الي مايجري من حروبات وتجري نحو المانحين علما بان هذة الحروبات تمنع المانحين من تقديم اي دعم يبدو ان السلطة الاقليمية تعتبر الامن ليس مسؤليتها انما مسؤلية المركز والولاية فان كان ذلك كذلك فان هذا ينم عن ضعف مؤسسي اما السلطات الولائية فضعفها من ضعف المركز ويبدو لي ان بعض ولاة الولايات هناك جزء من المشكلة ويستخدمون الة الدولة في تصفية حسابات قبلية فالانتماء القبلي تقدم على المهني اداريا وعسكريا . الحركات المسلحة هي الاخرى في اضغف حالتها فبعد فقد الدعم التشادي والليبي اصبح الاعتماد على دولة جنوب السودان وهذة الدولة الفيها مكفيها لقد تحولت هذة الحركات الي حرب عصابات  وقطع الطريق ودعم الحروبات القبلية

يبدو ان العجز الاكبر هو عجز الادارة الاهلية فهذة المؤسسة منذ ايام نميري بدات العد التنازلي كما ان التعليم والوعي الذي بدا يسود كان خصما عليها والاهم ان الاقتصاد النقدي هز اركان المؤسسة الاهلية ومع ذلك مازالت الحكومة تراهن عليها وتمنحها تفويضات لن تستطيع الايفاء بها لن يطالب احد بتخطي الادارة الاهلية فهم مواطنون لهم حق المشاركة ولكن قدراتهم اصبحت محدودة وهم لايعترفون بذلك والحكومة هي الاخرى تتعامى عن هذا الضعف لان سياستها تقوم على كسب النخبة واهمال مطالب المواطن العادي فالمؤتمرات والبهرجة الاعلامية لن تحيل الفسيخ الي شربات

القوات الدولية التي تمثلها الان اليوناميد هي الاخرى حلقة من حلقات الضعف نتيجة لتكوينها وللتفويض الذي تعمل به وكثيرا ما طلبت الحماية من السلطات السودانية ولكن حتى ولو تغيرت تركيبتها وتغير تفويضها فانها لن تستطيع ان تحدث اثرا ايجابيا في دارفور اللهم الا اذا دخلت في تحالفات محلية وهذا سوف يزيد الطبن بلة . كل الشواهد تقول ان ليل دارفورسوف يطول فاليكن الله في عون مواطنها ومواطني كل السودان فالحال من بعضه

(ج )

انجليز ياربي ؟

عندما دخل الانجليز السودان اتبعوا سياسة ابتدعوها في الهند وفي نيجيريا تقوم على قاعدة (اعطي النخبة تكسب العامة) وجرسها بالانجليزية اجمل بالطبع لانها نابعة من فكرة انجليزية وهذة السياسة تفترض ان الناس كلهم ليسوا متساويين فهناك قادة اي صفوة قوم وهناك من يتبع لهم فبدلا من ان ترهق نفسك في محاولة كسب رضاء كل الناس ابحث عن صفوة القوم هؤلاء واغدق عليهم وقربهم اليك لابل اشركهم معك في الحكم اي اعطيهم سلطه  تحت سلطتك وعندها تلقائيا سوف يجيرون العامة ليكونوا تابعين لك وقننوا هذة النظرية في قانون الادارة الاهلية 1927 فتيسر لهم حكم السودان واذا اردنا مصطلح حديث لهذة السياسة يمكن تسميتها سياسة الترضيات وبلاش حكاية رشوة سياسية دي

مع تطور الحياة في السودان ظهرت النخب  الحديثة من تجار وكبار رجالات الخدمة العامة وهؤلاء مع الصفوة التقيليدية بشقيها القبلي والديني اصبحوا مايمكن ان يسموا بمفاتيح المجتمع ولكن سطوة التقليدين على تابيعهم اكبر من تلك الحديثة لان الناس في المجتمعات الحديثة لديهم استقلالية في ارائهم . الاحزاب السودانية الكبيرة سارت على درب الانجليز واكتفت بتقريب الصفوة التقليدية حيث مفاتيح الدوائر فكان كسبها للانتخابات البرلمانية  عاديا

الاحزاب الحديثة من يسار الي يمين وان جدت لنفسها مكان وسط القوى الحديثة الا انها لم تتمكن من مفاتيح المجتمعات خارج المدن فاعتمدت على اتحادات الطلاب ونقابات العمال وما استتبع ذلك من وسائل تعبير كالتظاهر والاضرابات والعرائض والذي منه وهنا يذكر الترابي انه عندما ترشح في الدائرة 67 المسيد ضد حاج مضوي محمد مرشح الاتحادي في انتخابات 1968 كل شيوخ القرى والطرق الصوفية وقفت ضده الا شيخ واحد وهو (جدنا الشيخ احمد ود بابكر رحمه الله رحمة واسعة) ويبدو ان هذا الامر قد اوحى للترابي بفكرة طبقت فيما بعد

حركة الاخوان بعد ان غادرت كرسي الجماعة المعارضة وامسكت بتلاليب الدولة فيما اصطلح عليه باسم الانقاذ سارت على ذات النهج الانجليزي واتجهت مباشرة الي القطاع التقليدي قبلي (مؤتمر القطاع الاهلي) وديني (مؤتمر الذكر والذاكرين) وفيما بعد نزلت في الطائفتين بتقيل يقول للحاكم العام الخواجة  انت شن بتعرف  وهاك يا اغداق على النخبة (الترضيات)  ولكن الانقاذ لم تراع متغير هام وهو  ان الصفوة او النخبة الحديثة عددها صار كبيرا وكذا طموحاتها واصبحت معارضة للقيادات التقيلدية  ومن ذات المجتمعات فحل النميري للادارة الاهلية مهما كانت نتائجة الا انه اضعفها وحرك قوى اخرى لمل الفراغ ثم اصبح حمل السلاح مصدرا لانتاج نخب وصفوات جديدة فتعاملت معها الانقاذ بذات طريقة الرشاوي السياسية والمادية وهكذا تعمقت ازمة الحكم في البلاد

ان ما انفقته الانقاذ لارضاء النخب لو انفقته في مشاريع التنمية والخدمات العامة لكانت قد ارضت جموعا كبيرة من المواطنين ولكانت كسبت دعما سياسيا اكبر ولكانت اضعفت تلك القيادات الطائفية والقبلية والدينية ولكانت زادت دفقة الوعى ولكانت حققت شراكة سياسية لاباس بها ولكانت .... ولكانت .... ولكانت... ولكنها لم تفعل وكانت .... وكانت .... وكانت ... ويبقى السؤال الاهم لماذا لم تفعل وسارت على خطى الانجليز؟ ببساطة لان سياسة التمكين بدات بالانقاذيين انفسهم .

عبد اللطيف البوني [aalbony@gmail.com]

 

آراء