“تشريج الثورة” لكرين برنتين وأسببات قيام الثورات!!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية
هذا بلاغ للناس



توطئة:
لا أدري الدوافع التي  جعلتني أستعرض تلخيص هذا الكتاب بعد أن قرأت عمود الأستاذ بابكر عيسى " أيقونة الحرية،  ولكن لا بأس من أن نستبعد مجهولية هذه الدوافع،  فقد قرأت للدكتور سمير عبدالرحيم الجلبي وهو ـ مفكرٌ عراقي مرموق ـ ملخصاً وافياً شافياً لكتاب كرين برينتن "تشريح الثورة"الصادرة نسخته الأولى عام 1938 والذي أعيد طبعه عام1956 ، كما صدرت نسحة منه موسعة بعد أن وسعه برينتن عام 1964. يحلل مؤلف هذا الكتاب ميول أي مجتمع يسبق ثورة كبرى، وهو يرى أنه يجمع بين التوترات الاجتماعية والسياسية بسبب التدهور التدريجي لقيم المجتمع. إن فكرته عن الثورة هي أنها عملية قلب السلطة مما يؤدى إلى تولي المتطرفين السلطة ثم تهدأ الأمور.
وبرأيي أن كرين برينتن الكاتب المؤرخ كاد أن يكون العراف الذي توقع  أحداث هذه الأيام ، فقد شبه ـ وحسب ملخص الجلبي ـ الثورة بحمى ترتفع بسبب شكاوى أفراد شعب ما. ومن أعراض هذه الحمى انهيار هيكل السلطة. لتستعر الحمى ثم يصبح واضحا أن الناس لا يتحملون تلك الحمى ويعتقد أن تحل سلطة أفضل محل هذا الاهتياج ويصبح الشعب أسعد  أو كما يتصور. إن فكرة برينتن عن الثورة هي أنها في الحقيقة ـ ومن وجهة نظره ـ أنها جدول معين للأحداث التي يفترض أن تحدث. إنها تظهر التغيير والحمى وحسم الثورة. ويرى برينتن أن الثورة عبارة عن عملية، وأنه قد لا يحدث أي تغيير جوهري من مرحلة ما قبل الثورة إلى مرحلة ما بعد الثورة. غير أن نظرية برينتن استندت على الثورة قبل عام 1945 ولا مندوحة في أن نقرأها لعمل مقاربة مع أحداث ما إصطُلح على تسميته بالربيع العربي!!
المـتن:
رأيت أنه من الأفيد أو المفيد أن أقتطف بعض من كتاب الدكتور الجلبي ومما قام بتلخيصه من مادة كتاب المفكر الأمريكي "تشريح الثورة" وبرأيي أنه من  أفضل وأشهر كتب المؤرخ والأكاديمي الأميركي كرين برينتن، الذي حاول في هذا الكتاب تأسيس نمط قد تكون إتبعته معظم الثورات ـ وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع أطروحاتها لكنها جديرة بالتأمل والتفكر على أعتبار أننا يجب أن نحاول فهم الكيفية التي يفكر مفكرو الغرب وتجاربهم . وقد جمع كرين برنتين معلوماته من أحداث أربعة ثورات كبرى، هي : الثورة الأمريكية، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية (الثورة البلشفية) والحرب الأهلية في إنكلترا إن جاز تسميتها ثورة. وباستخدامه لهذه الثورات كنماذج وضع برنتن أربع مراحل لا بد وأن تمر بها الثورة ويمكن عرض هيكلها وتلخيصها فيما يلي:
المرحلة الأولى – خصائص المرحلة التمهيدية
      التنافر الطبقي
      عدم كفاءة الحكم
      الحاكم غير الكفؤ
      النقل الفكري للولاء
      فشل القوة
الحاشية:
والأعراض كما شخصها برنتين تكمن في  أن الطبقة الوسطى هي القوة الدافعة وراء الثورة وأنها تعبر بصوت عال عن سخطها بسبب قيود اقتصادية معينة تفرضها الحكومات عليها. وعلى الرغم من أن هذه القيود مثل قوانين الملاحة في المستعمرات الأمريكية ليست رئيسية إلا أنها كافية لإحداث سخط شديد. وتكون الحكومة حينها غير كفؤة على نحو لا يصدق. وتنهار البيروقراطية ولا تتمكن من إدارة البلاد على نحو فعال. وقد يكون السبب وجود حاكم أخرق من مثل الملك جورج الثالث أو نقص مالي مزمن في الحكومة. وأخيرا يعاني الحزب الحاكم من تخلي المثقفين الذين يعتبرون ضمير المجتمع.
المرحلة الثانية وخصائصها:
      الانهيار المالي
      زيادة الاحتجاجات ضد الحكم
      الأحداث المثيرة
      استيلاء المعتدلين على السلطة
      فترة شهر العسل
الهامش:
وبالتالي تفرز ما أسماه بالحمى الصاعدة كما شخصها برنتين والتي يرى أنها نتاج حتمي للمرحلة الثانية وخصائص الأولى إذ يقول: إن الحمى الصاعدة هي تصاعد سخط الطبقة الوسطى،  فيثور الشعب إذاك وتتوج بمعركة من مثل اجتياح الباستيل أو معركتي لكسنغتن وكونكورد وينهار الهيكل الحكومي تحت ضغط الديون المالية والانتفاضة الشعبية. ثم يشكل المعتدلون أو الوسط السياسي الرشيد حكومة جديدة. غير أن الحكومة المعتدلة الجديدة تظهر أنها غير قادرة على الصمود في وجه مشاكل إدارة الدولة والأزمة الاقتصادية ووضع دستور جديد وغير ذلك.
المرحلة الثالثة – خصائص مرحلة الأزمة
1)      تولي المتطرفين السيطرة
2)      إبعاد المعتدلين عن السلطة
3)      الحرب الأهلية
4)      الحرب الخارجية
5)      تركيز القوة في مجلس ثوري يسيطر عليه رجل قوي
ثم يتحدث برينتين عن مرحلة الأزمة فيقول: تصل الثورة الذروة عندما يصبح المعتدلون عاجزين عن أداء مهمة حكم البلاد ويطوح بهم المتطرفون أو اليسار السياسي بالقوة ويبدأ حكم الإرهاب حيث يشرع المفرطون في التطرف بالتخلص من المعارضة باستخدام العنف. كما تتورط الحكومة الجديدة عادة في حرب خارجية في محاولتها نشر مبادئ الثورة. كما تبدأ الثورة بفقد زخمها ولا يعد الشعب يساندها إلا خوفا من التطهير. كما انه بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية يواجه الثوريون تهديدا داخليا متزايدا.
الهامش:
المرحلة الرابعة –  خصائص مرحلة الخلاص
1)      العودة البطيئة غير المنتظمة إلى أزمنة تتسم بهدوء أكثر
2)      حكم الطاغية
3)      قمع المتطرفين
4)      حصول المعتدلين على العفو
5)      النزعة القومية العدوانية.
قصاصة:
ثمّ تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة النقاهة كما أسماها برنتين ويشخصها قائلاً: مع تزايد ضعف الثورة تدخل البلاد فترة الانتعاش. ويتولى السلطة حاكم مركزي قوي مثل جورج واشنطن أو ستالين في الحكومة الجديدة ويشرع في عملية إعادة الاستقرار في البلاد. ويستبعد أن يعدم زعماء الثورة الأكثر عنفا مثل روبسبير. كما يمنح المعتدلون عادة العفو. ويبدأ الناس في التخلص من أي علامات باقية من علامات الثورة ويغيرون ملابسهم وأسلوب حياتهم في محاولة لنسيان الثورة. ويتخلون في تلك العملية عن الكثير من العقائد المتسمة بالتطرف التي يؤمن بها الثوريون.
يستنتج برنتين في نهاية الكتاب أن معظم الثورات تنتهي عموما بالعودة إلى حيث بدأت. وتنشأ بعض الأفكار الجديدة ويتحول هيكل القوة قليلا وتطبق بعض الإصلاحات ويمحى أسوأ ما في النظام القديم. غير أن الوضع القائم يصبح مشابها للوضع في فترة ما قبل الثورة وتشرع الطبقة الحاكمة مرة أخرى بالامساك بزمام القوة.
وفي حين أن برينتن لم يضع نمطا مطلقا تتبعه كل الثورات، ولو أن الثورة الأمريكية تمثل استثناء واضحا، فإنه خلق مسارا عاما تتبعه معظم الثورات. وعلى الرغم من النقد الذي وجهه برينتين إلى الثورة الفرنسية كنموذج ، فإن كل خطوة موصوفة أعلاه حدثت فيها وجعل كل الثورات الأخرى تشبهها.
وعلى كل حال يبقى "تشريح الثورة"، أشهر كتب برينتن، من أفضل الأطروحات التاريخية في القرن العشرين. وقد ألهم كتابا أخرين منهم، على سبيل المثال، ليو هوبرمان، الذي ألف كتاب"كوبا: تشريح ثورة" عام 1969. كما تعتمد كتب أخرى على كتاب برينتن، فقد اعتمد عليه روبرت ستربل كثيرا في الفصل الخامس المعنون "اللجوء إلى السيف" في كتابه "أطروحة في الأضواء الإثني عشر" كما يستشهد صامويل هنتنغتن ببرنتن في كتابه المعنون "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة."!!
إن هذا مجرد عرض لقراءة كتاب، وهي ربما تفيد في استقراء المستقبل عن أحداث الحاضر الذي تعيشه منطقتنا ، التي أدخلنا في ضبابية الحيص بيص، حيث تداخلت الأمور وتعقدت، وها نحن نشهد سلسلة من الأحداث الدراماتيكية وآخرها ما يحدث في سوريا، ولا ندري إن كان علينا أن نتفاءل أو نتشائم، وعلى كل حال إن  الأيام حبلى بالكثير من مسلسل استراتيجية الفوضى الخلاقة ، فقد تشابهت علينا عيون البقربين الثورات والفوضى ، فنحن لا ندري إن كنا قد وقعنا بين مطرقة هذه الاستراتيجية المعلنة  وبين سندان فكر برنتين عن الثورات ، ـ وكما ذكرت ـ إنها مجرد قراءة وفي القراءة ـ على الأقل ـ استزادة  وتبادل معارف وتعلم العظات والدروس من التاريخ ومولفيه، وكما يقول المثل الشائع" يموت الطبيب وما ألفتُ دواه"!!
عوافي

Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]

 

آراء