ضحايا السد في مصر … بقلم: منى عبد الفتاح

 


 

 


كيف لا

تعرض عدد من اللاجئين الأثيوبين في مصر إلى مضايقات من المواطنين المصريين في الشوارع والأسواق والأماكن العامة وأماكن العمل في الأيام القليلة الماضية ، وذلك على خلفية أزمة السد الأثيوبي. وتنوعت الاعتداءات بين لفظية وجسدية ومعنوية حتى أنّ إحدى الأمهات الأثيوبيات اللاجئات قالت أنّها ذهبت إلى البقالة المجاورة لسكنها لتشتري قارورة مياه لابنها الرضيع ، فرفض صاحب البقالة بيع الماء لها بحجة أنّ بلادها ستقيم سداً يقلل كمية هذه المياه التي تريدها . وغير هذا المشهد إفادات أخرى أوردها الأثيوبيون في تقرير لفضائية عربية في تجمعهم أمام المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالقاهرة .
وبالإضافة إلى مناشدة السفير محمد الدايري، الممثل الإقليمي لمفوضية شؤون اللاجئين بمصر، للمواطنين المصريين للتفرقة  بين أي نزاع سياسي مع الحكومة الإثيوبية واللاجئين الإثيوبيين الموجودين في مصر لأنّ هؤلاء فروا من الإضطهاد في بلادهم بحثاً عن الأمان في مصر ، هناك  تحرك رسمي يحاول احتواء آثار ما حدث رغم الاعتراض على بناء السد . وهذه الحالة يعاني منها اللاجئون في معظم الدول العربية ، بأنّهم دائماً ما يتم أخذهم بجرائر حكوماتهم ورؤسائها بالإضافة إلى النظر بعين الاحتقار إلى المستضعفين منهم ومعاملتهم وفقاً لطبيعة وجودهم . هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان وفي نفس المحطة المصرية تعرّض اللاجئين السودانيين الذين تجمعوا في ميدان مصطفى محمود في العقد الماضي في انتظار مفوضية اللاجئين لتهجيرهم ، لأكثر من هذا التصرف الشائن إلى درجة دحرجتهم بخراطيم المياه . والفرق بين الحادثتين أنّ حادثة ميدان مصطفى محمود لم ترتبط بأي تصعيد إعلامي ، ولم ترتبط بوجهة نظر معارضة لسياسات الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ، أما قضية سد النهضة فقد أخذت منحىً أكثر انعطافاً عن جادة التناول الإعلامي الملتزم والموضوعي .  
أضرّ التصعيد الإعلامي المصري كثيراً بتعاطي الرأي العام المصري مع أزمة سد النهضة الأثيوبي ، والضحايا كما رأينا هم اللاجئون الأثيوبيون الذين يقيمون إقامة مؤقتة في مصر بغرض الهجرة . ويكمن السبب الرئيس لذلك في حدة وتطرف الخطاب الإعلامي المصري دون الرجوع إلى آراء الخبراء في هذا المجال ، والمعارضة لكل ما يتم في عهد الرئيس المصري محمد مرسي من سياسات داخلية وخارجية . فالموقف المصري إذن معبأ مسبقاً وقابل للاشتعال ولكنه وجد ضالته في قضية السد ، وكانت فتيل الاشتعال الذي يبحث عنه شعب خارج من ثورة اختار وسيلتها ولم يرض بنتيجتها.
ومما ساهم في علو الأصوات الحادة هو إنشاء وسائل إعلام إضافية  تتبع أغلبيتها لأطراف سياسية مصرية نشأت في فترة ما بعد ثورة 25 يناير ، وكلها أخذت تقتات من حالة الهرج الجماهيري  ما بين مؤيد ومعارض للنظام وغير محتمل للرئيس المصري الذي انتخبه الشعب .  
وهذا الانتشار الكبير لوسائل الإعلام المتنوعة بالرغم من أنّه ظاهرة صحية تعبر عن مناخ حريات جديد إلّا أنّ توظيف الخطاب الإعلامي لها جاء متدنياً ولا يعبّر عن وجهة نظر محايدة، كما أنّه لا يتبنى وجهة نظر المواطن العادي ، بل على العكس يغذّي الشعور العام للمواطن المصري بروح العداء للنظام وكل ما ينتهجه من سياسات حتى طال الأمر شعوب شقيقة وصديقة.
وإزاء هذه الحالة لا بد من تهدئة إعلامية ليقول العلماء والخبراء في مجال الري والمياه كلمتهم، حتى لا تتجسد ثقافة العداء من قِبل المصريين تجاه شعوب صديقة وشقيقة وتربطهم بهم مصالح مشتركة.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء