على هامش الانتخابات البرلمانية الألمانية الحالية
د. أمير حمد
21 September, 2013
21 September, 2013
بدأت ميركل المستشارة الألمانية في في عام 2009 بالتراجع من خط برنامجها السياسي في الاتحاد الأوروبي .لقد كانت دائما تحدد سياسة الادخار ورفض تبني الخسائر الاقتصادية وشراء أو مساعدة البنوك الخاسرة إلا أنها لم تواصل خط سيرها السياسي بل انقلبت عليه بشكل واضح : حاولت ميكل ان تكون من إتباع سياسة الادخار ك اشرودر المستشار الالماني السابف الا انها وجهت بتنكر ورفض الجناح اليمين بحزبها !! هذا ما دار بداخل المانيا اما سياستها الخارجية فقد كانت مهددة بالفشل وجريئة اذ أهدرت ميركل مليارات لمعاونة اليونان على حساب الضرائب الألمانية والأجيال الصاعدة القادمة . هذا كما شجعت ميركل عام 2012 وفقا لطلب مونتي _"رئيس وزراء إيطاليا سابقا _ضم البنوك الخاسرة إلى مجموعة البنوك" رافضة بذلك تحذير البنك الاتحادي الألماني .
بالرغم من تقارب برامج الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم وبرامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلا أن ثقل وهيمنة شخصية "ميركل" المستشارة الألمانية وشتاين بروك مرشح الحزب الاشتراكي المعارض يلقئ ظلال كثيفة على الانتخابات البرلمانية الألمانية هذه المرة. يصف معظم الألمان – بل ومعظم دول أوروبا – ميركل بالمرأة الفولاذية وهو اللقب الذي أطلق على "مارغريت تاتشر" رئيسة وزراء إنجلترا سابقا . غير أن الفارق واضح تماما "فتاتشر" يمينية ليبرالية وقفت ضد النظام الاجتماعي ونقابات العمال ومنظمات البر الانجليزية مدعومة في ذلك من قبل التيار الليبرالي والرأسمالية الانجليزية . أما ميركل فسياسية ديمقراطية "جناح الوسط" تميل إلى االيسار رويدا رويدا كما يتضح في توجيهها السياسي الراهن ( رفع المعاونات الاجتماعية وضبط ضرائب الطبقة الثرية ورفعها ولونسبيا وجظر تهريبها) .
أما شتاين بروك مؤشح الحزب الاشتراكي اليمقراطي فهو اشتراكي من الجناح الايمن _ثلثين الحزب _ يسعى الى تقلد منصب المستشار لتغير المانيا اجتماعيا وافتصاديا و ترحيب الحكومة الفرنسية فاشتراكية به فتجد المانيا مع فرنسا الاشتراكية تحت قيادة اولاند توجها مشتركا لتسير تيار دول الرابطة الاوربيبة .
هو خريخ كلية القانون "ورجل اقتصاد عمل وزيرا للمالية في حكومة "شرودر " المستشار الألماني السابق ووضع معه أجندة 2010 التي قلصت نظام المساعدات الاجتماعية ووسعت الهوة بين الفقراء والأثرياء من ناحية وأخرجت ألمانيا من الأزمة الاقتصادية العالمية وفقا لنظام الادخار الصارم والمجحف في أغلب أحواله . لقد عرفت ميركل "بهدوئها وتنظيمها للآراء لا البت الحاسم كما كان يفعل شرودر . نقول ترددها لأنها رفضت سابقاالتسر ع الى مساعدة اليونان مثلا فإذا هي الآن الوصي الأول لاخراجها من الأزمة الى جانب هذا كان وقد جططت ل"رفع أجور النساء "كالرجال" إلا أنها سرعان ما غيرت سياستها استنادا إلى توجه الشركات الرافضة لمعادلة الاجور لاسباي عدة ككثرة تغيبهن عن العمل لاسباب منزلية وظروف الحمل او تمرضهن كثيرا !!!
من جانب آخر تعتبر شخصية "شتاين بروك" شخصية عملية بنزعة يمينية ,ليبرالية إلى حد ما شبيه بشرودر" يقول شتاين بروك في حوار أجري معه في القناة الألمانية الأولى بأن الخطأ الذي وقعت فيه أجندة 2010 التي شارك في تخطيطها يكمن في عدم مواكبة تحفيز الأجندة للتحرك "ديناميكية التنقل للبحث عن العمل " بتحديد الحد الأدنى للأجور( 8 يورو في الساعة) . لم يذكر شتاين بروك "فادحة تأثير الأجندة على شرائح الشعب الفقيرة " على النقيض من غيتري" رئيس حزب اليسار الذي اعتبرها أكبر فادحة في النظام الاجتماعي بألمانيا منذ أن أسسه"ايبرت" يقول
مهاجما الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورموزه الممثلة له في الوقت الراهن بأنها شخصيات مموهة صبغت بطابع وبرامج الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم .يقول : لا نريد أن يكون حزب اليسار امتدادا أو صورة للحزب الاشتراكي الديمقراطي ولكن نريد أن يعثر هذا الحزب الاخير على هويته من جديد الا يزداد تشابها بالحزب المسيحي الديمقراطي . نريد للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن يكون اشتراكيا فعلا كما في عهد ولي براند" .
كان وقد أجرت الفضائيات الألمانية لقاءات /منافسة/ محاججة بين المستشارة ميركل وشتاين بروك تمنت فيها المستشارة ,لأكثر من مرة, جهود شرودر(المستشار الألماني السابق / الحزب الاشتراكي الديمقراطي )بتخطيطه وتفعيله لاجندة 2010 التي أنقذت ألمانيا من الأزمة الاقتصادية وفقا لأجندة الادخار. هذا تصريح يدل في الغالب الأعم على احتمال تشكيل حكومة تحالف بين الحزبين الكبيرين"الديمقراطي الحاكم الآن والاشتراكي المعارض"
. يرفض كل من الحزبيين الاخيرين هذين للآخر لتشكيل تحالفا إلا أن مثل الرفض كثيرا ما كان مموها وخادعا قبل الانتخابات ات ومن ثم يتتم التحالف على غير ما صرح به من قبل .ان برنامج هذين الحزبين متشابه الا في السياسة الخارجية التي يطالب فيها حزب اليسار عدم تدخل المانيا عسكريا في شؤون الدول الاخري وسحب الجنود الالمان من افغانستان وايقاف الدعم (التهور )المالي لدول الرابطة الاوربية المدانة العاجزة ماليا كاليونان واسبانيا.
ووفقا للإحصائيات الراهنة فإن الحزب اللبرالي"قابلا للفشل هذه المرة كما حدث في انتخابات ولاية بيرن هذه المرة .لايفتأ برولر- رئيسة في البرلمان الألماني لا يفتأ بهاجم الاشتراكية ويدعو دوما الى مناصرا لليبرالية الجديدة من جهة أخرى .
ألمانيا – صين أوروبا :
كان وقد عرضت مجلة الدليل في العدد السابق تباشير الانتخابات البرلمانية "فجأء في هذا العرض المقتضب المركز توجه وبرامج الأحزاب الألمانية وبرز بين السطور احتمال فوز الحزبين الألمانيين الكبريين ( تحالف الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم والحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض) . ما يهمنا هنا هو حصاد حكومة ميركل في الفترة السابقة ".حصاد مليء بالتراجعات وعكس الاتجاه المخطط للسير فيه :فمثلا نجد أن حكومة ميركل قد وقعت في فخ إنقاذ اليونان بعد أن وعدت المواطنين الألمان بدعم م هذا القطر لفترة وجيزة حتى لا ترهق ميزانية ضرائب المواطنين الألمان"إلا أن حكومة ميركل لم تتوقف من الدعم المالي الحالي لليونان وإنما أصبحت "الوصي عليها" في الرابطة الأوروبية واعتمدت على دعمها أكثر من دولة ك,إسبانيا,البرتغال, إيطاليا,قبرص, إيرلندة ....." وقف حزب اليسار م بشكل واضح ضد المساعدات المالية المختصة لهذه الدول لأنها - وفقا لتقيمه -
ميزانية ضرائب المواطنين الألمان كما أن أزمة هذه الدول لا يمكن حلها في الوقت الراهن من خلال الاعتماد على دولة واحدة كألمانيا – صين أوروبا –. يقول غيسي رئيس حزب اليسار بأن رفض حزبه لمثل هذه السياسة لا ينفي العلاقة الوطيدة بين هذه الدول وتسكرها مجددا للوقوف مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية . ولكن يجب أن تضع هذه الدول أجندتها بنفسها للخروج من أزمة الديون .يمثل جزءا هذا التصريح سياسة وتوجه الحزب الاشتراكي الديمقراطي تحت ريادة مرشحه شتاين بروك. يقول بأن ميركل وجهت جل توجهها نجاه سياسة دول الرابطة الأوروبية وأهملت تحديد الحد الأدنى للأجور , وتقليص الهوة بين الأثرياء والفقراء وكذلك تحسين معاشات المسنين والمتقاعدين والنظام الاجتماعي والصحي وتخفيض الإيجارات وتشييد المساكن الاجتماعية للمواطنين ذوي الدخل المتدني . لقد ساهمت ألمانيا والرابطة الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي في دعم الدول المتأزمة اقتصاديا بتقديم القروض برسوم مخفضة وإعانات مالية تجاوزت عشرات المليارات إلا أنها اهملت في الوقت نفسه تطوير اللبنة التحتيةلهذه الدول المتضررة ومجابهة أزمة بطالة الشباب بداخلها .
ووفقا للمحللين الالمان فقد (تألمنت )اوربا
فالمانيا هي التي تملي شروطها وفقا لهيمنتها الاقتصادية.
لقد أصبحت ألمانيا صين أوروبا " وهذا أقصى ما يسعى إليه الحزب اللبرالي الحليف . يقول يرودلر رئيسة في البرلمان : هذه أفضل وأننجح وأفضل حكومة مرت على ألمانيا منذ تأسيها .
إننا لا نتفق معه تماما فمثلما نجحت حكومة ميركل في إنعاش الاقتصاد الألماني القائم أصلا على توريد منتجاتها الالكترونية وتجارة الأسلحة لاسيما مع إسرائيل(توريد الغواصات البحريةالحربية لها وبيع المصفحات للسعودية و....). تورطت ألمانيا في الالتزام برد ديون جنوب أوروبا ("اليونان إسبانيا , البرتغال وقبرص بل وإيطاليا وايرلندا ).فهذه الديون عبء على ميزانية الضرائب الألمانية وإنتاج الأجيال الصاعدة . هذا ما حذر منه شتاين بروك في برنامجه الاقتصادي يقول (نعم إننا متفقون تماما مع الوحدة الأوروبية فأوروبا وحدة ثقافية واجتماعية وتاريخية منتجه منسجمة كما أن معظم دول أوروبا وقفت مع ألمانيا لبناء دولتها الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية غير أن هذه كله لا يلزمنا بالتعهد لإنقاذ دول الاتحاد الأوروبي للخروج من أزمة الديون .يجب أن نضع هذه الدول أجندتها الخاصة بها وتركز في البدء على الادخار عندئذ يمكن لألمانيا تقديم القروض المناسبة لها وليس القيام بدور الوصي عليها كما تفعل ميركل").
ففي مايو عام 2010 مثلا بدأت ألمانيا بمساعدة اليونان بمليارد يورو .
كانت الفكرة الأساسية هي محاولة مساعدة اليونان"بالخروج من أزمة الديون التي هدمت بنيته االسياسية فإذا دول جنوب أوروبا كلها تقف وراءها طالبة الدعم المالي وتسهيل الديون.لم تقف ميركل عند هذا الحد بل وتدخلت اقتصاديا في شراء البنوك المنهارة وإصلاحها من ثم .حدث هذا رغم تحذير البنك الاتحادي الألماني من هذا التوجه إذ اعتبره بمثابة دمار وخرق اقتصادي بعواقب وخيمة" وعليه فقد أرهق مسددي الضرائب بألمانيا بميزانية أولية تتجاوز (200 مليون يرو). لقد تحركت حكومة ميركل في حيز خطر للغاية بين احتمال عدم رد دول جنوب أوروبا كاليونان لديونها وبين فرض المانيا سيادتها الاقتصادية على أوروبا فإنجلترا مثلا تقف بشدة ضد سيادة ألمانيا الاقتصادية كما تتهيب فرنسا من منافستها اقتصاديا الأمر الذي يجعل فرنسا وانجلترا تتمسكان أكثر بالسيادة العسكرية وبصوتيهما في مجلس الأمن مع أمريكا والصين وروسيا للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية كما تفعل روسيا الآن في سوريا .
لماذا أنجيلا ميركل ؟
ظلت أنجيلا ميركل مدللة منذ عملها كوزيرة للبيئة في حكومة "هلمت كول" فكان ينظر إليها كأميرة متقدمة خارجة عن السيطرة الشيوعية السائدة آنذاك في ألمانيا الشرقية موطنها الأم . وبعد توليها منصب المستشارة نظر إليها كرائدة ونموذج للمرأة العصرية التي تثبت وجودها ومقدرتها على الإدارة وتحديات العصر والنتصار على الذهنية الرجولية المتزمتة . لماذا أنجيلا ميركل ؟ يقول معظم الألمان – استنادا إلى إحصائيات أكثر من صحيفة ومركز دراسات ميدانية بألمانيا بأن ميركل خرجت بالشعب الألماني من سياسة الادخار القاسية التي أتى بها شرودر المستشار الألماني السابق وأعادت الرفاهية الاقتصادية ووسعت وشهرت صيت ألمانيا في الرابطة الأوروبية كما أنها اهتمت بدعم البحوث والمدارس والنظام الصحي وتوسيع فرص العمل .هذه وجهة نظر الراغبين في حكمها لدورة جديدة بعد انتخابات 22/9/2009 البرلمانية أما الناقدون لها لاسيما الخبراء السياسيين – فيقولون أن ميركل اشتهرت لأنها تبذل كل جهدها في الغوص في المعضلات العصية ك"كأزمة اليونان,ومحاولة تطبيع العلاقات بين إسرائيل وفلسطين أو الخروجبألمانيا من الطاقة النووية إلى الطاقة البديلة بعد العطب الذياعترئ مفاعل الطاقة النووي في اليابان.
إلى جانب هذا يعتبر كثير من الخبراء الاقتصاديين بأن قوة اليورو مهددة بانقسام الرابطة الأوروبية أو تصدعها على أحسن الفروض.
.وكما ذكرنا فأن اقتصاد_ميزانية حكومة ميركل هي المستفيدة الاولى من عوائد الديون المفروضة على الدول الأوروبية
فعوائد هذه الديون تدر على وزارة شوبليه وزير المالية"ميزانية بالمليارات كما أن أي خسارة تلزم الدول المدانة في المقابل – بما يتجاوز 100 مليارد يرو. هذا من جانب ومن جانب آخر تظل سياسة ادخار ميركل عقبة كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني الألماني وإرهاق للميزانية الضرائب, تكاد تكون حكومة شرودر"السابقة سببا مباشرا في نجاح حكومة ميركل لأن الحكومة الأولى اتبعت سياسة إدخار مجحفة وخانقة "إلى جد وصفها بالإنسانية أما حكومة ميركل فقد ادخرت كذلك ولو بنسبة اقل كما رفعت ضريبة فائض القيمة ( سياسة تشجيع الاتفاق على المنتجات ) .وفي المقابل خصصت جزءا من ميزانيتها لمجابهة الفقر بالمانيا وتحسين وضع الأجانب ولكن بمثل هذا القدر ارتفعت ثروات الأثرياء واضطربت ميزانية الضرائب وهيمنت سياسة الاقتصاد على السياسة الحاكمة !!!!!
تحالف قسري :
انتقد شتاين بروك في القناة الألمانية الأولى ميركل واعتبارها بمثابة مدير الجلسة تقدم الاقتراحات والاعتراضات بصوت خفيض ربما لأنها في الجناح الوسط في الحزب الديمقراطي الحاكم !! بإصرار وتحدي واضح
صرح ستاين بروك بأن المواطنين في ألمانيا بحاجة لإلى سياسة رشيدة اجتماعية تقدمية ليس سياسة ميركل الجانحة الى السياسة الخارجية بدلا من السياسة الداخلية (النموذج الامبيكي ) .هذا كما ذكر بأن ألمانيا بحاجة إلى برنامج إصلاحي كامل وفق نقاط عدة أهمها : تحديد الأجر الأدنى للعمال , رفع معاشات المسنين والمعوقين والمتقاعدين بما يتجاوز المساعدات الاجتماعية /هارتس فير بما لا يقل عن 80يرو وليس 15 يرو كما ينادي الحزب المسيحي الديمقراطي . هذا إلى جانب مساواة مرتبات النساء والرجال والاهتمام بقضايا الأجانب كاللاجئين السوريين ("5000" لاجئ سوري بألمانيا) والموافقة على الجنسية المزدوجة وتخفيض الإيجارات وتشييد المساكن الاجتماعية وليس توسيع تشيد المباني الخاصة كمتفعل حلوله ميركل وحليفها الحزب الليبرالي إلى جانب هذا رفض شتاين بروك إمكانية التحالف مع حزب اليسار بعد إعلان نتيجة الانتخابات في 22/9/2013 لأن هذا الحزب لا يوافق على سياسة المانية الخارجية ويبالغ في رفع المساعدات الاجتماعية لا يقل عن "500شهريا .أما حول وقوف حزب اليسار مع الطبقة الفقيرة ونقده اللاذع لأجندة 2010 قال شتاين بروك بأن خطأ الأجندة لن يتكرر وكان من المفترض أن تواكب بتحديد أدنى حد للأجور 8يرو في الساعة ". لم ينس شتاين بروك في عرضه لبرنامجه قضية الدفاع عن حقوق الأسرة وتعليم الأطفال – نظام اليوم الطويل – ليسهل غلى الاباء العمل هذا كما رفض مقترح ميركل بدفع "200يرو" للعوائل لراعيتهم والإشراف على أطفالهم في منازلهم بدلا من بعثهم إلى رياض الأطفال . يقول شتاين بروك مدافعا عن سياسته بأن مقترح فون دير لاين وزيرة الاجتماع هذا خاطئ لأن الأطفال بحاجة إلى تعليم السلوك الاجتماعي وسط الأطفال الآخرين كما أن مثل ميزانية الاشراف هذه يجب أن تصرف على بناء وترميم رياض الأطفال وتوسيع عدد المشرفات والباحثين التربويين ورفع مرتباتهم وتذليل الصعاب التي يواجهونها .
هنا تطرق شتاين بروك إلى إمكانية جلب مشرفات وممرضات من دول جنوب أوروبا " المكتظة بالعطالة" لسد فراغ تربية الأطفال والأشراف على العجزة .نعم إن ألمانيا تعيش تحول ديموغرافي خطير يهدد ميزانيتها الاقتصادية ففيما تقل وتضمر نسبة الولادة والشباب العاملين يرتفع تعداد المسنين والمعوقين والبطالة . يقول شتاين بروك بأنه من الصعب توظيف العجزة من جديد – وأن كانت ألمانيا بحاجة إلى خبراتهم الحياتية والعملية .
هذا كما أن الاعتماد وحده على قوة الاقتصاد الألماني غير كافي لمجابهة مصاعب ألمانيا الامر الذي يستوجب وضع أجندة جديدة في سوق العمل أهمها توظيف وجلب الكوادر الأجنبية المؤهلة ورفع شعار ألمانيا دولة مرحية بالثقافات والأجانب عاليا . يذهب حزب الخضر أكثر إذ يطالبون بفتح الباب على مصراعيه لتصبح ألمانيا دولة مهجر". وكما ذهبت أكثر من إحصائية ألمانيا رسمية فإن إعجاب الألمان بشتاين بروك قد ارتفع نسبيا لمقدرته الاقتصادية ومرحه فيما تظل ميركل محاطة بهالة الامراة الفولاذية الجديدة رئيسة افضل شخصية حكومة ألمانية بعد الحرب العالمية الثانية .
كان وقد أصدر شتاين بروك كتابا معقدا للقارئ العادي تناول فيه الاقتصاد الألماني الوطني في عصر العولمة الاقتصادية يقول أن الحديث المباشر إلى المواطنين عبر الفضائيات يقتضي الوضوح والمباشرة والابتعاد من الاختزال والمغالاة في المصطلحات السياسية ويتطلب إدراج المرح ليشد المستمع والرائي معا .هذا منهج لم يتبع في هذا الكتاب . فقد شتاين بروك منصبه كوزير للمالية في عهد شرودر عام 2005 إلا أنه عاد كخبير اقتصادي ومرشح لا يستهان به للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ظل_ بعد "شرودر"_ يعاني من غياب مرشح متميز يحل منصبه للانتخابات البرلمانية . يقول شتاين بروك بأنه وصل في كتابه إلى ضرورة ابراز قوة الاقتصاد الألماني اي يجب أن يكون قادرا على مجابهة التحول الديموغرافي وتقلبات العولمة الاقتصادية .
هل ستبدأ ألمانيا عصرا جديدا مع شتاين بروك بدل ميركل أم سيكما معا معارضين شريكين في تحالف واحد مشبوب بالتضاد كزواج قسري !!!!!
الفقر واجندة 2010 والانتخابات البرلمانية الالمانية الراهنة
ها هو "شتاينماير" نائب رئيس الحزب الاشتراكي محاصر من جديد بـ (مأساة) أجندة 2010" التي خططها لها مع شرودر المستشار الألماني السابق.
أعادت ألمانيا (تاريخها) السياسي من جديد لاقتراب لانتخابات البرلمانية في نهاية هذا الشهر. لقد مرت عشر سنوات غلى أجندة 2010 ولم تزل شهرة الحزب الاشتراكي ورموزه من الساسة تعاني من هذه الاجندة المجحفة التي استهدفت الطبقة الفقيرة بألمانيا.
أما في الوقت الراهن فقد تضاعفت التهمة على الحزب الاشتراكي بتورطه في مرحلة حكمه عام 2002 تحت قيادة المستشار شرودر ونائبه "شتاينماير" بتهمة السماح بتهريب المعلومات الخاصة بالمواطنين إلى جهاز المخابرات الألمانية وإتاحة الفرص له بل ومساعدته على التجسس باستخدام شبكات الكترونية خاصة.
حدث هذا عام 2002 فترة حكم الحزب الاشتراكي وحزب الخضر. ولكن .... كيف يستطيع الحزب الاشتراكي الآن التخلص من هذه الفضيحة، و مأساة أجندة 2010 التي اكسبت حزب اليسار شريحة كبيرة من المواطنين الألمان المحتجين على هذه الأجندة، رغم علمهم بأن هذه الاجندة اصلحت ميزانية ألمانيا ودعمتها في الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.
فلنقرأ مجددا بعض تفاصيل هذه الأجندة وسوق العمل الألماني .....
من الملاحظ أن سوق العمل قد أحرز تقدما نوعيا، لم تعهده ألمانيا منذ تأسيسها. ولكن أي تقدم "هذا وما هي الطبقات العاملة الجديدة؟ ورد في دراسة جامعة "ينا" بشرق ألمانيا، أن هذا التقدم في سوق العمل "تزيين وتجميل" شكلي لواقع البطالة !!
نعم لقد انخفضت نسبة البطالة بشكل واضح ولأول مرة منذ اتحادها.
تقول دراسة جامعة ينا المعنية هنا بأن شعار "دعم تشجيع العمل"، الذي روج له "بيتر هارس" ـ الذي خطط وأسس خطة "هارس فير"، وسع من إنجاح وتنفيذ مكافحة البطالة ، غير أن هذا النجاح نفسه لم يصل إلى الفئات المسحوقة، التي قبلت بأي أنواع العمل وبأجور زهيدة تحت ضغط ومراقبة مكاتب العمل.
لقد جاءت هذه الدراسة الميدانية بتجارب من سوق العمل الألماني، وسط إرهاق إجراءات "هارس فير" والتعديلات المقترحة بخصوص تكملة أجور العمل من مكاتب العمل مثلا.
لقد ارتفعت سنويا نسبة التشغيل باضطراد، غير أن معدل "حجم عمل" المشتغلين الجدد ظل في انخفاض. ردمت إجراءات هارتس هوة فراغات سوق العمل بإدراج إجراءات العمل لوقت قصير، والعمال المُعارين، والأعمال الصغيرة "ميني جوب".
شكلت نسبة الموظفين والعمال الجدد 37 % بعد تنفيذ إجراءات "هارس فير" عام 2003، ولكن عمل أكثر من ربع العمال الجدد هولاء بأجور زهيدة، هذا كما شُغل خمسة مليون عاطل عن العمل في نظام اليوم الطويل، علما بأن أجورهم لا تكفي لمعيشتهم مما اضطرهم إلى إكمالها من مكاتب العمل.
تتميز دراسة جامعة "ينا" التي نحن بصددها بالاستفادة من الدراسات الميدانية السابقة لها وتوسيعها لعدد المشاركين في الاستفسارات، إنها دراسة (علمية ـ أكاديمية) بالدرجة الأولى، حاولنا تبسيطها لتوضيح فحواها ونتائجها.
سبق وإن ذكرنا بأن ضم العاطلين عن العمل مع مُتلقي المساعدات الاجتماعية ساهم في تخفيض نسبة البطالة وإنجاح تطبيق إجراءات "هارس فير"، هذا كما أن هذه الاجراءات جاءت في أسوء ظروف سوق العمل الألماني حتى شاع شعار (أي عمل أفضل من البطالة) لبيتر هارس (مخطط هارس فير) ووجد رواجا وقبولا بين المواطنين.
هذا كما شجعت الاجراءات البحث الفردي عن عمل بمعزل عن مكاتب العمل. غير أن هذا لم يكن سهلا لعدم توفر فرص العمل أصلا كما أن سوق العمل الغير رسمي وجد رواجا كبيرا، في هذا الوقت خُفضت أجور العمل وسهلت القوانين الفصل من العمل والتوظيف وفقا لنظام "نصف اليوم". من جانب آخر أُرهق موظفو مكاتب العمل جراء كثرة عدد العاطلين عن العمل بل وتم الضغط عليهم مباشرة وبقسوة من رؤسائهم المباشرين، كل ذلك لتأكيد فعالية ونجاح أجندة "هارتس" لتخفيض نسبة البطالة. وأعلن رسميا انفراج أزمة البطالة على مستوى الدولة مع العلم بأنه لم يكن انفراجا في الواقع وإنما بطالة مقنعة !!
حاولت إجراءات "هارتس" تشجيع حركة البحث عن العمل في كل ولايات ألمانيا وعدم التقيد بالتالي بحيز معين كما شجعت المشاريع الخاصة. لقد فشلت هذه الطموحات والحركية القاتلة و لم تأت في أغلب الأحيان إلا بنتائج عكسية، إذ خسر أصحاب المشاريع وطُلِبوا من قبل مكاتب العمل باسترجاع المال المخصص لدعم مشاريعهم، وفي ذات الوقت ارتفعت بين المواطنين نسبة الأمراض النفسية كالكآبة وعدم الاكتراث وعدم الاحساس بجدوى الحياة، وانتفاء المقاييس المنصفة بين الأثرياء والفقراء.
نعم ازدادت نسبة توظيف وتشغيل المواطنين إلا أن العائد المادي لم يتجاوز مساعدات البطالة إلا بسنتات قليلة ". أي لم يتغير إحساس المواطنين بجدوى العمل والركون في المقابل إلى مساعدات البطالة.
- في هارس فير:
يعتقد الكثير من الأجانب بأن نظام "هارس فير" نظام رائع منقطع النظير بلا سلبيات مطلقا. غير أن ذللك ليس صحيحا في الأغلب الاعم !! لقد أتى هذا النظام امتدادا لمشروع المساعدات الاجتماعية بعد تكوين ألمانيا الحديثة الخارجة من الحرب. نظام اجتماعي يعول العاطلين عن العمل لفترة بطالتهم "القصيرة"، إلى أن يجدوا فرصة أخرى للدخول في سوق العمل من جديد، كذلك إعانة من لا يستطيع كسب قوته أو يعجز عن ذلك. هذا هو الهدف الحقيقي من نظام المساعدات الاجتماعية، غير أنه تحول بمرور الوقت إلى مشروع معاش مبكر يأخذ بأيدي الشباب رويدا رويدا إلى الهاوية .. إلى الاعتماد الكلي على خزانة الدولة وعدم الرغبة في العمل والإنتاج، أي معاش ابدي مبكر. من ناحية أخرى أشد خطرا نجد أن مقدرة وعطاء وطاقة الشباب مسلوبة تماما لا تجد متسعا وحيزا لتتفجر فيه وتبدأ حياة عملية حقيقية مصحوبة ببناء شخصية قوية واعتزاز بالنفس. لقد أصبحت إجراءات "هارس فير" وباءً، لا لأنها لا تشجع على العمل بأجور جيدة. لكن لانها مروج جيد للبطالة وترغيب الشباب العاطل عن العمل في الاتكال وانتفاء نظرة هادفة في الحياة ..
ماذا يحدث لو أوقف نظام المساعدات الاجتماعية ؟
إن الإجابة واضحة كما تقول أكثر من دراسة: ستتفشى الجرائم ولا يستطيع العاطلين عن العمل دخول سوق العمل ثانية لابتعادهم عن الحياة العملية وإجراءات وتفاصيل سوق العمل، أي انتفاء خبراتهم العملية.
تنص دراسة جامعة "ينا" هنا بأن نظام هارس فير ـ سياسة التشغيل ـ جعل العاطلين عن العمل يعانون من الممل وإرهاق نفسي من عناء البحث عن العمل، ومن مكتب عمل إلى دائرة تشغيل أخرى، ومكاتب عمل خاصة، كل هذا لأجل الخروج عن سوق البطالة بأجور تتجاوز المساعدات الاجتماعية بمائة ومائتين يورو على أحسن الفروض !!!
لم ترحم إجراءات هارس فير العائلات كذلك ومصروفها المتزايد نظرا لارتفاع مستوى الحياة والغلاء وكذلك الإيجارات. تقول الدراسة بأن كل " ثالث يورو" من مساعدات العائلات يصرف "للإيجار والطاقة"، وذلك رغم الدعم الاجتماعي المختص بالإيجارات.
نعود ونسأل هل سيكسب الحزب الاشتراكي الديمقراطي ـ الذي أتى بأجندة هارس فير ـ الانتخابات البرلمانية هذا الشهر ؟؟
هل سيكسب رغم اعتماده على مشاريع تخفيض الإيجارات ومنح الجنسيتين (الألمانية والأجنبية) للأجانب وغيرها من المشاريع الاجتماعية الملحة الأخرى.
نشر هذا المقال في مجلة الدليل البرلينية
Amir Nasir [amir.nasir@gmx.de]