أزمة الثقة بين الشعب والحكومة فى السودان: رؤية نقدية

 


 

 


بسمالله الرحمن الرحيم

بقلم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى الشأن الإفريقى
26 سبتمبر 2013 م
asimfathi@inbox.com

يبدو أن هنالك أزمة ثقة كبيرة بين أغلبية الشعب السودانى والحكومة السودانية تزيد فجوتها يوماً بعد يوم، فإستمرار الحرب الأهلية فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق دون حل سياسى يعبر عن الفجوة الكبيرة بين إنسان الهامش والمركز، بينما الزيادات الأخيرة فى أسعار المحروقات كشفت عن حجم أزمة الثقة بين الحكومة التى يقودها حزب المؤتمر الوطنى وبين غالبية أبناء الشعب السودانى والتى ظهرت فى رد الفعل العنيف من جانب الشعب ضد ممتلكات الحكومة وقواتها النظامية ومقرات وممتلكات المؤتمر الوطنى وبنفس القدر قوة رد فعل الحكومة بقواتها النظامية الشرطية وقوات جهاز الأمن والمخابرات الوطنى مما أدى إلى إستشهاد عشرات القتلى حسب ما تناقلته وسائل الإعلام الدولية وبالتحديد وكالة الصحافة الفرنسية.
حزب المؤتمر الوطنى الحاكم ووزير المالية والإقتصاد الوطنى السودانى والرئيس السودانى لم يكونوا موفقين فى مخاطبة الرأى العام السودانى قبل زيادة المحروقات، بل كان خطابهم الموجه للشعب السودانى يحمل نبرات إستفزازية أثارت حفظية الشعب السودانى وبالتالى جاء هذا الرد العنيف ضد الحكومة السودانية وحزب المؤتمر الوطنى الحاكم والتهكم من خطاب رئيس الجمهورية ووزير ماليته فى كل منابر التواصل الإجتماعى فى الإنترنت، بينما مبررات زيادة المحروقات كانت غير مقبولة للرأى العام السودانى ولكل متابع للمشهد السياسى والإقتصادى فى السودان نتيجة لأن إعلام الحكومة كان يبشر بإنفراج إقتصادى نتيجة لزيادة صادرات الذهب وعبور نفط جنوب السودان وزيادة الضرائب وتشجيع الصادرات وخفض منصرفات الجهاز التنفيذى الحكومى، بينما تمت الزيادات بعد إعلان تدفق نفط جنوب السودان وزيادة صادرات الذهب الشىء الذى شكل علامة إستفهام كبيرة لدى الرأى العام السودانى أين تذهب هذه الأموال ولماذا تفرض الحكومة هذه الزيادات على المحروقات التى سوف ترفع من قيمة السلع الإستهلاكيةوتزيد من معانتهم وفقرهم.
وعود حكومة الإنقاذ منذ إستيلاءها على السلطة فى 30 يونيو 1989 م للشعب السودانى بالصبر عليها وأن الإنفراج الإقتصادى قادم، وعدم قدرتها حتى الآن للوفاء بهذا الإلتزام بالإضافة إلى تفاقم الأزمة السياسية فى البلاد وإنتشار الحروب الأهلية والإقتتال الأهلى جعل مصداقية الحكومة التى يقودها حزب المؤتمر الوطنى فى المحك، بينما الإنقسام الطبقى الذى أشار له السيد رئيس الجمهورية فى خطابه الموجه للصحافيين بقاعة الصداقة بوجود طبقة أغنياء تسيطر على خير البلاد وطبقة فقيرة لا تملك قوت يومها وأن هذه الزيادات جاءت لصالح الطبقات الفقيرة أظهر أن الرئيس على معرفة بهذه الإشكالية، أما الرأى العام السودانى ففسر أن هذه الزيادات على أنها تصب فى صالح الطبقة الغنية (الطبقة الحاكمة) وزيادة فقرعامية الشعب السودانى.
تداول المؤتمر الوطنى والسيد الرئيس ووزير المالية السودانى على أن الزيادة التى تمت سوف تكون على البنزين الذى يستفيد منه الأغنياء فقط دون سائر الشعب السودانى، بينما يفاجأ الشعب السودانى بزيادة سعر أنبوبة غاز طهى الطعام من 15 جنيه إلى 25 جنيه، وجالون الجازولين الذى يعتمد عليه معظم السودانيين فى الزراعة والنقل والسفر من ثمانية جنهيات إلى 14 جنهياً، وأن الزيادة على البنزين جاءت بنسبة أقل من الزيادة على الجازولين زاد من أزمة الثقة بين الرأى العام السودانى والحكومة، وجعلت من مبررات الحكومة أن تكون غير واقعية ومقبولة للرأى العام السودانى.
على حزب المؤتمر الوطنى الحاكم أن يسعى للتعرف على إتجاهات الرأى العام السودانى وإيستضاح التيارات المؤثرة فيه، من أجل أن يتكيف معها وتتوافق خططه مع هذه الإتجاهات المؤثرة التى قادت الإحتجاجات العنيفة ضده، حتى تحظى قراراته بثقة الشعب السودانى ويستطيع الإستمرار فى مواقع السلطة، أما إذا لم يستجيب حزب المؤتمر الوطنى الحاكم لتيارات الرأى العام السودانى وأصبح يمارس القمع ضدها فإنه سوف يعرض نفسه لأزمة ثقة عنيفة بينه وبين الشعب حتماً سوف تقود للإطاحة بحزب المؤتمر الوطنى الحاكم والحكومة السودانية عبر تزايد أعمال العنف والعصيان أو بإهمال الحكومة والصمت عنها.
الحل يكمن فى التوافق الوطنى وتكوين دستور يلبى طموحات كل السودانيين، وقيام الحكومة الحالية بإصلاحات سياسية تعمل على إشراك كل القوى السودانية فى العملية السياسية عبر برنامج متفق عليه للتحول الديمقراطى وأن لا تكون الإصلاحات الإقتصادية هى هم الحكومة الآن دون الإصلاح السياسى فالكل مكمل للآخر، أما الرأى العام السودانى يجب أن يتم وضعه فى الحسبان وعدم الإستهوان به وأن إستخدام العنف لكبحه سوف يولد ضغوطاً محلية وإقليمية ودولية سوف تعمل على تغيير النظام بالقوة الدولية تحت مظلة حماية المدنيين (Responsibility 2 Protect)، وليبيا وسوريا خير مثال على ذلك.

////////////

 

آراء