الأصل الأفريقي للحضارة: وهم أم حقيقة؟: تأليف: الشيخ أنتا ديوب .. عرض وتقديم:غانم سليمان غانم
غانم سليمان غانم
8 December, 2013
8 December, 2013
G_ghanim@hotmail.com
أطروحة النشأة الأفريقية (الكوشية أو الزنجية أو النوبية) للحضارة
إن ما دعانى لإعداد وتقديم الملخص التالي عن كتاب الشيخ أنتا ديوب القيم:"الأصل الأفريقي للحضارة: وهم أم حقيقة؟" والذى لقى رواجاً وإنتشاراً كبيراً بين المهتمين بالشأن الثقافى من الأفارقة والأفروأمريكان الناطقين بالفرنسية والإنجليزية، هو أصالة أفكاره وموضوعية طرحها التى أراد المؤلف بها استنهاض وحث الأفارقة للرجوع بثقة لمجدهم القديم ومن ثم الإنطلاق بإرادة قوية وعزيمة وإصرار لتنمية وتطوير قدراتهم وبلدهم أفريقيا.
من هو الشيخ أنتا ديوب؟
الشيخ أنتا ديوب مفكر أفريقى عبقرى من السنغال (29/12/1923م -07/02/1986م) تلقى دراساته العليا فى فرنسا وهو علامة متبحر فى علوم الفيزياء النووية والتاريخ والأنثروبولوجيا الإجتماعية وعلم اللغات وعلم الاجتماع. وكان الشيخ أنتا ديوب منذ دراسته فى باريس ناشطاً سياسياً ومهتماً بحركة التحرير الأفريقية من الإستعمار والإمبريالية، وبعد رجوعه إلى السنغال فى عام 1960م أسس ثلاثة أحزاب سياسية كانت فاعلة جداً فى المعارضة للنظام السياسى فى السنغال. الشيخ أنتا ديوب كاتب ومؤلف غزير الانتاج ألف الكثير من الكتب والأوراق العلمية فى عدة مجالات. وهو من أوائل المفكرين الأفارقة الذين إنتقدوا مدرسة علماء الأنثربولوجيا والتاريخ والآثار التقليديين وقدم أطروحة الأصل الأفريقى للحضارة بموضوعية غير مسبوقة.
كتاب الأصل الأفريقى للحضارة
ألف الشيخ أنتا ديوب هذا الكتاب باللغة الفرنسية باسم (Nations nègres et culture) وتمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية بواسطة المستر مرسر كوك تحت عنوان: (The African Origin of Civilization: Myth or Reality) وقد قام الأستاذ حليم طوسون بترجمته للغة العربية بعنوان: (الأصول الزنجية للحضارة المصرية)، والترجمات العربية والإنجليزية متاحة فى عدة مواقع فى الإنترنت.
وفيما يلى ملخص موجز للكتاب:
1. أورد الشيخ أنتا ديوب فى كتابه:" أن الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة زنجية، وسيظل تاريخ أفريقيا (القارة السمراء) معلقاً فى الهواء ولن تتم إعادة كتابته وصياغته بشكل صحيح ما لم يتجرأ المؤرخون الأفارقة بالسعى لربطه بتاريخ مصر". وأضاف الشيخ أنتا ديوب:" أقنعتنا أبحاثنا ودراساتنا بأن الغرب لم يكن منصفاً وموضوعياً بالشكل الكافى ليعلمنا بشكل صحيح تاريخنا بدون تزوير وترهات وتعتيم من جانبه. لقد كان المصريون القدامى زنوجاً وأن ثمار حضارتهم ينبغى أن تحسب لإرث الجنس الأسمر وبدلاً من أن يقدم الجنس الأسمر نفسه للتاريخ بإعتباره مديوناً ومفلساً حضارياً لا بد أن يعى أنه من أوائل مبتكرى الحضارة الإنسانية التى بلغت أوج قمتها فى نموذج "الحضارة الغربية" المزدهرة اليوم. إن علم الرياضيات الذى برع فيه فيثاغورث، ونظرية العناصر الأربعة لطاليس المالطي والمادية الإبيقورية والمثالية الإفلاطونية وتعاليم اليهودية ومعتقدات الإسلام والعلوم الحديثة كلها متجذرة فى العلوم والآداب والطقوس الدينية المصرية القديمة. فلو تأمل المرء صفات الإله أوزريس، المُخَلِص، الذى ضحى بنفسه ومات وإنبعث لإجل إنقاذ البشرية فإنه بلا شك سيرى تجسيداً للسيد المسيح عليه السلام. ويمكن أن يشاهد الزائر لوادي الملوك فى طيبة تصويراً لمعتقدات المسلمين بكل تفصيل (فى مقبرة الفرعون سيتى الأول أحد فراعنة الأسرة التاسعة عشر) وذلك قبل 1700 عام قبل نزول القرآن حيث يظهر الإله أوزريس يحاسب المبعوثين يوم الحساب، وهذا تجسيد آخر للرب فى الأديان المنزلة. ونحن نعرف تماماً أن بعض نصوص الكتاب المقدس ما هي إلا صورة منسوخة من نصوص مدونات المصريين القدامى. بإختصار ينبغى إحياء وبث الوعي بتاريخ الجنس الأسمر".
2. بالأخذ في الإعتبار الحقائق الأنثروبولوجية والثقافية، فإن السلالة السامية إختلطت منذ زمن بعيد بدماء أجناس بيضاء وسمراء من غرب آسيا، ولهذا فإن فهم حضارة بلاد ما بين الرافدين السامية واليهود العبرانيين والعرب تقتضى دائماً الإشارة إلى تأثير الجنس الأسمر الكوشي. وإذا كانت بعض نصوص الكتاب المقدس، وخاصة كتاب العهد القديم، تبدو غريبة فذلك بسبب أن المفسرين كانوا مملوئين بالتحيز والتحامل ولم يستطيعوا قبول الدليل الموثق.
3. إن إنتصار نظرية "الجين الواحد لأصل الإنسانية" (العالم ليكي) حتى فى مرحلة نشوء وإرتقاء الإنسان البدائي تجبر المرء على قبول فكرة أن جميع الأجناس متحدرة من الجنس الأسمر طبقاً لـ"عملية الإنتساب العرقي" التى سيبين العلم صحتها يوماً ما (الصفحة 14 و15).
"من أين جاء المصريون"، هذا هو عنوان الفصل الأول من هذا الكتاب الممتاز القائم على البحث الموضوعي، وللإجابة على هذا السؤال الرئيسى بالنظر لكافة الإسئلة المطروحة لم يعتمد الشيخ أنتا ديوب على إفتراضات خيالية بل مضى قدماً مستشهداً بشهادات المراجع والمصادر القديمة، وقد إستشهد بهيرودوتس، المؤرخ الأغريقى الذى يحب العلماء الغربيين أن يطلقوا عليه لقب "أبو التاريخ" والذى أفادنا بأنه:"من المؤكد أن لون بشرة السكان المحليين بمصر سوداء بسبب الحرارة". لماذا يقوم هيرودوتس، الذى يقدس العلماء الغربيين رواياته متى ناسبهم ذلك، بالتأكيد بأن المصريين سمراً لو كانو غير ذلك؟ ويحب العلماء الغربيون كذلك الإستشهاد بالكتاب المقدس لدعم حججهم متى خدم ذلك مآربهم. وقد قام الشيخ أنتا ديوب بتذكيرنا بأنه طبقاً للكتاب المقدس فإن مصر كان يستوطنها أبناء حام، أسلاف الجنس الأسمر، وكان المصريون يطلقون على بلدهم اسم "كميت" وهو يعنى اللون الأسود بلغتهم، واليهود العبرانيين يفسرون "حام" بمعنى أسود أو محروق البشرة، وهذا هو أصل كلمة "حام".
حتى لو أسس مصر القديمة الجنس الأبيض فإنه ينبغى على الأقل وجود شواهد حية لربط الحضارة المصرية بالعالم الغربي. وبعكس العلماء الغربيين، الذين سعوا بدون جدوى لإيجاد خيط لدليل وبرهان يدعم ويعزز فكرة المنشأ الأبيض للحضارة المصرية، قدم الشيخ أنتا ديوب ثمانية حجج منطقية لدعم أطروحته المرتبطة بالأصل الأفريقى للحضارة المصرية وهي:
أ- العبادة الطوطمية (الطوطم: كائن - جماد أو حيوان أو طائر – مقدس بالنسبة لعُبادِه): بحسب علمنا، لا يوجد جزء فى العالم الغربي يمارس عبادة الطواطم، وكان المجتمع المصرى مجتمعاً طوطمياً كما هو سائد فى معظم المجتمعات فى مختلف أنحاء أفريقيا حتي اليوم.
ب- الختان:"مارس المصريون الختان منذ زمن موغل فى القدم، ونقلوا هذه العادة لسلالة الساميين (اليهود والعرب)، الصفحة 135"، ولمعارضة دعوى الأصل السامي للختان، أوضح لنا الشيخ أنتا ديوب أنه، طبقاً للكتاب المقدس، تم ختان سيدنا ابراهيم (عليه السلام) عندما بلغ التسعين من عمره وذلك بعد زواجه من سيدتنا هاجر السمراء أم سيدنا اسماعيل (عليه السلام) جد العرب، الفرع الثاني من الساميين، بحسب الكتاب المقدس. ولم يتم ختان سيدنا موسى (عليه السلام) إلا عند زواجه بابنة سيدنا شعيب المديني (عليه السلام). يوجد تفسير عادة الختان فقط لدى الجنس الأسمر وهي مرتبطة بنشأة الكون، وبعبارة أخري تخليص الرجل من الصفات الأنثوية وتخليص المرأة من الصفات الذكورية ببتر جزء من الأعضاء التناسلية، الصفحة 135.
ت- النظام الملوكي: "مفهوم النظام الملوكي هو أحد المؤشرات المبهرة التى توضح تماثل العقلية والتفكير بين مصر وباقي أفريقيا"، الصفحة 138، ولقد تم ممارسة القتل الطقوسى للملوك بواسطة المصريين وهذا ما عليه الحال الآن فى بعض المجتمعات الأفريقية.
ث- العادات والتقاليد: العادات والتقاليد الزنجية، سواء الأفريقية أو المصرية، تشابه إحداهما الأخرى بشكل وثيق وهى فى بعض الأحيان متكاملة. لفهم بعض المفاهيم المصرية ينبغي على المرء الإشارة إلى الجنس الأسمر وذلك بحسب ما أوضحناه بالنسبة للنظام الملوكي. إن تشابه الأعراف والعادات والتقاليد والعقلية والتفكير قد تم توضيحه بما فيه الكفاية من جانب العديد من المختصين. وربما يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتوضيح جميع المقاربات بين ذهنية المصريين والجنس الأسمر، وهى فى حقيقة الأمر واحدة ومتماثلة، الصفحة 139. وإستشهد الشيخ أنتا ديوب بالعديد من المراجع والمصادر لدعم أطروحته فيما يتعلق بالتركيبة الذهنية للجنس الأسمر التى هي أساس الفلسفة المصرية القديمة.
ج- النظام الإجتماعي: وهذا من بين أكثر الخصائص المميزة لمصر القديمة والذى ما زال موجوداً فى أفريقيا حتى اليوم. لقد تم تقسيم المجتمع المصرى القديم على النحو التالي: الفلاحين، العمال المهرة، الكهنة، المحاربين، موظفى الدولة والملك. وفى أفريقيا اليوم لدينا تراتيبية اجتماعية على النحو التالي: الفلاحين، الحرفيين، العمال المهرة، المحاربين، الكهنة والملك. ويجب أن نقارن هذه التراتيبة الإجتماعية مع التراتيبية الإجتماعية للمجتمع الغربي حيث يعتبر النظام الملوكي نظاماً حديثاً.
ح- نسق التراتيبية الإجتماعية الأموية: ربما تكون هذه إحدي الخصائص المشتركة بين مصر القديمة وأفريقيا المعاصرة. كان المجتمع المصرى القديم مجتمعاً ذو تراتيبية إجتماعية أموية وكذلك معظم المجتمعات فى أفريقيا اليوم. بإنتشار المسيحية والإسلام إختفت هذه التراتيبية الإجتماعية الأموية من بعض أجزاء القارة الأفريقية. لم يتمكن بعض العلماء الغربيين المتعصبين من إثبات إفتراضهم القائل بأن الجنس الأبيض هو من أنشأ الحضارة المصرية، والحقيقة المجردة أن المجتمع، الذى من المفترض أن الجنس الأبيض قد قام بإنشائه، قائم على نسق التراتيبية الإجتماعية الأموية بتناقض شديد مع العالم الغربي الذى ما زال حتي اليوم بنسق تراتيبية إجتماعية أبوية جامدة.
خ- صلة القرابة بين مملكة مروي السودانية القديمة ومصر الفرعونية: هناك الكثير من الأدلة تبرهن أن بلاد النوبيين القديمة كانت أصل الحضارة المصرية، ومما لاشك فيه أن مملكة النوبيين كانت أقدم من مصر وكانت هجرة الحضارة من الجنوب إلى الشمال، وهذه الحجة تدعمها حقيقة أن جميع الممارسات والطقوس التعبدية فى مصر القديمة كانت نوبية، وأنه من بين الأدلة الأخرى فإن أقدم الإهرامات موجودة الآن فى السودان، وهذه حقيقة يتم التعتيم عليها بواسطة العلماء الغربيين نظراً لأنهم يبحثون عن أصل أبيض للحضارة المصرية. كما يتم التعتيم كذلك على أن الكتابة النوبية أكثر تطوراً من الكتابة المصرية. وهذا لا يتسق مع وجهة نظر الخبراء المتحيزين الذين يقولون أن الأفارقة لم تكن لهم لغة مكتوبة! بحسب الكتاب المقدس، المصريين والنوبيين هم من أبناء حام (مصريم وكوش)، وحتى حين تراجع الإمبراطورية المصرية القديمة كان الملوك النوبيين يحملون ألقاباً مثل ألقاب الفراعنة المصريين تماماً، الصفحة 147. ويجب أن لا يكون هناك رفض لهذه الحقيقة لو كان العلماء البيض مستعدون لتصديق مدونات المصريين التى تركوها لنا فيما يتعلق بأصلهم النوبي، وطالما أنه لا يوجد ذكر لجنس أبيض فإنه لا هيرودوتس أو المصريين مؤهلين – فى نظر العلماء البيض- للقيام بكتابة تاريخهم.
د- الجغرافية: دعونا نتخيل قيام حضارة قديمة فى الجزء الشمالى من أوروبا، كيف سيكون رد الفعل لو أن عالماً زنجياً إدعى أن تلك الحضارة أنشاءها أسلافه؟ هذا بالضبط ما يريد العلماء البيض أن يتقبله الأفارقة. بكل الجدية، أنفق العلماء البيض موارد هائلة لإكتشاف جنس أبيض أسطورى أسس الحضارة المصرية القديمة. ولذلك تبقى مصر الدولة الوحيدة التى يجب أن تبرر وجودها الجغرافي! والسؤال المستفز للجميع والمرتبط بمحاولة صبغة حضارة مصر بالجنس الأبيض هو لماذا يترك الجنس الأبيض موطنه والذهاب بعيداً إلى أفريقيا لتأسيس حضارة فى أفريقيا وينسحب بمعجزة خارقة كما جاء؟ وكما تحير الشيخ أنتا ديوب، تبقى الحقيقة المحيرة فى كيفية أن الجنس الهندوأوروبي لم يقم على الإطلاق بإنشاء حضارة فى موطنه الأصلي: السهول الأوروآسيوية، مع أن الحضارة التى نسبوها إلى أنفسهم موجودة وسط بلاد الكوشيين الزنوج التى تقع فى الشطر الجنوبي لنصف الكرة الأرضية الشمالي: مصر، الجزيرة العربية، بلاد الفينيقيين (الشام) وبلاد الرافدين (العراق) وعيلام (ايران) والهند. وفى جميع هذه البلدان قامت حضارات كوشية زنجية عندما جاء الجنس الهندوأوروبي حاملاً خصائص البدو الرحل الفظين خلال الألفية الثانية. وطالما أن الدليل النمطي للعلماء البيض يتضمن تصوير أن هذه الجنس الأبيض البدائي والمتوحش أحضر معه جميع عناصر الحضارة أينما حل، فيبقى السؤال قائماً فى الأذهان: لماذا يظهر هذا السلوك الخلاق فقط عندما يكون هناك إتصال مع الجنس الأسمر؟ لماذا لا يكون فى موطنهم الأصلى فى السهول الهندوأوروبية؟ لماذا لم ينشئ الجنس الأبيض حضارة فى موطنه قبل هجرته إلى جنوب الكرة الأرضية؟ الصفحة 152.
ورداً على علماء غربيين من أمثال برتراند رسل الذى يحب أن يصف الإغريق بكل عبقرية خارقة، قام الشيخ أنتا ديوب بتذكيرهم بأن معظم العلماء والفلاسفة الأغريق تلقوا تعليمهم فى مصر. فى الصفحة 232 من الكتاب نطالع:"أن سولون، طاليس، إفلاطون، وليكوجروث و فيثاغورث واجهوا صعوبات قَبل قبولهم كطلاب من طرف المصريين"، وتعزيزاً لحجته استشهد الشيخ أنتا ديوب بمقالة أحد المراجع على النحو التالي:"ومن ثم أدركت وأدركت بوضوح أن أفكار معظم العلماء الأغريق المشهورين، خاصة أفكار افلاطون وإرسطو، منشؤها فى مصر. وأدركت كذلك بأن العبقرية الخارقة للإغريق هي تقديمهم أفكار المصريين القدامي بشكل مهضوم، خاصة من إفلاطون، ولكنني أعتقد أن ما أحببناه فى الإغريق يحتم علينا أن لا نهضم أو نبخس المصريين أشياءهم. فاليوم عندما يقوم مؤلفان بالتعاون فى تأليف كتاب فإن التقدير والإشادة لجهدهم المشترك تكون مناصفة بينهما، ولقد عجزت أن أفهم كيفية قيام الإغريق القدامى بحصاد ثمار أفكار إقتبسوها من المصريين القدامى"، الصفحة 232.
وإلى الذين سألوا كيف إنحط الجنس الأسمر إلى هذا المستوى المتدني، أجاب الشيخ أنتا ديوب يمكننا طرح نفس السؤال على الأغريق الذين كانوا أباء الحضارة الغربية وعلى الإيطاليين كذلك! وإذا قبلنا أطروحة الأصل الأفريقى للحضارة، التى لا يرفضها اليوم عالم جاد، أسود أم أبيض، إذن فلماذا التردد فى قبول أن آباء الجنس البشري كانوا كذلك هم الرواد للحضارة الإنسانية. صحيح أن الجنس الأسمر صار ضعيفاً ومتخلفاً اليوم، لكن هذا لم يكن الحال على الدوام فنحن ننسى أن أفريقيا كانت هناك فى فجر التاريخ وقد مضت حقب زمنية طويلة من التاريخ قبل أن يسمع أحد عن الأوروبيين. ونحن ننسى كذلك أن الأنجلوساكسون كانوا يهيمون فى البرية كشعوب بدائية متوحشة عندما كانت الإمبراطورية الغانية فى أوج مجدها! ونحن لم نعد نتذكر أنه عندما حصدت الأمراض المعدية والطاعون والمجاعة ثلث سكان أوروبا كان هناك إمبراطور أفريقى إسمه منسا موسى أثار دهشة العالم بثرواته الضخمة.
الشيخ أنتا ديوب لم يكتب كتاباً فى التاريخ فحسب بل أجرى محاكمة، لقد كان المفكر الأفريقى الرائد الذى قام بشجاعة بدحض إفتراءات العلماء والأكاديميين الغربيين المتحاملين والمتحيزين الذين كانوا ينشرون ويروجون للإستعلاء العرقى بإسم البحث العلمي. وكان الشيخ أنتا ديوب المفكر الأفريقى الرائد الذى واجه العلماء والأكاديممين الغربيين أكثر من أى شخص آخر وتحداهم وجعلهم يتراجعون عن نشر الأكاذيب التى كانوا يختلقونها عن أفريقيا. ومنذ نشر كتابه هذا توقف الأكاديميون الغربيون عن إعتقادهم السائد بأن الأفارقة سيظلون صامتين فيما يتعلق بالأكاذيب التى يروجونها. إن أفريقيا والأفريقيون مدينون لهذا المفكر العظيم لتسليطه الضوء على تاريخ أفريقيا المعتم ولا عجب أن يُطلق عليه لقب "فرعون التاريخ الأفريقي" إنه أكبر من مفكر إنه عبقري.
ختاماً، ينبغى على كل أفريقى مطالعة هذا الكتاب المرجع فهو ليس مرجعا فى التاريخ فحسب بل رحلة فى إكتشاف الذات.