نحو إيجاد منهج لفض النزاعات الأفريقية (2)
فهم طابع الصراع الراهن فى جنوب السودان وكيفية إحتوائه
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى الشأن الأفريقى
January 5, 2014
تمهيد:
لا زالت معظم الدول الأفريقية تشهد صراعات عرقية وإثنية ودينية وطائفية عنيفة محمولة على قوالب سياسية منذ أن نالت إستقلالها من المحتل الأوربى، وأصبحت القارة الأفريقية توصف فى معظم الأدبيات الغربية المعاصرة حتى وقت قريب بأنها القارة المظلمة (Dark Africa)، وأرض الصراعات التى لا تنتهى، حيث لايكاد ينتهى صراع فى أحد مناطقها حتى يبرز صراع آخر فى أحد مناطقها الأخرى، ومعظم هذه الصراعات التى تعانى منها قارة أفريقيا هى صراعات من أجل اكتساب النفوذ والسيطرة على السلطة والثروة، هذه الصراعات الأفريقية الداخلية استدعت فى كثير من الأحيان تدخل الدول الإستعمارية القديمة (فرنسا فى حالة مالى وأفريقيا الوسطى حالياً)، و القوى الدولية العظمى (الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى حالة الصومال، ورواندا، والحرب الأهلية فى السودان)، والمنظمة الدولية (UN) فى جنوب أفريقيا وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 772 (1992م)، وفى ليبريا وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 788 (1992م)، وفى الصحراء الغربية والكنغو والعديد من الدول الإفريقية من أجل فرض السلام. ومنذ نشأة منظمة الوحدة الأفريقية فى مايو من العام 1963 م وإنشاء آليتها لمنع وإدارة وتسوية الصراعات فى عام 1993 م وتحول منظمة الوحدة الأفريقية إلى الإتحاد الأفريقى فى مارس من العام 2001 م عجزت آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات فى منظمة الوحدة الأفريقية وخليفتها مجلس السلم والأمن الأفريقى ( أنظر لبرتوكول إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقى 9 يوليو 2002 م ديربان) فى إحتواء الصراعات الأفريقية وصنع وبناء السلام فى أرجاء القارة الأفريقية بالرغم من جهود المنظمات الأفريقية الإقليمية العديدة لإحتواء الصراعات فى مناطقها (دور الإيكواس فى تسوية الصراع فى ليبريا وسيراليون وغينيا بيساو، والسادك فى ليسوتو، والإيقاد فى السودان).لكن عجز الإتحاد الأفريقى وعدم قدرته على إحتواء الصراعات الأفريقية أدى إلى إخفاق الأمة الأفريقية فى إدارة خلافاتها ومواردها، وعليه هنالك مسؤلية تاريخية وسياسية وأدبية تقع على عاتق الإتحاد الأفريقى ودوله ومنظماته لإيجاد منهج وإسلوب عمل أفريقى يهدف لمنع الصراعات قبل إندلاعها، وإدارة وتسوية الصارعات فى حالة تفاقم الصراعات، وإنها الصراعات عبر التسوية السياسية والعسكرية ومن ثم بناء السلام لمنع تكرار النزاعات، وهذا لن يتحقق إلا بإلإهتمام ببحوث ودراسات السلام والأمن التى تبحث فى ظاهرة النزاعات الإثنية والظواهر التى تهدد الأمن والسلام فى القارة الأفريقية عبر إتباع المنهج البحثى العلمى الذى يتابع ويحلل هذه الظواهر ومن ثم يقدم توصيات بشأن حلها أو الحد من تأثيراتها.
مقدمة:
معظم الأدبيات الغربية والأفريقية المعاصرة شخصت الصراع فى جنوب السودان قبل تشكله كدولة فى 9 يوليو من العام 2011 م على أنه صراع ذو أبعاد سياسية وأيدلوجية، وتم على إثر ذلك تصوير الصراع بصورة مستمرة على أنه صراع إثنى بين العنصر العربى الإفريقى والعنصر الزنجى الإفريقى، وتارة على أنه صراع دينى بين الشمال العربى الإفريقى المسلم والجنوب المسيحى الوثنى، وظلت معظم الأدبيات الأفريقية والغربية المعاصرة عدا القليل منهامثل كتابات أليكس دى وال وجون يونغ (Alex de Waal & John Young pieces) يتجاهل دور العوامل الإثنية والعرقية بإعتبارها أحد الأبعاد المهمة فى تشكل الصراعات فى جنوب السودان، وعليه لا يمكن تحليل وتشخيص قضية الصراع فى جنوب السودان دون فهم المكونات الثقافية والحضارية التى شكلت المجتمع فى جنوب السودان، ودور الإختلافات العرقية فى تشكيل الصراعات فى جنوب السودان قبل وبعد إستقلال السودان من بريطانيا عام 1956م. لقد برزت قضية جنوب السودان فى التاريخ المعاصر كأحد الإشكاليات التى نتجت من ممارسات الحكم التركى المصرى (الإسترقاق)، والحكم الإنكليزى المصرى (قانون المناطق المقفولة)، ثم تطورت قبل وبعد إستقلال السودان من الحكم البريطانى فى عام 1956 م وصنفت ضمن إطار قضايا الأقليات القومية العرقية التى تناضل من أجل حقوقها، وقد ساهمت العديد من العوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية فى أن تكتسب قضية جنوب السودان أبعاداً إقليمية ودولية أدت فى نهاية المطاف لتكوين دولة جنوب السودان فى التاسع من يوليو من العام 2011 م عبر إستفتاء جاء وفقاً لنصوص إتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقع فى نيفاشا فى التاسع من يوليو من العام 2005م، ويبدو أن المجتمع الدولى والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الإقليم قد إختزلوا مشكلة الصراع فى جنوب السودانفى حق تقرير المصير وفصل جنوب السودان عن شماله وتجاهلوا الأبعاد الأخرى الإثنية والعرقية والثقافية والحضاريةودورها الرئيسى فى تشكل الصراعات فى دولة جنوب السودان الوليدة وكيفية التغلب عليها.
طابع الصراع وحقيقته فى جنوب السودان:
ما يحدث فى دولة جنوب السودان الوليدةمن تطورات منذ 15 ديسمبر 2013 م وحتى الآن هو صراع قبلى للسيطرة على السلطة والثروة، بيد أن كل من طرفى النزاع يضفى عليه صفة أنه صراع سياسى، هذا الصراع بين الدكتور رياك مشار النائب السابق لرئيس حكومة جنوب السودان والرئيس سلفاكير يعبر عن وجود صراع شخصى حاد بينهما على السلطة والزعامة إستدعى كليهماللإعتماد على قبائلهما وحلفائهم الداخليين من أجل دعم أهدافهم، والجدير بالذكر أنه فى أثناء الحرب بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة المركزية فى السودان كان البعد الإثنى يلعب دوراً هاماً فى خدمة الصراعات السياسية داخل الحركة الشعبية (SPLM)، وهذا ما عكسه لنا الصراع الدموى بين فصيلى الحركة الشعبية (مجموعة قرنق، ومجموعة مشار) عندما شكل مشار مجموعة الناصر وإنشق عن الحركة الشعبية فى بدايات العام 1990 م من القرن الماضى، مما أدى لإشتعال حرب قبلية طاحنة فى ذلك الوقت بين الدينكاالمناصرين للدكتور جون قرنق، والنوير المناصرين للدكتور رياك مشار، بينما برزت قوات دفاع جنوب السودان (SSDF) بعد إتقاقية السلام الشامل لتعبر عن مصالح الإثنيات الجنوبية التى كان تقف مع الحكومة المركزية فى السودان ضد تمرد الحركة الشعبية.
الأبعاد الداخلية للصراع فى جنوب السودان:
أولا:ً البعد الإثنى:
تضم دولة جنوب السودان الوليدةثلاثة مجموعات إثنية رئيسة (النيليون، والنيليون الحاميون، والمجموعة السودانية) ويتفرع من هذه المجموعات الإثنية الرئيسية جماعات عرقية عديدة، فالنيليون يشكلون 65% من مجموع السكان الدولة الوليدة، ويتفرعون إلىثلاثة قبائل رئيسيةهى الدينكا والنوير والشلك، ويعتبر الدينكا من أكبر المجموعات الإثنية في الدولة (40%)، بينما يعتبر النوير ثانى أكبر المجموعات الإثنية فى الدولة (20%)، أما الشلك فيشكلون حوالى (5%) من سكان الدولة الوليدة.أما النيليون الحاميون فتتفرع منهم قبائل كثيرة أهمها قبائل الباريا والمنداري والتوبوسا والتوركانا واللاتوكا. بينما تتفرع من المجموعة السودانية قبائل عديدة أهما قبيلة الزاندي والمورلى والكاكوا والجور والكريش.هذا التنوع العرقى فى دولة جنوب السودان أفرز وجود جماعات وأعراق ذات ثقافات متنوعة داخل إطار الدولة الواحدة، ووجود إمتداد لبعض هذه الإثنيات فى دول الجوار. وفى جنوب السودان هنالك جماعات عرقية مسيطرة (الدينكا)، وهنالك جماعات عرقية ترفض سيطرة الدينكا (النوير والإستوائيين)، هذا أدى إلى صراعات قبلية عنيفة قبل وبعد إنفصال جنوب السودان من وطنه الأم السودان فى التاسع من يوليو من العام 2011 م، هذا بالإضافة للصراع التاريخى بين الدينكا والنوير حول الزعامة والسيطرة والمرعى الذى لا زال حاضراً فى وقتنا الراهن، حيث بلغ زروته فى الصراع الحالى بين الرئيس سلفاكير (دينكا) ونائبه المعزول الدكتور رياك مشار (نوير) الذى إنفجر فى 15 ديسمبر من العام 2013 م، وينظر الأخير لسياسة الرئيس سلفاكير أنها تصب فى صالح تمكين قبيلة الدينكا من أجل إحكام سيطرتها على مقاليد السلطة والثروة فى جنوب السودان، وأن ما قام به دكتور رياك مشار ما هو إلا نموذج لإنقلاب عرقى تحت غطاء سياسى بدافع السيطرة على مقاليد الحكم ومنع عرقية الدينكا من محاولة إحكام سيطرتها على مقاليد السلطة والثروة فى البلاد. ويتضح من قراءة الواقع فى دولة جنوب السودان إن الزعامات القبلية فى دولة جنوب السودان كما فى دول أفريقية أخرى تمارس دوراً بارزاً فى الحراك السياسى الذى يشهده جنوب السودان، فهم من يستدعون أتباعهم لمناصرتهم فى حالة العنف المسلح (تحرك الجيش الأبيض من قبائل النوير نحو بور وسيطرتهم على مواقع النفط فى ولاية الوحدة حالياً نموذجاً)، أو لمناصرتهم سياسياً بالتصويت لصالحهم فى حالة التنافس الديمقراطى عبر الإنتخابات (Look at Abdul Mohammed and Alex de Waal piece “South Sudan must resolve ethnic conflicts to be a nation at peace”, by Abdul Mohammed and Alex de Waal was originally published by the Washington Post on December 29, 2013). وفى جنوب السودان هنالك دور بارز للقبيلة فى الصراع على السلطة والثروة، والقبيلة فى جنوب السودان تلعب دوراً محورياً فى تكوين السلطة الحاكمة وتكوين الفصائل المعارضة للحكم.
إن إحساس الجماعات العرقية الأخرى المكونة للنسيج الإجتماعى لدولة جنوب السودان بالدور الأمنى الكبير لقبيلة الدينكا وسعيها لتكريس قبضتها على مفاصل الدولة على حساب المجموعات العرقية الأخرى ربما يكون هو العامل المهم فى بروز الصراع الأخير بين الرئيس سلفاكير ونائبه المقال الدكتور رياك مشار الذى إنفجر فى يوم 15 ديسمبر من العام 2013 م، وعليه يفهم الصراع الدائر الآن فى جنوب السودان أنه صراع إثنى فى المقام الأول حيث أن القبيلة فى جنوب السودان هى التى تلعب دوراً بارزاً قى تشكيل النظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية هنالك (For further reading please read “Fragility and State-Society Relations in South Sudan” by Kate Almquist KnopfAfrica Center for Strategic Studies Research Paper No. 4 Washington, D.C. September 2013)،وهى السبب فى نشؤ الأزمات الحالية التى يتعرض لها جنوب السودان، وذلك نتيجة لغياب المؤسسية وهشاشة الدولة القائمة وعدم تشكل حضارة جمعت هذه الكيانات العرقية فى منطقة جنوب السودان فى كيان واحد عبر التاريخ لتجعل منهم مجتمع متعاون ومتجانس فى ما بينهم.
ثانياً: البعد السياسى:
الدولة الوليدة فى جنوب السودان تحكمها الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) وهى التى تسيطر على مقاليد الحكم فى جنوب السودان منذ إتفاقية السلام الشامل (CPA) التى وقعت فى التاسع من يوليو من العام 2005 م، ومنذ تمرد الحركة الشعبية فى عام 1983 م كانت هنالك خلافات بين أعضائها حول الزعامة والسلطة أدت فى كثير من الأحيان لتكوين فصائل متناحرة فيما بينها (فصيل مشار، فصيل لام أكول، فصيل قرنق)، بيد أن العقيد جون قرن لعب دوراً بارزاً فى إذابة الخلافات الشخصية وتجاوز الصراعات الإثنية قبل وبعد توقيع إتفاق السلام الشامل (CPA)، إلا أن الصراعات والخلافات بين القيادات عادت لتظهر من جديد فى السطح بعد وفاة جون قرنق فى حادث الطائرة فى يوليو من العام 2005 م، فظهرت الخلافات بين سلفاكير ومشار ولام أكول وتقاطعت مواقفهم السياسية ما بين التحالف والإختلافمما أدى إلى تفشى الصراعات السياسية داخل حزب الحركة الشعبيىة الحاكم والتى إستفحلت بعد إنفصال جنوب السودان فى 9 يوليو من العام 2011 م بالرغم من محاولة بعض قادة الحركة الشعبية من توحيد صفوف شعب جنوب السودان للسمو فوق الإثنية عبر الدخول فى حروب متكررة مع الدولة الأم السودان بعد إعلان دولتهم والإعتراف بها عالمياً فى التاسع من يوليو 2011م.
ثالثاً: البعد الإقتصادى والإجتماعى:
منذ أن إنفصل جنوب السودان عن دولته الأم السودان وشكل دولته الجديدة فى التاسع من يوليو من العام 2011 م، وعد رئيس الدولة سلفاكير مليارديت مواطنيه بالعمل على تحقيق الإستقرار والتنمية فى كافة أرجاء جنوب السودان، وأن عائدات البترول سوف توجه إلى التنمية، كما وعدت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية بأنتدعم برنامج التنمية فى جنوب السودان، هذه الوعود ساهمت فى رفع توقعات المواطن الجنوبى بأن دولته سوف تحقق له نوعاُ من التنمية الإقتصادية الشاملة تسهم فى إحداث تغيير إجتماعى وتوفر له فرص عيش أوفر بعد عشرون عاماُ من الحرب الأهلية، ولكن دخول دولة جنوب السودان فى صراع مع الدولة الأم (السودان)، ودعم دولة جنوب السودان للمعارضة المسلحة فى السودان، بالإضافة لوقف تصدير البترول عبر السودان لفترة طويلة، أهدر موارد دولة جنوب السودان، وسبب نقص حاد فى ميزانية الدولة، مما جعل مواطنى الدولة الوليدة يعانون من نقص حاد فى الغذاء، أدى إلى تدهور فى مستوى معيشتهم، وبالتالى إرتفع صوتهم وزادت حالات الغضب الشعبى ضد سياسات الحكومة. من جانب آخر أدى إنتشار حالات الفساد فى الدولة الوليدة إلى تذمر المواطنين نتيجة لظهور العديد من التقارير التى توضح سوء إستعمال المسؤلين فى دولة جنوب السودان لأموال الدولة الوليدة وتجنيبها فى بنوك خارجية (Report by Thomas C. Mountain Horn of Africa, living and reporting from Eritrea since 2006. Published by Integrity Way website, May, 2012 06:41 PM, He can be reached at thomascmountain@yahoo.com)، مما إستدعى الرئيس سلفاكير للقيام بتغيير حكومته ومحاولة إصلاح الخلل فى أدائها، ولكن هذه التغيرات أحدثت إنقسام داخل الحزب الحاكم نتجت منها أحداث 15 ديسمبر 2013 م التى أدت لإنقسام حاد داخل مجتمع جنوب السودان نتيجة لتطور الخلاف السياسى بين الرئيس سلفاكير ونائبه المقال الدكتور رياك مشار إلى حرب أهلية بين الدينكا مناصرى الرئيس سلفاكير، والنوير مناصرى نائب الرئيس المعزول الدكتور رياك مشار، هذا الصراع جعل الكثيرمن المدنيين يلجأون إلى مخيمات الأمم المتحدة، والبعض الآخر أجبر على النزوح إلى دول الجوار بينما قتل الآلاف فى إطار التصفيات العرقية.
الأبعاد الخارجية للصراع:
أولاً: البعد الإقليمى:
أى صراع داخلى فى جنوب السودان سوف تكون له إنعكاسات سلبية على دول الجوار والإقليم، وبالتالى ليس من مصلحة دول الجوار والإقليم أن يستمر الصراع لأنه سوف يؤثر عليها إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً وأمنياً، وأن دولة جنوب السودان أو أى دولة فى المنطقة إذا إتجهت نحو الفوضى سوف تشكل عبئاً أمنياً وإقتصادياً وسياسياً على دول جوارها،والصراع فى جنوب السودان حتى الآن كل الدلائل تؤكد أنه صراع داخلى، لكن ربما يكون هنالك دور غير مباشر لأحد الفاعلين الإقليميين أو الدوليين فى هذا الصراع لأسباب ومصالح خاصة به.
وإذا نظرنا لدول جوار دولة جنوب السودان نجد أن السودان يعتمد إقتصادياً على دولة جنوب السودان من خلال تصدير نفط دولة جنوب السودان عبر خط أنابيبه الممتد من حقل الوحدة حتى ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر بطول 1600 كلم، وأن هنالك بروتوكولات أمنية وإقتصادية وسياسية تمت من أجل حل الصراعات بين السودان وجنوب السودان، وبذلك تفرض المصالح على دولة السودان أن تعمل على حل الصراع بالطرق السلمية بالإشتراك مع دول الجوار عبر منظومة الإيقاد. أما أثيوبيا فهى مثل السودان فهى تستورد البنزين من السودان وجنوب السودان عبر السودان بأسعار تفضيلية بواسطة الشاحنات عبر الطريق البرى الذى يربط الخرطوم بأديس أبابا، بينما هنالك إمتداد لقبيلة النوير فى أثيوبيا، مما يجعل أثيوبيا تتحرك من أجل إحتواء النزاع فى دولة جنوب السودان لأنه سوف يشكل لها أعباء أمنية وإقتصادية وربما عسكرية نتيجة لإرتباط بعض جماعات النوير بالعمل المعارض ضد الحكومة الأثيوبية، أما كينيا فهى الدولة الراعية للمفاوضات التى أنتجت إتفاقية السلام الشامل (CPA) فى 9 يوليو 2005م والتى أدت لإنفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة فى التاسع من يوليو 2011 م، وهى الدولة التى قدمت المأوى والدعم السياسى لقادة الحركة الشعبية أثناء حربهم ضد الحكومة المركزية، وهى الدولة التى لها مصالح إقتصادية عميقة مع دولة الجنوب متمثلة فى شبكة من البنوك التى تنتشر فى دولة جنوب السودان، بالإضافة لإستيراد جنوب السودان معظم إحتياجاته عبر ميناء ممبسا، وعليه كينيا سوف تعمل مع دول الجوار ومنظومة الإيقاد قى إتجاه حل الأزمة التى يتعرض لها جنوب السودان. أما يوغندا الداعم الرئيسى للحركة الشعبية منذ نضالها ضد المركز فى السودان وحتى إنفصالها وتكوين دولتها المستقلة، فهى أكبر مستفيد إقتصادى من حركة التجارة بينها وبين دولة جنوب السودان، كم أن لها قوات عسكرية تنتشر فى المنطقة الإستوائية والحدود مع أفريقيا الوسطى بغرض ملاحقة جبش الرب بدعم أمريكى وأوربى، وبالتالى يوغندا مستفيدة من النظام الحالى فى دولة جنوب السودان وسوف تدعم إستمراه. أما أفريقيا الوسطى فهى فى حالة من الفوضى والقتال العرقى والدينى نتيجة للتدخلات الإقليمية والدولية ومن بعض دول الجوار لإحداث تغيرات سياسية بها تعزز من مصالحهم، عليه أفريقيا الوسطى مثل جنوب السودان تحتاج أيضاً لجهد أفريقى لمنع الدولة فيها من الإنحدار نحو الفوضى والمحافظة على ماتبقى من مؤسساتها الدستورية من أجل المساهمة فى إعادة بنائها وإنهاء حالة الصراع العرقى والدينى فيها.
عليه مصالح دول جوار دولة جنوب السودان تحتم عليها أن تعمل ضمن منظومة الإيقاد تحت مظلة الإتحاد الأفريقى ودعم المنظمة الدولية والولايات المتحدة الأمريكية لحل النزاع فى جنوب السودان فى أسرع وقت، لأن إستمرار القتال بين طرفى النزاع فى دولة جنوب السودان سوف يؤثر سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وعسكرياً على دول الجوار والإقليم، وسوف يقود لكارثة إنسانية لا تحمد عقباها إذا إستمر التناحر العرقى بين الفصائل المتنازعة.
ثانياً: البعد الدولى:
فى إطار الصراع والتنافس الدولى على موارد القارة الأفريقية ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية فى التوصل لإتفاقية السلام الشامل (CPA) بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية عبر منبر (شركاء الإيقاد)الذى دعم جهود الإيقاد لإيجاد تسوية سلمية للحرب الأهلية الدائرة فى جنوب السودان، وحظيت الحركة الشعبية بدعم سياسى وعسكرى وأمنى وإقتصادى من الولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل، بينما وجدت دولة جنوب السودان إعتراف ودعم أمريكى كبير بمجرد الإعلان عنها، بما يؤشر أن دولة جنوب السودان تشكل دولة فاصلة للمصالح الأمريكية فى المنطقة فى إطار التنافس القوى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والقوى الصاعدة الأخرى للإستحواذ على نفط وغاز ومعادن أفريقيا، وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الدولة الوليدة فى المجال السياسى والعسكرى والأمنى والإقتصادى، فمن الواضح أن هذا القتال الذى إندلع بين الرئيس سلفاكير ونائبه المعزول د. رياك مشار قد يسبب لها قلق كبير وخيبة أمل نتيجة لأنها دعمت تكوين هذه الدولة لتكون فاصلة لمصالحها فى المنطقة، بينما لا زالت الإستثمارات الصينية فى مجال البترول حاضرة فى جنوب السودان، وربما يسبب الصراع الحالى أضرار كبيرة وخسائر فادحة لشركة البترول الصينية (CNPC) وشركائها (الهند وماليزيا) قد تقودها لوقف نشاطاتها والتخلى عنها لصالح شركات أخرى، لذلك ربما يكون هذا الصراعمدفوع بواسطة قوى دولية فاعلة من أجل إحداث توترات تساهم فى تمكين القوة الداعمة للصراع فى تكريس هيمنتها على المصالح النفطية فى جنوب السودان.
السناريوهات المتوقعة:
هنالك سناريوهان متوقعان لمسار الأزمة فى جنوب السودان:
الأول: هو أن تنجح الجهود الإفريقية عبر منبر الإيقاد فى إيجاد تسوية سياسية للأزمة بين طرفى النزاع فى جنوب السودان تحظى بدعم دولى وإقليمى.
الثانى: هو أن يستمر النزاع بين الفرقاء فى حال عدم إستجابتهم لجهود الوساطة وهنا يجب على دول الجوار والإتحاد الأفريقى إتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية لإنهاء الصراع ومنع دولة جنوب السودان من أن تتحول لدولة فاشلة تهدد الأمن الإقليمى والدولى برمته.
وسائل حل الصراع:
الصراع فى جنوب السودان تفاقم وتحول من مرحلة صراع السياسى لصراع إثنى حاد تستخدم فيه كل وسائل العنف المسلح، عليه فى مثل هذه الحالة تسوية الصراع تحتاج لجهود سياسية وعسكرية من أجل حفظ وفرض السلام من أجل إدارة وتسوبة الصراع، ومن ثم العمل على إنهاء الصراع عبر تسوية سياسية وعسكرية شاملة من أجل بناء السلام للوصول لحل نهائى للصراع، وعليه يجب أن يأخذ الوسطاء الأفارقة فى الحسبان البعد الإثنى عند تسوية الصراع وأن تشتمل تسوية الصراع على الآتى:
أولاً: فى حالة التسوية السلمية:
1. المطالبة الفورية بوقف إطلاق النار.
2. إلزام طرفى النزاع بمطالبة مناصريهم بوقف العنف الإثنى.
3. التفاوض على تقاسم السلطة (POWER SHAIRING) عبر تشكيل حكومة إنتقالية لفترة زمنية متفق عليها تهتم بعملية إكمال المصالحة الوطنية على كافة المستويات، وتحسين الظروف الإقتصادية، وإجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية فى أقرب وقت تحت إشراف الإتحاد الأفريقى (AU)، والمنظمة الدولية (UN).
ثانياً: فى حالة التسوية العسكرية:
وهنا يجب فرض السلام (PEACE INFORCEMENT) بإستخدام القوة العسكرية فى عملية تسوية الصراع، وبما أن قوات حفظ السلام قد تعرضت لهجوم خلال هذا النزاع بين الفصيلين المتحاربين فى دولة جنوب السودان، من قبل أحد أطراف الصراع، فهنا إن لم يتم التوصل لتسوية سياسيةللنزاع القائم، يجب إستصدار قرار أفريقى من أجل تحويل مهام قوات حفظ السلام فى جنوب السودان إلى قوات فرض سلام تحت إشراف الإتحاد الأفريقى.
الخاتمة:
تحتاج دولة جنوب السودان الوليدة بعد تسوية النزاع وصنع السلام لعملية بناء سلام تهدفلحل الصراع القائم من جميع أبعاده السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية، ولابد أن ترتبط عملية بناء السلام فى جنوب السودان بإصلاح وبناء مؤسسات الدولة، وتحسين البنية التحتية، وتحقيق المصالحة الإجتماعية، ورفع مستوى المعيشة الإقتصادية من أجل القضاء على الأسباب التى تعمل على إعادة النزاع مرة أخرى، وهذا يتطلب من النخبة السياسية فى جنوب السودان أن تكون على قدر من المسؤلية لمجابهة التحديات الداخلية التى تواجه دولتهم الوليدة.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى الشأن الأفريقى
asimfathi@inbox.com