تحديات توظيف الشباب الأفريقي: مشروع مارشال أفريقي لمكافحة البطالة .. ترجمة: غانم سليمان غانم
تحديات توظيف الشباب الأفريقي: مشروع مارشال أفريقي لمكافحة البطالة
بقلم: الأستاذ/ توني أو. إلوميلو*
ترجمة: غانم سليمان غانم
G_ghanim@hotmail.com
تهدد العطالة، بغض النظر عن أية عوامل أخرى، بانحراف مسار التنمية الاقتصادية فى أفريقيا، إنها قنبلة زمنية ليس لها حدود جغرافية. يتوقع الخبراء والمحللون الاقتصاديون أن تتمكن الدول الأفريقية من خلق 54 مليون وظيفة وفرصة عمل جديدة بحلول عام 2020م ولكن وفى نفس الإطار الزمني سيدخل 122 مليون شاب أفريقى سوق العمل، وبالنظر إلى عشرات الملايين من الشباب العاطل أو المتبطل حالياً فسوف تتفاقم الآثار الانسانية والاقتصادية لهذه الظاهرة بشكل كبير.
برغم النمو الاقتصادى الذى حققته بعض الدول الأفريقية خلال العقد المنصرم تظل معدلات التوظيف وخلق الفرص الوظيفية بطيئاً جداً، وتحتاج أفريقيا إلى مشروع شامل ومتكامل مشابه لـ "مشروع مارشال" الذى تم تنفيذه فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو المشروع الذى ركز على تنمية البنية التحتية وتحديث قطاع الأعمال وتطوير النشاط التجاري، وخلال أربعة سنوات (الإطار العمر الزمنى للمشروع) نجحت الدول الأوروبية فى تجاوز ومضاعفة معدلات التنمية الاقتصادية التى كانت سائدة قبل الحرب.
نحن نستطيع ويجب أن نكون قادرين للقيام بمثل هذا المشروع فى أفريقيا. يجب أن يقوم أصحاب المشاريع والشركات والسياسيين والمؤسسات الخيرية والمنظمات التنموية الدولية مثل البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وهيئة الإغاثة الأمريكية بالعمل سوياً لحل مشكلة العطالة وجعل أفريقيا بمثابة دينم ومحرك محفز للتنمية، وإذا لا قدر الله هزمتنا تحديات البطالة ستظل أفريقيا عالة على المساعدات التنموية من دول العالم المتقدم لعدة سنين وأجيال قادمة.
مشروع مارشال الأفريقي لتوظيف الشباب وخلق الفرص الوظيفية يجب أن يحصر أولوياته فى ثلاثة أطر ومجالات تنموية متداخلة تعمل جميعاً كمحفزات للنمو وهي: 1) اصلاح السياسات والالتزام بحكم القانون، 2) تعزيز الاستثمار فى البنية التحتية و3) الالتزام بتنمية كافة الصناعات وخاصة الصناعات التحويلية فى أفريقيا. تشكل هذه المحفزات جوهر تطوير "الرأسمالية الأفريقية" والقطاع العام والقطاع الخاص والمشاريع والقطاعات التنموية بهدف تحقيق وانجاز هدف واحد هو خلق فرص عمل وثروة اجتماعية.
أولاً: نحن نحتاج إلى سياسات حكومية منفتحة ومدروسة تساعد في تقليص التكاليف الإدارية والتشغيلية للمستثمرين ورجال الأعمال. يجب علينا كذلك تقليص الدورة المستندية لمنح الرخص والتصاريح وتقليل رسوم الجمارك ورسوم الإنتاج وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات. إن تطبيق مثل هذه السياسات سيساعد كثيراً على جذب الاستثمار وتحفيز أصحاب المشاريع ورجال الأعمال لخلق مزيد من الفرص الوظيفية.
ساعدت السياسات الحكومية المنفتحة و المدروسة الى تم تطبيقها فى كل من كينيا ونيجيريا بالفعل فى تطوير قطاعي تقنية المعلومات والخدمات المالية. يعتمد مشروع مايكروسوفت النموذجي المرتبط بتوسيع قنوات وموجات البث التلفزيوني والإذاعي على قيام الحكومات بتحرير "الفضاءات غير المستغلة" في قنوات وموجات البث التلفزيوني والإذاعي فى الدول الأفريقية. وإنطلاقاً من نيجيريا تمكن "البنك المتحد لأفريقيا" من أن يصبح أحد أكبر المؤسسات المالية فى عموم أفريقيا. وجذب برنامج التخصيص الحكومي بلايين الدولارات من الاستثمارات المباشرة لمساعدة تنمية نيجيريا فى قطاع البنية التحتية وخاصة قطاع الطاقة والكهرباء.
يجب أن يلتزم كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص بالافصاح والشفافية للمساعدة فى بناء الثقة بقطاع الأعمال فى أفريقيا. لقد حققت بعض الدول الأفريقية مثل بوتسوانا ورواندا وليبيريا تقدماً ملموساً فى هذه المجالات بالرغم من أن بعض الدول الأفريقية ما زالت تعاني من آثار الحروب والاضطرابات المدنية المستمرة. تتطلب التنمية المستدامة وخلق الفرص الوظيفية ايجاد بيئة مأمونة وموثق بها من قبل رأس المال- بما فى ذلك المؤسسات القانونية والحقوقية والمدنية الفعالة ومؤسسات الشفافية والافصاح المالي (مثل جهود بورصة نيجيريا فى تطوير الجودة النوعية لنظام التقارير المالية بالنسبة للشركات المدرجة فى البورصة) وكذلك تعزيز مبدأ المحاسبة والمسائلة وتوطيد دعائم المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً والأسواق الحديثة الشفافة (مثل سوق السلع التى تسعى كل من "شركة هيرز القابضة" و"شركة بيرجرون القابضة" وخمسين شركة ناشئة وشركاتها الأم لإنشائها فى دولة جنوب أفريقيا). إن التقدم المطرد فى مجال هذه السياسات سيساعد فى تنمية قواعد الاستثمار فى البنية التحتية والتصنيع، نظراً لأن كلا المجالين مهمين لخلق الفرص الوظيفية فى أفريقيا.
الركيزة الثانية فى برنامج تنمية أفريقيا يجب أن يكون الاستثمار فى البنية التحتية، خاصة قطاعي الطاقة والكهرباء والنقل والمواصلات التى بدونها لن تتمكن شركات الأعمال من العمل. اليوم، أكثر من 70% من الدول الأفريقية جنوب الصحراء تعوزها موارد الطاقة والكهرباء وأى انقطاع كهربائي بنسبة 1% يؤدى الى تراجع دخل الفرد من الناتج الاجمالى المحلي بنسبة 3%. يعتبر الإمداد الكهربائي المستمر أمراً ضرورياً فى تعزيز النمو الاقتصادي للقارة ويقلل التكاليف ويساعد على نمو الشركات ومشاريع الأعمال، بما فى ذلك الأعمال والصناعات المنزلية التى تسهم فى خلق الفرص الوظيفية ودعم الاقتصاديات والتنمية المحلية المستدامة.
البنية التحتية لقطاع النقل والمواصلات لها دور مهم فى تعزيز التحول الاقتصادي: الطرق والسكك الحديدية والمطارات تمثل العمود الفقري للنشاط الاقتصادي والتجاري. يجب على الاتحاد الأفريقى تشجيع اقامة مشاريع النقل والمواصلات التى تربط أولاً الدول الأفريقية بعضها ببعض ومن ثم تؤمن احتياجات شركاءنا الدوليين. إن الطريق الدولي السريع بين عنتبى وكمبالا وكينيا وتنزانيا سيساعد فى تسهيل التدفق التجاري للسلع الزراعية والصناعية بين الدول الأفريقية. تخيل أن 65% من المنتجات الزراعية فى نيجيريا تتلف فى الوقت الراهن نتيجة لعدم وجود البنية التحتية لمرافق التخزين ومن الصعب تصديرها للأسواق الأفريقية نظراً لعدم وجود البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية.
إن العديد من الشركات متعددة الجنسيات الكبري مثل دييجوو ووال مارت وباركليز ومايكروسوفت تسعى بشدة للدخول فى الأسواق الأفريقية ومباشرة أعمالها رغم تحديات وضعف البنية التحتية، وهى فى بعض الأحيان تقوم بتشييد مرافقها الخاصة بالبنية التحتية لمشاريعها. ستجلب السياسات المنفتحة والبنية التحتية الأساسية المزيد من الاستثمارات من طرف المستثمرين الذين يرغبون و لا يرفضون القيام بالخطوات التمهيدية فى هذه المجالات. البنية التحتية الأساسية ستساعد كذلك الشركات متوسطة الحجم للنمو سريعاً وهذه الشركات تعتبر بمثابة محفزات النمو فى أى اقتصاد.
الركيزة الثالثة فى برنامج تنمية أفريقيا يتمثل فى إقامة وإنشاء الصناعات المختلفة وخاصة الصناعات التحويلية. تحتاج الدول الأفريقية الى أن تقوم بمباشرة الصناعات التحويلية لمعالجة مواردها الطبيعية لأجل تحقيق الميزات النسبية. فعلى سبيل المثال، يتم تصدير المواد الخام مثل الزيوت والكاكاو والذهب لما وراء البحار والتي يتم معالجتها فى الخارج بما يحقق قيمة مضافة ويعاد تصديرها لأفريقيا بما يتمثل فى إضاعة الفرص الوظيفية والعملة الصعبة. على سبيل المثال، تقوم نيجيريا بتصدير النفط الخام وتستورد البنزين الغالي فى حين من المفترض ان تقوم نيجيريا بتكرير النفط بنفسها وتزود أسواقها والأسواق الأفريقية بالمنتجات البترولية. إن فشل الدول الأفريقية فى القيام بتصنيع المنتجات والسلع الاستهلاكية النهائية محلياً والمتاجرة بها مع الدول الأفريقية الأخرى يحد بشكل كبير من امكانيات نمو القارة وبالتالي مقدرتها فى استحداث الثروة وخلق الفرص الوظيفية على نطاق اقتصادياتها المحلية.
إننى اعتقد أنه بإمكاننا حل مشكلة تحديات الشباب العاطل فى أفريقيا فقط بالاهتمام والتركيز على هذه الركائز التنموية الثلاثة على وجه السرعة والاسراع كذلك بتنفيذ المشاريع الاستثمارية والتجارية القائمة حالياً.
العديد من أسواق الأسهم الأفريقية يقدم الآن أرباحاً مجزية كما إن الصناديق الاستثمارية وشركات الأسهم الخاصة تزدهر بشكل كبير فى الأسواق الأفريقية بالاضافة إلى أن العديد من الشركات متعددة الجنسيات والمجموعات المالية الأفريقية الضخمة تستثمر بشكل مكثف حالياً فى أفريقيا.
بالرغم من هذه الاستثمارات والنمو الإقتصادي المطرد فإن الدول الأفريقية لا تخلق فرصاً وظيفية بالعدد الكافى لاستيعاب العاطلين عن العمل، وطبقاً للإحصائيات السكانية والديمغرافية فإن الوقت ليس فى صالحنا ولكن بتنسيق الخطط والبرامج فى مجال الاستخدام والتوظيف فى أفريقيا يمكن أن نؤمن مستقبلاً اقتصادياً مزدهراً للقارة ولسكانها.
* توني أو. إلوميلو رجل أعمال نيجيري ومحسن فاضل وهو رئيس مجموعة هيرز هولندنج ليميتد، وهى شركة استثمارية أفريقية ملتزمة بتعزيز الرفاه الاقتصادي والاجتماعي فى افريقيا. وتقلد سابقاً منصب الرئيس التنفيذي للبنك المتحد لأفريقيا ويشغل حالياً منصب الرئيس لمجموعة ترانسكورب.