وصية محجوب شريف الرابعة: حب الوطن متمثلا في الشعب

 


 

 


في مدرسة محجوب شريف، حب الوطن من اولي الاوليات، هو كل حياته ، يمارس هذا الحب في سلوك "الحياة اليوماتي" ، في شعره و في كل المبادئ النبيلة التي يحث الناس عليها، و في الدروس التي يوجهها لكل الشعب كمعلم و قدوة: في الصمود ضد الطغيان و البطش ، في رد الجميل و الهكر و كل نشاطاته المنحوته في ذاكرة الشعب ، خصوصا اهلنا الغبش.


لكن ما هو حب الوطن في شرع محجوب شريف؟ الاجابة علي هذا السؤال يستدعي ان نفسر معني "الوطنية". هذه الكلمة يعبر عنها في اللغة الانجليزية بكلمتين: “patriotism” و ترجمتها في القاموس حب الوطن و عشقه و “nationalism” و ترجمتها الانتساب للوطن او القومية. الذي يحب الوطن بمعني الكلمة الاولي ، عندما يسؤل عن هويته يقول:


الاسم بالكام.. إنسان

الشعب الطيب. والدىّ

الشعب حبيبى وشريانى

أدانى بطاقة شخصيّه ....

من غيرو الدنيا وقبالو

قدامى جزائر وهميّه

لا لون. لا طعم ولا ريحه..

وانوار مطفيّه مصابيحها

زي نجمه بعيده ومنسيّه..


و مثل هذا الحب هو الذي يجعل الانسان متفانيا في حبه للوطن دون "من او اذي" ، و يتحمل لقاء هذا الحب طغيان و بطش اللصوص الذين يستولون علي زمام الامر بليل، لا لينقذوا الناس من الفقر المدقع و غياب العدالة و الشفافية ، بل ليحبوا "الانا" و "يبالغوا" في حبهم له، بل يخدعون الذين لا يكذبون من يقول لهم "هي لله".


و معلمنا ينير لنا الطريق يشرح  لنا كيف نقاوم مثل هذا الظلم لنؤكد حبنا للشعب و الوطن فيقول:

ودينى محل ما تودينى

شرّد اخواتى واخوانى

فتش أصحابى وجيرانى

خلينى فى سجنك... وانسانى

في سجنك جُوّه زنازين

أرمينى وكتّف ايدىّ

من أجل الشعب السودانى

وعشان أطفالنا الجايين..

والطالع ماشى الورديّه

وحياه الشعب السودانى

فى وش المدفع تلاقانى

قدام السونكى حتلقانى

وانا بهتف تحت السكين

الثوره طريقى وايامى معدوده

وتحيا الحرّيه

لكن ما الفرق بين حب اهل "الانا" للوطن و حب عشيرة محجوب شريف؟ الشعب الطيب "والد"، لذا فمحجوب شريف يحب الانسان و التراث و التاريخ، و "عشيرة قابيل" يحب الجغرافيا ، ما يخرج من باطن الارض و ظاهره، و لو قدر له ان يخفي ما يريده من المليون ميل من اعين الناس لفعل، اعرف احدهم يتمني في اعماقه ان يجد دجالا يعمي الابصار فتختفي عن الانظار الرقعة المسماة "بمشروع سندس".


و يتمثل هذا التقسيم في الواقع فعلا: في دول الخليج عندما يعرف السوداني العامل او المهني او الخبير نفسه يقول له اهل الخليج "و النعم" لانهم قدموا انفسهم بالتراث و التاريخ و الخصال السودانية الفريدة. اما اهل الجغرافيا، رغم وجود كثيف لهم في الخليج ، الا انهم يقدمون انفسهم بزهو في مطار كوالالمبور بالجواز الاخضر و الشيك المعتمد الذي يريد ان يفتح به حساب في هذه العاصمة الاسلامية! و لا عجب اذن ان تجد كل موظفي هذا المطار يعتقدون ان السودان من اغني بلاد الله!!


و من هنا فاي وطن هذا الذي يوصينا محجوب شريف ان نحبه؟ بالتاكيد ليس حب الوطن الذي يمارسه اهل المذهب الجغرافي، الذين يريدون ان يقسموا الارض ضيعات لانفسهم و اولادهم و احفادهم ، و هذا لان الشعب لا يعني لهم شيئا.  معلمنا و شاعرنا يريد لنا :


وطن حدّادى مدّادى

ما بنبنيهو فرّادى

ولا بالضجه فى الرادى

ولا الخطب الحماسيّه

وطن بالفيهو نتساوى

نحلم نقرا نتداوى

مساكن كهربا ومويه

تحتنا الظلمه تتهاوى

نختّ الفجرِ طاقيّه


لذلك فانه رغم حبه للرقعة الجغرافية ، الا ان حبه للشعب ، للناس خصوصا اهلنا الغبش الذين جعل قضيتهم همه اليومي . و ظل يذكرنا بعظمة الشعب و قدره ، تغني به طول عمره ليؤكد لنا ان حب الشعب هو الواجب الاول. ان وعينا بعظمة الشعب هو الذي يمدد جذور الحب في اعماقنا و يمنحنا القوة و القدرة علي محاربة الظلم:


فديتك يا مديد القامة

يا شعباً سديد الرأي

وقلبي عليك يا حجراً حنين دفاي

أقبل وين أفوتك وفى حماك حماي

أسيب عزاي أسيبه وكيفن ألقى عزاي

فى وحشتي وسلواي عيونه وبحة الغناي

نخيلك ثمرة ضو صباي

ونيلك فى جواي هامد هميم جرّاي

وقبضة إيدي مسكة رمحك الرماي

أطالع فى صحارى الليل

مطالع صبحك الضواي

فديتك لو بقيت منفاي

فديتك لو بقيت مرساي


و يمجد معلمنا كل من احب الشعب و ضحي من اجله ، يشيد بالشهداء و يعلي قدرهم ، لكي لا نتخلف عن هذا الواجب ان نادانا الشعب ، و يرسم الصور الجميلة لنتائج استشهاد الابطال من ابناء الشعب.


واحلالي القبلي شال شبال لمع برق المهيرة

قيرة قيرة يا مطيره

يا رزاز الدم حبابك

لما يبقى الجرح عرضة ولما نمشي الحزن سيرة

من دمانا الأرض شربت موية عزبة

كل ذرة رملة شربت حبة حبة

موية أحمر لونها قاني

فتقت ورد الأغاني

تهدي لى اسمك رمزاً للوطن كنز المحبة

قيرة قيرة يا مطيرة يا شهيد الشعب أهلاً

مش بتطلع كل يوم الشمس أجمل

وكل يوم النخل أطول زيدو قامة

وياما شفتك ياما ياما

لما شفت البدر طالع فى سما الوطن ابتسامة

إنتّ فى النهر البسافر جاري طول العمر صاحي

طبعو منك يا الملامحك من ضفافي

واللي شافك مرة شافو

واسمك الختيتو فرهد عشب أخضر فى الجناين

فى الشوارع نيمة نيمة فى مصابيح المدينة

فى فوانيس الضواحي

تملا نادي الحلة سيرتك

اسمك الخلانا نقدر فى ظلام الليل نعاين

والبتسأل عنو ده الخليتو شافع

لسه دابو

يا ما حيعجبك ، شنابو

صوتو رقان فيهو بحة

ود فلان اصرار وصحة

عندو قصة حب جميلة

جرب آلام الحراسة وحرض أولاد الدراسة

وهدّو حيل العسكرية

البنية أم طرحة كبرت

يا سلام الفنجرية


و رغم ان التاريخ في عبره و دروسه ، يثبت كل يوم خسران الذين يريدون ان يخصوا انفسهم بخيرات الجغرافيا، الا انه يثبت لهم في شعره ان دولة الظلم قصيرة ، و ان لا شئ يمكن هذه الدولة ان تدوم مهما تحسب لها اهلها بالبطش و التنكيل ، و بناء الاسوار العالية حول سلطتهم:


يا بهلوي أمسك قوي

أوعك تقع

نكل بمن لا يرعوي

وأرخي السمع

أخد الحذر ثم الحذر من كل شئ

ضلك تحدق فى النظر ما تختشي

لو كشكشت صفقة شجر

روح وانزوي

خلي المشي

يمكن خطر

يا بهلوي

واطلق رصاص على كل شئ

على كل نسمة تمر وما تأخذ إذن

على كلمة بدون جواز

علم عصافير البلد تكتب تقارير الجهاز

علم شبابيك المدن علم فوانيس القرى

وكل عيدان الذرة

خلي النمل يدخل صفوف المخبرين

خلى الرذاذ يكتب تقارير الجهاز

أحسن تعبي الشعب أغلبه فى قزاز

ركز بشدة على الجياع

ركز لو تستطيع أو حتى قدر المستطاع

أخسف بكل الكادحين سابع أرض

أرجم رجم

صادر من الليل النجم

صادر من البحر الجذر

أشطب ولا تقبل عذر

وش الصباح

قصقص جناحين الرياح

جمد شرايين الحياة

وأنفي الأمل

الغى اكتشاف النار

وتقسيم العمل

المحتمل تلقى الملاذ

يا بهلوي


ليجعل حب الوطن ، جزءا من الحياة، توأما للتنفس ، لا تمر مناسبة الا و ذكرنا المعلم بعظمة هذا الشعب و قدره. ان سيرة محجوب كلها كانت في حب السودان و شعبه، و ظل يحثنا علي حب الشعب و النضال من اجله، و ظل يمجد المناضلين من اجل قضية الشعب ، لا ينساهم حتي و هو يمارس حبه الخاص لبناته مي و مريم:

سلموا لى عليهم

سلموا لى عليهم جملة

حتى اللسه قبل الخلق والتكوين

صناع الحياة اليوماتى ملح الارض

نبض الشعر والموسيقى والتلوين

هدامين قلاع الخوف

كانت هذه الدراجة يوماً ما كلاشنكوف

مابين منارات السمع والشوف

نقاشين فى جدار الصمت

نساجين خيوط الشمس كهربجيةالظلمات


علمنا محجوب شريف و وصانا ان نحب هذا الشعب ، و نتعلم منه ، و ندافع عنه ، نحرسه بالاسلحة التي يزودنا بها ، معلمنا يدعونا بحب الوطن و الشعب ، فهل نحن فاعلون؟


منك كل حته

في الخاطر

صبابه

جنبك نبته نبته

نكبر نحن ياما

نسألك انت

وانت ورينا الاجابه

علمنا الرمايه

والحجا والقرايه

والمشي بي مهابه

في الضحي والظلام


ربي انت اعلم بمحجوب شريف منا ، و نحن نحسبه من اهل الفردوس فارزقه الفردوس ، و بارك في زوجه و ذريته.


وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.


hussain772003@yahoo.com

////////////

 

آراء