الشفاء لبروفيسور صلاح حسن ، جامعة كورنيل

 


 

 



Healing  to Professor Salah Hassan. USA
(1)
نتمنى أن تكون وعكة صحية صغيرة ، بقدر المسافات العسيرة التي يمر بها الإنسان في طريق الحياة  ليعبر، ومخاطر يتعين على أجساد  المبدعين الأكاديميين أن يتخطوها. رغم أن الجسد لا يستطيع أن يكون بقدر النفوس الكبار، التي اعتادت أن تحيا  وسط قضايا تتناول الفكر والفن  . وإنه لسُلم يرتقي فيه المرء عندما يتناول قضايا فكرية تشتغل بشأن الإبداع .  وقد اختط  البروفيسور "صلاح " مسيرته ليكون فاعلاً في المجتمع الذي يعيش ، وعبر الطريق إلى كل بقاع الدنيا من أدناها إلى أقصاها .
(2)
أول مرة عرفته شاباً في مطلع سن الرشد في ثانوية المؤتمر بأم درمان . حين كانت تحمل ذكرى مؤتمر الخريجين وكانت لها في الماضي سمعة وهيبة ونظام ،وفوق كل ذلك أساتيذ على دربة ومهارة علمية وتربوية  ، بهم كنا نقتدي  .كنتُ أسبقه بثلاث سنوات ، وكانت تجمعنا هواية الرسم . لم تربطنا تلك الهواية بوثيق علاقة، بسبب انشغالنا بهموم عبور الثانوية ، فهي المصير الذي يحدد المستقبل  . التقينا ثانية  في جامعة الخرطوم ، هو في كلية الآداب وأنا في كلية الهندسة  . قضايا كبرى كانت تجمعنا ، و هموم الثقافة والفنون . وهي قضايا أكثر رفعة من قضايا كانت تشغل الطلاب  حينذاك، ومُعترك كانت أغلبيته منخفضة السقف ، ليس بالأهداف التي تتناول ، ولكن بالوسائل التي تقل فيها الحصيلة الفكرية ، لأن كثير من المختلفين للجامعة حينذاك لم تكن لهم حصيلة منه ، بل يكثر الصخب والضجيج  .هنا كان رزقنا شهياً لمن يعرف من أين يغترف . وكان خيارنا التقدم والإبداع هدفاً ووسيلته المعرفة الثقافية والحوار الفكري والفني . نُثير الأسئلة أمام كل  المسلمات الأولية التي ورثناها ، وأعدنا تكوين ذاكرتنا برجِّها بالجديد النقدي ، وإعادة الترتيب بالبحث عن الأسئلة العميقة ، قراءة ومقاربة وعمل بين الأصدقاء ، وحوارات ثرية  . جمعتنا صحيفة ثقافية حائطية في " قهوة النشاط " حررتها من مجموعة من مثقفي طلاب  الجامعة ، الذين أسسوا " مجلة مواقف " .و جمعتنا أيضاً قضايا الفن ، وكان عسيراً علينا ممارسة هواية الرسم والتلوين وسط انشغال أكثرنا بالتحصيل الأكاديمي الذي يأخذ  كل وقتنا ، إلى أن صحونا من نصف إغفاءة ، وانتبهنا . وتآلفنا من جديد، فتم انتخاب  " صلاح حسن " رئيساً لجمعية الفنون في الجامعة ، وكنتُ سكرتيراً لها  عام 1975. وبعدها  اقتربنا من مجمر البخور في معبد الفنون والفكر " كلية الفنون الجميلة" وتعرفنا على أهلها ، وكان معظم أصدقاؤنا خارجون من إضراب عام ، وقررت الكلية فصلهم من الدراسة في منتصف سبعينات القرن الماضي .أقمنا معرضين في كافتيريا كلية الهندسة و كلية الطب ، واشترك فيها أساطين من مبدعي السبعينات من كبار الفنانين التشكيليين ، ونقلوا لنا الصراعات الفكرية .
(3)
التحق " صلاح "من بعد إكمال دراسة الفلسفة بجامعة الخرطوم ، وقد أكمل الدبلوم العالي بمعهد الدراسات الأفريقية والأسيوية ، وانتظم في دراسة الماجستير في علم الفلكلور ، وأنجز المبحث الحقلي في منطقة جنوب النيل الأزرق ، وكانت مادة ثرية في زمنها ، لمقاربة المجتمعات التي خرج منها من كان يسميه الغربيون " الإنسان البدائي النبيل " . جلسنا كثيراً وتناولنا الشأن الاجتماعي والتباين الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ، ومعرفة المجاهل التي لم تصلها يد الحضارة والعمران في تلك الأماكن النائية من مجاهل السودان  ، التي لم تنل نصيبها من الحياة المتقدمة بما ينبغي . فهي بعيدة لا توصلك إليها إلا الطرق الوعرة ، ومعروف أن الطرق والسكك الحديدية هي  شرايين نقل الحضارة والاقتصاد والنمو والتطور . واستعرضنا السِفر العظيم الذي يحوي صور من المنطقة أنجزته سيدة ألمانية لم أستحضر اسمها ، كانت كاميرتها قد دخلت تلك المناطق كرائدة في دراسة الطقوس والعادات والحياة  الاجتماعية في مناطق "الأنقسنا" في مناطق الجنوب النيل الأزرق في السودان  .
(4)
انتقل " صلاح حسن "كمساعد تدريس في كلية الفنون عندما توسعت أكاديمياً لتُكمِل شهادة البكلاريوس  خمس سنوات لخريجيها أواخر السبعينات ،ورافق رائد السودانوية  الراحل  الفنان التشكيلي الأستاذ أحمد الطيب العابدين عندما كان محاضراً بكلية الفنون .
سافر إلى الولايات المتحدة ونال درجة الماجستير والدكتوراه في مجال تاريخ الفن ، واختص بالفنون التي تسمى بالأفريقية ، وقدم دراسات مقاربة لقضية تمس الأوجاع الحقيقية في خاصرة الوطن    وأنجز مع مجموعة عشرة من الكتاب السودانيين وغيرهم ، السفر الموسوعي عن دارفور بالإنجليزية، نشرته جامعة "كورنيل " . وحضر مُحكِّماً في مجال الفنون في معارض  عدة  مرات في الشارقة ودبي بالإمارات العربية المتحدة  ، وحاضر في ورش عمل بأبوظبي ، وفرنسا وانجلترا وهولندا ومجموعة من الولايات الأمريكية ، وأسس معهداً يُعنى بالفنون الأفريقية بجامعة "كورنيل " في ولاية نيويورك بأمريكا. أسهم في الإشراف على مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعة ، وأسهم بمجموعة من المنشورات في المجلات المتخصصة .
كان لبروفيسور" صلاح " نصيب من الفعل المتنوع ، في حقول تاريخ الفنون ، وأسهم في كتابة سفر جليل عن حياة  قامة من قامات الفنون التشكيلية هو الفنان  الرائد " إبراهيم الصلحي "استغرق أكير من خمس سنوات  ، وأسهم في عمل معارض لأعماله في الشارقة بالإمارات وقطر ، وتجول المعرض في بعض الولايات المتحدة الأمريكية .
(5)
تلقفتنا المهاجر المختلفة وتفرقنا كما تفرق الجميع خارج الوطن ، وعندما نلتقي مرة أو مرتين خلال عقود من الزمان  ، نواصل ما انقطع من حوار  القضايا  الشائكة ، وتأثير مستجدات العصر ، وخباياه. وليت العمر يتسع لفسحة لقاء معه ، فقد حضر السودان عدة مرات في سبيل التقاط سيرة حياة الفنان التشكيلي " إبراهيم الصلحي " وقدم عدد من المحاضرات ذات الصلة بتخصصه في السودان .
نتمنى لسحابة الشفاء أن تُمطر خيراً عليه ، وتعيد إلينا صحوته من جديد.

عبد الله الشقليني
14 يونيو 2014



abdallashiglini@hotmail.com
////////

 

آراء