حزب الاشقاء الجماهيري الثوري!! .. عرض محمد علي خوجلي

 


 

 

(1)
khogali17@yahoo.com
اندماج تيارات اتحادية وليبرالية في حزب واحد 2015 في محاولة لاعادة بناء (الحزب الوطني الاتحادي)!! عن طريق توحيد القواعد، يعيدنا للتدقيق في قليل من وقائع تاريخ حزب الأشقاء (الوطني الاتحادي) الجماهيري والثوري (1943-1956). ومن المعلوم ان الحركة الشيوعية السودانية عملت لفترة من داخل الحركة الاتحادية حتى اختار التيار الغالب فيها (قيام حزب شيوعي مستقل عن الحركة الاتحادية) ويهتم المقال ببيان موجز لحال حزب الاشقاء وتيار الأقلية في الحركة الشيوعية الذي رأى استمرار العمل داخل الحركة الاتحادية..
تحت ظل الأزمة الوطنية الشاملة التي تعيشها بلادنا والتطورات السياسية في الحقبة الراهنة من النضال الوطني. ومع تزايد الهيمنة الامريكية على بلادنا وكل دول العالم، فانه لابد من ان تشكيلاً جديداً ستتم ولادته من خلال الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلادنا. ومرة أخرى كما قبل ستين عاماً يكون أمام القوى الوطنية طريقان:
- طريق الدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية ووحدة البلاد والتحول الديموقراطي ومقاومة وهزيمة فرض الوصاية الأجنبية.
- وطريق الاستسلام للهيمنة الامريكية واختراق السيادة الوطنية ووضع بلادنا تحت رحمة الاستعمار الجديد بتبريرات واهية.
والرأسمالية الدولية بقيادة أمريكا وبريطانيا والقياصرة الروس متفقون ومتحدون على بقاء دولة اسرائيل (قوية) و(نووية) في المنطقة وهي ليست بأكثر من صنيعة للامبريالية وتابع للذين صنعوها ومنهم كافة الادارات الأمريكية التي تأتي للحكم بالديموقراطية (على الطريقة الأمريكية).. والحقيقة ان التبادل السلمي في السلطة للاحتكارات الرأسمالية لا تمثل أبداً الشعوب الأمريكية التي تقيم اقساماً منها في بيوت من الصفيح كأي فقراء في دولة متخلفة..
واختراق السيادة الوطنية للدول النامية والتدخل في شؤونها الداخلية يتم يومياً بالشرعية الدولية والادارة الامريكية وحلفائها من الدول الرأسمالية التي جعلت من نفسها بمثابة (حكومة العالم). والظروف الاقليمية والدولية الجديدة تتطلب تنظيمات جديدة وقيادات جديدة متجردة وذات مباديء تثق في نفسها وتثق في الشعب السوداني وتتوصل الى سياسات جديدة وأساليب عمل جديدة وتتعلم من الماضي.
وتيار الأقلية في الحركة الشيوعية السودانية عندما رأى استمرار الحركة داخل الحركة الاتحادية فقد استند على انها حركة (جماهيرية) و(ثورية) وانه لا ضرورة للعمل المستقل للشيوعيين للأسباب الآتية:
1- السودان (أربعينيات القرن الماضي) لم يكن من الوجهة الاقتصادية به قاعدة رأسمالية صناعية يؤبه بها أو قطاع رأسمالي صناعي متقدم ومستقل.
2- لا يوجد قطاع عام لا يهيمن عملياً على موارد الانتاج وشرايين الاقتصاد.
3- اعداد العمال القليلة، ولا توجد طبقة عاملة صناعية.
4- المجتمع السوداني في مجمله بدوياً، رعوياً، طائفياً.. وان الحركة الاتحادية تضم بين جوانحها معظم جماهير المدن والريف المتاخم للمدن الأكثر وعياً وتقدماً واستعداداً لفهم التطور وتقبله وتهيئة الظروف الموائمة له.
5- ومن الوجهة السياسية فان الحركة الاتحادية هي التي ترفع لواء (لا) للاستعمار البريطاني، الرافضة التعاون معه، المتمسكة بطرده من أرض الوطن وأنها تمكنت بموجب هذه المواقف من جذب كافة العناصر الواعية الى صفوفها.
وشهد العام 1944 أخر دورة لمؤتمر الخريجين بتياراته المتعددة. وفي ذلك العام استطاع الموالون للمهدي بقيادة (ابراهيم أحمد) ومعه التيارات الداعمة لفكرة (التواصل مع حكومة المستعمر) السيطرة على لجنة الخمسة عشر (القيادة) ولكن وضعهم لم يشكل أغلبية في المجلس الستيني لذلك لم تتغير السياسة العامة لمؤتمر الخريجين بدلالة انه عندما حاولت لجنة الخمسة عشر التأثير على سياسة المؤتمر فشلت. وتمسك المؤتمر بموقفه الرافض للمجلس الاستشاري لشمال السودان ومقاطعته.
ولأن قيادة المؤتمر لم تكن تعبر عن مجموع مؤتمر الخريجين فقد حدث (انفصال) واضح، ولم يكن من الممكن استمرار انفصال القيادة طويلاً عن المجلس الستيني. ونجح تيار (مواجهة حكومة المستعمر) في الحصول على أغلبية كبيرة في المجلس الستيني وقيادة الخمسة عشر.
وضرب اليأس كل التيارات المؤيدة للتواصل مع حكومة المستعمر والموالين في معظمهم للمهدي. فخرجوا من المؤتمر واستقالوا من عضويته.
وأصبح مؤتمر الخريجين من الناحية العملية يمثل التيار التنظيمي لحزب الاشقاء أكبر الأحزاب الاتحادية والقوى السياسية، ونلاحظ أنه بعد ذلك أصبح الازهري رئيساً (مستمراً) للمؤتمر 1945-1952 بعد أن كانت الرئاسة تتم بالتناوب لأعضاء لجنة الخمسة عشر وهي دلالة ان مؤتمر الخريجين أصبح فعلاً تحت قبضة الاشقاء.
ويلاحظ د. محمد نوري الأمين انه بعد انسحاب الاستقلاليين من مؤتمر الخريجين انشطر الى قسمين بإسمين:
(مؤتمر الخريجين) وشمل الأشقاء والأحرار الاتحاديين وغيرهم.
و(مؤتمر السودان) الذي كان قادته يميلون الى درجة عالية من (الاتحاد مع مصر).
وهذا يبين حقيقة وطبيعة علاقة الأشقاء والحركة الاتحادية مع مصر. وانه منذ 1945 لم تكن في تصورهم علاقة تبعية.
وفي 4 يناير 1943 شكل الحاكم العام لجنة خاصة لدراسة مدى امكانية تكوين مجلس استشاري لشمال السودان وصدر قانون المجلس في سبتمبر 1943.
والسودانيون الذين أيدوا قيام المجلس تلخصت رؤيتهم في أنه يمثل خطوة من جانب حكومة المستعمر لتدريب السودانيين على ادارة بلادهم. أما الذين عارضوا قيام المجلس ودعوا لمقاطعته فقد كان من أسبابهم:
- ان المجلس يقصي الجنوب مما يعطي اشارة لفصل الشمال عن الجنوب.
- وان قيام المجلس هو محاولة لمحاربة الحركة الوطنية واحداث انقسام بين صفوف المتعلمين.
وردت حكوم المستعمر (السكرتير الاداري للادارة البريطانية) عبر بيان اذاعي:
ان قصر المجلس الاستشاري على الشمال قام على اعتبارات عملية لا سياسية وان السودانيين الجنوبيين لاسباب كثيرة لم يصلوا بعد درجة من الاستنارة والانسجام تمكنهم من ارسال مندوبين أكفاء للمجلس، ولا يوجد سوداني من أبناء الشمال يستطيع ادعاء حق قدرته على تمثيل أبناء الجنوب.
حزب الأمة بقيادة عبد الرحمن المهدي وطائفة من المتعلمين وافقوا على الاشتراك في المجلس الاستشاري. والمهم أن حزب الأمة اتجه للتعاون مع الادارة البريطانية. 
ووقفت الحركة الاتحادية بقيادة الازهري ضد المجلس الاستشاري. وكذلك مؤتمر الخريجين الذي كان قراره ان يفصل من عضويته كل من يقبل التعيين في المجلس، ولذلك رفض ابراهيم احمد -المحسوب على حزب الامة- وعبد الماجد احمد التعيين.
كما رأت الحكومة المصرية ان قيام المجلس الاستشاري هي محاولة لفصل السودان عن مصر.
ان طائفة الانصار وطائفة الختمية وزعماء القبائل وقفوا الى جانب الانجليز وكونوا المجلس الاستشاري الذي كان من أبرز عضويته السادة: عبد الرحمن المهدي، علي الميرغني، محمد علي شوقي، عبد الله خليل، الزبير حمد الملك، سرور محمد رملي، مكاوي سليمان أكرت ومصطفى أبو العلا.

حزب الاشقاء الجماهيري الثوري..!! 2/2
لم تكن الجمعية التشريعية شكلاً من أشكال التطور الدستوري للبلاد، فالمجلس التنفيذي لم يكن (مجلس وزراء) وبعض الوزراء لا تنتخبهم الجمعية التشريعية. وكان من رأي حزب الاشقاء أن فكرة الجمعية فاقدة لأي معنى، حيث أن قضية السودان مطروحة أمام مجلس الأمن. وقال الأزهري قولته المشهورة (لن ندخلها ولو جاءت مبرأة من كل عيب) ورفضت الحكومة المصرية أيضاً مشروع الجمعية التشريعية لمخالفته لرغبات السودانيين. ولم تهتم الادارة البريطانية بكل تلك الاعتراضات وأصدر الحاكم العام قانون الجمعية التشريعية في 19 يونيو 1948
ونتيجة لفشل مصر في مجلس الامن واصرار الادارة البريطانية على السير في الطريق الذي اختطته فقد اتجه تيار المقاومة الشعبية ضد حكومة المستعمر يشتد ونادت الاحزاب الاتحادية بمقاطعة انتخابات الجمعية التشريعية ونجحت في ذلك.
وقبل حزب الأمة المشاركة في الجمعية التشريعية التي عارضتها معظم القوى السياسية الوطنية وكانت حركة المقاومة الكبرى بقيادة الأحزاب الاتحادية والنقابات العمالية والاتحادات الطلابية.
وتكونت الجمعية التشريعية بنسبة حوالي 75% من نظار القبائل ووكلائهم ورؤساء القبائل والأعيان والموظفين المعاشيين وكبار الموظفين واعضاء المحاكم. ومن أبرز أعضائها:
محمد صالح الشنقيطي (رئيس الجمعية)، عبد الله خليل (زعيم الجمعية)، عبد الله الفاضل المهدي، منعم منصور، سرور محمد رملي، الزبير حمد الملك، عبد الفتاح محمد المغربي، فضل بشير ويوسف ادريس هباني.
أقامت الاحزاب الاتحادية الليالي السياسية في مدن العاصمة المثلثة (ام درمان، الخرطوم والخرطوم بحري) وأقاليم السودان. وكانت تعقب تلك الليالي مظاهرات الطلاب والشباب واعتقلت القيادات (اسماعيل الازهري) و(محمد نور الدين) أما (احمد خير المحامي) فقد تمت محاكمته بالسجن لعامين.
ونظمت الحركة السودانية للتحرر الوطني (الشيوعيون) اول مظاهرة معارضة لقيام الجمعية التشريعية من نادي الخريجين بام درمان وقاد الطلاب الشيوعيين المظاهرات واعتقلت قياداتهم: محمد عمر بشير، حسين وني وخالدة زاهر السادات.
عمت المظاهرات المدن السودانية المختلفة ولم تتردد السلطات البريطانية من ضرب المتظاهرين بالرصاص في بورتسودان وعطبرة التي استشهد فيها خمسة من المواطنين من بينهم ثلاثة من العمال هم:
قرشي الطيب، حسن دياب وعبد الوهاب حسن مالك، واعتقل قاسم امين وعبد القادر سالم وتمت محاكمتهما بالسجن لعامين. وتواصلت التظاهرات والاعتقالات حتى يوم افتتاح الجمعية التشريعية في 15/12/1948 واستشهد ستة من المواطنين في بورتسودان.
وانجزت مقاومة الجمعية التشريعية بقيادة (جبهة الكفاح الوطني) والتي تكونت باقتراح من الشيوعيين من الأحزاب الاتحادية ومؤتمر الخريجين والنقابات العمالية والطلاب ونلاحظ الآتي:
- لم تكن الشعارات في المظاهرات التي قادها صغار الطلاب والعمال في كثير من المدن هي تلك الشعارات القديمة المألوفة، ذلك ان المظاهرات نادت بالثورة وطالبت الاحزاب بالعمل من أجل الاستقلال والاستعداد للتضحية ونكران الذات.
- ظهر على المسرح السياسي جيل جديد من الشباب أكثر صلابة وأشد عداءاً للبريطانيين ولم يكونوا موالين للمصريين، كانوا معادين لحزب الامة لكنهم لم ينقادوا انقياداً اعمى للاحزاب الاتحادية التي كان مفهومها عن الاتحاد مع مصر يخالف افكارهم. ذلك ان معظم الشباب الوطني كانوا يرون في الاتحاد مع مصر وسيلة للكفاح والنضال المشترك معها ضد الاستعمار لنيل الاستقلال وليس لأنه غاية في حد ذاته.
- كان للحركة الجماهيرية التي قادها الشباب آثار ضخمة على الساحة السياسية وأصبح واضحاً ان الحركة الوطنية دخلت مرحلة جديدة تتميز بالاصالة والصلابة معاً.
- انتقد الامام عبد الرحمن المهدي –طيب الله ثراه- خطأ الدخول في الجمعية التشريعية ومهادنة الانجليز بالقول:
(لم يكن حزب الأمة مبرأ من الأخطاء ومن أخطائه البارزة انه ذهب في بعض الظروف اكثر مما يجب في مهادنة الانجليز. لقد كان دستور الجمعية التشريعية ناقصاً وسلطاتها مبتورة واعتقد ان ذلك هو سبب مقاطعة فريق كبير من السودانيين لها..)
ونتيجة انتخابات 1953 كانت دلالة على الدور الكبير الذي لعبه الحزب الوطني الاتحادي في النضال من أجل الاستقلال. كما أكدت في نفس الوقت على مشاعر الشعب السوداني المعادية للحكم الاستعماري. وكان التصويت لمرشحي الوطني الاتحادي وكأنه تعبير عن العداء للحكم البريطاني الاجنبي والموالين لذلك الحكم. وأحرز الحزب الشيوعي مقعداً في العدد القليل من الدوائر التي خاض فيها الانتخابات رغم عدم مشروعيته حتى ذلك التاريخ وحظي بنفوذ كبير في صفوف الطلاب ونقابات العمال وموظفي الخدمة المدنية.
والجدير بالذكر ان الحزب الشيوعي أيد ترشيح اسماعيل الازهري في الدائرة الشمالية أم درمان ضد مرشح حزب الامة (عبد الله الفاضل).
وفي بدايات 1955 تم التوقيع على حلف بغداد (مشروع دالاس) وانقسمت الدول العربية ما بين مؤيد للحلف العسكري ومعارض له. وكانت أهداف الحلف:
1- اقامة قواعد عكسرية امريكية في الدول المستقلة الأعضاء في الحلف.
2- المعونات الامريكية المشروطة.
3- استجابة امريكا لطلبات الدول الاعضاء بالتدخل العسكري حال تعرضها لإعتداء من دولة شيوعية.
وفي ذات العام عقدت الدول (القلقة) على استقلالها السياسي مؤتمر باندونج والذي شارك فيه السودان بوفد برئاسة الأزهري وقد أرسى المؤتمر المباديء التالية:
1- حل المشاكل التي تهدد السلام في المنطقة.
2- عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.
3- عدم دخول دول المنطقة في أحلاف عسكرية مع دول الغرب.
4- وقف شحن الأسلحة لدول المنطقة وازالة القواعد العسكرية الأجنبية وسحب القوات الأجنبية.
5- المساعدات الاقتصادية غير المشروطة.
ورأت الوسطية الماركسية ان الائتلاف أو الاندماج بين هذا الحزب أو ذاك له أساس مادي.. وأن الفئات والطبقات المؤتلفة أو المندمجة والتي تمد يدها لبعضها ذات مصالح حقيقة مشتركة. وان هذه المصالح أصبحت شيئاً مهماً في تفسير الحركة السياسية في البلاد.
وان النمو الطبقي لفئة داخل حزب ترى في الفئة ذات المصالح الشبيهة في حزب آخر قرابة أخوة وليس عداء.
ولذلك فان تنمية الوحدة الوطنية يتم النظر اليها حقيقة كتحالف بين طبقات وفي داخل الاحزاب السياسية الوطنية توجد الدوائر والتيارات والفئات التي تدعم الحركة الديموقراطية. هذا الدعم لا يعبر عن موقف ذاتي بل مصالح مادية معينة. فالطبقة المتوسطة الوطنية في الغالب ليس لها منبر مستقل تتعامل به مع الحركة الديموقراطية في البلاد.
والاستعمار الجديد (الجماعي) يعمل للتغلغل داخل فئات معينة من الطبقات المختلفة ويرتبط بها. هذه الفئات هي داخل الاحزاب السياسية المختلفة وتعمل في تنسيق وفي اتجاه واحد. والامبريالية بخططها ومواقعها الاقتصادية لا تعمل على أساس أحزاب بعينها بل جذب فئات اجتماعية بغض النظر عن مواقفها السياسية.
وان الفترة الجديدة من مرحلة التطور الوطني الديموقراطي سيكون مركزها الصراع من أجل قيادة الحركة الجماهيرية.
والمجد لشهداء الديموقراطية والسيادة الوطنية
المجد للشعب.. وعاش السودان حراً مستقلا
/////////

 

 

آراء