اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا !

 


 

 

المتأمل للمسرح السياسي في الدول الاسلامية ، يصاب بالدهشة . وتكاد تصعقه الاحداث ، وتشل حركته ، ويظل المسلم الحيران يتلمس طريقه وسط تناسل التناقضات بين مكونات المجتمعات المسلمة على الصعيد الجمعي والفردي ، وتتفاقم حيرته لمواجهة ثمة اتجاهات تسعى بدهاء لتصوير الدين الاسلامي ، وكأنه دين غير حضاري ، ودموي ، ورافض للآخر ، ومكرس لمجتمع ذكوري ضد المرأة .
وفي غياب الاراء المشتركة الجامعة بين ما يعرفوا بعلماء الفقه ، بمدارسهم المختلفة ، ادلهمت الرؤية الناصعة حول القضايا التي تجمع الناس ، واصبح ( الدين ) عامل تفرق واحتراب على عكس ما هو مطلوب منه كمسكن للهوية ، وكعنصر اساسي لخلق التجانس بين الناس ، و ( تخليق ) الحياة االسياسية .
في إطار ( خلق مجتمعات اسلامية ) قادرة على النهوض اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ، وتكريساً لتحقيق مبدأ أن الإسلام هو الحل ، وفي تعاليمه خلاص للإنسانية ، برزت احزاب اسلامية ، كانت ابرزها ( جماعة الاخوان المسلمين ) في مصر ، وكان ظهورها كنتيجة للإلغاء الخلافة الاسلامية بعد الثورة التى قادها كمال اتاتورك في تركيا ، وحولها الي ( جمهورية ) عملت الجماعة في الحقل التربوي .... داعية الى محاربة البدع كالاختلاط بين الجنسين ، واغلاق اماكن بيع الخمور ، والرقابة الصارمة على الافلام والمسرحيات ...... الخ . ومناوئة كل الفعاليات السياسية التى سعت الى خلق تواؤم وطنى يحترم التنوع ، و يدعو للانفتاح مع المحافظة  على الخصوصية المتمشية مع فطرة الناس،و لايغيب على المتابع لنشاطات الجماعة بان منتسبيها  كان لهم ادوارا رائدة فى التصدى  لجنود الاحتلال البريطانيين , و المشاركة الفاعلة فى حرب  عام 1948 ضد  الصهاينة، هذا و من قبل ظهور جماعة الاخوان المسلمين ظلت الحركة الوطنية المصرية مرتبطة بالجامعة الاسلامية المرتبطة بالخلافة العثمانية الى ان قامت الثورة فى تركيا والغيت الخلافة لتبرز فى مصر تيارات تدعو الى فك الارتباط  بالخلافة والدعوة بأن الخلافة ليست اصلا من اصول الاسلام . .
وكانت الطامة الكبرى ، علاقة جماعة الاخوان المسلمين مع حركة الضباط الاحرار بعد خلع الملك فاروق ، فقد ابقت القيادة الجماعة بعد حل كافة الاحزاب والواجهات السياسية ، ولكن الجماعة ارادت ان تكون هى الموجهه لتحركات الحكومة الجديدة ، واستعجلت اصدار القرارات ذات الصبغة الاجتماعية كالزام الفتيات بلبس الحجاب ، والحد من الاختلاط في المدارس والجامعات  وتكثيف الرقابة على الافلام والحد من صالات الرقص .
رفضت القيادة الجديدة وصاية الجماعة ، رغم تعاطف بعض اعضائها معها ، ثم كانت المواجهة التي ادت الى تصفية بعض من قيادتها ، ليتجه آخرون الى مواقف اكثر تطرفاً تنادي بضرورة محاربة الجاهلية ورفعت رايات التكفير والهجرة لان العالم كله قد انجرف الى الفساد و لابد من مواجهة الطاغوت بالقوة.
تعمقت الخلافات بين الجماعة والسلطة لتنداح الى كافة المكونات السياسية ، والتي اسدلت ستائر سميكة على ابوابها رافضة للحوار . خلاصة القول بأن الخلاف كان بين مسلمين يؤمنون بالاركان الرئيسة للدين الحنيف ، ويختلفون في الوسيلة والمنهج .و آخرين غير مسلمين يتوجسون من انتصار لدعاة الدولة الدينية التى ستجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية و هم يعتبرون كيانهم هو الاصل.
            هذا ماكان في مصر : والأمر جد مختلف في تركيا ، إذ فامت ثورة قادها كمال اتاتورك ، الغت الخلافة في اليوم الثالث من الشهر الثالث عام 1924 ، وقد سمى الخلافة ( الورم من القرون الوسطى ) وصرح علانية بضرورة اقتلاع الدين من تركيا ،و تهكم من آيات القرآن والغى وزارة الاوقاف ، واغلق الكثير من المساجد ، وخفف اعداد الواعظين ، واعلن يوم الاحد عطلة بدلاً من الجمعة ، وامر بالغاء لبس الطربوش ، وشجع لبس القبعات ، والغى حجاب المرأة ، والغى كلية الشريعة في جامعة استنبول ثم تبنى الحروف اللاتينية لكتابة اللغة التركية بدلاً من العربية .  هذا ما كان من امر كمال اتاتورك الذي ما فتئ بعض الاسلاميين المولعين  بنظرية المؤامرة  من نعته بأنه كان ( يهودياً ) مدسوساً لتحطيم الاسلام والمسلمين .
والدولة التركية الجديدة تسير على هدى تعاليم اتاتورك ، بينما تظل المؤسسة العسكرية هي الحامية لهذه التعاليم ولعلمانية الدولة .المعارضة لقيام دولة دينية والمؤيدة بضرورة الالتزام بالدولة المدنية
    ورغم كل الذي ندركه من هذا التاريخ ، يجلس الرئيس التركي اردوغان تحت صورة كمال اتاتورك ويقول انه حامي الحركات السياسية الاسلامية  ، بعد ثورات الربيع العربي . تجدر الملاحظة بأن معظم الدول العربية التي اندلعت فيها هذه الثورات لم يدع احد من قادتها التنصل من الدين ، او دعا الى التغريب ،أو تهكم من آيات القرآن، اي ان الوضع الديني فيها كان عادياً وسلساً ومحتاجاً الى القدوة ، وان اعترت الحياة بعض السلوكيات التى تتنافى وتعاليم الدين ، والتى  لم تخل منها مجتمعات البشر منذ بدء الخليقة !
 اضافة لما ذكرت  تزداد حيرة المسلم  في ظل الاستهداف الخارجي الممنهج ، لشل القدرات الاقتصادية والمعنوية للمجتمعات المسلمة ، وفيما يشبه اليأس من عالم غير عادل اتجهت جماعات الى التخندق حول شعارات اسلامية مصادمة فظهرت القاعدة ثم داعش ثم النصرة ، وانصار بيت المقدس ......
ليتحول المشهد الى ما يشبه مسرح اللا معقول باصطفاف بعض المسلمين مع هذا الطرف و ذاك  ناسيين بانهم  هم الخاسرون، للتتفاقم الازمة وتبرز الفتنة الطائفية ، والمذهبية ويزداد اللهيب والمسلم الحيران تزداد حيرته .
وتغيب منظمة دول المؤتمر الاسلامي عن المشهد تماماً .... وكان من المنتظر منها ان تكون هي المحطة التي تناقش فيها الامور الخلافية بشفافية ، ومن ثم تنطلق منها الرؤى الجديدة لاسلام مواكب للقرن الحادي والعشرين ، اسلام  قادر على قراءة تيارات العالم من حوله... و يتواءم مع التطورات فى كافة  المجالات، و يتسم  المنادون بتفعيل  {مقاصد} شريعته ببعد النظر ...والروية و الانسانية............
واللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا


salahmsai@hotmail.com
//////

 

آراء