اي حكومة سوية (عاقلة) تحكم بلادها وفق خطط يصممها المهنيون باتباع الاساليب العلمية المجربة التي اثبتت فعاليتها بتراكم خبرات الشعوب و تراكم الخبرات العلمية التي تفرز الطرق الكفيلة باعداد خطط اقتصادية و اجتماعية و تربوية تمهد الطريق لتقدم الشعب وتحقيق اهدافه في النماء و الاستقرار و الرفاهية. هذا اذا كانت الطبقة الحاكمة تؤمن بهذه الاهداف و تسخر الاجهزة الحكومية لتحقيقها – و نعلم ان المنظومة الرئيسة هنا هي السلطات الاربعة: الجهاز التشريعي ، الجهاز التنفيذي ، الجهاز القضائي و الاعلام.
و العلم نفسه و خبرات الشعوب تعرفت علي ما يعرف "بالتبعات الغير متوقعة" unanticipated consequences) ) و حدد روبرت ميرتون خمسة مسببات لهذه التبعات الغير مرغوبة:
1. الجهل الذي يجعل امر التنبؤ بكل شئ مستحيلا و بالتالي يؤدي الي تحليل غير دقيق 2. اخطاء في تحليل المشاكل او اتباع "عادات" كانت فاعلة في الماضي و لكنها لا تنطبق علي مشاكل اليوم. 3. مصالح او رغبات آنية تتجاوز (overriding) الاهداف طويلة الاجل 4. اهداف او منافع ذاتية و ان تعارضت مع النتائج المامولة.
(2) و كما نعلم جميعا فان اهل الاسلام السياسي تنكروا لكل الاصول العلمية التي بعثوا لدراستها في العالم الاول و استبدلوه بالخطة التي رسمها لهم الشيخ في سبعينات القرن الماضي، وكانت اول الآية التي كفرت باسمي قيم الاسلام اي العدالة، حينما نفذوا الجزء الاول من التمكين، اي قطع ارزاق العباد وتطبيق قاعدة غريبة علي العلم: الولاء قبل الكفاءة. ثم جاء الجزء الثاني من التمكين الترهيب في بيوت الاشباح تعذيبا و سحلا و قتلا.
و بعد ذلك جاء تقسيم السلطة و الثروة علي ابناء التنظيم، و ظهر الفساد في البر و البحر و الجو، وكلما قويت شوكة الفساد تخلخلت نظم الدولة، و انهارت اعظم خدمة مدنية في افريقيا و الشرق الاوسط، و تحول برلمان المحجوب الي جمعية من جمعيات النوبيين في الرياض، تناقش و تفتي في كل شئ، و لا يؤخذ بقراراتها الا تلك التي تخص مخصصاتهم و بالطبع مخصصات الدستوريين الذين لا نعلم لهم عددا. اما الجهاز القضائي فافسد بخطة محكمة اعدتها و نفذتها اجهزة الامن. و لم ينس جهاز الامن السلطة الرابعة التي يكتب فيها قليل من المخلصين الذين يعانون من صلف الامن يوميا و آخرون من واجبهم الدفاع عن الباطل بكل ما اؤتوا من قوة و شطارة فصار بعضهم ما يسميهم احد اصدقائي كتاب ما يطلبه المستمعون، والمخضرمون يكتبون معارضين و لكن يجب ان تكون زبدة الكتابة دفاعا يكافئ الاموال التي تدفع لهم.
وعندما تعذرت محاسبة احد لان الجميع بيوتهم من زجاج، بلغ الفساد حد بيع عقارات البلاد في الداخل و الخارج، و بيع اعظم المؤسسات الحكومية، ثم بيع ارض الوطن.
(3)
حتي كانت الطامة الكبري اليوم المتمثلة في اعراض الحكومة اللآيلة للسقوط:
1. في الاقتصاد شهد شاهد من اهلهم: العميد معاش صلاح كرار عضو مجلس الثورة، حيث يعزي - فشل البرنامج الثلاثي الاقتصادي إلى أن إدارته تمت بمنظور سياسي بعيد عن العمل الاقتصادي. واعراض المرض في هذا الجانب واضح للعيان في سعر العملة السودانية ، و في الغلاء الفاحش. وهنا يبشرنا العميد كرار بانه في وقت قريب سنعجز عن تداول عملتنا و نستبدلها بالعملات الاجنبية كما حدث في زيمبابوي.
2. اضراب الاطباء الذي اشعله حادث اعتداء علي الاطباء في امدرمان، الا ان ذلك كان الانفجار الذي اخرج المارد من قمقمه، و بخروجه اتضح مسار الثورة، و بكل مهنية و بسالة نفذوا اضرابهم الشامل، موجهين خطابهم اولا للمواطن انهم مضربون من اجلهم. ولا اجد وصفا للدمار الذي حدث في الخدمات الطبية غير مقال عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات