هل سيمشي السودان في درب “أُمات طه”؟
morizig@hotmail.com
إنَّ الله يشهد أننا من قبل سنين طويلة جداً قد حذرنا في كتاباتنا ومناقشاتنا من سياسة دعم السلع ودعم الجنيه السوداني مقابل الدولار وبنات عمه، وقد قلنا رأينا هذا جهاراً وأسررنا به إسراراً فواجهنا بسببه عنتاً شديداً، وقلنا إنَّ هذه السياسة سياسة خرقاء ورثناها كابراً عن كابرٍ من أيام الإستقلال وستلحق السودان حتماً "بأُمات طه" عاجلاً أو أجلاً إذا استمرت ولم تتوقف، وطالبنا بوقفها على مراحلٍ متدرجةٍ رحمةً بالمواطن حتى لا يتضرر ضرراً بالغاً وكبيراً. وقلنا حينها إذا أعلنت الدولة رفع الدعم عن كل شيء في خطة تمتد لمدة 10 سنوات بنسبة 10% في كل سنة لوصلت لرفع الدعم بنسبة 100% في فترةٍ وجيزةٍ من غير أن يتأثر المواطن وتختل الموازين.
ولكن الحكومة ومنظريها الإقتصاديين استغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، فكانت الطامة الكبرى فوقع الفأس على الرأس من غير رحمةٍ بأحد من الناس. فقررت الحكومة بين عشيةٍ وضُحاها أن تجري عمليةً جراحيةً لمريضها الإقتصادي من غير بنجٍ ولا تخدير، وفوق ذلك كله أضافت إليه علاجاً بالكي وشرباً للحنضل!! والآن بسبب هذه القرارات الصعبة والمفاجئة وضعت الحكومة نفسها ووضعت معها الشعب والمعارضة في خندق واحدٍ ليواجهوا الموت الجماعي إن لم تتفتق عبقريتهم لإيجاد حلٍ عاجلٍ لهذه المعضلة الإقتصادية التي وضعت البلاد في وضعٍ لا تُحسد عليه.
والحكومة الآن لن تستطيع أن تتراجع عن سياسة رفع الدعم عن السلع والجنيه مهما كلفها هذا القرار من عنت، لأنَّ ميزانيتها ببساطة لا تسمح لها بذلك مهما قصقصتها وشذبتها، والمعارضة في الطرف الآخر لن تتجرأ لإعادة سياسة الدعم حتى لو استطاعت أن تسقط الحكومة وقطعت أوصالها لأنَّ الميزانية لن تسمح لها بذلك أيضاً، والأكادميين والخبراء لن ينصحوا الحكومة ولا المعارضة بالرجوع لسياسة الدعم من جديد لأنَّها من حيث المبدأ الإقتصادي غير صحيحة. فإذن الشعب السوداني الآن أمام واقعٍ جديدٍ وتحدٍ فريدٍ وفطامٍ مُرٍّ مفاجيء قادته إليه تلكم السياسات الإقتصادية الخرقاء وفشل قادتنا في علاجها من وقتٍ مبكرٍ.
فالإشارة للمشكلة ليست بحل، فكلنا يعلم المشكلة حتى الطفل الغرير، وشتم الحكومة لن يفيد الشاتم شيئاً لأنَّ الشتم لن يصبح دواءاً للمرضى ولا طعاماً للجوعى، ولعن سلسفيل المعارضة لن يفيد الحكومة شيئاً لأن اللعن لن يأتي بعملةٍ صعبةٍ للبلاد، ولن يُخفِّض قيمة الدولار، ولن يرفع الحصار، ولن يُوقف الحرب.
إذنَّ علاج هذا البلد - الغني بموارده والفقيرُ حالاً بسياسته وإرادته- يتمثل في وصفةِ إستقرارٍ سياسيٍ تشارك فيها الحكومة ويشارك فيها الشعب وتشارك فيها المعارضة ويشارك فيها الجيش وتشارك فيها القوات النظامية الأخرى ويشارك فيها الطلبة، ويشارك فيها الهامش، ومحاولة إقصاء أيِّ طرفٍ من الأطراف هو تعقيد للمشكلة وإطالة لعمرها.
وهذا الإستقرار السياسي لن يحدث إلا إذا قامت الحكومة وأجهزتها الأمنية ومن خلفهم المؤتمر الوطني باستدراك الموقف واستيعاب خطورته، فيتسابقون لحل هذه المشكلة السياسية، وإنِّي أرى من وراء هذه السياسات -بالرغم من صحتها من حيث المبدأ الإقتصادي- وميض نارٍ، فليستمع المؤتمر الوطني وحكومته لصوت العقل، وصوت العقل يناديهم هلموا لحل المشكلة السياسة جنباً لجنب مع المشكلة الإقتصادية قبل فوات الأوان وضياع الوطن والسلطان.
وفي الحقيقة المشكلة سياسية تجلت في الإقتصاد والكل يعلم ذلك، فقموا لعلاجها يرحمكم الله.