في هذه اللحظة يا عزيزي عبدالماجد علي بوب تنتقل الى مثواك الأخير لتجد مكانك في مجرتك العليا ليظل ضوء حياتك مشرقا كل يوم ليقول لنا جميعا هنا كان وهنا يظل ما احتوى ذلك الجسم النحيل وذلك الوجه الجميل وذلك القلب النبيل في اكبر وأنبل ما يمثله جيل بحاله. لقد ظللت تحمل اعباء ذلك الجيل طالبا في ألمانيا ومحاضرا في جامعة جوبا ومناضلا في صفوف حزبك ومجاهدا في المهجر ومثقفا عالي الهمة متعاظم الحلم والاحلام. نصف قرن من من التجرد والاخلاص والذي يظل معناه نموذجا قل ان يجود الزمان بمثله. مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى وسعد المنى والجيب والذيل والردن فياليت شعري هل يخف وقراه اذا صار احد في القيامة كالعهن وهل يرد الحوض الروي مبادرا مع الناس ام يابى الزحام فيستأني حجى زاده من جراءة وسماحة وبعض الحجى داعٍ الى البخل والجبن لقد ظلننا يا عزيزي عبدالماجد ننتظر بأمل كبير مع سوسن وهديل واحمد وهشام وهاشم محمد صالح وعديد من هم من اهلك في الانسانية والفضل ان تخرج مرة اخرى قويا معافيا منتصرا على المرض كما ظللت تفعل في خروجك الظافر متجمرا لذاتك في كل الملمات. ولماذا لم يكن يحدونا ذلك الأمل؟ لقد كان لك حالات واحوال عظيمة في تاريخك وقوة شكيمتك وارادتك المنتصرة دائماً. نصف قرن من منازلة صروف طرق الحياة الصعبة. نصف قرن دون كلل او ملل في دروب النصال الصعب. نصف قرن ولَم تسال احدا جزاء او شكورا. في كل عثرة كنت تقف شامخا اكثر من المرة السابقة. لكنك هذه المرة قلبت الصفحة الاخيرة في كتاب ايامك لترفعه عاليا في تلك المجرة. لك كل التقدير والعرفان ان جعلت من تلك السنين المليئة بالأمجاد كتابا مرقوما. وسيبقى لنا ولكل من يجيد القراءة. والقراءة هنا لكتاب جيل وفصيل هو من اعظم ما أعطت الحياة السودانية في مجاهداته وشقائه وأفراحه وظللت انت احد حدأة كل ما يميز حلمه وعمله وشجونه واحزانه. لقد غدر بِنَا القتلة. جمعت بيننا منذ وقت طويل، من أكتوبر ١٩٦٤، ما اجتمعت عليه امال واحلام تلك المرحلة التي كانت وظلت ولا تزال تحمل ذلك. لقد خرج البعض من ذلك ولكننا لم نخرج من ذلك رغم السجون والمهاجر والمظالم. نعم لقد كنت أسمى درجات التجرد حتى وصفك من احبك بأنك كنت درويش مدرسة الحداثة بلا منازع او راهبها بلا نزاع. نعم لقد جمع بيننا اننا أيضا كلنّا دراويش مدرسة الحداثة كل حسب مداخل 'طريقته،. ومهما يكن من امر فقد ظللنا في متعة في كل ما نحن فيه لوعرفها أهل السلطان والباحثين للمال والجاه لجالدونا عليها بالسيوف. لذلك ستبقى لنا كل تلك المحادثات الودودة التي لم نتأخر عنها يوما واحدا على مدى السنين العشر الاخيرة. في يوم مشرق في النصف الثاني للستينات التقينا على ضفة النيل الازرق في المقرن. علي عبدالقيوم وفتح الرحمن محجوب وعبدالعزيز سيداحمد ولعل هناك اخرين. كان نهارا جميلا زاد من جماله نفحات تأتي من النيل الأزرق وهو يلتقي بالنيل الأبيض. كلنا كان مهموما بالشعر والفكر وجديد المطابع. وكما العادة وقتها كنّا نحتفل بالقادمين من جامعات العالم بما في ذلك جامعات أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي سابقا. كنا في تلك اللقاءات التي كانت تطول ولا تنتهي نقضي الليل الا قليلا في حوارات ودودة. يومها أسعدنا ذلك القادم من ألمانيا الشرقية عبدالماجد علي بوب بذكائه الذي لا يباري وان لم يكن ليباري به وقدرته الفائقة في إدخالك واعتمادك في عالمه دون تكلف واصطحابك في ذلك العالم بلا تردد او عناء او خيلاء ودارت الأيام وتكررت اللقاءات في كل مرة نجد فيك يا عزيزي عبدالماجد جديدا: ذلك النبل وذلك الخلق الرفيع وذلك القلب الكبير الذي يجمع لا يفرق. كان وظل هناك ذات الفرح الداخلي الذي يمتع ويستمتع بكل لقاء كلما تجدد اللقاء. كل من عرفك عزيزي عبدالماجد وجد فيك تلك الطاقات الجبارة. لقد شهدت معك كيف حولت من الاحتفال العاشرعلى تأسيس جامعة جوبا حدثا تاريخيا يجب ان يرجع اليه من يود ان يتعرف على كيف يمكن ان يكون الإخلاص للقضية الكبرى في إطار المؤسسة الجامعية التي ستظل احد منابع الفكر والبحث والتعليم. لقد كان وجودك في جامعة جوبا رسالة عظمى أعطيتها كل ما تملك من جهد وهم وهمة. لذلك كنت المحور الأساسي في اكثر المراحل دقة في تاريخ تلك الجامعة. لقد كان من كل ذلك الجهد الرسالي كتابك الذي سكبت فيه ما سكبت من ذلك الجهد الرسالي. كتاب السودان: جدل الوحدة والانفصال. وتجلي جهدك الجبار وطاقتك الكبيرة رقم ظروف المرض في كتابك الثاني: ١٩ يوليو إضاءات ووثائق. لقد ظل يتملكني الخوف كل مرة نتحدث فيها وانت تسابق الزمن لتكمل كتابك الأخير عن جوزيف قرنق. كان يتملكني الخوف وفِي مرات احاول ان احول ذلك الخوف الى تعليقات قد تكون ضاحكة هي في حقيقة الامر ليست كذلك. اذ انها في حقيقة امرها محاولة في طرد ما يتوارى وراء ذلك الاستعجال قد يكون سباقا مع الموت. جمع بيننا أيضا منبر د.عبدالمنعم يونس Sudan list Discussion group بداية التسعينات وكان العمل المعارض يتلمس طرقا صعبة وإمكانيته ومنابره محدودة ولم تكن بذات القوة والفاعلية. وتواصل العمل دون كلل او ملل ليتفرع منه كل جهود الفصيل الديمقراطي المعارض في الخارج. لقد كان وجود عبدالماجد متواصلا ومتميزا في إسهامه الكبير في تقوية عود كل منظمات العمل المعارض. كان هو الصِلة الحكيمة مع الداخل وكان هو صوت العقل مع كل منابر المهجر. ذات روح درويش الحداثة ذات روح راهبها. اختر من الاثنين ما تشاء او أجمعهما. كان يستمع بصبر واحترام وحين يتحدث يصمت الجميع ليستمع. فقد كان يزن كلماته ومساهماته بميزان الذهب. لان كل كلمة او فكرة كانت تخرج من إرث محادثة طويلة وحميمة مع جهد نضالي وثقافي متصل على مدى نصف قرن من الزمان المجاهد. هكذا ظللت يا عزيزي عبدالماجد العروة الوثقى بين اجيال السودانيين الجامع لجيل فاروق ابو عيسى وجيل هديل واحمد وهشام عبدالماجد علي بوب. لك السلام. لك السلام لك التحية والاحترام.