mohamedabuelgasimb@gmail.com عندما يشد أحدنا الرحال للقاء صانع في بلد يثير العديد من الاستفهامات فلابد أن يكون الأمر مهما للغاية، سيما عندما يكون هذا الشخص مراقب بسبب كتابات شبه محظورة. فلم يتوان هذا الانسان في المغامرة. إذ شد الرّحال إلى مدينة اصفهان، تلك المدينة التي زاع صيتها في القرون الوسطى لأنها كانت مدينة العلماء والصناع والمهندسين. قصد هذه البقعة اصفهان ليقابل أسرة محمدي: سعيد، مسعود ومحمد. أخوة يجمعهم حب الآلات الموسيقية التقليدية وتفانيهم في نشر حرفيّة معلمهم الأكبر "قنبري مهر". يقتسمون نفس الورشة لكن كل يختص في صناعة آلاته التقليدية مثل الكمنجة، السيتار، البربت، والعود وآلات فارسية أخرى في غاية الروعة. المثير في الأمر أن الفرد منّا عندما تطأ قدامه أرض الورشة لا يجد فيها غيرهم، الإخوة الثلاثة: لا وجود لصبيان يساعدونهم في عمل الآلات؛ فكل خطوة يخطوها أحدهم هي تقع على مسؤوليته التامة وتحت اشرافه الدقيق. الحديث مع الصانع محمديّ دلف بالزائر إلى تساؤل مهم – يطرح في مجال صناعة الآلات هنا بألمانيا – يجد أصدقاءه وزملاءه من الموسيقيين من الأوروبيين عندما يعاينون آلة موسيقية يركزون على انسيابية وحرفية عمل الورنيش – الدهان – فهذه لغة وعلم لا يعلمهما إلا القلائل لأنهما تنموا بالممارسة والتمرين. فالدهان هو بمثابة الثوب الأخير الذي تلبسه الآلة في حلتها ورونقها البديع. فإذا أراد الفرد المقارنة فالأقرب إلى ذلك هو ثوب الحسناء في ليلة عرس وما أكثر الثياب، وما أندر الحسان، لكن الثوب الجميل – للحسناء كما للآلة – هو يجعلها كالنجم الثاقب لا يمكن تجاهله، وهنا تأتي أهمية لباس الآلة بالحلّة الأخيرة في مجال صناعة الآلات الموسيقية. إنّ آلة الصانع سعيد محمدي لها ملمس مختلف عن بقية الآلات، يمكن أن نقول متفرِّدة أو فريدة. ليس المقصود هنا إن كانت ناعمة الملمس مع مراعاة درجة النعومة لكن المقصود انسيابية وحرفية ودقة وضع الدهان وهذا ما نوّد نقله إليكم بعد حديث مستفيض. يقول محمدي: عندما تكون الآلة قد أكلمت مرحلتها النهائية في المعالجة، تأتي عملية وضع سطحيّة لها أي وجه كما الثوب المذكور أعلاه. يراعى هاهنا سمك مادة الورنيش وينبغي أن يوضع الحد الأدنى من المادة المعالجة. وهنا يلعب دوب الصانع وخبرته وتمرّسه وحرفيته في وضع الكميّة المناسبة من المادة دون زيادة أو نقصان كي لا يتأثر الوجه (وهو المسؤول عن جمالية الصوت بزبزباته الصادرة) بكثرتها فينكتم أو النقصان فتكون الآلة معرضة لعوامل كثيرة تفقدها رونقها. إذ أن أهمية الورنيش أو الدهان تتمخص في حماية خشب العود من المؤثرات الخارجية من رطوبة، ماء، حرارة، برودة، الخ. وذلك يساعد في حفظها أولا وأخيرا ومن ثمّة في المحافظة على الدوزان واستمراريّة نقاوة الصوت الصادر عنها. نعرف أن آلة العود حساسة للعوامل الخارجية من برد، هواء أو رطوبة وبالتالي يتأثر الدوزان ولا يستقر. فمن المدهش في آلة محمدي أن دوزنتها تستمر لفترات طويلة وذلك أمر مذهل. يقول محمدي هناك طريقتان تقليديتان لوضع الدهان: ١) طريقة استعمال الفرشاة أو مسدس الرّش لوضع الدهان؛ وهي الطريقة السائدة عند الصناع عموما، سيما في مصر (على سبيل المثال لا الحصر). ٢) استعمال قطعة قماش يوضع بداخلها قطنة مع استعمال مادة "الشيلاك" وهذه الطريقة تسمي "فرنش بوليش" أي الدهان الفرنسي. يجرى الدهان عبر مسح مادة الشيلاك بتأني ونعومة (٢٥٪ شيلاك مضاف إليها كحول بنسبة ٧٥٪) على سطح الآلة. وهنا يتبدّى سرّ المهنة والخبرة في عملية وضع مادة الشيلاك المختلطة بالكحول على على سطح الآلة بحيث يحرص الصانع في بقاء المادة دون إزالتها عبر الكحول عند تمرير قطعة القماش عليها. وهذه عملية دقيقة جدا وتتطلب خبرة ودراية للتعامل مع طريقة الورنيش الفرنسي (فرنش بولش). فمحمدي ينتقي فوق هذا وذاك زيت ايراني تقليدي يستعمل لحماية مادة الشيلاك والحفاظ عليها على سطح الآلة. يقول محمدي: أنا أستعمل مادة الشيلاك البرتقالي للقصعة والعنق المصنوعان من خشب الجوز بيد أنني أستعمل مادة الشيلاك الفاتح للوجه والأخشاب الفاتحة كالقيقب. يسترسل الصانع سعيد محمدي قائلا: من محاسن الورنيش الفرنسي أن المادة يمكن أن تستعمل بدقة فائقة مما لا يؤثر وضعها على سطح الآلة على نقاوة صوت العود. بيد أن للمادة بعض المساؤي، فهي بطبيعتها ليست صلبة وهذا يعني أن أيّ حكّ أو عزف جاف، كما لدى العوادين الذين يعزفون بصلابة (كالقصبجي)، تتقشر وتنزال. ومادة الشيلاك عموما حساسة تجاه الكحول أو العرق وصلابة العزف. لتفادي هذه المساؤي أقوم بوضع مادة حافظة لحفظ الشيلاك. أخيرا يقول: إن عملية وضع الدهان التقليديّة تتطلب مدّة بين الأسبوع لعدة أيام لكي تكون النتيجة مرضية. من أراد أن يتعرف على الالات التي يصنعها محمدي فيمكنه الرجوع إلى: http://www.mbw.ir/index.php/detailen.php?id=414 مع خالص الشكر.