إغتصاب الأطفال .. كلنا شركاء

 


 

 

 

أصدرت محكمة الاسرة والطفل ببحري الخميس العشرين من ابريل الجاري قراراً أيَّدت فيه حكم الإعدام على مغتصب الطفلة شهد ، لمخالفته نص المواد ( 45 ب - 130 ) من قانون الطفل والقانون الجنائي . الحكم اسدل الستار على احدى أبشع جرائم اغتصاب وقتل الاطفال ، والتي كان مسرحها منطقة أمدوم بشرق النيل ، حيث استدرج الجاني الطفلة الضحية لمنزله عندما كانت في الشارع في طريقها للحاق بوالدتها ، وقام باغتصابها حتى خرجت أعضاؤها التناسلية واحشاؤها ، وعندما تأكد من وفاتها لفها بقطعة قماش وألقاها في بئر السايفون .

قضية شهد التي حدثت قبل عام ، وقبلها قضايا مأساوية راح ضحيتها أطفال ابرياء بالاغتصاب او الاغتصاب والقتل ، ونيابات الطفل التي تضج بالبلاغات عن إغتصاب الاطفال ، ما يفتح الباب للسؤال من هم الذين يرتكبون جرائم اغتصاب الاطفال ، ومن المسئول عن حماية الطفل .
في تحقيق نشرته صحيفة (الرأي العام ) أواخر فبراير الماضي اعتمد على دراسة اجرتها الباحثة النفسية رفيدة مهدي ، على عينةٍ بحثية قوامها 73 من مغتصبي الاطفال موزعين على خمسة سجون بولاية الخرطوم ، بحثت الدراسة التوافق النفسي والاجتماعي لدى المعتدين جنسياً على الأطفال . أوضح ما كشفه هذا البحث هو ان طريقة الحياة الاجتماعية التي اعتدناها في السودان ما عادت آمنة ؛ فالبيوت المفتوحة للاهل والاصدقاء والجيران ، والمدارس والشوارع ، أضحت كلها مسارح محتملة لجرائم إغتصاب الاطفال ، وبيوت الجيران ومتاجر الحي ومركبات ترحيل الطلاب شهدت كثيرٌ منها احدى جرائم الاغتصاب .
كذلك إتضح من الدراسة أن مغتصبي الأطفال قد يأتون من خلفيات متباينة ، فقد يكون الجاني من أسرة محافظة ، او ميسورة الحال وربما كان من أسرة متدينة او هو نفسه حافظاً للقرآن ، لكن أغلب مغتصبي الاطفال هم من فئة الشباب . قاموا بفعلتهم اما لخللٍ نفسي او بدافع الشهوة الجنسية أوالتجريب ، او كانوا تحت تأثير المخدرات .
قرعت هذه الدراسة ، مع دراسات أخرى ، أجراس الخطر . فالتغييرات التي طالت بنية المجتمع أنتجت الكثير من التباينات في سلوك افراده ، طال حتى المفاهيم والقيم . فالجرأة التي تدفع صاحبها للأعتداء على طفل ، وربما قتله ، تصدر عن نفسٍ مشوهة اختلطت لديها الفواصل بين الخطأ والصواب ، بصورةٍ تجعل من صاحبها مجرم يهدد امن وسلامة المجتمع . في ذات الوقت ، تجعله ضحية لأخطاء النظام الحاكم واالمجتمع والاسرة نفسها : فالمخدرات تدخل البلاد بالحاويات ، والحصول عليها لا يحتاج لكثير جهد ، لذلك تنتشر في الجامعات والمدارس الثانوية . والظروف الاقتصادية تجعل من توفير لقمة العيش وضرورات الحياة هدفاً أوحد لكثيرٍ من ارباب الاسر فيتنازلون تحت ضغطها عن ادوارهم في التربية والتقويم .
ويأتي دور الأسرة هنا كمسئول اول عن حماية اطفالها وتوفير بيئة آمنة للحياة ، وتفهُّم التحولات الحادثة بالمجتمع ، والوعي بخطورة الثقة المفرطة في المجتمع المحيط . فقد أكدت دراسة أخرى أُجريت في العام ٢٠١٢م ونشرت ضمن تحقيق بصحيفة آخر لحظة بتاريخ ٢١/٥/٢٠١٤ ، شملت 282 طفلاً ، أكدت ان نسبة الاعتداء الجنسي على الطفل من داخل محيطه ومن اناسٍ يعرفهم بلغ (71,4% ) ، بينما بلغت نسبة الاعتداءات من داخل الاسرة (7,11%) ، ما يعني أن سلامة الاطفال تتهدَّد أكثر من داخل الدوائر المجتمعية التي تحيط بهم ، داخل الاسرة او خارجها ، وان الأبوين يقع دورهم في أول سلم المسئولية عن حماية الاطفال .
بعض الدول شرَّعت لمسئوليات الأسرة عن ابنائها وبناتها عبر القوانين ؛ ففي الأمارات العربية المتحدة يتم العمل بقانون حماية الطفل ( وديمة ) الذي دخل حيّز التنفيذ في يونيو 2016 ، والذي يحظر تعريض سلامة الطفل للخطر ويعاقب عليه بالسجن والغرامة . وفِي مقاطعة إنجلترا بالمملكة المتحدة تقع حماية الطفل على وزارة التعليم بموجب قانون الاطفال للعام 2004م ، ووفقاً للقانون يحق لوزارة التعليم عبر السلطات المحلية انتزاع الاطفال من عائلاتهم ووضعهم تحت رعاية السلطات المحلية اذا اعتقدوا ان هناك خطر يتهددهم في حال بقائهم مع اسرهم .
على النقيض ، نجد أن قانون الطفل الصادر في العام 2010 برغم إنشائه لشرطة حماية الطفل والاسرة ، ونيابة الطفل ، ورفعه لعقوبةٍ جريمة اغتصاب الاطفال للإعدام او السجن لعشرين عاماً ، وكذلك سنه لعقوبةٍ اقصاها خمسة عشر عاما لجريمة التحرش او الاساءة الجنسية للاطفال ، لكنه أغفل دور الاسرة في حمايتهم ، وتغاضى عن تجريم إهمال الاسرة لأطفالها وتعريضهم للخطر ، وخلت أحكامه من إدانة أو توبيخ أو توجيه تجاه من يعرضون اطفالهم للخطر بسبب التقصير في الحماية .
ومع تشديد القوانين ، وتطبيق الأحكام الموجودة أصلاً ، يحتاج المجتمع للتوعية بأن اغتصاب طفل او حتى قتله قد يحتاج فقط للحظة غفلة لا أكثر .

madamahgoub@icloud.com
///////////////

 

آراء