انهيار سد أم دافوق: تراجيديا الموارد الطبيعية المُشاعة
د. حامد عمر علي
19 February, 2023
19 February, 2023
hamidomer122@gmail.com
موجز
شُيّد سد أم دافوق ، بولاية جنوب دارفور { بسعة عشرة مليون متر مكعب} عام ١٩٩٧ ، علي مجري وادي أم دافوق العابر الي داخل افريقيا الوسطي ، من اجل إبقاء الرحل وثروتهم الحيوانية في داخل حدود الولاية ، وحمايتهم من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في افريقيا الوسطى . مراحل تشييد السد لازمها كثير من عوامل القصور التي أدت الي إنهياره عدة مرات ، أسوأها هذا العام{2022} حيث أستقبل السد مياهاً فاقت إرتفاع الردميات الترابية{4 أمتار} وفوق طاقة المصرفين ، فغمرت المياه المندفعة مدينة أم دافوق. يمكن تلخيص هذه العوامل التي تجسدت فى سد أم دافوق في : {ا} ضعف الميزانيه المدفوعه لتنفيذ السد اذ توفر فقط 50% من الميزانيه المطلوبه وفق معطيات التصميم ، {ب} تسرب المياه المستمر عبر المصرفين وهشاشة الردميات الترابيه الواقيه للسد {ج} التبشير الخاطئ الذي بعث به المسؤولون يالتركيز علي قطاع الرحل لجمع المال وبالتالي رسخ الإعتقاد بإن هذا السد قد شُيد من أجل الرحل {د}غياب التنسيق المؤسسي ، وعدم إشراك المواطنين والإستماع الي أصحاب الشأن{ ه} قصور الدراسات التفصيليه في الهايدرولجيا والأثر البيئي والاجتماعي ودراسات الاحتياجات الفعلية لإستخدامات الماء {ز} عدم وجود الجهة المسؤولة لادارة السد وصيانته الدورية.
الأثار السلبيه المتصله بالسد تمثلت في : {أ} ظهور بعض بؤر التدهور البيئي وتعرية التربة بسبب تمركز الثروة الحيوانية حول السد {ب} تفشى ممارسات الصيد الجائر نسبةً لإمتلاك بعض الرحل للاسلحة الناريه {ج} تنامي الشعور بعدم الرضي لدي المجتمعات المحلية تجاه وجود الرعاة الأبالة الذين لا يمتثلون ، احياتاً ، الي أعراف وتقاليد المنطقة {د} إحتماليه تفشي الأمراض ذات الصلة بتلوث المياه بسبب حصول بعض المواطنين علي المياه مباشرةً من بحيرة السد بالرغم من إنها مياه غير نقيه.
قبل البدء في إعادة صيانة سد أم دافوق المنهار ، أو تشييد بديل جديد ، لابد من : {أ} الجلوس مع المجتمعات المحليه والإستماع إليهم {ب} التنسيق مع المؤسسات والوزارات ذات الصلة كشركاء فاعلين {ج} إجراء دراسة جدوى فنية وإقتصادية واجتماعية و بئية وهايدرولجية شاملة ، لتحدد أيهما أجدي : إعادة صيانة السد المنهار : أم تشييد سد جديد ، و بتصميم جديد {د} . في حالة إعادة السد المنهار ، او تشييد بديل جديد ، لابد من تاسيس ادارة تنفيذيه للتشغيل والصيانة وجمع الايرادات من مستخدمي مياه ، و كذلك تكوين مجلس ادارة السد من اصحاب الشان ، {ه} تنظيم الرعاة والمزارعين وصائدي الاسماك توعيتهم وتدريبهم ، {ه} وضع وإقرار تسعيرة (مُنْصِفه) للإستخدامات المختلفة للمياه ، خاضعةً للمراجعة القانونيه.
لابد من التاكيد ، ان ضمان سلامة سد ام دافوق ، وكل مرافق حصاد المياه بصفة عامه ، يتطلب الرؤيه الشموليه للحوض المائى ، من اعلاه الي ادناه ، وفق منظور الادارة المتكامله للمياه ، التي تتطلب تقوية قاعدة المعلومات الهايدرولوجية والرصد والمتابعه. و علي الولايه ان تسعي لتكوَين المجلس الولائى لموارد المياه من جميع أصحاب الشان ، و أن تمكن المجتمعات ، خاصة الشباب والنساء ، من ادارة مرافق المياه ، مع الاحتفاظ بحق هيئه مياه الولاية في سن التشريعات والقوانين ووضع السياسات والاستراتيجيات العامه والتدريب ، لضمان حسن ادارة و استدامة موارد ومصادر المياة بالولاية .
1. خلفيه
حينما بلغني نبأ إنهيار سد أم دافوق في ولاية جنوب دارفور ، و أغرق مدينة أم دافوق ، في الثالث عشر من شهر اغسطس ٢٠٢٢، تذكرتُ في الحال العبارات الصريحة التي تفوه بها عمدة المنطقة سنه ٢٠١١ ، بقوله صراحةً )سد أم دافوق ان شالله ينهار الليله قبل بُكره … نصينو ليه …كفايه علينا مضخاتنا ودونكيّنا..في زول قال ليكم داير سد ؟..السد غير البلاوي والهوام لقيَنا منو شنو ..كلِم وزير الرى يجيّ يصلح سدو.) . بمثل هذه العبارات الصادمه والقاسية كان رد أحد زعماء الادارة الأهلية سنة ٢٠١١ حينما زرت {مع اخرين} سد أم دافوق ، وقد لاحظتُ عليه بداية نحرٍ erosion بسيط لكنه عميق في الردمية الواقية للسد . طلبت من المواطنين أن يُهبُوا لردمه ودمْكِه {منْدَلتِه} في نفير قد لا يستغرق منهم سوي بضع ساعات حتي لا يتسع هذا النحر ويؤدي الي جَرف الردمية وإنهيار السد خاصة ان الخريف علي الأبواب ، فرد عليً العمدة بتلك العبارات الصادمة . صراحةً ما كنت أتوقع ابداً أن يصدر مثل هذا القول من شخصٍ في قامة عمدة المنطقة وقد عُرف بقوة شخصيته وقول رأيه بوضوح وشفافية ، لكن عبارات العمدة في الحقيقة تحمل في ثناياها دروساً بالغةً تعكس حال مشاريع التنمية ( الريفيه) التي تأتي بصورة فوقيه ، وبقرار سياسي غير مدروس لم يأخذ في الإعتبار راي المجتمعات المحلية واستشارتهم لمعرفة إحتياجاتهم وأولوياتهم ، هي حالةُ جسدها سد أم دافوق .
شُيّد سد أم دافوق عام ١٩٩٧ بواسطة هيئة مياه ولاية جنوب دارفور ( بالتنسيق مع ، وإشراف وزاره الري و الموارد المائية) علي مجري وادي أم دافوق . يقع السد بالقرب من مدينة أم دافوق ، وعلي مقربةٍ من حدود السودان مع دولة افريقيا الوسطي {كما هو موضح في الخريطه}. تعدُ مدينة أم دافوق مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً ، إذ بها نقطة جمارك حدوديه نشطة جدأ ، خاصةً في فصل الصيف الذي تنشط فيه تجارةُ الحدود بين الدولتين . كما انها تعتبر مركزاً إدارياً وتجارياً هاماً لقبائل الرحل الذين يعْبرون أحياناً الحدود الي داخل افريقيا الوسطي طلباً للماء والمرعي في فصل الصيف ، خاصةً قبل قيام السد ، الأمر الذي يعرضهم الي القهر و سوء المعاملة التي تصل أحياناً حد القتل بواسطة السلطات الأمنية خاصة من حراس الحياة البرية بافريقيا الوسطي.
وادي أم دافوق أو الدافوق (اي الوادي المنهمر ) كما ذكر البروفيسور إبراهيم آدم أسحق ، أستاذ اللغه العربيه وادابها ، هو وادي أو نهر موسمي ينساب بغزارة من أول يونيو الي أواخر أكتوبر، إذ يبلغ متوسط إيراده السنوى 276 مليون متر مكعب ، ويمكن تصنيفه بإنه نهر موسمي عابراً transboundary seasonal river ، إذ يتعدى الحدود السودانية الي داخل دولة افريقيا الوسطي ليكوّن مع أودية اخري ميْعَةً wetland (تٌرده ) كبيرة مباشرةً بعد مدينة أم دافوق ، ولكن جلها يقع داخل حدود دولة افريقيا الوسطى . ينبع وادي أم دافوق من إرتفاع 800 م {فوق مستوى سطح البحر} من جنوب غرب سفوح جبل مرة ، متجهاً نحو الجنوب ، عابراً مدينة رهيد البردى من الشرق حتى قرية طوال ، و منها يغيرُ الوادى إتجاهه غرباً ، متخلياً بدلك عن الاتجاه الطبيعى ، كظاهرة غريبة بعض الشئ ، لأن كل الوديان بالمنطقة تتجه صوب الجنوب الشرقى {نحو حوض بحر العرب } مما يعضد فرضية حدوث فالق عند منطقة تغيير الاتجاه ، ونتج عن ذلك إنفصال قوز ساسلقو عن قوز دانقو . تشكلُ المسافة بين القوزين الحوض الفيضي للوادي (floodplain) ، الذى يتراوح عرضه عشر كيلومترات فى المحابس العليا ، وكيلومترين فى المحابس الدُنيا عند منطقة السد ، قبل عبوره الحدود بين السودان و افريقيا الوسطى.
منطقه أم دافوق لها أهمية إقتصادية وأمنية وأجتماعية خاصه ، بالرغم من بعدها وصعوبة الوصول إليها من مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، خاصةً في فصل الخريف حيث يبلغ متوسط الهاطل السنوى حوالي 700 مم ، وبسببه تنعزل المدينة تمامآ من بقيه أجزاء ولايه جنوب دارفور . كما إنها تعتبر منطقة استثماريه واعده لمًا تزخر به من مواردٍ طبيعيه متنوعه ، إن أُحْسِنَ إستغلالها يمكن أن تسهم وتساعد في تأسيس مشاريع للتنمية الريفيه المتكامله.
2. تشييد سد أم دافوق
منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ، أهتم مشروع تنمية غرب السافنا بجنوب دارفور ، وهيئة توفير المياه لإقليم دارفور، بتطوير وتنمية منطقة أم دافوق ، بالتركيز علي تنمية وإستغلال موارد المياه السطحية المتدفقة عبر الحدود ، خاصة بعد الشكاوي المتكررة للرعاة من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في افريقيا الوسطي . وقد تزامن ذلك مع الجفاف الذى ضرب إقليم دارفور في عام 1984، وأدي الي نزوح مجموعات مقدرة من الرعاة والمزارعين من مناطق شمال دارفور إلي مناطق السافنا الغنية في جنوب ووسط وغرب دارفور. للحد من وطأة أثار الجفاف ، مع نضوب المصادر الطبيعية للمياه { البرك والرهود والاودية } وما نتج عنه من نقص حاد في مياه الشرب ، خاصة بالنسبة للثروة الحيوانية في وقت الصيف ، رأت هيئة توفير المياه لإقليم دارفور ، ضرورة إقامة بعض الأبار الجوفية والسدود ، تحديداً في أماكن تجمعات الرحل و المزارعين . في إطار ذلك أرسلت هيئة توفير المياه ، في عام 1985 فريقاً هندسيًا صرفًا لعمل مسوحات طبوغرافية ودراسات هايدرولوجبة علي مجري وادي أم دافوق ، وهي متطلبات اساسية لإختيار الموقع المناسب الذي يقوم عليه السد ووضع التصميم المناسب له . ظهور فريق الدراسة فى منطقة وادى أم دافوق أثار حفيظة السلطات في افريقيا الوسطي ، فبعثت بطائرة عمودية لتحلق فوق المنطقة داخل الاراضي السودانية ، ثم أعقبته باحتجاج رسمي الي منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً ) التي بدورها أوكلت دولة أوغندا للتوسط بين الدولتين الجارتين . وقد أفضي ذلك الإحتجاج والوساطة الي توقف العمل تماماً في مشروع سد أم دافوق حتي عام ١٩٩٧ حينما راودت الفكرة مرةً أخري ولايه جنوب دارفور ، ووزارة الرى والموارد المائيه. بالفعل تم تشييد سد أم دافوق الحالي بسعة عشرة مليون متر مكعب ، كأكبر مسطح مائي باقليم دارفور .
بالرغم من إن الهدف من تشييد السد كما أعلنته حكومة ولاية جنوب دارفور مرارًا ، هو إستقرار الرحل ، إلا أن أقوى الأهداف التى أدت الى إنشائه هو إبقاء الرحل وثروتهم الحيوانية داخل الولاية والسودان عموماً ، بدلاً من التوغل داخل حدود افريقيا الوسطى ، وبالتالى حرمان الولاية من عوائد الثروة الحيوانية التى تشكل أهم المواعين الايرادية بالولاية . وفوق ذلك ، إلتزام الدولة والقيام بواجبها تجاه المواطنين وحمايتهم من سوء المعاملة و الابتزازات المتكررة التي يتعرضون لها داخل دولة افريقيا الوسطى .
مراحل تشييد السد لازمها كثير من القصور الذي تمثل في سوء التخطيط، وإنعدام التنسيق بين الجهات المعنية (أصحاب الشان ) وعدم اكتمال الدراسات الهيدرولجية والأجتماعية ودراسات الأثر البيئي وإنعدام خطط التشغيل والادارة والصيانة الدورية ، مما جعل سد أم دافوق مثالاً لسوء تخطيط وتنفيذ مشاريع التنميه الريفيه ، الأمر الذي يجعل مثل هذه المشاريع عرضةً للفشل وهدراً للموارد المالية والطبيعية ، وتظل بلا (وجيع) حتي تنهار تماماً.
3. العوامل السالبة التي صاحبت سد أم دافوق
مشروع سد أم دافوق صاحبته عوامل سالبة كثيرة ، وقد تفاقمت إلي أن أدت الي إنهياره وفشله عدة مرات حتي أصبح {بكل أسف} أحد أمثلة ما يعرف بتراجيديا المُشاعات Tragedy of the commons .
يمكن تلخيص هذه العوامل التي جسدها سد أم دافوق في الاتي:
1. ضعف الميزانيه المدفوعه لتنفيذ السد : حسب افادة وكيل وزاره الري والموارد المائيه في منتصف التسعينات من القرن الماضي {الدكتور احمد محمد ادم } لقد ظلوا في الوزاره ، ولعامين متتالين يطلبون من وزراه الماليه دفع مبلغ مليار ومائة مليون جنيه سوداني لتنفيذ سد ام دافوق وفق التصميم الموضوع له . ولكن بكل اسف ، (حتي بعد تدخل والي ولايه جنوب دارفور أنذاك {الدكتور عبد الحليم المتعافي } ، دفعت وزراه الماليه فقط مبلغ 50 مليون فقط ، مما حدا بوالي جنوب دارفور {أنذاك } الي حمل الرحل بولاية جنوب دارفور بالتبرع لصالح بناء السد ، وبالفعل استطاع الوالي توفير ودفع خمسمائة مليون جنيه لوزاره الري والموارد المائيه ، وبالتالي اصبح المبلغ الذي توفر لبناء سد ام دافوق يعادل فقط 50% مما هو مطلوب وفق معطيات التصميم ومطالبات وزاره الري والموارد المائية . محدوديه المبلغ حتمت علي المقاول والاستشاري بتنفيذ فقط اربعة امتار من ارتفاع الردميه الترابيه ، بدلاً من ثمانية امتار ، كما وضعه المصممون لتامين السد من إحتمالية الإنهيار ، الذي قد ينتج من ذروة الفيضان الذي ربما يحدث مرةً كل سبع سنوات . من الغريب والمؤسف له حقاً (حسب افادة وكيل وزارة الري والموارد المائية انذاك ) ان الوالي {الدكتور الحاج ادم } الذي خلف الدكتور المتعافي في ولاية جنوب ، استرد ( عبر مدير مكتبه) من وزاره الماليه مبلغ الخمسمائة مليون جنيه الذي دفعته الولايه {أبان فترة الوالي المتعافي } ، ولكن بدلاً من دفع المبلغ المسترد لوزارة الري والموارد المائية لاستكمال بناء السد كما صممه المهندسون ، اشتري الوالي بالمبلغ عدداَ من عربات الدفع الرباعي {لاندكروزر} للمسؤولين بولايته ، وذلك خلافاً لما كانت تأمل وزارة الري والموارد المائية حينما أخذ مدير مكتب الوالي مستندات التنفيذ من مكتب وكيل وزارة الري والموارد المائية ، وبمقتضاها أسترد المبلغ من وزاره الماليه.
2. العيوب الهندسية: يعانى السد منذ إنشائه من عيوب أساسية مرتبطة بضعف قدرات الشركة المنفذة للسد ، وضعف الاشراف الفني ، وعدم مراعاة وتطبيق المعايير الهندسية بدقه. ونتيجةً لهذه العيوب يعاتي السد منذ إنشائه ، حتي الان ، من تسرب المياه من خلال المصرفين بصورة مستمرة . وبالرغم من المحاولات العديدة التي أجريت لإيقاف تسرب المياه ، إلا انها باءت بالفشل . كما يعاني السد من هشاشة الردميات الترابيه الواقية مما يجعلها عرضة للتآكل وإلى إنهيارها لأكثر من مره ، خاصة هذا العام {2022} حيث أستقبل السد مياهاً فوق العادة ، فاقت إرتفاع الردميات الترابية{4 أمتار} وفوق طاقة المصرفين . ويعتبر الإنهيار الأسوأ حيث اجتاحت وغمرت المياه المندفعة مدينة أم دافوق.
3. الرسالة والتبشير الخاطئ: لقد بعث المسؤولون بولاية جنوب دارفور منذ البداية برسالة خاطئة ، بمخاطبة المجتمعات ، خاصة قطاع الرحل دون غيرهم بالقول (دايرين نبني ليكم سد في أم دافوق ..لازم تتبرعوا حتي نتمكن من تشييده). فعلاً تبرع الرحل بسخاء ، واكتمل بناء السد ولكن تلك كانت رسالة خاطئة لجمع المال ، إذ رسخَت إعتقاداً لدي الرحل بإن هذا السد قد شيَد لهم وبتبرعات مقدرة منهم ، وبالتالي لا يسمح بممارسة الزراعة حوله بالرغم من وفرة مخزون المياه والتربة الطينية البكر. كما إنهم ، أي الرحل ، ما زالوا يرفضون دفع أي رسوم ماليه نظير شرب ثروتهم الحيوانيه. وجود هذا الماء المجاني علي مدار العام ، علاوة علي وجود الغابات الخضراء في المنطقه ،أدي الي توافد الثروة الحيوانيه ، ليس من ولايات دارفور الاخري فحسب ، بل حتي من ولايتي شمال وغرب كردفان . وقد نشأ ولأول مرة في السودان مُرحالٌ متجهاً من الشرق الي الغرب ، يبدأ من تخوم ولاية غرب كردفان ، مروراً بجنوب مدينتى الضعين وبرام ، وعبر قوز دانقو ، الي منطقة أم دافوق .كما أدي تمركز الثروة الحيوانيه إلي إستنزاف وضمور الغطاء النباتي و تعرية الاراضي حول منطقة السد.
4. غياب التنسيق المؤسسي: شرعت هيئة توفير المياه في تشييد سد أم دافوق من منظور فني بحت ، ومن أجل توفير المياه لشرب الثروة الحيوانية ، مع إغفالٍ تام للاستخدامات المتعددة للمياه (multiple water uses ) خاصة الزراعة مما يقلل من تعظيم الفائدة من توفير الماء . لذلك أغفلت الهيئة ( ربما عن عدم دراية) التنسيق أو إشراك المؤسسات الأخري ذات الصلة مثل وزاره الزراعه والثروة الحيوانية والمراعي والغابات والبيئة والرعاية الاجتماعية. وأهم من ذلك كله لم يدر بخلدهم ضرورة إشراك المواطنين والإستماع الي أصحاب الشأن لمعرفه رايهم ، أو مجرد إخطارهم ، فاتبعت (الهيئه ومن معها) بذلك الأسلوب الفوقي في التنميه top down approach الذي عفي عليه الزمن . وكثيراً ما عبر المواطنون بشيءٍ من السخرية بعبارة ( سدكم ) ، أي سد الهيئه ، وبذلك أصبح سداً بلا هوية بالرغم من إدعاء الرحل بأن السد شّيَد من أجلهم .
5. غياب الدراسات الضروريه: شُيَدَ السد علي عجل ، تصحبه البروبوغاندا السياسيه ، و تنقصه الدراسات الفنيه الأساسيه ، خاصة في الهايدرولجيا والأثر البيئي والاجتماعي ودراسات الاحتياجات الفعلية لإستخدامات الماء water supply demand study التي تحدد تصميم السعه التخزينية للسد ، دون إغفال لفاقد التبخر والتسرب . يتباهي المهندسون بهئية المياه بأن سد أم دافوق هو الأكبر في اقليم دارفور ، بسعة عشرة مليون متر مكعب ، ولكن بكل أسف لم يستند تصميم السد وتحديد هذه السعة علي دراسة الطلب او الحاجة الفعلية للماء . أذكر في سنه ٢٠١١ ، حينما زرت {برفقة اخرين }السد والخريف قد دنا ، كان ببحيرة السد حوالي خمسة مليون متر مكعب باقيه residual وقد سدرت ( إرتحلت) الثروة الحيوانية من السد نسبةً لبداية هطول الأمطار . معني ذلك ، إن سداً بنصف سعة سد أم دافوق الحالي يكفي . في واقع الأمر، إن الثروة الحيوانية التي تنهل من السد بالكاد تتعدي إحتياجاتها من الماء المليون متر مكعب في عأم 2011 ، لذا إن تضخيم السعه التخزينية للسد لا مبرر لها ، وتعتبر هدرأً للموارد المالية الشحيحة. وهنا تستحضرني السياسات الرشيدة التى خطها الاستاذ كامل شوقي { أول مدير للغابات و كذلك أول مدير لهيئة توفير المياه والتنمية الريفية } عليه الرحمه ، في توفير المياه الريفيه مع مراعاة الحفاظ علي البيئه . من أساسيات هذه السياسات ، التركيز علي الإنتشار الأفقي بتعدد و إنتشار مرافق المياه ذات السعات المتوسطه بحيث لا يزيد ، بقدر الإمكان ، حجم السد من مليوني متر مكعب ، والحفير من ٣٠ الف متر مكعب . إذن : كان من الأفضل تشييد ثلاثة سدود ، سعة كل منها لا تزيد علي ثلاثه مليون متر مكعب ، وفي نفس الوقت موزعة علي مسافات مناسبه . ربما كان من الافضل والأجدي فنيا واقتصادياً وبيئياً ، توسعة و تأهيل الرهود والمنخفضات المنتشرة علي طول الوادي ، من قرية طوال حتي ام دافوق ، لأن ذلك أقل تكلفةً ، وله أثار إيجابيه في إحياء الغطاء النباتى ، بدلاً من تشييد سد واحد بسعة عشرة مليون متر مكعب كسد أم دافوق ، إنه خطل التخطيط التنموي.
6. عدم وجود الجهة المسؤولة لادارة السد : بالرغم من تباهي المسؤولين علي مستوي الولاية ووزارة الرى والموارد المائيه ، بسعة سد أم دافوق الذي لا مثيل له في إقليم دارفور ، إلا ان هيئة مياه ولاية جنوب دارفور ، ووحدة حصاد المياه القومية ، وحتي السلطات والمجتمعات المحليه والمستفيدين ، فشلوا جميعاً في تأسيس ، ووضع الجسم الإداري المناسب ليضطلع بمهام تشغيل وصيانة وادارة السد وتحصيل الايرادات . ربما سد أم دافوق هو المرفق المائي الوحيد في السودان الذي ظل منذ إنشائه يوفر الماء بلا مقابل مادي ، فلا عجب ان تتوافد إليه قطعان الثروة الحيوانية ، خاصة الأبَاَلة {البدو رعاة الأبل} من كل حدب وصوب . لقد ظل سد أم دافوق بلا وجيع ، يشكو من الإهمال وعدم الصيانة الدورية ، وجور الطبيعة إلي أن بلغ السيل الزُبي هذا العام ، فانهار السد وأصبح الان فارغاً تماماً من الماء وأغرق المدينة .لا ادري كيف يكون الحال في الصيف القادم ، خاصةً لأصحاب الثروة الحيوانية.
4. الاثار السلبيه لسد أم دافوق
أ. أدي توفر الماء المجاني الي توافد أعداد هائلة من الثروة الحيوانية ، وبالتالي أدي تمركزها الي ظهور بعض بؤر التدهور البيئي وتعرية التربة بسبب الرعي الجائر حول منطقة السد ، وكذلك قطع الأشجار ، خاصه أشجار القنا بغرض التجاره ، والأشجار الخضراء الوارفه علي مجاري الاودية وتقديمها كعلف للحيوانات في اواخر فصل الصيف . و كما هو معلوم ، إن كثيرًا من الابَاله الوافدين تعوزهم ثقافة التعامل مع الموارد الطبيعية في مناطق السافنا الغنية.
ب. توافد الرحل بأعداد مقدرة ، وكثيرون منهم بحوزتهم أسلحة نارية ، أدى بصورة ملحوظة الى تفشى ممارسات الصيد الجائر فى منطقة أم دافوق ، وقد تسبب ذلك في هجرة وتوغل انواع كثيرة من الحيوانات البرية الي داخل أراضي دولة افريقيا الوسطي التي لا تسمح قوانينها بصيد الحيوانات البرية ، ويطبقون القوانين بصرامة إلي حد إطلاق الرصاص مباشرةً shoot to kill علي صائدي الحيوانات البرية و قاطعى الاشجار، خاصة الخشبية.
ج. تنامي الشعور بعدم الرضي لدي المجتمعات المحلية والمواطنين قاطني المنطقة الذين لا يخفون إمتعاضهم بوجود الرعاة الأبالة الذين لا يمتثلون في كثير من الإحيان الي أعراف وتقاليد المنطقة نسبةً لاختلاف ثقافتهم ، خاصة في ما يتعلق بتعاملهم مع الموارد الطبيعية في مناطق السافنا كما ذكرنا آنفًا . وزاد من حدة عدم الرضا ، عدم السماح للمزارعين بممارسة الزراعة حول السد بالرغم من توفر المياه والارضي الطينية الخصبة . وكتيراً ما يردد الرعاة إن هذا السد ساهمنا في تشييده بمالنا ، وهو خاص بتوفير الماء للرعاة وثروتهم الحيوانيه . في الجانب الاخر ، لقد ذكر عمدة منطقة أم دافوق إن أبقارهم ترعي و تشرب من الدوانكي في منطقة القوز في الشمال الشرقي ، في دلالة واضحة بانهم غير مستفيدين من السد . من المؤسف حقًا ، إن السلطات الرسمية بالولاية والمحلية لم تتدخل لحسم أمر السد بالاشراف المباشر عليه دون حرمان أو إقصاء لأحدٍ حتى تأكد بوضوح إن الجميع لهم الحق في الاستفادة من مياه السد ، تحقيقًا لمبدأ العداله ، وإن الجميع شركاء في ما هو متاح ، وهو شعار منصف عملت به فعلياً دول كثيره مثل جنوب افريقيا التي بعد إنهاء فترة الفصل العنصري رفعت علي نطاق القطر شعار: البعض في سبيل الكل وليس العكس . Some for All, and Not All for Some
د. احتماليه التلوث وتفشي الأمراض ذات الصلة بتلوث المياه ، إذ أغري توفر المياه بدون مقابل مادي بعض المواطنين بمدينة أم دافوق وما جاورها ، وكذلك الرحل ، بالعزوف عن أخذ المياه النقية من الآبار الجوفية التي يتطلب الحصول علي مياهها دفع التسعيره (التعريفة) المقرره . و تفادياً لدفع المبلغ ، وإن كان زهيداً ، مقابل الحصول علي مياه نقيه ، فضل بعضُ المواطنين الحصول علي المياه مباشرةً من بحيرة السد بالرغم من إنها مياه غير نفيه ، وعرضة للتلوث بسبب دخول الثروة الحيوانيه إلي داخل بحيرة السد للشرب . في غياب التوعية والضوابط ، مع توفر الماء مجانًا ، حتماّ قد يزيد ذلك من إحتمالية تلوث مياه السد لدرجة قد لا تكون صالحة لشرب الانسان ، وناقلة للأمراض .
و. إمتداد الردميه التي تقع مباشرة شرق مدينه أم دافوق التى بدورها تقع في المنخفض (التُرده) الذى يمتد الى داخل دولة افريقيا الوسطي ، يجعل المدينة عرضة للغرق المباشر متي ما إنهارت الردميه الشرقية ، مثل ما حدث هذا العام حيث غمرت المياه المتدفقه معظم احياء المدينة وتسببت في إضرار مادية وبشرية بالغة ، حتى اضطَرَت ولاية جنوب دارفور إلى تصنيف أم دافوق كإحدي المناطق المنكوبة المتاثرة بفيضانات هذا العام .
5. ماذا بعد إنهيار السد وهدر المورد
قطعاً لا يوجد شخص واحد ( حتي العمدة الذي تمني في لحظه غضب إنهيار السد) سعيدٌ بهذا الانهيار الذي حدث فعلاً في شهراغسطس ٢٠٢٢، وفقدان هذا الكم الهائل من المخزون المائي . و قطعاً قد يكون لذلك أثره السلبي في الصيف المقبل ، ليس للرعاة وحدهم ، بل أيضاً لصائدي الاسماك و لهيئة توفير المياه ، وإدارة حصاد المياه ، الذين بدأوا منذ بداية هذا العأم في التفكير الجاد لوضع الخطط والتصور الأمثل في كيفيه إدارة سد أم دافوق وتنظيم إستخداماته بمشاركة المواطنين والسلطات المحلية ، مع الاحتفاظ بحق الإشراف الفني لهيئة مياه ولاية جنوب دارفور . بالرغم من إن السد قد انهار في ظروف قاسية ومعقدة جداً تعيشها البلاد ، من الأرجح ان هيئة مياه ولاية جنوب دارفور، ووحدة حصاد المياة بوزارة الري والموارد المائية ، حريصان على إعادة صيانته واصلاحه ، ربما مباشرةً بعد نهاية فصل الخريف . ولكن قبل البدء في إعادة تشييد او صيانة سد أم دافوق المنهار لابد من أن يتحقق الاتي :
i. الجلوس مع المجتمعات المحليه والإستماع إلي أرائهم ، خاصة قاطني مدينة أم دافوق الذين لا يخفون تحفظهم في ما يتعلق بالسد وإنهياراتة المتكررة وما سببته من إغراق للمدينة كما حدث في خريف عام {2022}. إن كان لا بد من إعادة صيانة السد ، فيجب إقناع المواطنين وتبديد مخاوفهم فى ما يتعلق بسلامة السد ، وأن تُراعى فية احكام السلامة بدرجة عاليه ، ولن يكون السد سبباً فى إغراق المدينة مستفبلا بإذن الله . كما يجب إشعار المواطنين بملكيتهم وإنتمائهم لهذا السد(sense of ownership) ، وإنهم غير مهملين ، وهم أصحاب الشان الحقيقي ، لا يمكن تجاوزهم .
ii. التنسيق مع المؤسسات والوزارات ذات الصلة خاصة وزارات الزراعة والغابات والثروة الحيوانية و السمكية والرعاية الأجتماعية ، كشركاء فاعلين.
iii. ضرورة إجراء دراسة جدوى فنية وإقتصاية واجتماعية وبيئية وهايدرولجية شاملة ، التى بالضرورة يجب أن تحدد أيهما أجدي : هل تتم إعادة صيانة السد المنهار بكل عيوبه التى صاحبت تصميمه و تنفيذة ، خاصة تسرب المياة عبر المصرف الخرسانى ، وضعف {هشاشة} الردميات : أم تشييد سد جديد ، بتصميم جديد ، وبسعة واقعيه مناسبة ، في موقع آخر مناسب علي مجري وادى أم دافوق ، مع الأخذ فى الأعتبار الدروس المستفادة و المستنبطة من سد أم دافوق المنهار. كما يجب أن تشمل دراسة الجدوي إمكانية تحسين ميْعة أو منخفض {تُردة} أم روق التي تبعد حوالي عشركيلومترات شرق مدينة أم دافوق ، وإمكانية الاستفادة منها كمنخفض {مخزون مائى} طبيعي وقد يتطلب تحسينه تدخلات هندسية بسيطة وبتكلفة مالية قليلة نسبياّ.
iv. في حالة تشييد سد جديد أو إعادة السد المنهار ، لابد من أن يصحب ذلك وضع خطه تشغيليه وإداريه لتنظيم استخدامات السد ، وأن تكون هنالك أحواض لشرب الثروه الحيوانيه خارج بحيره السد ، كما يجب تقوية الردميات الترابية {خاصه من الناحيه الشرقيه} ، مع ضرورة حمايتها من عبور المواشي والعربات منعاً لاضعافها و بالتالى لا تقوي علي الفيضانات العاتية التي تهدد المدينة بالغرق.
v. علي وزاره الزراعه والثروة الحيوانية والسمكية والسلطات المحلية تنظيم الرعاة والمزارعين وصائدي الاسماك ، مع مراعاة حقوق النساء والشباب ، وتكوين ما يعرف بجمعيات مستخدمي مياه السد water users’ associations مع ضرورة توعيتهم وتدريبهم ، كما يمكن أن يتكون منهم مجلس مستخدمي مياه سد أم دافوق حتي يستفيدوا جميعاً من مياهه وتتحسن أوضاعهم المعيشيه والاقتصاديه.
vi. التنسيق والتشاور والاتفاق مع أصحاب المصلحة ، خاصة السلطات المحلية ، في وضع وإقرار تسعيرة (مُنْصِفه) للإستخدامات المختلفة للمياه ، مع ضرورة فتح حساب بنكي (إذا تيسر ذلك) لتودع فيه الايرادات التي يتم تحصيلها ، و يجب أن تخضع للمراجعة القانونية ، وضوابط السحب والصرف والايداع والمحاسبة.
vii. تاسيس وتطبيق الهيكل الاداري للسد ، حيث يتوجب أن تحدد له الصلاحيات واللوائح لتأمين إدارته بصورة رشيدة لمصلحة الجميع ، وتتحقق الفائده المرجوة منه بصفه مستدامه. فى هذا الصدد هنالك عدة مبادرات من بعض المهتمين بشان ادارة السد . نورد هنا الهيكل الاداري الذي يتكون من الاداره الفنيه { إدارة تنفيذيه} ، و مجلس ادارة السد كما اقترحه الأستاذ القدير أحمد ادم بشير {مع بعض التعديل} كما يلي:
• الإداره الفنية: يجب أن يترأسها مهندس مياه ويعاونه ممثلون لكل من الزراعة والثروة الحيوانية والغابات و محاسب/اداري من المحلية بجانب حارسين. تضطلع هذه الاداره بالشان التنفيذي وإدارة وصيانة السد وجمع الإيرادات التي يجب أن تخضع للنظم المحاسبية والمراجعة القانونية ، علي أن توظف هذه الإيرادات في صيانة السد وتطويره ، وجزء منها يوظف للقطاع الخدمي (الصحة والتعليم بالمحليه) ، ويذهب الجزء الأخير لهيئة المياه.
• مجلس إدارة السد: يجب أن يضم مجلس إدارة السد في عضويته رئيس الإدارة التنفيذية للسد و ممثلين لكل الوحدات الحكومية في محلية أم دافوق ، وممثلين للرعاة وللمزارعين وصائدي الاسماك والإدارة الأهلية والمرأة والشباب و المجتمع المدني المحلي ، علي أن يَكُون المجلس برئاسة المدير التنفيذي لمحلية أم دافوق ، وأن توضع لائحة لتنظيم عمل اللجنة الفنية ، ومثلها لمجلس الإدارة و لوائح لحمايه السد وتنظيم استخدامات المياة وحماية البيئة ، خاصة قطع الأشجار والصيد الجائر.
لابد من تخصيص ميزانية إبتدائية للجنة الفنية ، وتحديد تسعيرة المياه للاستخدامات المتعددة (ثروه حيوانيه ، زراعه) ، و أن تكون هناك رخص ورسوم (قليلة نسبياً) لمن يعمل في صيد الاسماك {لأغراض تجاريه} ورسوم للسياحة ، ويكون مقابل ذلك إعداد أماكن للسياحة بطريقة حديثه وجاذبه.
يمكن التوسع في تجربة الاستزراع السمكي في سد أم دافوق
6. خاتمه
• من المؤمل في حال وضع وتطبيق الهيكل الإداري ، إن يوفر السد بصفة مستدامه مياه الشرب للحيوان طول العام ولزراعة المحاصيل البستانية التي سوف تغذي الاسواق المحلية ، بل مدينة نيالا ايضاً خاصة بعد إكتمال طريق رهيد البردي - أم دافوق . كما يجب التوسع في تجربة الاستزراع السمكي الناجحة حتي يصبح السد مصدراً لإنتاج الأسماك ، و يسهم في زيادة الدخل لعدد كبير من المواطنين . و يمكن أن يكون السد منطقة جذب سياحي لمَا تزخر به المنطقة من غابات ومناظر طبيعيه وحياةٍ بريه ، ولابد من تشجيع القطاع الخاص للإستثمار في السياحه بأم دافوق.
• ضمان سلامة سد ام دافوق وإستدامة خدماته ، يجب أن يعتمد على إطار المبادئ الأساسية للادارة المتكاملة لموارد المياة {الواردة في الجدول الاسفل}، وهي ما تعرف بمبادئ دبلن.
• لابد من جمع وتقوية قاعدة المعلومات الهايدرولوجية الشاملة ، من أعلي إلي أسفل وادي ام دافوق.
• علي الولاية أن تهتم بدراسات موارد ومصادر المياه ، وتغييرالمناخ ، والرصد والمتابعه وتقوية قاعدة البيانات التي تمكن المسؤولين من إتخاذ القرارت ووضع الخطط والاستراتيجيات.
• علي الولاية ايضاً ان تكوَن مجلس موارد المياه Water Resources Council ، من جميع أصحاب الشان بالولاية ، ووضع الإطار الشامل والسياسات والموجهات العامة لتنمية وادارة مياه ولاية جنوب دارفوز.
• لابد من تمكين المجتمعات ، خاصة الشباب والنساء ، من ادارة مرافق المياه مع الاحتفاظ بحق هيئه مياه الولاية في سن التشريعات والقوانين ووضع السياسات والاستراتيجيات العامه والتدريب.
مبادئ الإدارة المتكاملة لموارد المياة IWRM Principles
i. المياه مورد محدود و جزء مكمل للموارد الطبيعية الاخري.
ii. موارد المياه يجب ادارتها بطريقة تشاركيه من أدني إلي أعلي المستويات.
iii. المياه لها قيمة اقتصاديه واجتماعيه.
iv. للمرأة دور اساسى وهام في إدارة موارد المياه.
hamidomer122@gmail.com
موجز
شُيّد سد أم دافوق ، بولاية جنوب دارفور { بسعة عشرة مليون متر مكعب} عام ١٩٩٧ ، علي مجري وادي أم دافوق العابر الي داخل افريقيا الوسطي ، من اجل إبقاء الرحل وثروتهم الحيوانية في داخل حدود الولاية ، وحمايتهم من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في افريقيا الوسطى . مراحل تشييد السد لازمها كثير من عوامل القصور التي أدت الي إنهياره عدة مرات ، أسوأها هذا العام{2022} حيث أستقبل السد مياهاً فاقت إرتفاع الردميات الترابية{4 أمتار} وفوق طاقة المصرفين ، فغمرت المياه المندفعة مدينة أم دافوق. يمكن تلخيص هذه العوامل التي تجسدت فى سد أم دافوق في : {ا} ضعف الميزانيه المدفوعه لتنفيذ السد اذ توفر فقط 50% من الميزانيه المطلوبه وفق معطيات التصميم ، {ب} تسرب المياه المستمر عبر المصرفين وهشاشة الردميات الترابيه الواقيه للسد {ج} التبشير الخاطئ الذي بعث به المسؤولون يالتركيز علي قطاع الرحل لجمع المال وبالتالي رسخ الإعتقاد بإن هذا السد قد شُيد من أجل الرحل {د}غياب التنسيق المؤسسي ، وعدم إشراك المواطنين والإستماع الي أصحاب الشأن{ ه} قصور الدراسات التفصيليه في الهايدرولجيا والأثر البيئي والاجتماعي ودراسات الاحتياجات الفعلية لإستخدامات الماء {ز} عدم وجود الجهة المسؤولة لادارة السد وصيانته الدورية.
الأثار السلبيه المتصله بالسد تمثلت في : {أ} ظهور بعض بؤر التدهور البيئي وتعرية التربة بسبب تمركز الثروة الحيوانية حول السد {ب} تفشى ممارسات الصيد الجائر نسبةً لإمتلاك بعض الرحل للاسلحة الناريه {ج} تنامي الشعور بعدم الرضي لدي المجتمعات المحلية تجاه وجود الرعاة الأبالة الذين لا يمتثلون ، احياتاً ، الي أعراف وتقاليد المنطقة {د} إحتماليه تفشي الأمراض ذات الصلة بتلوث المياه بسبب حصول بعض المواطنين علي المياه مباشرةً من بحيرة السد بالرغم من إنها مياه غير نقيه.
قبل البدء في إعادة صيانة سد أم دافوق المنهار ، أو تشييد بديل جديد ، لابد من : {أ} الجلوس مع المجتمعات المحليه والإستماع إليهم {ب} التنسيق مع المؤسسات والوزارات ذات الصلة كشركاء فاعلين {ج} إجراء دراسة جدوى فنية وإقتصادية واجتماعية و بئية وهايدرولجية شاملة ، لتحدد أيهما أجدي : إعادة صيانة السد المنهار : أم تشييد سد جديد ، و بتصميم جديد {د} . في حالة إعادة السد المنهار ، او تشييد بديل جديد ، لابد من تاسيس ادارة تنفيذيه للتشغيل والصيانة وجمع الايرادات من مستخدمي مياه ، و كذلك تكوين مجلس ادارة السد من اصحاب الشان ، {ه} تنظيم الرعاة والمزارعين وصائدي الاسماك توعيتهم وتدريبهم ، {ه} وضع وإقرار تسعيرة (مُنْصِفه) للإستخدامات المختلفة للمياه ، خاضعةً للمراجعة القانونيه.
لابد من التاكيد ، ان ضمان سلامة سد ام دافوق ، وكل مرافق حصاد المياه بصفة عامه ، يتطلب الرؤيه الشموليه للحوض المائى ، من اعلاه الي ادناه ، وفق منظور الادارة المتكامله للمياه ، التي تتطلب تقوية قاعدة المعلومات الهايدرولوجية والرصد والمتابعه. و علي الولايه ان تسعي لتكوَين المجلس الولائى لموارد المياه من جميع أصحاب الشان ، و أن تمكن المجتمعات ، خاصة الشباب والنساء ، من ادارة مرافق المياه ، مع الاحتفاظ بحق هيئه مياه الولاية في سن التشريعات والقوانين ووضع السياسات والاستراتيجيات العامه والتدريب ، لضمان حسن ادارة و استدامة موارد ومصادر المياة بالولاية .
1. خلفيه
حينما بلغني نبأ إنهيار سد أم دافوق في ولاية جنوب دارفور ، و أغرق مدينة أم دافوق ، في الثالث عشر من شهر اغسطس ٢٠٢٢، تذكرتُ في الحال العبارات الصريحة التي تفوه بها عمدة المنطقة سنه ٢٠١١ ، بقوله صراحةً )سد أم دافوق ان شالله ينهار الليله قبل بُكره … نصينو ليه …كفايه علينا مضخاتنا ودونكيّنا..في زول قال ليكم داير سد ؟..السد غير البلاوي والهوام لقيَنا منو شنو ..كلِم وزير الرى يجيّ يصلح سدو.) . بمثل هذه العبارات الصادمه والقاسية كان رد أحد زعماء الادارة الأهلية سنة ٢٠١١ حينما زرت {مع اخرين} سد أم دافوق ، وقد لاحظتُ عليه بداية نحرٍ erosion بسيط لكنه عميق في الردمية الواقية للسد . طلبت من المواطنين أن يُهبُوا لردمه ودمْكِه {منْدَلتِه} في نفير قد لا يستغرق منهم سوي بضع ساعات حتي لا يتسع هذا النحر ويؤدي الي جَرف الردمية وإنهيار السد خاصة ان الخريف علي الأبواب ، فرد عليً العمدة بتلك العبارات الصادمة . صراحةً ما كنت أتوقع ابداً أن يصدر مثل هذا القول من شخصٍ في قامة عمدة المنطقة وقد عُرف بقوة شخصيته وقول رأيه بوضوح وشفافية ، لكن عبارات العمدة في الحقيقة تحمل في ثناياها دروساً بالغةً تعكس حال مشاريع التنمية ( الريفيه) التي تأتي بصورة فوقيه ، وبقرار سياسي غير مدروس لم يأخذ في الإعتبار راي المجتمعات المحلية واستشارتهم لمعرفة إحتياجاتهم وأولوياتهم ، هي حالةُ جسدها سد أم دافوق .
شُيّد سد أم دافوق عام ١٩٩٧ بواسطة هيئة مياه ولاية جنوب دارفور ( بالتنسيق مع ، وإشراف وزاره الري و الموارد المائية) علي مجري وادي أم دافوق . يقع السد بالقرب من مدينة أم دافوق ، وعلي مقربةٍ من حدود السودان مع دولة افريقيا الوسطي {كما هو موضح في الخريطه}. تعدُ مدينة أم دافوق مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً ، إذ بها نقطة جمارك حدوديه نشطة جدأ ، خاصةً في فصل الصيف الذي تنشط فيه تجارةُ الحدود بين الدولتين . كما انها تعتبر مركزاً إدارياً وتجارياً هاماً لقبائل الرحل الذين يعْبرون أحياناً الحدود الي داخل افريقيا الوسطي طلباً للماء والمرعي في فصل الصيف ، خاصةً قبل قيام السد ، الأمر الذي يعرضهم الي القهر و سوء المعاملة التي تصل أحياناً حد القتل بواسطة السلطات الأمنية خاصة من حراس الحياة البرية بافريقيا الوسطي.
وادي أم دافوق أو الدافوق (اي الوادي المنهمر ) كما ذكر البروفيسور إبراهيم آدم أسحق ، أستاذ اللغه العربيه وادابها ، هو وادي أو نهر موسمي ينساب بغزارة من أول يونيو الي أواخر أكتوبر، إذ يبلغ متوسط إيراده السنوى 276 مليون متر مكعب ، ويمكن تصنيفه بإنه نهر موسمي عابراً transboundary seasonal river ، إذ يتعدى الحدود السودانية الي داخل دولة افريقيا الوسطي ليكوّن مع أودية اخري ميْعَةً wetland (تٌرده ) كبيرة مباشرةً بعد مدينة أم دافوق ، ولكن جلها يقع داخل حدود دولة افريقيا الوسطى . ينبع وادي أم دافوق من إرتفاع 800 م {فوق مستوى سطح البحر} من جنوب غرب سفوح جبل مرة ، متجهاً نحو الجنوب ، عابراً مدينة رهيد البردى من الشرق حتى قرية طوال ، و منها يغيرُ الوادى إتجاهه غرباً ، متخلياً بدلك عن الاتجاه الطبيعى ، كظاهرة غريبة بعض الشئ ، لأن كل الوديان بالمنطقة تتجه صوب الجنوب الشرقى {نحو حوض بحر العرب } مما يعضد فرضية حدوث فالق عند منطقة تغيير الاتجاه ، ونتج عن ذلك إنفصال قوز ساسلقو عن قوز دانقو . تشكلُ المسافة بين القوزين الحوض الفيضي للوادي (floodplain) ، الذى يتراوح عرضه عشر كيلومترات فى المحابس العليا ، وكيلومترين فى المحابس الدُنيا عند منطقة السد ، قبل عبوره الحدود بين السودان و افريقيا الوسطى.
منطقه أم دافوق لها أهمية إقتصادية وأمنية وأجتماعية خاصه ، بالرغم من بعدها وصعوبة الوصول إليها من مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، خاصةً في فصل الخريف حيث يبلغ متوسط الهاطل السنوى حوالي 700 مم ، وبسببه تنعزل المدينة تمامآ من بقيه أجزاء ولايه جنوب دارفور . كما إنها تعتبر منطقة استثماريه واعده لمًا تزخر به من مواردٍ طبيعيه متنوعه ، إن أُحْسِنَ إستغلالها يمكن أن تسهم وتساعد في تأسيس مشاريع للتنمية الريفيه المتكامله.
2. تشييد سد أم دافوق
منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ، أهتم مشروع تنمية غرب السافنا بجنوب دارفور ، وهيئة توفير المياه لإقليم دارفور، بتطوير وتنمية منطقة أم دافوق ، بالتركيز علي تنمية وإستغلال موارد المياه السطحية المتدفقة عبر الحدود ، خاصة بعد الشكاوي المتكررة للرعاة من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في افريقيا الوسطي . وقد تزامن ذلك مع الجفاف الذى ضرب إقليم دارفور في عام 1984، وأدي الي نزوح مجموعات مقدرة من الرعاة والمزارعين من مناطق شمال دارفور إلي مناطق السافنا الغنية في جنوب ووسط وغرب دارفور. للحد من وطأة أثار الجفاف ، مع نضوب المصادر الطبيعية للمياه { البرك والرهود والاودية } وما نتج عنه من نقص حاد في مياه الشرب ، خاصة بالنسبة للثروة الحيوانية في وقت الصيف ، رأت هيئة توفير المياه لإقليم دارفور ، ضرورة إقامة بعض الأبار الجوفية والسدود ، تحديداً في أماكن تجمعات الرحل و المزارعين . في إطار ذلك أرسلت هيئة توفير المياه ، في عام 1985 فريقاً هندسيًا صرفًا لعمل مسوحات طبوغرافية ودراسات هايدرولوجبة علي مجري وادي أم دافوق ، وهي متطلبات اساسية لإختيار الموقع المناسب الذي يقوم عليه السد ووضع التصميم المناسب له . ظهور فريق الدراسة فى منطقة وادى أم دافوق أثار حفيظة السلطات في افريقيا الوسطي ، فبعثت بطائرة عمودية لتحلق فوق المنطقة داخل الاراضي السودانية ، ثم أعقبته باحتجاج رسمي الي منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً ) التي بدورها أوكلت دولة أوغندا للتوسط بين الدولتين الجارتين . وقد أفضي ذلك الإحتجاج والوساطة الي توقف العمل تماماً في مشروع سد أم دافوق حتي عام ١٩٩٧ حينما راودت الفكرة مرةً أخري ولايه جنوب دارفور ، ووزارة الرى والموارد المائيه. بالفعل تم تشييد سد أم دافوق الحالي بسعة عشرة مليون متر مكعب ، كأكبر مسطح مائي باقليم دارفور .
بالرغم من إن الهدف من تشييد السد كما أعلنته حكومة ولاية جنوب دارفور مرارًا ، هو إستقرار الرحل ، إلا أن أقوى الأهداف التى أدت الى إنشائه هو إبقاء الرحل وثروتهم الحيوانية داخل الولاية والسودان عموماً ، بدلاً من التوغل داخل حدود افريقيا الوسطى ، وبالتالى حرمان الولاية من عوائد الثروة الحيوانية التى تشكل أهم المواعين الايرادية بالولاية . وفوق ذلك ، إلتزام الدولة والقيام بواجبها تجاه المواطنين وحمايتهم من سوء المعاملة و الابتزازات المتكررة التي يتعرضون لها داخل دولة افريقيا الوسطى .
مراحل تشييد السد لازمها كثير من القصور الذي تمثل في سوء التخطيط، وإنعدام التنسيق بين الجهات المعنية (أصحاب الشان ) وعدم اكتمال الدراسات الهيدرولجية والأجتماعية ودراسات الأثر البيئي وإنعدام خطط التشغيل والادارة والصيانة الدورية ، مما جعل سد أم دافوق مثالاً لسوء تخطيط وتنفيذ مشاريع التنميه الريفيه ، الأمر الذي يجعل مثل هذه المشاريع عرضةً للفشل وهدراً للموارد المالية والطبيعية ، وتظل بلا (وجيع) حتي تنهار تماماً.
3. العوامل السالبة التي صاحبت سد أم دافوق
مشروع سد أم دافوق صاحبته عوامل سالبة كثيرة ، وقد تفاقمت إلي أن أدت الي إنهياره وفشله عدة مرات حتي أصبح {بكل أسف} أحد أمثلة ما يعرف بتراجيديا المُشاعات Tragedy of the commons .
يمكن تلخيص هذه العوامل التي جسدها سد أم دافوق في الاتي:
1. ضعف الميزانيه المدفوعه لتنفيذ السد : حسب افادة وكيل وزاره الري والموارد المائيه في منتصف التسعينات من القرن الماضي {الدكتور احمد محمد ادم } لقد ظلوا في الوزاره ، ولعامين متتالين يطلبون من وزراه الماليه دفع مبلغ مليار ومائة مليون جنيه سوداني لتنفيذ سد ام دافوق وفق التصميم الموضوع له . ولكن بكل اسف ، (حتي بعد تدخل والي ولايه جنوب دارفور أنذاك {الدكتور عبد الحليم المتعافي } ، دفعت وزراه الماليه فقط مبلغ 50 مليون فقط ، مما حدا بوالي جنوب دارفور {أنذاك } الي حمل الرحل بولاية جنوب دارفور بالتبرع لصالح بناء السد ، وبالفعل استطاع الوالي توفير ودفع خمسمائة مليون جنيه لوزاره الري والموارد المائيه ، وبالتالي اصبح المبلغ الذي توفر لبناء سد ام دافوق يعادل فقط 50% مما هو مطلوب وفق معطيات التصميم ومطالبات وزاره الري والموارد المائية . محدوديه المبلغ حتمت علي المقاول والاستشاري بتنفيذ فقط اربعة امتار من ارتفاع الردميه الترابيه ، بدلاً من ثمانية امتار ، كما وضعه المصممون لتامين السد من إحتمالية الإنهيار ، الذي قد ينتج من ذروة الفيضان الذي ربما يحدث مرةً كل سبع سنوات . من الغريب والمؤسف له حقاً (حسب افادة وكيل وزارة الري والموارد المائية انذاك ) ان الوالي {الدكتور الحاج ادم } الذي خلف الدكتور المتعافي في ولاية جنوب ، استرد ( عبر مدير مكتبه) من وزاره الماليه مبلغ الخمسمائة مليون جنيه الذي دفعته الولايه {أبان فترة الوالي المتعافي } ، ولكن بدلاً من دفع المبلغ المسترد لوزارة الري والموارد المائية لاستكمال بناء السد كما صممه المهندسون ، اشتري الوالي بالمبلغ عدداَ من عربات الدفع الرباعي {لاندكروزر} للمسؤولين بولايته ، وذلك خلافاً لما كانت تأمل وزارة الري والموارد المائية حينما أخذ مدير مكتب الوالي مستندات التنفيذ من مكتب وكيل وزارة الري والموارد المائية ، وبمقتضاها أسترد المبلغ من وزاره الماليه.
2. العيوب الهندسية: يعانى السد منذ إنشائه من عيوب أساسية مرتبطة بضعف قدرات الشركة المنفذة للسد ، وضعف الاشراف الفني ، وعدم مراعاة وتطبيق المعايير الهندسية بدقه. ونتيجةً لهذه العيوب يعاتي السد منذ إنشائه ، حتي الان ، من تسرب المياه من خلال المصرفين بصورة مستمرة . وبالرغم من المحاولات العديدة التي أجريت لإيقاف تسرب المياه ، إلا انها باءت بالفشل . كما يعاني السد من هشاشة الردميات الترابيه الواقية مما يجعلها عرضة للتآكل وإلى إنهيارها لأكثر من مره ، خاصة هذا العام {2022} حيث أستقبل السد مياهاً فوق العادة ، فاقت إرتفاع الردميات الترابية{4 أمتار} وفوق طاقة المصرفين . ويعتبر الإنهيار الأسوأ حيث اجتاحت وغمرت المياه المندفعة مدينة أم دافوق.
3. الرسالة والتبشير الخاطئ: لقد بعث المسؤولون بولاية جنوب دارفور منذ البداية برسالة خاطئة ، بمخاطبة المجتمعات ، خاصة قطاع الرحل دون غيرهم بالقول (دايرين نبني ليكم سد في أم دافوق ..لازم تتبرعوا حتي نتمكن من تشييده). فعلاً تبرع الرحل بسخاء ، واكتمل بناء السد ولكن تلك كانت رسالة خاطئة لجمع المال ، إذ رسخَت إعتقاداً لدي الرحل بإن هذا السد قد شيَد لهم وبتبرعات مقدرة منهم ، وبالتالي لا يسمح بممارسة الزراعة حوله بالرغم من وفرة مخزون المياه والتربة الطينية البكر. كما إنهم ، أي الرحل ، ما زالوا يرفضون دفع أي رسوم ماليه نظير شرب ثروتهم الحيوانيه. وجود هذا الماء المجاني علي مدار العام ، علاوة علي وجود الغابات الخضراء في المنطقه ،أدي الي توافد الثروة الحيوانيه ، ليس من ولايات دارفور الاخري فحسب ، بل حتي من ولايتي شمال وغرب كردفان . وقد نشأ ولأول مرة في السودان مُرحالٌ متجهاً من الشرق الي الغرب ، يبدأ من تخوم ولاية غرب كردفان ، مروراً بجنوب مدينتى الضعين وبرام ، وعبر قوز دانقو ، الي منطقة أم دافوق .كما أدي تمركز الثروة الحيوانيه إلي إستنزاف وضمور الغطاء النباتي و تعرية الاراضي حول منطقة السد.
4. غياب التنسيق المؤسسي: شرعت هيئة توفير المياه في تشييد سد أم دافوق من منظور فني بحت ، ومن أجل توفير المياه لشرب الثروة الحيوانية ، مع إغفالٍ تام للاستخدامات المتعددة للمياه (multiple water uses ) خاصة الزراعة مما يقلل من تعظيم الفائدة من توفير الماء . لذلك أغفلت الهيئة ( ربما عن عدم دراية) التنسيق أو إشراك المؤسسات الأخري ذات الصلة مثل وزاره الزراعه والثروة الحيوانية والمراعي والغابات والبيئة والرعاية الاجتماعية. وأهم من ذلك كله لم يدر بخلدهم ضرورة إشراك المواطنين والإستماع الي أصحاب الشأن لمعرفه رايهم ، أو مجرد إخطارهم ، فاتبعت (الهيئه ومن معها) بذلك الأسلوب الفوقي في التنميه top down approach الذي عفي عليه الزمن . وكثيراً ما عبر المواطنون بشيءٍ من السخرية بعبارة ( سدكم ) ، أي سد الهيئه ، وبذلك أصبح سداً بلا هوية بالرغم من إدعاء الرحل بأن السد شّيَد من أجلهم .
5. غياب الدراسات الضروريه: شُيَدَ السد علي عجل ، تصحبه البروبوغاندا السياسيه ، و تنقصه الدراسات الفنيه الأساسيه ، خاصة في الهايدرولجيا والأثر البيئي والاجتماعي ودراسات الاحتياجات الفعلية لإستخدامات الماء water supply demand study التي تحدد تصميم السعه التخزينية للسد ، دون إغفال لفاقد التبخر والتسرب . يتباهي المهندسون بهئية المياه بأن سد أم دافوق هو الأكبر في اقليم دارفور ، بسعة عشرة مليون متر مكعب ، ولكن بكل أسف لم يستند تصميم السد وتحديد هذه السعة علي دراسة الطلب او الحاجة الفعلية للماء . أذكر في سنه ٢٠١١ ، حينما زرت {برفقة اخرين }السد والخريف قد دنا ، كان ببحيرة السد حوالي خمسة مليون متر مكعب باقيه residual وقد سدرت ( إرتحلت) الثروة الحيوانية من السد نسبةً لبداية هطول الأمطار . معني ذلك ، إن سداً بنصف سعة سد أم دافوق الحالي يكفي . في واقع الأمر، إن الثروة الحيوانية التي تنهل من السد بالكاد تتعدي إحتياجاتها من الماء المليون متر مكعب في عأم 2011 ، لذا إن تضخيم السعه التخزينية للسد لا مبرر لها ، وتعتبر هدرأً للموارد المالية الشحيحة. وهنا تستحضرني السياسات الرشيدة التى خطها الاستاذ كامل شوقي { أول مدير للغابات و كذلك أول مدير لهيئة توفير المياه والتنمية الريفية } عليه الرحمه ، في توفير المياه الريفيه مع مراعاة الحفاظ علي البيئه . من أساسيات هذه السياسات ، التركيز علي الإنتشار الأفقي بتعدد و إنتشار مرافق المياه ذات السعات المتوسطه بحيث لا يزيد ، بقدر الإمكان ، حجم السد من مليوني متر مكعب ، والحفير من ٣٠ الف متر مكعب . إذن : كان من الأفضل تشييد ثلاثة سدود ، سعة كل منها لا تزيد علي ثلاثه مليون متر مكعب ، وفي نفس الوقت موزعة علي مسافات مناسبه . ربما كان من الافضل والأجدي فنيا واقتصادياً وبيئياً ، توسعة و تأهيل الرهود والمنخفضات المنتشرة علي طول الوادي ، من قرية طوال حتي ام دافوق ، لأن ذلك أقل تكلفةً ، وله أثار إيجابيه في إحياء الغطاء النباتى ، بدلاً من تشييد سد واحد بسعة عشرة مليون متر مكعب كسد أم دافوق ، إنه خطل التخطيط التنموي.
6. عدم وجود الجهة المسؤولة لادارة السد : بالرغم من تباهي المسؤولين علي مستوي الولاية ووزارة الرى والموارد المائيه ، بسعة سد أم دافوق الذي لا مثيل له في إقليم دارفور ، إلا ان هيئة مياه ولاية جنوب دارفور ، ووحدة حصاد المياه القومية ، وحتي السلطات والمجتمعات المحليه والمستفيدين ، فشلوا جميعاً في تأسيس ، ووضع الجسم الإداري المناسب ليضطلع بمهام تشغيل وصيانة وادارة السد وتحصيل الايرادات . ربما سد أم دافوق هو المرفق المائي الوحيد في السودان الذي ظل منذ إنشائه يوفر الماء بلا مقابل مادي ، فلا عجب ان تتوافد إليه قطعان الثروة الحيوانية ، خاصة الأبَاَلة {البدو رعاة الأبل} من كل حدب وصوب . لقد ظل سد أم دافوق بلا وجيع ، يشكو من الإهمال وعدم الصيانة الدورية ، وجور الطبيعة إلي أن بلغ السيل الزُبي هذا العام ، فانهار السد وأصبح الان فارغاً تماماً من الماء وأغرق المدينة .لا ادري كيف يكون الحال في الصيف القادم ، خاصةً لأصحاب الثروة الحيوانية.
4. الاثار السلبيه لسد أم دافوق
أ. أدي توفر الماء المجاني الي توافد أعداد هائلة من الثروة الحيوانية ، وبالتالي أدي تمركزها الي ظهور بعض بؤر التدهور البيئي وتعرية التربة بسبب الرعي الجائر حول منطقة السد ، وكذلك قطع الأشجار ، خاصه أشجار القنا بغرض التجاره ، والأشجار الخضراء الوارفه علي مجاري الاودية وتقديمها كعلف للحيوانات في اواخر فصل الصيف . و كما هو معلوم ، إن كثيرًا من الابَاله الوافدين تعوزهم ثقافة التعامل مع الموارد الطبيعية في مناطق السافنا الغنية.
ب. توافد الرحل بأعداد مقدرة ، وكثيرون منهم بحوزتهم أسلحة نارية ، أدى بصورة ملحوظة الى تفشى ممارسات الصيد الجائر فى منطقة أم دافوق ، وقد تسبب ذلك في هجرة وتوغل انواع كثيرة من الحيوانات البرية الي داخل أراضي دولة افريقيا الوسطي التي لا تسمح قوانينها بصيد الحيوانات البرية ، ويطبقون القوانين بصرامة إلي حد إطلاق الرصاص مباشرةً shoot to kill علي صائدي الحيوانات البرية و قاطعى الاشجار، خاصة الخشبية.
ج. تنامي الشعور بعدم الرضي لدي المجتمعات المحلية والمواطنين قاطني المنطقة الذين لا يخفون إمتعاضهم بوجود الرعاة الأبالة الذين لا يمتثلون في كثير من الإحيان الي أعراف وتقاليد المنطقة نسبةً لاختلاف ثقافتهم ، خاصة في ما يتعلق بتعاملهم مع الموارد الطبيعية في مناطق السافنا كما ذكرنا آنفًا . وزاد من حدة عدم الرضا ، عدم السماح للمزارعين بممارسة الزراعة حول السد بالرغم من توفر المياه والارضي الطينية الخصبة . وكتيراً ما يردد الرعاة إن هذا السد ساهمنا في تشييده بمالنا ، وهو خاص بتوفير الماء للرعاة وثروتهم الحيوانيه . في الجانب الاخر ، لقد ذكر عمدة منطقة أم دافوق إن أبقارهم ترعي و تشرب من الدوانكي في منطقة القوز في الشمال الشرقي ، في دلالة واضحة بانهم غير مستفيدين من السد . من المؤسف حقًا ، إن السلطات الرسمية بالولاية والمحلية لم تتدخل لحسم أمر السد بالاشراف المباشر عليه دون حرمان أو إقصاء لأحدٍ حتى تأكد بوضوح إن الجميع لهم الحق في الاستفادة من مياه السد ، تحقيقًا لمبدأ العداله ، وإن الجميع شركاء في ما هو متاح ، وهو شعار منصف عملت به فعلياً دول كثيره مثل جنوب افريقيا التي بعد إنهاء فترة الفصل العنصري رفعت علي نطاق القطر شعار: البعض في سبيل الكل وليس العكس . Some for All, and Not All for Some
د. احتماليه التلوث وتفشي الأمراض ذات الصلة بتلوث المياه ، إذ أغري توفر المياه بدون مقابل مادي بعض المواطنين بمدينة أم دافوق وما جاورها ، وكذلك الرحل ، بالعزوف عن أخذ المياه النقية من الآبار الجوفية التي يتطلب الحصول علي مياهها دفع التسعيره (التعريفة) المقرره . و تفادياً لدفع المبلغ ، وإن كان زهيداً ، مقابل الحصول علي مياه نقيه ، فضل بعضُ المواطنين الحصول علي المياه مباشرةً من بحيرة السد بالرغم من إنها مياه غير نفيه ، وعرضة للتلوث بسبب دخول الثروة الحيوانيه إلي داخل بحيرة السد للشرب . في غياب التوعية والضوابط ، مع توفر الماء مجانًا ، حتماّ قد يزيد ذلك من إحتمالية تلوث مياه السد لدرجة قد لا تكون صالحة لشرب الانسان ، وناقلة للأمراض .
و. إمتداد الردميه التي تقع مباشرة شرق مدينه أم دافوق التى بدورها تقع في المنخفض (التُرده) الذى يمتد الى داخل دولة افريقيا الوسطي ، يجعل المدينة عرضة للغرق المباشر متي ما إنهارت الردميه الشرقية ، مثل ما حدث هذا العام حيث غمرت المياه المتدفقه معظم احياء المدينة وتسببت في إضرار مادية وبشرية بالغة ، حتى اضطَرَت ولاية جنوب دارفور إلى تصنيف أم دافوق كإحدي المناطق المنكوبة المتاثرة بفيضانات هذا العام .
5. ماذا بعد إنهيار السد وهدر المورد
قطعاً لا يوجد شخص واحد ( حتي العمدة الذي تمني في لحظه غضب إنهيار السد) سعيدٌ بهذا الانهيار الذي حدث فعلاً في شهراغسطس ٢٠٢٢، وفقدان هذا الكم الهائل من المخزون المائي . و قطعاً قد يكون لذلك أثره السلبي في الصيف المقبل ، ليس للرعاة وحدهم ، بل أيضاً لصائدي الاسماك و لهيئة توفير المياه ، وإدارة حصاد المياه ، الذين بدأوا منذ بداية هذا العأم في التفكير الجاد لوضع الخطط والتصور الأمثل في كيفيه إدارة سد أم دافوق وتنظيم إستخداماته بمشاركة المواطنين والسلطات المحلية ، مع الاحتفاظ بحق الإشراف الفني لهيئة مياه ولاية جنوب دارفور . بالرغم من إن السد قد انهار في ظروف قاسية ومعقدة جداً تعيشها البلاد ، من الأرجح ان هيئة مياه ولاية جنوب دارفور، ووحدة حصاد المياة بوزارة الري والموارد المائية ، حريصان على إعادة صيانته واصلاحه ، ربما مباشرةً بعد نهاية فصل الخريف . ولكن قبل البدء في إعادة تشييد او صيانة سد أم دافوق المنهار لابد من أن يتحقق الاتي :
i. الجلوس مع المجتمعات المحليه والإستماع إلي أرائهم ، خاصة قاطني مدينة أم دافوق الذين لا يخفون تحفظهم في ما يتعلق بالسد وإنهياراتة المتكررة وما سببته من إغراق للمدينة كما حدث في خريف عام {2022}. إن كان لا بد من إعادة صيانة السد ، فيجب إقناع المواطنين وتبديد مخاوفهم فى ما يتعلق بسلامة السد ، وأن تُراعى فية احكام السلامة بدرجة عاليه ، ولن يكون السد سبباً فى إغراق المدينة مستفبلا بإذن الله . كما يجب إشعار المواطنين بملكيتهم وإنتمائهم لهذا السد(sense of ownership) ، وإنهم غير مهملين ، وهم أصحاب الشان الحقيقي ، لا يمكن تجاوزهم .
ii. التنسيق مع المؤسسات والوزارات ذات الصلة خاصة وزارات الزراعة والغابات والثروة الحيوانية و السمكية والرعاية الأجتماعية ، كشركاء فاعلين.
iii. ضرورة إجراء دراسة جدوى فنية وإقتصاية واجتماعية وبيئية وهايدرولجية شاملة ، التى بالضرورة يجب أن تحدد أيهما أجدي : هل تتم إعادة صيانة السد المنهار بكل عيوبه التى صاحبت تصميمه و تنفيذة ، خاصة تسرب المياة عبر المصرف الخرسانى ، وضعف {هشاشة} الردميات : أم تشييد سد جديد ، بتصميم جديد ، وبسعة واقعيه مناسبة ، في موقع آخر مناسب علي مجري وادى أم دافوق ، مع الأخذ فى الأعتبار الدروس المستفادة و المستنبطة من سد أم دافوق المنهار. كما يجب أن تشمل دراسة الجدوي إمكانية تحسين ميْعة أو منخفض {تُردة} أم روق التي تبعد حوالي عشركيلومترات شرق مدينة أم دافوق ، وإمكانية الاستفادة منها كمنخفض {مخزون مائى} طبيعي وقد يتطلب تحسينه تدخلات هندسية بسيطة وبتكلفة مالية قليلة نسبياّ.
iv. في حالة تشييد سد جديد أو إعادة السد المنهار ، لابد من أن يصحب ذلك وضع خطه تشغيليه وإداريه لتنظيم استخدامات السد ، وأن تكون هنالك أحواض لشرب الثروه الحيوانيه خارج بحيره السد ، كما يجب تقوية الردميات الترابية {خاصه من الناحيه الشرقيه} ، مع ضرورة حمايتها من عبور المواشي والعربات منعاً لاضعافها و بالتالى لا تقوي علي الفيضانات العاتية التي تهدد المدينة بالغرق.
v. علي وزاره الزراعه والثروة الحيوانية والسمكية والسلطات المحلية تنظيم الرعاة والمزارعين وصائدي الاسماك ، مع مراعاة حقوق النساء والشباب ، وتكوين ما يعرف بجمعيات مستخدمي مياه السد water users’ associations مع ضرورة توعيتهم وتدريبهم ، كما يمكن أن يتكون منهم مجلس مستخدمي مياه سد أم دافوق حتي يستفيدوا جميعاً من مياهه وتتحسن أوضاعهم المعيشيه والاقتصاديه.
vi. التنسيق والتشاور والاتفاق مع أصحاب المصلحة ، خاصة السلطات المحلية ، في وضع وإقرار تسعيرة (مُنْصِفه) للإستخدامات المختلفة للمياه ، مع ضرورة فتح حساب بنكي (إذا تيسر ذلك) لتودع فيه الايرادات التي يتم تحصيلها ، و يجب أن تخضع للمراجعة القانونية ، وضوابط السحب والصرف والايداع والمحاسبة.
vii. تاسيس وتطبيق الهيكل الاداري للسد ، حيث يتوجب أن تحدد له الصلاحيات واللوائح لتأمين إدارته بصورة رشيدة لمصلحة الجميع ، وتتحقق الفائده المرجوة منه بصفه مستدامه. فى هذا الصدد هنالك عدة مبادرات من بعض المهتمين بشان ادارة السد . نورد هنا الهيكل الاداري الذي يتكون من الاداره الفنيه { إدارة تنفيذيه} ، و مجلس ادارة السد كما اقترحه الأستاذ القدير أحمد ادم بشير {مع بعض التعديل} كما يلي:
• الإداره الفنية: يجب أن يترأسها مهندس مياه ويعاونه ممثلون لكل من الزراعة والثروة الحيوانية والغابات و محاسب/اداري من المحلية بجانب حارسين. تضطلع هذه الاداره بالشان التنفيذي وإدارة وصيانة السد وجمع الإيرادات التي يجب أن تخضع للنظم المحاسبية والمراجعة القانونية ، علي أن توظف هذه الإيرادات في صيانة السد وتطويره ، وجزء منها يوظف للقطاع الخدمي (الصحة والتعليم بالمحليه) ، ويذهب الجزء الأخير لهيئة المياه.
• مجلس إدارة السد: يجب أن يضم مجلس إدارة السد في عضويته رئيس الإدارة التنفيذية للسد و ممثلين لكل الوحدات الحكومية في محلية أم دافوق ، وممثلين للرعاة وللمزارعين وصائدي الاسماك والإدارة الأهلية والمرأة والشباب و المجتمع المدني المحلي ، علي أن يَكُون المجلس برئاسة المدير التنفيذي لمحلية أم دافوق ، وأن توضع لائحة لتنظيم عمل اللجنة الفنية ، ومثلها لمجلس الإدارة و لوائح لحمايه السد وتنظيم استخدامات المياة وحماية البيئة ، خاصة قطع الأشجار والصيد الجائر.
لابد من تخصيص ميزانية إبتدائية للجنة الفنية ، وتحديد تسعيرة المياه للاستخدامات المتعددة (ثروه حيوانيه ، زراعه) ، و أن تكون هناك رخص ورسوم (قليلة نسبياً) لمن يعمل في صيد الاسماك {لأغراض تجاريه} ورسوم للسياحة ، ويكون مقابل ذلك إعداد أماكن للسياحة بطريقة حديثه وجاذبه.
يمكن التوسع في تجربة الاستزراع السمكي في سد أم دافوق
6. خاتمه
• من المؤمل في حال وضع وتطبيق الهيكل الإداري ، إن يوفر السد بصفة مستدامه مياه الشرب للحيوان طول العام ولزراعة المحاصيل البستانية التي سوف تغذي الاسواق المحلية ، بل مدينة نيالا ايضاً خاصة بعد إكتمال طريق رهيد البردي - أم دافوق . كما يجب التوسع في تجربة الاستزراع السمكي الناجحة حتي يصبح السد مصدراً لإنتاج الأسماك ، و يسهم في زيادة الدخل لعدد كبير من المواطنين . و يمكن أن يكون السد منطقة جذب سياحي لمَا تزخر به المنطقة من غابات ومناظر طبيعيه وحياةٍ بريه ، ولابد من تشجيع القطاع الخاص للإستثمار في السياحه بأم دافوق.
• ضمان سلامة سد ام دافوق وإستدامة خدماته ، يجب أن يعتمد على إطار المبادئ الأساسية للادارة المتكاملة لموارد المياة {الواردة في الجدول الاسفل}، وهي ما تعرف بمبادئ دبلن.
• لابد من جمع وتقوية قاعدة المعلومات الهايدرولوجية الشاملة ، من أعلي إلي أسفل وادي ام دافوق.
• علي الولاية أن تهتم بدراسات موارد ومصادر المياه ، وتغييرالمناخ ، والرصد والمتابعه وتقوية قاعدة البيانات التي تمكن المسؤولين من إتخاذ القرارت ووضع الخطط والاستراتيجيات.
• علي الولاية ايضاً ان تكوَن مجلس موارد المياه Water Resources Council ، من جميع أصحاب الشان بالولاية ، ووضع الإطار الشامل والسياسات والموجهات العامة لتنمية وادارة مياه ولاية جنوب دارفوز.
• لابد من تمكين المجتمعات ، خاصة الشباب والنساء ، من ادارة مرافق المياه مع الاحتفاظ بحق هيئه مياه الولاية في سن التشريعات والقوانين ووضع السياسات والاستراتيجيات العامه والتدريب.
مبادئ الإدارة المتكاملة لموارد المياة IWRM Principles
i. المياه مورد محدود و جزء مكمل للموارد الطبيعية الاخري.
ii. موارد المياه يجب ادارتها بطريقة تشاركيه من أدني إلي أعلي المستويات.
iii. المياه لها قيمة اقتصاديه واجتماعيه.
iv. للمرأة دور اساسى وهام في إدارة موارد المياه.
hamidomer122@gmail.com