حذَر الآفروعرب من السودان

 


 

 

كيف لا

 من غير أن تؤكد القمة الآفروعربية المنعقدة بشكل استثنائي في سرت بليبيا في التاسع من شهر أكتوبر الماضي ، على:" التضامن مع السودان، واحترام سيادته ووحدة أراضيه واستقلاله، ودعم المساعي الرامية إلى تحقيق السلام في ربوعه، والرفض التام لأي محاولات تستهدف الانتقاص من سيادته ووحدته وأمنه واستقراره" ، فإن قرارات القمم السابقة حول "دعم السلام والوحدة والتنمية في السودان"، لم تغير من واقع السودان شيئاً يُذكر.
ولكأن هذه القرارات الأخيرة قد تسللت من المادة الثانية من ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ، إلى القمة الأخيرة لمجلس جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي في سرت .فقد كان من ضمن أهداف ذلك الميثاق وحدة دول أفريقيا وتضامنها للوصول إلى خلاص من الانقسام الثقافي والأيدولوجي ، وهو هدف مشترك للقضاء على الاستعمار بشكله التقليدي. كما تبنته المنظمة بعدها للقضاء على ما أسمته الاستعمار الجديد ذلك المفهوم الذي سرى وكان أداة للحرب الباردة .ولعله بمثل ما أكد ميثاق المنظمة في الماضي ،على مفاهيم السيادة كرد فعل على مهددات هذا الهدف الذي ظلت الدول الأفريقية تصبو إليه في زمن الاستعمار، فإنها تتخذه هنا وبذات الطريقة الشكلية والرمزية .وهذا يجعل التأكيد عليه يرقى إلى حد المبالغة ، إذ ماذا يعني "احترام سيادة السودان واستقلاله" التي جاءت في صدر المقررات الخاصة بالسودان، بالنسبة لدولة مستقلة وذات سيادة.
ففي هذا اللقاء الذي انعقد بعد ثلاثة وثلاثين عاماً منذ انعقاد القمة الآفروعربية الأولى في القاهرة عام 1977م ، ما زالت تُثار من وقت لآخر كثير من الآراء الصادمة في المؤتمرات  والتجمعات التي تدعو في ظاهرها إلى وحدة السودان بينما تضمر من تحت السطور حذراً غير ذكي، وكمثال لذلك ما قاله الرئيسان المصري محمد حسني مبارك والليبي معمر القذافي في مؤتمر القمة الآفروعربية التي انعقدت في أكتوبر الماضي. فقد حذر الرئيس المصري من تحول الصراع في دارفور إلى صراع واسع بين الأفارقة والعرب. وهذا حديث إن قيل في إطاره السوداني الداخلي فهو واقعي ومقبول، ولكن أن يتم التحذير من تمدده إلى خارج السودان فتلك إشارات واضحة تنم عن عدم حساسية في مجال العلاقات الدولية، عوضاً عن علاقات الجيرة والروابط المشتركة.وعدم الحساسية هذه تحول دون الرؤية الجلية بأن أطراف النزاع السوداني الداخلي الذي يعلم الجميع ظروفه الخاصة والمتشابكة بحيث لن يجرؤ أحد على الجزم بأنها صراعات إثنية فقط ، ولا يمكنها كذلك بأي شكل من الأشكال من التمدد إقليمياً. أما حذر الرئيس الليبي معمر القذافي من أن مخاطر انفصال الجنوب عن الشمال سيجعل الأمر مشجعاً للانفصال في أفريقيا كلها، فإنه لو أعاد البصر كرتين فسوف يرى بأنه لا حاجة لأفريقيا من أن تتخذ من السودان ذلك المثل السيء، وهي تعصف بها كل رياح الانقسامات والصراعات الداخلية وفساد السلطة وانعدام الديمقراطية.
 إن استبطنا حسن النية في قول الرئيسين ، فإنه من الجلي بمكان أن هاتين النقطتين لا يمكن تجاوزهما، أو إدراجهما في خانة الذكاء السياسي، أو التعاطف الذي يمكن أن يجده السودان من زعيمين أفريقيين عربيين. هذا التحذير من خروج صراعات السودان الداخلية إلى المحيطين الأفريقي والعربي وإلى دول الجوار يبعد كثيراً عن الحرص على وحدة السودان وسيادته. فبينما أهل السودان المكتوين بجمر هذه القضية يتألمون من أن جزءً عزيزاً من البلد سينفصل وتوضع بينهم وبينه الحدود والحواجز السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن عرب إفريقيا يفزعون من أن تنتقل العدوى إلى دولهم فيطالب بعدها كل جزء منها  بانفصال مماثل. وإنهم بذلك يغضون الطرف عن أن انفصال جنوب السودان لو تم فهو سيتم بالتراضي بين أبناء السودان ونتيجة لحق معلوم هو حق تقرير المصير لجنوب السودان والذي نصت عليه اتفاقية السلام بنيفاشا الموقعة في العام 2005م بين المؤتمر الوطني الحاكم و الحركة الشعبية لتحرير السودان.
عن صحيفة "الأحداث"

moaney15@yahoo.com
 

 

آراء