آلهة العرب فى الجاهلية .. بقلم : محمود عثمان رزق
محمود عثمان رزق
29 November, 2011
29 November, 2011
morizig@hotmail.com
فرَق بعض المؤرخين بين الصنم والوثن فقالوا: إن الصنم ما له جسم وصورة ونحت نحتا أو صنع صناعة من مواد غير صخرية كالخشب أو الذهب أو الفضة أو غيرها من الجواهر الثمينة ، أما الوثن فلا جسم ولا صورة له ولم تصنعه أو تنحته يد الإنسان وإنما هو على طبيعته التى وجد بها فى الطبيعة. وكانت العرب تتخذ من تلك الأصنام والأوثان آلهة تعبدها مع الله أو تعبدها وحدها من دون الله تعالى إسمه، فكانت تركع وتسجد لها ، وتنذر وتنحر لها ، وتقسم وتستغيث وتستعيذ بها.وذكر بن هشام أن أول رجل أدخل الأصنام لمكة هو عمرو بن لحى وقال فى سيرته : " حدثني بعض أهل العلم أن عَمرو بن لحَيّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآبَ من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عِمْلاق، ويقال : عِمْليق، بن لَاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ماهذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ فقالوا له : هذه أصنام نعبدها ، و نستَمْطرهافتُمطرنا ، ونستَنْصرها فتنصُرنا ، فقال لهم: أفلا تعطوننى منها صنماً ، فأسير بهإلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له : هُبَل ، فقدم به مكة ، فنصبه ،وأمر الناس بعبادته وتعظيمه." فكانت تلك البداية.
أما كيفية إنتشار الأصنام فى الجزيرة العربية بعد إدخال هبل لمكة فيحدثناعنها إبن واضح اليعقوبى فى تاريخه قائلا : "كانت العرب إذا حجَت البيت ورأت تلك ألأصنام ، سألت قريشا وخزاعة فيقولون : نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى. فلما رأت العرب ذلك اتخذت أصناما فجعلت كل قبيلة لها صنما يصلون إليه تقربا إلى الله ". ومن هذا النص يتضح لنا أن مدينة التوحيد مكة -زادها الله تشريفا- كانت هى نفس المدينة التى إنطلقت منها عبادة الأصنام عند العرب!!. ومكة تأسست على التوحيد فى بادئ الأمرثم حادت عنه بعد ذلك لأسباب شتى، وفى الحقيقة كانت جميع قبائل العرب تدين لمكة بالولاء وتعترف بفضل كعبتهاعلى أصنامهم ، وكانوا يعلمون من غير خلاف بينهم أن البيت الحرام من بناء أبيهم إبراهيم عدو الأصنام الأول!!
والجدير بالذكر أن مكة سميت بهذا الإسم لأن العرب الأوائل كانت تحج إليها وتفعل معظم الشعائر التى نفعلها نحن الآن ، وكانوايقدسون الكعبة وعندما تنتهى مراسم حجهملا يغادرون إلى بلادهمرأسا بل يقولون : "لا يتم حجنا حتى نأتى مكان الكعبة فنمكَ فيه" ، فسمي مكان المكاء بمكة والمكاء هو التصفير والتصفيق كما جاء فى القرآن الكريم . وواضح من النصوص التاريخية أن طواف الإفاضة الذى يختتم به الحج الإسلامى هو سنة قديمة ورثها الجاهليون عن أتباع الديانة الحنيفية الإبراهيمية التى بدأت الحج فأصبحت لمن بعدهم عادةلزموا فعلها و لم يعرفوا تفسيرا لأصلها. والجدير بالذكر أن القرآن سمى مكة"بكة"وذلك فى قوله تعالى : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَمُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ " ، والبك فى اللغة هو قطع العنق ، ولعل فى هذه التسمية تهديد صريح لمن تسول له نفسه بهدمها أو الإساءة إليها كما فعل أبرهة وجنده فقطع الله دابرهم فأصبحوا كعصف مأكول.
ومع كل ذلك الحب والتعظيم للكعبة أبت نفوس عرب الجاهليةالأمارة بالسؤ إلا أن يجعلوا للكعبةندا يضاهوونهابه فى بلادهم وشتتاتهم ، فأسسوا لهم بنايت مرتفعة مربعة على شكل كعاب سموها بالكعبات وقدسوها ككعبة نجران ، ورئام اليمن ذلكالبيت الذى تعبد فيه النار ، وقليس أبرهة الحبشى و هي الكنيسة التي بناها وزينها في اليمن ليحج إليها العرببدلا من الكعبة، وقصرسنداد بالعراق الذى كان يعرف بذى الكعبات أو بذى الشرفاتوكانت تحج إليه بكروتغلب وبنو إياد، والكعبة اليمانية حيث يعبدالصنم المعروفبذى الخلصة.
وبالإضافة لتلك البنايات المقدسة إتخذت قبائل العرب أصناما يعبدونها كما لأهل مكة صنم ضخم يقدسونه ويعبدونه، ولعل تلك الغيرةالقبلية من باب : " ....قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ..." !! وفى الحقيقة كان أهل مكة يعبدون صنما عظيما مصنوعا من العقيق الأحمر والذهب الخالص على صورة إنسان كسرت ذراعه أثناء نقله لمكة فقام العرب بصناعة يد من الذهب الخالص وألصقوها فى مكان يده المكسورة،وكان إسم الصنم هبل هو اعظم الاصنام عندهم ، ولأهميته وعظمته وضعوه علي ظهر الكعبة وقيل داخل الكعبة وكانوا يطلقون عليه لقب "صاحب القداح"، و يقال أن الذى جلبه لمكةهو عمر بن لحي.
وكان أهل مكة يعبدون وثنا آخرا إسمه "العزى"يعتقودن أنها من بنات الله - تعالى عن الوالد والولد -، وفى حقيقة العزى خلاف بين المؤرخين فقال قوم: كانت شجرة أو مجموعة شجيرات وممن قالبذلك العلامة أبن خلدونحيث قال : " أن العزى كانت تكرم في نجران على صورة النخلة"، وقال آخرون : بل كانت حجرا ، وقال فريق ثالث : كانت العزى تمثالا حجريا على صورة إمرأة . وبأى الأقوال أخذنا فهذا لا يغير حقيقة أنَ العزىكانت من أعظم الإلهات التي عبدها أهل مكة، ويظهر من اسمها الذي هومشتق من العزة أنها كانت إلهة قوية عزيزة تعز من عبدها وتذل من عاداها. وذكر أبو إسحاق الأنطاكى : "أن العرب كانوا يقدمون الأولاد والبناتقرابينًا للعزى فينحرونهم لها ".و كانت نهاية عبادةالعزى في الخامس والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة عندما بعث رسول الله )ص(الصحابى الجليل خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه ليهدم البُسّ ويدمر العزى ويقضي على عبادتها.
وفى المدينة عبدت قبائل الأوس والخزرج وغسان صنما إسمه مناة - وهو إسم تأنيث - وهى صخرةمربعة الشكل بموضعيقال له "المشلل"،و سميت بذلك لأن الدماء كانت "تمنى" عندها أى تراقوقيل بل لأنَها إلهة المنية أى الموت ، وكان موقعها على شاطئ البحر الأحمر بين مكة والمدينة فى مكان يعرف بوادى القديد ، وكانت الأوس والخزرج إذا قضت حجها لا تحلق رأسها حتى تطوف بمناة وتذبح عندها. وقد اعتقد قسم من الجاهليين أنها ابنة العزى وأخت اللات ، وهذه دلالة على أنها ظهرت وعبدت بعد اللات والعزى. وقد كان الجاهليون يعتقدون أن لها صلة بالبحر والرياح والمطر، و كانوا يذبحون لها في أوقات القحط والجدب يستمطرونها بذلك. وفى عقيدتهم أنها إلهة خيّرة كريمة تنشر السعادة بإرسال السحائب الممطرة لمن والاها وترسل المنية لمن عاداها ، وقد عرف مناة شعوب أخرى غير العرب بنفس الإسم ولكن باختلاف طفيف فى النطق. وفى إعتقادى الخاص أن مناة صخرة مقدسة منقوشة أخذت من بلاد النوبة ، ولسبب من الأسباب لم يستطع صاحبها نقلها لمكانه الذى أراده فتركها فى مكانها على الساحل فعبدت بسبب اللغز الذى يحيط بوجودها هناك فى منطقة مهجورة .وهذا التفسير منى ليس بغريب لأنَهإذا تذكرنا أنَ أكبر وأعظم الأصنام قد جلب من الشام فغرب البحر الأحمر أقرب لمكة والمدينة من الشام!!والسفن كانت تعبر البحر من الغرب إلى الشرق وبالعكس ، ولذلك ليس من المستبعد أن تكون مناة وذو الخصلة وسعدا – وكلها صخور منقوشة وجدت قريبا من البحر الأحمر-أصلها نوبياسرقت للزينة فى الأصل ، وذلك لأنَ العرب القدامى كانوا على اتصال دائم بمن حولهممن شعوب العالم القديم ، وكان لهذا الاتصال سبل عديدة كالتجارة ، وهجرة القبائل وإقامتها في أرض متاخمة للفرس والرومان وأفريقيا. وكذلك كان للبعثات التبشيرية اليهودية والمسيحية التي تغلغلت في جزيرة العرب - كما فى قصة أبرهة الحبشى المسيحى- أثر واضح على خريطة الدين فى جزيرة العرب ، وفى جنوب السودان نجد إسم "منوت" معروف وهو واحد من أسماء "مناة" ويحمل هذا الإسم لاعب السلة المعروف الراحل منوت بول .
وعلى كل ، لما فتحت مكة أرسل رسول الله )ص(علياً بن أبي طالب إلى بيت مناة على ساحل البحر فهدمه وأخذ ما فيه من الحلي والهدايا وكان من جملة ما أخذ سيفين كانا لملك من بنى غسان إسمه الحارث بن أبي شمركان قد أهداهما لذلك الصنم ، ولما رجع على بن أبى طالب إلى النبي )ص(بالأمانة أهداه النبي أحد السيفين ويقال إن ذو الفقار هو ذلك السيف، وقيلأن عليا وجد هذين السيفين عند الإله "فَلْس" إله طيء ،و كانت من عادة العرب عامة أن يعلقوا على آلهتهم القلائد والسيوف الثمينة إكراما لها.
وفى الطائف عبدت ثقيف صنما يدعى اللآت ويعرف باسم " الربة " أيضا وهى صخرة بيضاء كان موضعها فى موضع منارة جامع الطائف الحالى،واللآت إسم مؤنثأصلهاللغوي من لوى يلوى بمعنى طاف أو لتَ يلت بمعنى عجن وقد كان يلت عندها السمن بالعجين للحجيج،و فى هذا المعنى روي الإمام البخاري في صحيحه: عن ابن عباس رضيالله عنهما، في قوله: {اللات والعزى}: " كان اللات رجلا يلت سويق الحاج" ، يعني يعجن العجين للحجاج ليطعمهم أحسانا وكرما منه فلما ماتعظموه وعكفوا على قبره وقالوا هو "اللات" أى العاجن ثم جعلت صخرة قبره بعد مرور الزمن إلهًا. وقال بعض المستشرقين أن اللآت هى كوكب الزهرة وهى إلهة الخصوبة عند من عبدوها.و قال آخرون كانت اللات نيزكا هوى إلى الأرض. وعلى كل فاللات هو اختصار "الالاهت" كما اختصروا الاسم الكريم الإله فقالوا الله ، وبقيت اللآت تُعظم حتى أسلمت ثقيف وكان لها بيتا مشيدا في الطائف تسيرالعرب إليه ويضاهي به أهل الطائف الكعبة المشرفة ، وكانوا يسمونه "بيت الربة" له كساء فخم وحَجَبَة يخدمونه.وكان للات بالإضافة للبيت واديا يدعونه "حَرَم الربة " لايُقطع شجره ولا يقتل حيوانه ومن دخله فهو آمن ، ولعل هذا يفسر لنا عداء أهل الطائف الشديد لرسول الله )ص( ولدعوته فى بدايتها، وبعد فتح مكة بعث الرسول )ص( الصحابى المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار وهذا يدل على أنها ليست بكوكب إلا أن يقول قائل إن الذى هدم وحرق هو البيت الذى كانت تعبد فيه الزهرة.
فكانت تلك الأصنام الثلاثة هى الآلهة الكبرى فى وسط جزيرة العرب وكانت تحج إليها العرب كل عام وكان لهذه الأصنام سدنة يخدمونها فى وقت حج الناس إليها وطوافهم بها ونحرهم لها. وكان مع وجود هذه الأصنام الكبيرةأصنامأخرى كثيرة لكل قبيلةصنمها الخاص بها ، فعبدت قبيلة كلب بن مرة ومعها قبيلة بنى عامر صنما على شكل رجل ضخم يحمل سيفا وقوسا ورمحا ينظر إلى السماء فى هيئة الأصنام الرومانية يدعى "ودا" بمنطقة دومة الجندل بوادى القرى وهذه صورة يمكن القول معها أن ودا كانإله للحرب. ولكن المعنى اللغوى يدل على أن"ود"كان إله محبة لدى العرب ويظهر من اسمهمعنى المودة والمحبة، وله أسامٍ أخرى مثل "كهل" و "أدد" و "أَدّ" ، وفى اللغة: أَدّ الرجل أي حنّ إلىالشيئ.
وعبدت قبيلة هذيل سواعا وهو صنم على شكل إمرأةجميلة عظيمة وهى من من أقدم آلهة الجزيرة العربي ويقال أن جذور عبادتها تمتد إلى قومنوح عليه السلام. والسواع فى اللغة هو "المذى" وجاء فى الحديث النبوى أن : " في السُّوَعاءِ الوُضوءُ ". وفى نظرى أن هذا الإسم قريب من إسم "اليسوع" الذى يطلقه النصارى على المسيح عيسى بن مريم ولا يمكن أن يكون إسم المسيح أو حتى إسم أى إله معبود بهذا المعنى.والجدير بالذكر أن العرب لم تسم أحدا "بعبد سواع" ، ولهذا يمكن أن يقول قائل بأن عبادة سواع لم تكن منتشرة إنتشارا كبيرا بين العرب. وفى سواع قال أحد الصحابة قبل إسلامه بعد أن رأى ثعلبا يبول عليه:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسه *** لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب
كانت بداية عبادة العرب لسواع أن عمرو بن لحيّنبش عن تمثالها في ساحل جدة فوجد تمثالها مع أصنام أخرى يقال هى ود ويعوق ويغوث ونسروغيرها من الأصنام، فأخذها ووزعها بين بعض قبائل العرب ليعبدوها فكانت سواع من نصيب قبيلة هذيلالتي خصتها بالعبادة وبنت لها معبدا بموضع يقال له "رهاط" من أرض ينبع.
وعبدت قبائل همدان ومراد من قبائل اليمن صنما فى شكل فرس مصنوع من الصفر والرصاص إسمه يعوق مشتق إسمه من الإعاقة إذ كانوا يعتقدون فيه إعاقة الأعداء وهو أيضا من الأصنام التى وجدت عبى ساحل البحر الأحمر بالقرب من جدة. ، وعبدت قبيلة مذحج وجرش من قبائل اليمن صنما على شكل أسد يدعى يغوث وهو مشتق من الغوث ، ويقال هو أحد الأصنام الخمسة التى وجدها عمرو بنلحيّ مدفونة تحت الرمال في ساحل البحر الأحمر بالقرب من جدة.
وعبد قوم ذى الكلاع من عرب حمير باليمن أيضا صنما فى شكل نسر عرف بنسرا، كما عبد بنو ملكان من كنانة وجهينة على ساحل البحر الأحمر بجدةوثنا يدعى سعدا وهى صخرة كانت تذبح عندها الذبائح ويتبرك بها. وكذلك من اشهر الأصنام اساف و نائله وكانا فى جبليى الصفا و المروة. وكانت قبائل دوسوبجيلة وخثعم وأزد السراة وبنو الحارث بن كعب وجرهم وزبيد والغوث بن مر وبنو هلال يعبدون وثنا إسمه ذو الخلصة، وهى صخرة بيضاء منقوشة بنى حولها بيتا سمى بالكعبة اليمانية تقع جنوب مكة فى منطقة تبالة فى طريق اليمن حيث تسكن قبائل خثعم ، وبعد الفتح بعث إليها رسول الله )ص( الصحابى الجليل جرير بن عبد الله البجلى فهدمها وقيل أتخذت هذه الصخرة المعبودة عتبة لمسجد تبالة!!وعبدت قبيلة طى صنما إسمه "الفلس" وكان الفلس على شكل إنسان له أنف أحمر وهدمة الإمام على بن أبى طالب بأمر من الرسول )ص( بعد فتح مكة. وعبدت قبيلة دوس باليمن صنما خشبيا إسمه ذو الكفين ، وأرسل رسول الله)ص(إليه الصحابى الطفيل بن عمرو الدوسي ليهدمه ويحرقه ففعل وهو ينشد :
يا ذا الكفين لست من عُبَّادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوتُ النار في فؤادكا
وفى مشارف الشام عبدت قبائل قضاهة ولخم وجذام وعامله وغطفان صنما إسمه " الأقيصر" وفيه قال شاعرهم:
فإننى والذى نغم الآنام له*** حول الأقيصرتسبيح وتهليل
وكان لقبيلة خولان صنم يقال له "عم يانس" أو " عم أنس"، يجعلون له من أنعامهم وحرثهم نصيبا ويجعلون لله تعالى النصيب الآخر بزعمهم ، وفيهم نزل قوله تعالى : "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرثوالأنعام نصيبا ، فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلىالله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ، ساء ما يحكمون")الأنعام 136(.
ولا يفوتنا أن نذكر أن العرب قد تسمت بأسماء تلك الآلهة تيمنا وتبركا بها فكان بينهم عبد العزى، وعبد مناة ، وزيد مناة ، وعبد اللات، وتيم اللات ، وعبد ود، وعبد يغوث.و مع عبادة الأصنام والأوثان الحجرية والتسمى بها ، عبد بعض العرب الكواكب والنجومأيضا ، فعبدت قبيلة خزاعة ومعها حمير نجم الشعرى اليمانى)سيروسSirius)( وهو كوكب متوهج يتبع الجوزاء ويرى قبل شروق الشمسوقد طمس الصبح أنوار كل الكواكب ولعل شاعرنا محمود النسر كان يقصده فى قصيدته التى عنوانها "صه يا كنار" عندما قال:
وكويكب يعصى الصباح بضؤه المتمرد
وبالإضافة لذلك إن الشعرى هى النجم الوحيد الذى يقطع السماء عرضا، وهى من أجمل وألمع النجوم وأقربها إلى الأرض ، ويخرجنجم الشعرى فى عصرنا هذا فى وقت الشتاء بينما كان يخرج قديما فى الصيف متبوعا بأمطار غزيرة ، فلاحظ الفراعنة أن فيضان النيل يبدأ عندما تخرج الشمس من جهة موقع الشعرى،ولذلك كان نجم الشعرى مقدسا عندهم لارتباطه بفيضان النيل.ويقول علماء الفلك أن كوكب الشعرى أكبر من الشمس بعشرة مرات ، والشمس أكبر من الأرض مليون مرة ،فإذن كوكب الشعرى أكبر من الأرض بعشرة مليون مرة!!وتبلغ درجة حرارة الشعرى120 الف درجة بينما تبلغ درجة حرارة الشمس 6500 درجة فقط وهذا يعنى أن الشمس لو إقتربت من الشعرى لذابت كما تذوب قطعة الثلج فى الماء الساخن.والجدير بالذكر أن لا أحد من المفسرين أو العلماء ذكر معنى لإسم "الشعرى" ، ولكنهم ذكروا أن لهذا النجم أسماء أخرى منها"المِرْزَم" و "كلب الجبار" و " يد الجوزاء" و "العبور" و "المزن". ولقد بحثت فى كل كتب التفسير فلم أجد مفسرا واحدا تصدى لمعنى كلمة "الشعرى" بالشرح ، ومن المعلوم أن العرب لا تسمى الأسماء عبطا لا معانى لها ، فاللغة العربية نفسها ليس فيها كلمات لا تعنى شيئا إلا إذا كانت أصوات لمخاطبة الحيوانات. وإذا رجعنا للسان العرب فإننا سنجد أن أهل اللغة يقولون إن شِعْرَى،على وزن ذكْرَى وهى من أصل الكلمة " شَعَرَ" وفى أصلها ومعانيها وإشتقاقاتها قال صاحب لسان العرب :
شَعَرَ به وشَعُرَ يَشْعُر شِعْراً وشَعْراً وشِعْرَةً ومَشْعُورَةً وشُعُوراً وشُعُورَةً وشِعْرَى ومَشْعُوراءَ ، تعنى : عَلِمَ.
وقال صاحب القاموس المحيط :
شَعَرَ به، كنَصَرَ وكَرُمَ، شِعْراً وشَعْراً وشَـعْرَةً، وشِعْرَى وشُعْرَى وشُعُوراً وشُعُورَةً ومَشْعوراً ومَشْعورَةً ومَشْعوراءَ: عَلِمَ به، وفَطِنَ له، وعَقَلَه.
وشِعارُ القوم: علامتهم في السفر.
وأَشْعَرَ القومُ في سفرهم: جعلوا لأَنفسهم شِعاراً.
وأشْعَرَه الأَمْرَ : أعْلَمَه الأمر
والشِّعْرَةُ، بالكسر: شَعَرُ العانةِ تحت السرة ، وسميت بذلك لأنها علامة من علامات البلوغ
وشِعائرُ الحَج: مَناسِكُهُ وعَلاَماتُه و مَعالِمُه التي نَدَبَ اللّهُ إِليها، وأمَرَ بالقيامِ بِها.
والمَشْعَرُ الحَرامُ بمُزْدَلِفَةِ، علامة من علامات الحج.
وشِعارُ القوم في الحرب: عَلامَتُهُمْ ليعرِف َبعضُهم بعضاً.
والمَشاعِرُ: الحواسُّ التى بها يعلم الإنسان الأشياء وسمِّي الشاعر شاعِراً لفِطْنته وإحساسه وعلمه بصياغة الكلام الموزون
و من كل هذه الأمثلة والأدلة نستنتج أن كلمة "شعرى" التى سمي بها ذلك النجم العملاق إنما تعنى العلامة ، وبالفعل قد كان خروج ذلك النجم العملاق علامة للعرب عن قرب هطول الأمطار فقالوا قولتهم المشهورة : " إذا طلع المرزم - وهو الشعرى – يملأ المحزم "وأيضا قد استرشدوا به في رحلاتهم،وعرفوا به الفصول فقال شاعرهم:
مضى أيلول وارتفع الحرور ***وأخبت نارها الشعري العبور
وبالنسبة للفراعنة كان خروج الشعرى قبيل شروق الشمس من نفس الجهة التى تشرق منها الشمس علامة لقرب الفيضانات لمنطقتهم. فإذا كلمة "الشعرى" تعنى العلامة ، وبهذا الإجتهاد أرجو أن أكون قد أتيت بما لم تأتى به الأوائل فى هذا الخصوص !!!
ومن الكواكب والنجوم التى عبدت أيضا بجانب نجم الشعرى نجد الثريا والدبران والشمس والقمر، و قد ذكر القرآن تلك الحقائق التاريخية ونهى العرب عن عبادة تلك الكواكب قائلا : "لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ......." وقال لهم يذكرهم بأن الله : هُوَرَبُّ الشِّعْرى . والحمد لله الذى بعث محمدا بالتوحيد رحمة للعالمين فأخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة ومن الشك إلى اليقين ومن الفرقة إلى الوحدة فجزاه الله عنا خير ما يجزى به نبى أو أحدا من خلقه ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الحمد وهو على كل شئ قدير القائل فى محكم تنزيله : " وَ قَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَ لَا سُوَاعاً وَ لَا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ۖ وَ لَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّاضَلَالاً (24( "