أطولُ ذاكِرَةٍ : الروايةُ الفائزةُ بجائزة وتبريد وديفيد هايام للأعمال الروائيّة الأولى

 


 

 

أطولُ ذاكِرَةٍ
[الروايةُ الفائزةُ بجائزة وتبريد وديفيد هايام للأعمال الروائيّة الأولى]
(في الأصل الإنجليزيّ: The Longest Memory).
فِريد داقْوَيَار
Fred D`Aguir
ترجمة إبراهيم جعفر
صدرت الرواية عن دار نشر فينتيج في العام 1995م
"صورة الغلاف الأصليّ من أعمال الفنّانة هارييت ف. س. ثو رن"
عن المؤلف:-
نشأ فريد داقْويار في غيانا. له ثلاثة كتب شعريّة هي ماما النّقطة، قاعةٌ ذاتُ هواء و رعايا بريطانيّين، ثم مسرحيّة واحدة هي رجل طيران جامايكي يتنبأ بموتِهِ. حازت أطولُ ذاكرةٍ على جائزتي وتبريد وديفيد هايام للأعمال الروائيّة الأولى. يعيش فريد داقويار، حاليّاً، في لندن.
أعمال أخرى للمؤلّف:-
• شعر:-
ماما النّقطة
صالةٌ ذاتُ هواء
رعايا بريطانيّون
• مسرحيّة:-
رجل طيران جامايكي يتنبّأ بموتِهِ.
• رواية:-
أطولُ ذاكرةٍ.
الإهداء:-
إلى:- ديبي.

"قد قطنتُ في مطبخِ الأسى ولعقْتُ كُلّ القِدُور".
زورا نيل هيرستون.
"إن لم تصيروا، منذُ الآن، على بصيرةٍ من كلّ لاجئٍ يُحاولُ أن يُزيّفَ أطلانطس، فكيفَ إذاً ستتعرّفُونَ على الحقيقيِّ منهم؟"
و.هـ. أودن.

المُحتَوَيَات

تذكّر.
1. وايتجابيل.
2. السيّد وايتجابيل.
3. ساندرز الأب.
4. الطّبّاخة.
5. جابيل.
6. مُلاكُ المُستعمرات الزّراعيّة.
7. ليديا.
8. الطّبّاخة.
9. ليديا.
10. ليديا.
11. الفيْرْجِيْنْيَنْ.
12. إبنة الحفيد.
13. ساندرز الإبن.
14. نَسَيَان.

هذه التّرجمةُ مُهداةٌ إلى أفريقيّتِي؛ إلى جَذْرِي، عسى المعاناةُ-العبوديَّةُ، العريقةُ والحاليّةُ، تُثْمِر عنها- بفعل التّجذُرِ الجّديدِ لوعيٍ وهمِّ أهلٍ وأصدقاءٍ أحرارَ الرّوحِ والوجدِ في تُربةِ بلديَ (السّودانَ) وقارّتِي تلكَ- فاكهةً عميمةْ.

إبراهيم جعفرْ [خريف 2004].

2
السيّد وايتجابيل

أنا أتركُ المستعمرة الزّراعيّة لمدّةِ ليلةٍ واحدةٍ ويوم، ليلةٍ واحدةٍ ويوم، وهذا كلّ شيء، ثم أعودُ إلى فوضى حقيقيّة؟! أيّها الملاحظ، من المفترضِ أن تُشرفَ على الأشياءْ. أيّها النّائبُ، إنّ أجركَ مدفوعٌ كي تعمل لي وتفعل ما أقول في مستعمرتي الزراعيّة. ويا وايجابيل، قد تكونُ أنتَ الرّجلُ الأكبرَ سنّاً في هذه المستعمرة الزراعية، لكنّك تعدّيتُ الحدَّ في أفاعيلك الأخيرة. إنّ ابنَكَ- الذي أدعو الله أن يريحَ روحه المتوفزة- قد جلب نكبةً على رأسي. إنّه- الآنَ- ميّتٌ بفعلِ تدبيرهِ الخاصْ. أشكرُ الله على أنّ زوجتي وابنتي مل كانتا حاضرتينَ لتشهدانَ الخُذلان. فعلُهُ كان تمرداً من أشنع الانواع. وإن كان قد خرجَ حيّاً من هذه المستعمرة كان لابدّ أن يُنْهَى. أنتَ نفسكَ قد قلتُ إنّ عبداً ما ذاقَ طعم الحريّة سوف لا يستطيعُ أبداً أن يكونَ عبداً حقيقيّاً من بعدِ ذلكْ. أنتَ، يا وايتجابيل، قد اتّفقتَ معي على احتواءِ روحِ ابنِكَ الفوضويّةْ. لقد اتفقنا، في ذاتِ حجرةِ المعيشةِ هذه، على حمايته من نفسه عبر إخلاءِ عقلِهِ من خواطرهِ الغبيّةِ حول الحريّةْ. يا وايتجابيل، إنّكَ قد فشلتَ في ذلكْ. أنا وثقْتُ بكَ وأنتَ خيّبتني.

خبّرني ماذا افعلُ بمستعمرة زراعية من العبيد المتذمرين؟ لئن سألتني هذا السؤال لأجبتُكَ بأنني سأبيعُ آخرَ رجلٍ، امرأةٍ وطفلٍ فيها. تلكم هي نيتي:- أن أُوزِّعُكُمْ على الأركانِ الأربعةِ لهذه الولايات وأرى كيف ستتصرفون. يُعْلِمُنِي معارفي بأنني متساهلٌ جداً. هم يُخبّرُونني بأنني أُسمّنُ عبيدي كثيراً جداً بوجباتٍ كبيرةٍ ومَضَارِبِ مأوى محترمةٍ ولا أدعهُم يعملونَ إلا قليلا. غيرَ أنّي أحاجَّهُمْ في ما يرونَ وأقُولُ لهم لا، ليس الأمرُ كذلك، فالعبدُ الراضي هو عبدٌ سعيدٌ وعاملٌ أكثرَ إنتاجا- عاملهُم- أيّها السيّدِ- كأندادٍ وسيستجيبونَ لكَ بنُبلٍ. لكن انظُرْ إلى ما أُجنيهِ الآنَ، يا وايتجابيل؟ تطميناتٌ منكَ وهذه الإهانة من ابنِكْ.

دعنا الآنَ، يا وايتجابيل، فنحنُ لدينا أمورٌ كثيرةٌ للنقاشِ، ثمّ دعني أسمعُ منكَ أنّكَ قد فعلتَ كلَّ شيءٍ في مقدرتِكَ للتأثيرِ على رفاقكَ حتّى "يتلاءموا" وشؤون هذه المستعمرةْ. إنّ موتَ ابنِكَ هو أمرٌ يدعو لأسفنا نحنُ جميعاً لكنّهُ، في رأينا، قد جلبَ ذلك إلى نفسهِ. لكأنّهُ، وهو على حاله تلك، قد سلب حياته عنهُ بذاتِ يديهِ. كان ينبغي عليكَ أن تُنقِذَهُ من نفسهِ، يا وايتجابيل. إنّكَ كنتَ راعيهِ. دعْنا. ثم تذكّرْ، إن لم تكن هناكَ مراعاةٌ لكبرِ سنّكَ لكانتْ قد وُجّهَتْ ضدّكَ تُهَمٌ بالعصيانِ بسببِ سلوكك تجاه السيّد ساندرز. إنّكَ مدينٌ لهُ باعتذارْ. دُونكْ البابُ الآن. اغْلِقْهُ وراءكَ مثلُ رجلٍ طيّبٍ.

ليس عليَّ أن أُراقبَ وايجابيل، إنّما أنتما الإثنينْ. أنا أدفعُ لكما مالاً جزيلاً في كلّ شهرٍ، لكنّه لا يبدو كافياً أن يُرضي نائبا. أينَ كنتَ ليلةَ الأمسِ؟ إنّ عادةَ اختفائكَ من المستعمرةِ بالانتظامِ الذي قالتْهُ التقاريرُ لي عنكَ قد تُكلّفُكَ وظيفَتَكَ. اجعلْ المستعمرةَ حسنةَ الأداءْ- فاعلةً تماماً. وأنتَ، أيّها الملاحظ، يا يدي اليمنى. إنّكَ عينيَّ وأُذنيَّ وفمي آن ما أكونُ غائبا. ألا لا تُفكّرُ... بأنني أصيحُ عالياً من الغضبِ والخيبةْ؟ ثورتي لن تُودي إلى الانتقامْ. ينبغي أن تفهمَ ذلكْ. أرى، من سلوككَ، أنّ محاجّاتِ معارفي بأنّ العبيدَ ينبغي لهم دوماً أن يُجاهَرُوا بيدٍ نائيةٍ وشَتْرَاءٍ تبدو غالبةً على شؤونِ مستعمرتي أكثرَ من رأيي الخاصْ- ذلك الرأي الذي يُستَمْسَكُ بهِ بثمنٍ مُعتَبرٍ، والذي هو رأيٌ، قد أضيفُ، اعتنقه أبي وأبوك. ذلكم الرأي يقولُ إنّ قسمةَ العبدِ شقيّةً بما فيهِ الكفايةِ وليستْ في حاجةٍ لأن تُعقّدَ أكثرَ بمشاقٍّ وضروبِ قساوةٍ غيرِ ضروريّةْ. إلى أيّ مدىً تظنُّ أنّ ذاكَ المدخلَ، إلى سياسةِ العبيدِ، قد يفلحْ؟ أولئكَ المعارفُ- أنا لا أدعوهُمْ أصدقاء بسببِ عينِ هذه الحقيقة- يديرونَ عقاراتَ جائشةً بكلّ أشكال السلوكِ المتمردِ من قبلِ عبيدهم الجديرينَ بالرثاءْ. متى هو آخرُ زمانٍ كان لي فيهِ سببٌ لكي آمرَ بجلدٍ جهريٍّ لعبدٍ؟ فقط في أحدِ الأسابيعِ الفائتةِ قرأتُ، في الفرجينيّ، أنّ رجلاً حاولَ أن يُصيبَ تُفّاحةً كائنةً على رأسِ عبدِهِ من على مسافةِ عشرينَ ذراعاً تقريباً. لكنّ العبدَ المرتعبَ جرى بعيداً عن محلِّ هدفِ الرّجلِ فأطلقَ الرّجلُ عليهِ الرّصاصَ "جزاءً" على ذلك! هذا الاستعراضُ اللاإنسانيُّ، الذي يتقنّعُ برداءِ الانضباطِ، حدثٌ مُتوالٍ في تلك التي تُدعى مناطقُ عمليّاتٍ "مُدارةً بإحكامْ". أُخبرُكُ- أيّها الملاحظ- أنّ كلّ القرائنِ تدعمُ مُعتقَدِي في أنّ ما يفعلَهُ هؤلاء هو، على المدى البعيد، كارثةٌ. وعلى عكسِ ما تجري به حُججهم فإنّ تعاملاً خشناً كذاكَ يُنشئُ استجاباتٍ أخشنَ منهُ. إنّ الرّوحَ الإنسانيّةَ طيّعةٌ في البعضِ، لكنّ الطبيعةَ تُظهرُنا على أنّها متمرِّدةٌ في غالبِ الناسْ. قد يكونُ الأفريقيُّونَ أدنى منّا مرتبةً، لكنّهم يبدون ذاتَ الخصائصِ التي نمتلكُها، حتّى ولو كانوا، في ذلكَ، يُقلّدوننا فحسبْ. إنّ سياستهم تُمثَّلُ، على أحسنِ وجهٍ، في مدخلٍ يُعاملُهُم على أنّهم، أولاً وقبلَ كلّ شيءٍ، رعايا لله، رُغمَ أنّهم ممنوحون مَلَكَاتٍ أقلَّ، ومن ثمّ هم مناسبُونَ لتجارةِ العبيدْ. إنْ أنتَ لا تستطيعُ أن تُصالحَ مدخلي هذا واعتقادَاتَكَ ينبغي عليَّ، إذاً، أن أسألَكَ التّنحّي عن منصبِكَ كملاحظْ. وإن أنتَ على قناعةٍ بصحّةِ ما بيّنتُ- بلا إتقانٍ- خطوطهَ العريضةَ لكَ الآنَ فإنّكَ يجبُ أن تقبلَ بأنَّ وقائعَ الليلةِ الماضيةِ كُنَّ على الضّدِّ منهُ، ومن ثمّ مُصيِّرَنَّكَ على خطأ. غرامتي، إذاً، مُنصِفَةٌ. ثمةُ عملِ إصلاحٍ صعبٍ وكثيرٍ ينبغي لهُ أن يُفْعَلَ حتّى نظفرُ، مرّةً أخرى، بطاعةِ من هُم من أمثالِ وايتجابيلْ. لكنّني أستوثِقُكَ من أنّه كان يجب أن يفعلْ. أُذكِّرُكَ- الآنَ- بأنَ أباكَ، من قبلِكَ، قد فعلَ الكثيرَ المودي إلى العصيانِ المطلقِ لوايتجابيلْ. أنتَ تعلمُ إلى أيِّ واقعةٍ أنا أُشيرُ هُنا دونَ أن تُحِيْجَنِي إلى استعادةِ التفاصيلِ القميئةْ. أنتَ قد رأيتَ بنفسكَ كيفَ أنَّ سلوكَ الرّجلِ العجوزِ قد أبدى، على مدار السّنينِ الجّاريةِ منذُ موتِ أبيكَ، أنّه لا يحملُ عليكَ أيَّ سريحةٍ من ضغينةٍ بسببِ ذاكَ الفعلِ الذي ارتُكِبَ، من قبلِ أبيكَ، ضدّ زوجتِهِ. ثمةُ، ببساطةٍ، تاريخٌ بيننا جميعاً أطولَ كثيراً من أن يُبرّرَ ما فعلتَهُ أنتَ اللّيلةَ الماضية- أطولَ كثيراً. فما بدأ خيطاً مُفرَدَاً قد نسجَ نفسهُ، خلالَ تواتُرِ الأجيالِ، على هيئةِ بساطٍ مُعجزٍ لا يُمكنُ لوشيجتِهِ أن تُحلَّ. ليس هنالكَ من خيرٍ في التّظاهُرِ بأنّ خيطاً واحداً من العِلّةِ والمعلولِ يُوجدُ الآنَ في حينِ أنّهُ، في الحقيقةِ الفعليّةِ، كان النّسجُ إيّاهُ، وما يزالُ، قائماً قبلنا ببداياتٍ عديدةٍ وبعدَ نهاياتٍ لا يراها العِيانْ. الحلُّ المنطقيُّ الوحيدُ للمسألةِ هو
أن يُواليَ المرءُ الانسجامَ مع هذا المركّبِ المنسوجِ ويتصرّفُ بمسؤوليّةْ. خيارُنا هو ذاكَ أو انتباذُنا النّسجَ جميعَهُ والابتداءُ مُجدّداً- على الطريقِ الأخيرةِ تكمنُ الفوضىْ.

لقد فقد وايجابيل زوجته الثانية على سبيلِ أبيكْ. أنتَ تعرفُ ذلكْ. كانتْ هي صفيَّةً ولا شَيَّةَ فيها إلى أن وضعَ هو يديهِ عليها. مع ذلكَ، بقيَ وايتجابيل معها بعدَ ميلادِ الولدْ. أيا ساندرز؟ استَقِمْ. قال أبوكَ إنّكَ قد عرفتَ كلّ ما كان هُناكَ لكي يُعرفْ. هو قد أكّدَ لأبي هاذِي الحقيقةْ. فهم أبي ذاكَ على أنه يعني أنّكَ كنتَ تامَّ الاطِّلاعِ على ما جرىْ. ربّى وايتجابيل الصبيَّ مثلَ ابنِهِ. وفي كلّ السّنينِ لم يقُلْ لهُ شيئاً عن حملِهِ المُغتَصَبْ. ظننتُ أنّكَ قد عرفتُ ذلكَ. إنّهُ كانَ سوف يكونُ كافياً كي يمنعَكَ من ضربِ أخيكَ (من أبيكَ) حتّى الموتْ. كانَ على وايتجابيلْ أن يُذكِّرَكَ بذلكْ. ينبغي أن يكونَ قد اعتقدَ بأنّكَ عليمٌ بالأمرِ لذا لم يهتمْ بإنبائكْ. في كلّ تلك السّنينِ هو قد آوى المرأة؛ لا، أكثرَ من ذلكَ، هو قد أحبّها. تركَ الانتهاكَ وراءهُ، جعلها تشعُرُ بأنّها كانت لهُ وليستْ مجرّدَ "مَخْرَيَةٍ" لأبيكْ. هي لم تحبلْ لهُ بأيِّ أطفالْ- ليس ذاكَ الابن الذي تاقَ إليهِ كلّ حياتِهِ، رُغمَ أنّهُ قد بُورِكَ بدزينةٍ من البناتْ.

إنّ وايتجابيل ما كان سيتوارى، وهو على معرفةٍ، خلفاً ويترُكُكَ تسوطُ أخاكَ حتّى الموتْ. إنّهُ ما كانَ سيفعَلُ ذلكْ. كما قد تُقَدّرُ، ما كانَ لأحدٍ أن يتحدّثَ عن الأمرْ. لذا، بتوالِي الزّمَانِ، غطسَ الأمرُ في قعْرِ واعياتِ النّاسْ. إنّ أبي قد مات، أبوكَ كذلك وزوجة وايتجابيل. يبدو أنّ الناس الذين كانوا معنيّينَ مباشرةً بالأمرِ واللذينَ كان ما جرى مهمّاً ومؤلماً بالنّسبةِ لهم قد ماتوا كلّهم وارتفقوا معهم شعور الخزي ما عدا وايتجابيل. لم يقل وايتجابيل شيئاً لابنِهِ. أنتَ قد رأيتَ كيف أنّهما قد كانا معاً. كان من المفترضِ فيكَ أن تعرفَ ما جرىْ. أنتَ قد تصرّفْتَ- في السّابقِ- وكأنّكَ كنتُ عليماً بذلك:- مُوقّراً لوايتجابيل ومتسامحاً مع ابنِهِ النّزِق الرّوحْ. إنّ أوامري إليكَ بأن تُبقِيْهِ دونَ عقابٍ، حتّى أوانَ عودتِي، قد أُصدِرَتْ على ضُوءِ تلكَ الظّروف الاستثنائيّةْ.

إن لم تكن هنالكَ اعتباراتٌ كتلكَ لكُنتُ، كالعادةِ، تركتُكَ تُديرُ المستعمرةَ تبسِطُ سيادتَكَ على قَدَرِ آبقٍ. ليس ذلك الصبيُّ آبقاً عاديّاً. ظننتُ أنّكَ عرفتُ ذلكْ. كان من المفترضِ لأبيكَ أن يُخطِرَكَ بذلكَ وما كان لأحدٍ، من بعدِ ذلكَ، أن يُثيرَ المسألةَ أبداً. إنّ هذا الاختلاطَ كلّهُ لا يُستطاعُ لهُ أن يُنهَى الآنَ على ذاتِ النّحوِ الذي كان مُستَطاعَاً لهُ أن يُجْعَلَ "بسيطاً" كما كان قد يكونُ عندَ مُبْتَدَئِهِ. إنّ فعلَ أبيكَ وفعلَ آخرينَ لا يُحصونَ من قبلِهِ، ومنذُ ذاكَ الزّمانِ، قد أكّدَ ذلكْ. وعمرُ وايتجابيل الطّويل وذاكرتُهُ الحيّةُ يؤكِّدَانَهُ كذلكْ. وضميرانا، بحقِّ اللهِ، يؤكّدانَهُ أيضاً. ينبغي لنا ألا نسمحَ لِهَذِى التّجارةِ أن بأن تُحوّلَنا إلى متوحّشينْ. نحنُ مسيحيّون. إنّ اللهَ لحريٌّ بأن يُهدينا على سبيلِ معاملاتنا مع العبيدِ كما هو هادٍ لنا في كلِّ شيءٍ آخرْ. كُنْ معي في صلاةٍ صغيرةٍ. دعنا نسألُ اللهَ مشورةً وقُدْرَةً. نحنُ سوفَ نُصلّي ونؤوبُ إلى شؤوننا وبركةُ اللهِ على سبيلِنا.

3

ساندرز الكبير

12يناير 6179 :-
زوجتي، اليُبارِكُ اللهُ روحها، بدتْ لي في حُلُمٍ وأقرّتْ، على هيئةٍ لازمةٍ، بأنني قد حُزْتُ على إذنها بأن أتزوّجَ امرأةً أخرى. ليستْ هنالكَ أخرى. ليستْ هنالكَ امرأةٌ تمشي على هذه البسيطةِ نبيلةً بما يُكفي لأن تحلَّ مكانَها. أنا سئمٌ من توجيهِ الاوامرِ إلى عبيدٍ متذمّرينْ. أنا ضجرٌ بدونِ زوجتي. إبني كنزٌ، لكنّهُ ليس كافياً.
20 يناير:-
سألني إبني كيف ماتت أمه. هل هذا هو الوقتُ لكي يعرف؟ عرّفتهُ بأنّ ذكراها كانت مقدسةً جداً لي بحيثُ لا أستطيعُ أن أتحدّثَ عن كيفيّةِ موتِها. من وجههِ المُعوَجِّ بدا مُشوّش الخاطر أكثرَ من أيِّ شيءٍ آخرٍ... ذلكم متروكٌ ليومٍ آخرٍ ما.
1 فبراير:-
من ذا الذي يهتمُّ بوحدتي خلال الخمسِ سنينٍ الأخيرة؟ لا أحدْ. حسناً، الله. ليس ذلك كافياً. إبني تجربتُهُ محدودةٌ. إنّ لديهِ طريقةٌ في النّظرِ إلى أعلى، مِن مِن حيثُ صحنِ طعامِهِ، والإمساكُ، خاطفاً، بنظرةِ أمّهِ. كان اليومُ بارداً إلى حدٍّ لا يُقاس والعبيدُ ملآنينَ بحيلٍ للتّملّصِ من واجباتهم. إن لم يكُنْ هناكَ بردٌ لكنتُ قد بسطتُ ذراعيَّ أحياناً كثيرةً ورشقتُ سوطي، بعُنفٍ، على ظهورِ سيقانهم الكَسْلَى. لربّما أفلحَ ذلك في تدفئتي، ولو يسيراً.
9 فبراير:-
أنشأ وايتجابيل عقدةً خلابةً من جلدٍ حينَ تُجذَبُ تنحلُّ. إنّه، بلا منازعةٍ كبيرةٍ، العاملُ الأفضلُ. كما وأنّ له الطّبعُ الأهينُ من بينَ الجّميعْ. هو يعلمُ، كذلكَ، ما معنى أن يفقدَ المرءُ زوجةً.
61 فبراير:-
اسمُ زوجتي على شفاهي. "كارولين"، قلتُ بصوتٍ أيقظني علُوُّهُ.
23 فبراير:-
تحاججتُ مع السيد وايتجابيل بخصوص معاملة عبيده. هو يظنّ أنني قاسٍ جداً معهم. كنتُ قد أصُونُ سلامي، لكنّهُ خبّرَنِي، الآنَ فقط، بأنّه لا يُريدُ إبني راكضاً في أرجاءِ منزلهِ لأن ابنتهُ كانتْ مُلهاةً بفعلهِ ذاكْ. عمرُها عامان، بحقّ الله. إنّهما يلعبانَ معاً.
1 مارس:-
سألني إبني عمّا إذا كانتْ أمّه في الفردوسْ. أجبتُهُ بـ"نعمٍ" رنّانَةً. نعم، قلتُ. ليس هنالكَ مكانٌ آخرٌ لها إن لم تستطعْ أن تكونَ معنا. إنّه متفكّرٌ.
8 مارس:-
ستُزادُ حصصُ غذاءِ العبيدْ. كما سيُمنحُونَ فسحةُ راحةٍ إضافيّةٌ في الظّهيرةْ. ذلكم أُقِرَّ إثرَ جولةٍ تفقّديّةٍ أجراها ربُّ مستعمرةِ وايتجابيل الزّراعيّة. يا للمهزلة! قال إنّهم بدوا نحيفينْ. ما الذي يُرتجى من خيرٍ من عبدٍ سمينٍ سوى لنفسهِ؟ أيّها السيّد وايتجابيل، إنّكَ مُخطئٌ، يا سيّدي.
16 مارس:-
سأل وايتجابيل عما كان إبني سوف يتّخذ ذاتَ خَطِّي في العملْ. كنتُ عازماً على ألا يفعلَ إبني ذلكَ. أظنُّ أنّ حنقي قد أجفلَ وايتجابيلْ. خطا خطوةً على الوراءِ وأبدى، في عينيهِ، بياضاً أكثرَ مما كان يُبديهِ عندما يبتسمْ. هل لي أن أُفَسّرَ ما أعني؟ لا، ليس لعبدٍ، مهما كان ظريفاً.
52 مارس:-
ماتت اثنتانُ من العبيدِ النّساءِ الأكبَرَ سنّاً. أنا لستُ سوى الملاحظ الرئيسِ هنا، بيدَ أنّني أظنّ أنّ اتخامهُما بالطّعامِ هو ما أدّى إلى ذلكْ. سوف يتعيَّنُ علينا أن نُبْدِلُهُما بفتاةٍ جديدةٍ واحدةٍ، على الأقلْ. السيّد وايتجابيل متفق معي تماماً، في هذه المرة الواحدة، على ما ارتأيتْ. يوم السّوقِ هو يوم الثلاثاء القادمْ. سأختارُ فتاةً عمرها حواليَّ خمسةَ عشرَ عاماً.
30 مارس:-
كنتُ ضامّاً كارولينَ في ذراعيَّ. ما كان هنالكَ شيءٌ يميّزُ اليقظةَ عن المنامْ. هذا ينبغي لهُ أن يتوقَّفَ. أشعرُ بأنني أسوأَ، في الصّباحِ، عمّا إذا كُنتُ قد شربتُ برميلاً من البيرةِ. برميلاً من البيرةِ. برميلاً من البيرةِ.
5 أبريل:-
أظنّ أنّ فتاتنا الجديدة هي امرأة حقيقيّة. أعني أنّها ينبغي أن تكونَ، على الأقلِّ، في الثانيةِ والعشرينَ من عمرها. مؤكّدٌ أنّها عاملةٌ مُفلِحَةٌ. قد تلاءَمتْ، على نحوٍ حسنٍ، مع بيئتها الجديدةْ. الآخرونَ يبدُونَ معجبينَ بها. هي عطوفةٌ على إبني. هو يُريدُها بذاتِ القدرِ العظيمِ الذي يُرِيْدُهَا بهِ وايتجابيلْ.
12 أبريل:-
قلتُ لإبني إننا مختلفينَ عن العبيدِ في ذكائنا وموقفنا الإنسانيِّ إزاءَ اللهْ. سألني لماذا استطاع وايتجابيل أن يُنشئَ عقدةً ما استطعتُ أنا إنشاءَها. تلك كانت هي نُكتتهُ الأولى. ليستْ سيئة. قلتُ إنّ فعلِ أشياءٍ كذاكَ ما كان مقياساً للذكاءْ. سألني، من بعدِ ذلكَ، لماذا هم "مُظلِمُو" البشرةِ ونحنُ "مُضيؤُوها". "مُضيؤُوها"، تلكَ كانت كلمتُهُ.
19 أبريل:-
طبّاختي العجوز مريضةْ. الفتاةُ الجديدةُ المُصرّةُ على أنَّ عمرَها خمسةُ عشرِ عاماً صنعتْ وجبةً أفضلَ من كلِّ شيءٍ فتَّتَتَهُ أبداً تلكَ الساحرةُ العجوزُ في قِدرٍ. ربما أحاولُ أن أُعاوضُ مَودَيلِي العجوز بهذه البنتِ-الموديلِ الجديدةْ. سأرى ماذا سيقُولُهُ السيّد وايتجابيلْ. الأمرُ قد يعني شراءَ فتاةٍ جديدةٍ للعملّ في الحقولْ. صعبٌ على المرءِ أن يلقى طبّاخينَ جيّدينْ. ينبغي عليَّ أن أكونَ حذراً وألا أُبالِغَ في توكيدِ قدراتِها كطبّاخةٍ وإلا أرادَها هو، هناكَ في منزِلِهِ.
2 مايو:-
سأل إبني، مرةً أخرى، عن كيف ماتت أمه. قلتُ لهُ إنّها قد كفّتْ عن التنفّس لأنّ اللهَ أعدَّها لعملٍ أفضلَ تقومُ به هُناكَ، في الفَردوسْ. كرّر كلمة "كيف؟" جعلتُهُ يأكلُ شيئاً. تأخّرتُ على موعدِ حصادِ القُطنْ.
9 مايّو:-
هل أنا مخطئٌ إن أنظُرَ إلى فتاةٍ من العبيدِ وأحسُّ كما يحسُّ الرّجُلُ، للمرّةِ الأولى في خمسِ سنواتٍ؟ ينبغي أن أكونَ على حالٍ بائسٍ. أنا أحتاجُ امرأةً.
2 مايو:-
أخبرتُ الفتاةَ بأنّها ستكونُ طبّاختي وتعتني بإبني. بدا عليها الرّضا كأيِّ عبدٍ أُحلَّ من عملِهِ في الحقولْ.
4 يونيو:-
أقام وايتجابيل صداقةً قريبةً مع طبّاختِي. الكلبُ العجُوزْ. اثنا عشرَ بنتاً لاسمهِ. ليس مستغرباً، إلا قليلاً، لماذا ماتت زوجتُهُ المسكينةْ. اغفِرِي لي يا كارولينْ، لكنّ ذاكَ صحيحٌ. على الرّجُلِ أن يحتفِظَ بـسراويلِه عليهِ.
6 يوليو:-
الأسابيعُ الأخيرةُ كانتْ أياماً طويلةً تفتقِرُ، إلا لُماماً، إلى وقتٍ لكي يأكلَ المرءُ فيهِ، يغتسلُ وينامْ. إبني في أمانِ اليدينِ الطيّبتينِ لتلكَ الطّبّاخةْ. يجب على وايتجابيل، بالتأكيدِ، أن يراها كابنةٍ أخرى لهُ. إنّهُ عطوفْ- أفضلَ ذُخْرٍ للمستعمرةِ الزّراعيّةْ.
22 يوليو:-
اليومُ هو يومَ عيدِ ميلادِ إبني. إنّهُ في السّادسةْ. ذاتَ اليومِ هو ذكرى رحيلِ كارولينْ. أدعُو اللهَ أن يُريحَ رُوحَها. مُتنرفزَاً كنتُ طوالَ اليومْ. خبزتْ الطّبّاخةْ. كان المنزلُ كلُّهُ متعطّراً برائحةِ الخبيزِ، طِوالَ المساءْ. فقط كارولينْ كانتْ تخبزُ مثلَ ذلكْ.
12 أغسطس:-
سأل وايتجابيل السيّد وايتجابيل إن يكُنْ سامحاً لهُ بالزّواجِ من الطّبّاخَةْ. اللّعنة! الآنَ سوفَ تكُونُ برفقةِ طفلٍ منهُ وستعتني بالرّضيعِ، ثمّ ما تكونُ إلا نصفَ مُفيدَةٍ في شؤونِ بيتِي. الزّنيمُ العُتُلُّ!
30 أغسطس:-
ماذا يريدُ وايتجابيل بزوجةٍ؟ اثنا عشرَ ابنةً كافياتٍ لرجلٍ واحدٍ، لرجالٍ عديدينْ. اسْتَخْدِمْ- أيّها الرّجُلُ- واحدةً منهُنَّ للتّسرِيَةِ. ذلكَ ليسَ غيرَ مسموحٍ بهِ. أُعطِيَ الإذنُ من قِبَلِ السيّد وايتجابيلْ. حُدّدَ يومُ زواجِهُما بالأحدِ الآتي ما بعدَ يومِ الرّاحةِ التّالي، فثمةُ عملٍ كثيرٍ ينتظِرُ أن يُؤدّى. سيُبارِكُ السيّدُ وايتجابيلْ الزّواجْ:- فقرةً من الإنجيلِ وابتسامةً.
5 سبتمبر:-
قال إبني إنّ الطّبّاخةَ جعلتْهُ يُبْكِي حين قالتْ إنّ أمّهُ سوفَ لا تعودُ إلى الحياةْ. أخبرْتُهُ بأنَّ هذا ليس صحيحاً بدقّةْ. هو- كما قالَ- سوف ينضمُّ، ذاتَ يومٍ، إلى أمّهِ في الفردوسْ. أخطرتُ الطّبّاخةَ بأنْ تقتصرَ على واجباتِها وتتجنّبَ إجابةَ أسئلةٍ لا تعرفُ شيئاً عنها.
9 سبتمبر:-
علّم وايتجابيل إبني كيفَ يغفُو في الهواءِ ويُطرقِعُ كَعَبَيْهِ. كان مُتَوَاثِبَاً بين الخُطَى وفاعلاً لذاتِ الشيء بانتظامٍ مُجَنِّنٍ، لذا منعتُهُ من أدائهِ في داخلِ المنزلْ. يا وايتجابيلْ، أيّها الحكيمُ، علّمْهُ كيفَ يقفُ ساكناً على رجلٍ واحدةٍ مثلُ حشرةٍ-عصىً.
61 سبتمبر:-
ينبغي عليّ أن أكفَّ عن ملاحظةِ الطّبّاخَةِ حين تعبُرُ خلال غُرفَةٍ. يجبُ أن تَكونَ مُلاحظةً لكوني أُلاحظُها. ذلكم رُغمَ أنّي ما لا حظْتُها مُلاحِظَةً إيّايَ مُلاحِظَاً لها.
23 سبتمبر:-
كانت كارولينَ في حجرةٍ ومع جمهرةٍ من النّساءْ. كنتُ الرّجُلَ الوحيدْ. كان لديَّ سبيلٌ معهُنَّ جميعاً. الطّبّاخةُ كانتْ بينهُنَّ. كانتْ عذبةً كما سائرَهُنَّ. ليلةٌ طيّبةْ.
12 أكتوبر:-
ما من بضاعةٍ جيّدةٍ في السّوقْ. ثمةُ نساءٍ كذَّبْنَ أعمارهُنَّ حتّى يُعتَبَرْنَ فَتَيَاتٍ. ليس هنالكَ فتياتٌ يُمرِّرْنَ أنفُسَهُنَّ على أنّهُنَّ نساءٌ ناضجاتْ. قال السيّد وايتجابيل، أثناءَ عودتنا راكبين، شيئاً عن بلوغِ ضجّةِ التّحريميّينَ [الدّاعون لتحريمِ تجارةِ الرّقيق- المترجم] ذُرى جديدةً. قلتُ إنّهُ في مستعمرةِ السيّد وايتجابيلْ الزّراعيّة ذلكم الدّوِيُّ كانَ بعيداً قصيّاً إن اعتبرْنَا عبيده القنُوعينْ. أحبَّ ما قُلتُهُ كثيراً وضحكَ بشدّةٍ وطويلا. كان الأمرُ فَكِهَاً، بيدَ أنّهُ ليس فَكِهَاً إلى ذاكَ الحدِّ.
19 أكتوبر:-
دعوتُ الطّبّاخةَ إلى حجرةِ نومي بذريعةٍ زائفةٍ هي أنَّ هُنالكَ كانت صحوناً مُستوجِبَةً لأن تُبْعَدْ. اندفعتْ إلى الدّاخلِ وخرجتْ قُبيلَ أن أستطيعَ أن أنهضَ عن الكُرْسيِّ. بدتْ باسمةً.
2 نوفمبر:-
سأل إبني، مرّةً أخرى، عمّا كيفَ ماتت أمّهُ. قُلتُ لهُ إنّهُ سيعرفُ كلَّ شيءٍ حينَ يبلُغُ السّابعةْ. سألني لماذا "السّابِعةْ". أجبتُهُ بأنّهُ سألَ عن "كيفيّاتٍ" و"لِمَاذَاتٍ" أكثرَ من اللازمْ. قطعاً ما كانَ ذلكَ مُقنِعَاً لهُ. قفزَ في الهواءِ وطرقعَ كعبيهِ مرّتينْ، مرّةً لـ"كيفَ" ومرّةً لـ"لماذا".
10 نوفمبر:-
قال إبني إنّه يودّ أن يكونَ ملاحظاً حينَ يكبرُ لأنّ الطّبّاخةَ قالتْ إنّ الملاحظينَ كانوا يُجازُونَ جيّداً ويُحتَرَمُونَ كثيراً. انتظرتُهُ حتّى يستقرُّ على سريرهِ واستدعيتُها إليَّ. ذكّرتُها بحديثنا المعنيِّ بتساؤُلاتِ إبني. كانتْ مستعدّةً للإجابَةْ. صفعتُها. نشجتْ مثلُ طفلٍ. ضممتُها. ربّما هي في الخامسَةِ عشرْ. دفعتُها بعيداً عنّي حين شعرتُ بحقويّ ينتفخانْ. ما استطعتُ النّومَ.
17 نوفمبر:-
سأل وايتجابيل عن كيفَ كان البحثُ عن طبّاخةٍ تحلُّ محلَّ زوجتِهِ المُرتقبةِ متقدِّمَاً. سألتُهُ إن فكّرَ في أنّهُ يستطيعُ أن يقومَ بعملٍ أفضلٍ متمثّلٍ في إيجادِ العبدَةِ المناسبةِ لموائمةِ حاجاتِ المستعمرةْ. ظلّتْ ابتسامتُهُ كما هيَ.
51 ديسمبر:-
الكرسماس على الأبوابْ. أحبّتْ كارولين هذا الزّمانَ من العامْ. ما عُدتُ أنا أُحبُّهُ.
24 ديسمبر:-
الطّبّاخةُ كانتْ حاضرةً في المكانِ لمدّةٍ أطولَ من المُعتادْ. ما استطعتُ أن أُركّزَ على أيِّ شيءٍ وقعتْ عليهِ عينايَ في الفرجينيِّ ما دمتُ كنتُ مصغياً إلى سعيها في أرجاءِ المنزلْ. بعد أن أرسلتْ إبني إلى سريرِ النّومِ انتظرْتُها حتّى تمرَّ ببابي، قبضتُ على ذراعها، غطّيتُ فمها وجررتُها إلى سريري. أخبرتُها إنْ هي أنشأتْ ضجّةً فإنّها ستكونُ، حالاً، ميّتَةً. كنتُ داخلَها وانقضى أمري قبلَ أنْ أبدأَ بدايةً فعليّةً. كان ذلكَ بعدَ زمانٍ طويلٍ. كنتُ راقداً فوقَها حينَ أعادتني نهنهاتُها إلى حواسّيَ. قُلتُ لها إنّها تستطيعُ أن تأخُذَ ما تشاءَ من دَرَجِ زوجتِي مقابلَ صمتِها. سألتْ أن يُسمحَ لها بأن تتزوّجَ وايتجابيلْ فوراً أو هي سوفَ تُخبِرُ السيّدَ ووايتجابيلْ بما جرى فيقتُلنِي وايتجابيل، أوّلاً، ثمّ يقتُلُ نفسهُ.
52 ديسمبر:-
الطّبّاخةُ قاعدةٌ في مرابِعِها. الغداءُ، عنَ المنزلِ الرّئيسِ مع السيّد وايتجابيل وعائلتِهِ، كان فخيماً. صيّرتْنِي زوجتُهُ وأطفالُهُ الثلاثةُ غيوراً على سبيلِ زوجةٍ لي وربّما طفلٍ أو طفلينِ أكثرَ. هل ينبغي عليَّ أنْ أجِدَ زوجةً؟ تساءلَ السيّد وايتجابيلْ. ضحكنا جميعاً على ذلكَ. وايتجابيل، سيقتُلُنِي؟ بالتّأكيدْ.
1 يناير:-
تزوّجَ وايتجابيل الطّبّاخَةَ اليومَ. كان ذلك عيداً كبيراً للعبيدْ. إنّ لهُ دماً في حصّةِ السيّدِ وايتجابيل من العبيدِ أكثرَ مما هنالكَ عبيدَ لا صلةَ قرابةٍ لهم ببعضهم البعضْ. ماذا إذا انقلبُوا علينا جميعاً؟
6 يناير:-
سألتْ الطّبّاخةُ أن تُعادَ إلى الحقُولْ. رفضْتُ. سألتُها إن كانتْ قد أخبرَتْ أيَّ شخصٍ بالأمرِ. قالتْ لا، حتّى ولو كان ذلكَ زوجَها. تنفّستُ الصُّعُدَاءَ، بيدَ أنّني أخفيتُ ذلكَ بقدرِ ما استطعْتُ. ذكّرتُها بأنَّ دَرَجِ زوجتِي في خدمتِها. قالتْ إنّها لن تخطُو أبداً في أحذيةِ امرأةٍ ميّتةْ.
9 يناير:-
أمسكتُ بالطبّاخَةِ وجذبتُها إلى داخلِ حجرتي. نازعتْنِي كثيراً جداً مما تسبّبَ في تمزُّقِ ثيابنا. عضّتْ يدي. كنتُ على مدى بوصةٍ من تقييدها تماماً على فكِّها. لجأتُ إلى خنقِها حتّى كادتْ، بالفعلِ، أن يُغمَى عليها. كانت كالتّمثالِ لفترةٍ ما دريتُ، حقّاً، طولها ما دمتُ ما استمتعتُ بنفسي آنذاكَ كثيراً بقدرِ ما أرحتُها بايولوجيّاً. صرختْ. وعدتُها بأنَّ ذلكَ لن يحدُثَ مرّةً أخرىْ.
10 يناير:-
أيقظَنِي وايتجابيل في الصّباحِ الباكرْ. كانتْ معهُ الطّبّاخةُ والسيّد وايتجابيل نفسهُ. عرفتُ شأنهُمْ. للحظةٍ اعتَبَرْتُ في نفيِ كلِّ شيءٍ- كلمتي ضدَّ كلمتِهِمْ. كم من كلماتِ العبيدِ تُساوي كلمةً واحدةً لرجلٍ أبيضٍ؟ لكنَّ السيّدَ وايتجابيلْ كانتْ عليهِ تلك النّظرةُ التي رأيتُها على وجهِهِ حينَ أتى ليُوبّخُنِي على ضربِ ذاكَ العبدِ الكسلانِ بالحذاءْ- ليستْ نظرةُ استطلاعٍ بل عزْمٍ. فكّرتُ مرّتينَ في شأنِ الكَذِبْ. قالَ السيّد وايتجابيل إنّهُ سوفَ يُغرِّمُنِي. قالَ إنّني ينبغي عليَّ أن أُوفّرَ عليهِ التفاصيلَ الخسيسةَ والمعاذيرَ الضّعيفةْ. قالَ إنّ شرطاً لبقائي في مستعمرتِهِ الزّراعيّةِ هو أن أعتَذِرَ، على الفورِ، للطّرفينِ المتأثّرينْ. قال "الطَّرَفَينْ". الفتاةُ شيءٌ، لكن وايتجابيلْ؟ كرّرَ السيّدُ وايتجابيلْ شَرْطَهُ. اعتذرتُ لوايتجابيلْ والطّبّاخةْ. قال السيّد وايتجابيلْ إنّ من المُتعيّنِ عليَّ أن أجِدَ لنفسي طبّاخاً آخراً- ذَكَرَاً. مضُوا عنّي بعيداً وتركوني واقفاً عند بابي. كان ينبغي عليَّ أن أُقيّدَهَا.
11 يناير:-
استدعاني السيّد وايتجابيل إلى منزِلِهِ. عندَ وصولي إلى هناكَ وجدتُ وايتجابيلْ، الطّبّاخةَ والسيّد وايتجابيلْ معاً. كانتْ الطّبّاخةُ قد كشفَتْ لهُمْ عن أنّي وهيَ قد كُنّا على علاقةٍ "حميمةٍ" في مرّةٍ واحدةٍ أخرى قبلَ آخرِ وقتٍ وعن أنّ تلكَ الواقعةَ قد سلبتْ مِنْهَا العفاف. يزعمُ وايتجابيلْ أنّهُ ما مسّها من قبلِ زواجِهُمَا. ما كان وايتجابيلْ مُبتسماً.
14 يناير:-
مُناقشاتٌ أكثرَ مع السيّدِ وايتجابيلْ ووايتجابيل بخصوصِ الطّبّاخَةْ. يبدو أنّ وايتجابيلْ يُريدُ أن يتخلّى عنها لكنّهُ أُقنِعَ، من قِبَلِ السيّد وايتجابيلْ، بأن ينتَظَرْ.
10 فبراير:-
الذي يحدُثُ لامرأةٍ كُلَّ شهرٍ لم يحدُثْ للطّبّاخةْ. آملُ في أن تتغلّبَ ثمرةُ وايتجابيل على ثمرتي. قال السيّد وايتجابيل إنّها إن تَكُنْ ذاتَ طفلٍ- إن نَفْتَرِضَ أنّ هنالكَ طفلٌ- فإنّهُ سوفَ يكونُ، في الغالبِ، إبني مادامَ الزّواجُ قد أُتِمَّ بينَ واقِعَتَي الطّبّاخَةِ معي.
17 فبراير:-
اجتماعٌ آخرٌ مع وايتجابيل، الطبّاخة والسيّد وايتجابيلْ. ضُوعِفَتْ غرامتِي بعدَ حُسبانِ حمْلِ الطّبّاخَةْ. يقولُ وايتجابيل إنّ الطّبّاخةَ هي زوجتُهُ، ومهما كان الحاصلُ سوفَ يُحبّها. جعل السيّد وايتجابيل الجّميعَ يقسمُونَ على إبقاءِ الأمرِ سرَّاً.
2 مارس:-
ماذا سأقولُ لإبني؟ ماتت أمّكَ في ظروفِ غيرِ عاديّةٍ. باركها اللهُ بمَلَكَاتٍ كثيرةٍ من بينِها الجّمالُ، المرحُ، ورأسٌ حَسُوبٌ للأرقامِ، بيدَ أنّها ما كانتْ قويّةً كثيراً. ماتتْ حينَ... لا أستطيعُ أن أفعلَ ذلكْ.
10 مارس:-
حينما يغدو رجلاً كبيراً سوفَ أُخبِرُهُ بما يحتاجُ إلى أن يعرِفَهُ.
17 مارس:-
أتخيّلُ الطَّبّاخةَ وقد انتفخَ بطنُها. ليس توائمَ، كما أرجُو. يا اللّه. دعْ الأبَ يكونُ وايتجابيل وإلا سيتعيّنُ عليَِّ أن أترُكَ هذه المستعمرةَ الزّراعيّةِ، بصرفِ النّظَرِ عن كوني على تعاقُدٍ معها أم لا. دعْ الطّفْلَ- يا اللّه- يكونُ فاحمَ البشرةِ مثلَ أمّهِ.
1 أبريل:-
هُنِّئَ وايتجابيل اليومَ على الطّفلِ المرجُوَّ القِدُومَ من قِبَلِ زائرٍ للمنزلِ الرئيسِ كانَ، لسنينِ عددا، مانحاً السيّد وايتجابيل مقاديرَ جَمّةً من المالِ في سبيلِ العبدْ. أمِلَ الرّجلُ في أن يُبَارَكَ وايتجابيلْ بطفلٍ حزيم. كانت ابتسامةُ وايتجابيل عريضةً و، كما أظُنُّ، خالصةً.
29 أبريل:-
يتعرّفُ إبني على بعضِ كلماتٍ على الصفحةْ. سوف يقرأ قريباً إن هو يختلطُ قليلاً مع ابنةِ السيّدِ وايتجايبلْ التي هي آنسة حقيقيّة صغيرةْ. إنهما يلعبانَ معاً عندَ واجهةِ المنزلِ قبلَ الأصيلْ. قد علّمتْهُ حسابَ الألعابِ وأهازيجَ طفولةٍ اتّخذتْ فيهِ محلَّ أغاني العبيدِ المعتادةِ التي يجهدُ هو في استذكارِها.
3 مايّو:-
ليس العبيدُ بقنوعينَ أبداً. وإن لم يكونُوا شاكينَ من البردِ في مرابعِهِم فإنهم سيشكونَ من الرّطوبةْ. كان عليَّ أن أرفعَ عصايَ على عديدٍ منهُمْ. كانوا سوف يكونونَ أفضلَ لو أصابهُم حذائيَ البُوتِ على مؤخّراتِهِمْ بدلاً عن لسعاتٍ على أذرعهم وسيقانِهِمْ.
12 مايّو:-
شَغَلَ الأسبُوعَ كلَّهُ الحديثُ عن الهاربْ. هو قد فرّ قُبيلَ الفجرِ منذُ ثلاثةِ أيّامٍ. أجرى السيّد وايتجابيلْ تحقيقاً، في مناسباتٍ عديدةٍ، مع وايتجابيلْ. كلّ الامتيازاتِ سُحِبَتْ من العبيدِ وما سُمِحَ لأيِّ أحدٍ منهم بالبقاءِ، عندَ حلُولِ اللّيلِ، خارجاً عن مرابعِهِ. اللّيالي كنَّ طويلاتٍ. العبيدُ كانوا مبتئسينَ وكثيرٌ منهُم لاعنينَ اليومَ الذي وُلِدَ فيهِ ذلكَ الهاربْ. وضع السيّد وايتجابيل إعلاناً في الفرجيني بهِ وصفٌ وافٍ للهاربِ ووعدٌ بجائزةٍ حقيقيّة. ذلكم قد ينفعُنِي. إنْ جاءَ العبدُ عائداً سوفَ يُعاقَبْ. ثمةُ كثيرٍ من سوءِ السّلُوكِ هذا بالمكانْ.
27 مايّو:-
ذاكَ هو يومُ عودةِ الهاربْ. تتنقّلُ الأخبارُ قائلةً إنّهُ كان مختبئاً في كُوخٍ مهجورٍ على مبعدةِ أميالٍ قليلةٍ من هنا ومُنتظِرَاً مجموعةً أخرى من الهاربينَ القاصديْنَ الشّمالَ، لكنّهم لم يبينُوا. هو فقط مضى، في آنِ عودتِهِ، من خلالِ البوّابةِ الرئيسةِ بادياً عليهِ الإعياءُ والجُّوعْ. يا للخِزْيِ إذ لم يسمحْ لأحدٍ ما بالإمساكِ بهِ على مسافةٍ أميالٍ قليلةٍ من هُنا حتّى تُعطى لهُ الجّائزةْ. جُلِدَ مائتي جلدةً. أشرفْتُ على نصفِها، ومُساعدي على بقيّتِها. كان ظهرُ العبدِ نيّئاً. كان علينا أن نُنعِشَهُ مرّتينَ كي يفيقَ من غشوةِ موتٍ. الجّميعُ كانوا حاضرينَ وبادٍ عليهُمْ فزعٌ مُناسبٌ وغيرُ مُتشجّعينَ على تقليدِهِ. أدلى السيّد وايتجابيل بحديثٍ جهُورٍ عن الرّفقِ والوفاءْ. جعلَ العبيدُ يعدُونَ بنهايةِ أيِّ محاولاتٍ ممكنةٍ للفرارِ مستقبلاً، ثمَّ صانَ لهم امتيازاتهُم مقابلَ ذلكْ. كان هنالكَ احتفالٌ امتدَّ إلى وقتٍ متأخّرٍ من اللّيلْ. ابناهُ كانا حاضريْنْ. أحدهُما كان مُشِيبَاً ومُنهَكَاً من كلِّ ما جرىْ. الآخرُ كانَ شديداً وضليعاً.
4 يونيو:-
أصابتْ العبدَ الذي ضُرِبَ بالسّوطِ حُمّى فماتَ. استفْسَرَنِي السيّد وايتجابيل عمّا إذا كانتْ جروحُهُ هي التي سبّبتْ موتَهُ. قُلتُ لا. من الواضحِ أنّ وايتجابيلْ، الذي تبدّل مؤخراً من عبدٍ إلى طبيبٍ، قد قالَ إنّها ليستْ الحُمّى، بل السّوط، هو ما قتل الهاربْ.
4 يوليو:-
يومٌ مليءٌ بالمُحرجاتْ. الطّبّاخةُ كانتْ حائمةً ببطنها الكبيرِ الفظيعْ. وايتجابيلْ ساعياً وعلى وجهه تلك النّظرات العارفة، ثم تلكَ الابتسامة اللعينةْ. ذكّرنِي إبني بأنّني سوفَ أُخبِرُهُ بما جرى لأمّهِ في عيدِ ميلادهِ القادمِ في أقلِّ من شهرٍ.
20 يوليو:-
قال السيّد وايتجابيلْ إنّه قد وجدَ امرأةً ملائمةً لي في مستعمرةٍ زراعيّةٍ كائنةٍ إلى الجّنوبِ من هُنا. قابلتُ عديمةَ الأسنانِ، العجوزَ الصَّرِمَةَ التي تزعمُ أنّها في الثلاثينِ من عُمرِها فيما ينبغي أن تكونَ في الخمسينِ حتّى اليومْ.
62 يوليو:-
واتاني كابوسٌ بأنّني قد خُطِبْتُ إلى تلكَ الشّمطاءْ منذُ الأسبُوعِ الماضي. ما استطعْتُ أن أعودَ إلى النّومْ. قرأتُ شيئاً من الكِتَابِ حتّى أُهَدّئُ روحي البئيسةْ.
1 أغسطس:-
أخبرتُ إبني بأنّهُ كبيرٌ بما يُكفي لأن يُدرِكَ أنّ أمّهُ ماتت حينَما وُلِدَ. سألني عن عمرهِ آنذاكْ. قلتُ لهُ إنّهُ كان دقائقَ وجيزةْ. صاح في كلّ آناءِ اليومْ. ما كانَ عليَّ أن أُخبِرَهُ. سامحيني يا كارولين، استَرِيحِي في سلامْ.
1 سبتمبر:-
ولدتْ الطّبّاخةُ صبيّاً مُعافىً قبلَ تمامِ شهورها. كان وايتجابيلْ أباً مزهوّاً على أرضِ المستعمرةِ الزّراعيّةْ. جاء لكي يراني. أرانيَ الولدَ ملفوفاً بقماشٍ أحضرَهُ لهُ السيّدُ والسيّدةُ وايتجابيلْ- لا شكَّ في أنّهُ قد شُرِيَ بالأموالِ المعتبرةِ المقتطعةِ من أجري. كان الطّفلُ فاحماً. ووفقاً لوايتجابيلْ فإنّهُ سيُصيرُ فاحماً جداً كما عُروتَي أذنيهِ اللتينَ هما أكثرَ اسوِداداً من سائرِ جسدِهِ. كان مماثلاً لإبني في كلّ شيءٍ سوى لونِهِ. ربما أتخيّلُ أنا ذلكْ. عندما غادرني قلتُ لهُ أن يدعُو الصبيَّ وايتجابيلْ، تيمّناً بالرجلِ الذي سيعرفهُ كأبيهِ. شرى منطقي. تألّقتْ ابتسامتُهُ مرّةً أخرى. إنّهُ يُشبِهُنَا كثيراً.
5 أكتوبر:-
استدعاني السيّد وايتجابيلْ إلى منزلِهِ. سألني لماذا ما رأيتُ أنا المرأةَ التي جدَّ هو ما جدَّ في سبيلِ إيجادِها لي. قلتُ لهُ إنَّها لم تكنْ مُباركةً بالكثيرِ من الصّفاتِ التي يهبها اللهُ لامرأةٍ. قال لي إنّ هنالكَ سيياً لاهتمامهِ بأمرها وهو أنّ الأمرَ إيّاهُ قد عنى مستقبلَ المستعمرةِ الزّراعيّةْ. واتاني بتعليماتٍ كي أُضاعفَ جهودي مع المرأةِ ما دام هو لا يستطيعُ أن يُبقِي عليَّ في المستعمرةِ لشهرٍ آخرٍ إن ما كنتُ خاطباً. سألتُهُ لماذا تلكَ العجلةْ. أجابني بأنّ وايتجابيل والطّبّاخة قد سمعا شائعاتٍ من عددٍ من العبيدِ حول الطّفلِ، الشيء الذي جعل وايتجابيل شاردَ الذّهنِ والطّبّاخَةُ قنُوطةً. رأيهُ كان هو أنني بقدرِ ما أُسرِعُ في الزّواجِ بقدرِ ما كانَ ذلكَ حسناً للجّميعِ وإلا فإنّ حالتي العازبة سوف يُساءُ تأويلها على أنّها اعتمادٌ على الطّبّاخَةِ في صنائعٍ جنسيّةٍ أخرى. قال لو أنني تركتُ مستعمرتهُ الزراعيّة الآنَ فسيُقرَؤُ ذلكَ على أنه ذنبٌ مؤكّدٌ وإنّه لا يُسمح بذلكْ. ثم استطردَ قائلاً إنّهُ على معرفةٍ بمعظمِ ملاكِ المستعمراتِ الزراعيّةِ في الولايةِ- بل وأبعدَ منها بحقولٍ- وإنّه سوف يعملُ على ألا أُخدّمَ ثانيةً أبداً في هذا الضّربِ من الأعمالِ إن أنا هجرْتُهُ.
3 نوفمبر:-
غدوتُ، مرةً أخرى، رجلاً متزوّجاً. جاء وايتجابيلْ إلى المنزلِ كي يُهَنِّأَني ويتمنّى مباركةَ اللهِ لزواجي بقلّةٍ من الأطفالِ البناتْ. جرّبتُ ابتسامتَهُ عليهِ، لكنّني شعرتُ بشفتيَّ تضطِربانْ. هل كانَ ضاحكاً عليَّ؟
30 نوفمبر:-
لمْ يُمِلْ إبني إليها. لم يُناسبْها أيٌّ من ملابسِ كارولينْ. شكراً للهِ على رحماتٍ صغيرةْ. أنا أذهبُ إلى السريرِ متأخّراً وفي ظلامٍ تامٍّ. ثمّ أنهضُ باكراً وأقذفُ بنفسي في جوفِ عملي.

4

الطّبّاخة

بعد أن وضع يديهِ عليّ أردتُ أن أموتْ. خطّطْتُ لكي أجِدَ سبيلاً إلى النّهرِ، الذي كانت ضفّتاهُ فائضتين، وأُرمي بنفسي في داخل تيّاراتِهِ القويّة. أنقذني وايتجابيل. في المرّة الثانية كان عليّ أن أُخبرَ أحداً أو أموتَ قطعاً. ما كان هنالك أحدٌ يُطلعُ على الامرِ سوى زوجي. زوجةٌ صفيَّةٌ ما عادتْ صفيّةْ. أيّ رجلٍ آخرٍ كان قد يقذفُني بعيداً. إنّه ليس رجلاً عادياً. سيّده يحترمه. أرى ذلك كلما تقابلا. إنَّ "وايتجابيلِي" قد أودى بكلبِ الصّيدِ ذاكَ- الملاحظ- إلى أن يُغرّمْ. يُغرّمْ. لقد جعلهُ يعتذرْ. ولكي يؤكّد أنّ ما جرى لن يحدث مرّةً أخرى أودى بهِ إلى أن يُزَوَّجْ. فعل "وايتجابيلِي" كلَّ ذلكْ.

أنا أُفكّرُ في أنّني، في البدءِ، صددتُهُ! ما أراد منّي هذا الرجل العجوز شيئاً سوى أن يجعلني أرملةً في الخامسةِ والعشرينْ. قلتُ ذلكَ لنفسي، ثم قلتُ لهُ لا، ابعِدْ عنّي، أنا سأُقدّمُكَ إلى أمّي إن عرفتَ أينَ كانتْ. قلتُ لهُ أيَّ شيءٍ سيّئَ الأدبِ استطعتُ أن أفكّرَ فيه. لكن بقدرِ ما قذفتُ في وجهه من إهاناتٍ حاول هو، بجُهدٍ أشقَّ، أن يكسبَني. أردتُ رجلاً شاباً، رجلاً يستطيعُ أن يجري وراءَ أطفالي ويُمسكُ بهم وليس هذا الرجل العجوز الذي لن يكونَ قادراً على حملهم عن الأرضْ. كنتُ مخطئةً. هو يستطيعُ أن يُحِبْ. كلُّ يومٍ يُبرهِنُ هو على أنّهُ يُحبُّنِي. هوَ يُعاملُ مولوديَ الأوّلَ كأنّهُ لهُ. إتّفقنا على أن نتحدّثَ أبداً، من بعدِ ذلكَ، عن موضوعِ السيّد ساندرز- أبداً. ولقد عنى ما وعدَ فلم تنزلقْ من فمهِ كلمةٌ، أو حتّى مزحةٌ خفيفيةٌ، حولَ ذاكَ الأمرْ. قد رأيتُهُ مع ذاكَ الـ"ساندرز". إنّ "وايتجابيلي" رجلاً أرزَنَ منهُ بمقدارينْ. السيّدُ عطوفٌ معي للسبب البسيط الذي هو أنّني زوجةُ وايتجابيلْ وليستْ المرأةَ التي ظُلِمَتْ. أعرفُ ذلكَ لأنّهُ ما خاطبني بشيءٍ، ولو كلمتين، قبل الزّواجْ. إنّ وايتجابيلْ هو حياتي. سأحبَلُ لهُ بأولادٍ عديدينَ- بأبناءٍ كُثُرٍ كما بناتِهِ. ليست هنالِكَ من طريقةٍ دنيويّةٍ أُجازيْهُ بها على حبِّهِ. كُلُّ كلمةٍ قالها لي، أثناء زيارتِهِ لمنزلِ السيّدِ ساندرز لكي يراني، قد ثبتَ صدقَها. وعدَ بأن يُدافِعَ عن شرفي، بأن يُحبّني، بأن يُبقينِي دوماً إلى جوارِهِ. فقط الموتُ يستطيعُ أن يُفرّقَنَا، قالَ. فهمتُ ذاكَ على أنّهُ مجرّدُ كلامٍ-عذوبَةُ لسانِ رجلٍ حين يجوعُ أو يتُوقُ إلى امرأةٍ. ما كان وايتجابيلْ كذاكْ. أنّى لعبدٍ أن يَعِدَ بأشياءٍ كتلكَ- تحدّيتُهُ. قال إنني يجبُ أن أثِقَ فيهِ. في عيني رجلٍ آخرٍ كان وضع ساندرز يديهِ عليَّ قد يُحسَبُ علامةٌ على فسادي- ليس في عيني وايتجابيلْ. قد يرى رجلٌ آخرٌ حملِي لبذرةِ ساندرز- غصباً- سبباً كافياً لهجري- ليس وايتجابيلْ. سأحبلُ لهُ بأبناءٍ عديدينْ. سيموتُ راضياً. سأتقدّمُ في العمرِ وأنا وحدي برفقةِ أبنائي، سعيدةً بأنّني التقيتُ، في الحياةِ، "وايتجابيلِي".

5

جابيلْ

أبي هو أكثرَ رجلٍ معمّرٍ في العالمْ.
أنا ابنُهُ الوحيدُ وليس ابنتُهُ الثالثة عشرْ.
أمّي ملاكٌ دونَ جناحينْ.
وإذ انْتَبَذَتْهَا النِّعْمَةُ الإلهيّةُ دَخّنَتْ الشّمسُ جِلْدَهَا.
لكنّها حُلوةٌ في أعماقها- ضُوءاً صافياً.
تشعُّ منها- رُغمَ أنّها سوداءْ- رُوحُها البيضاءْ.
إنّها يافعةٌ بما يُكفِي لكي تكونَ حفيدتَهُ.
لذا لي، والحالُ كهذا، أن أدعُوهُ جدّيَ الأكبرْ.
غسلني مع أبناءِ أحفادِهِ،
كلَّ يومٍ، عندَ الأصيلِ، ما عدا في أيّامِ الآحادِ حينَ
أشرفَ على غُسلنا، آنَ الصباحاتِ، في فناءِ الكنيسةْ.
ساقنا إلى هناكَ وآبَ بنا بعُودِ بِتَوْلا
كان يصفعهُ على رجلِ بنطلونه اليمنى
مع كلّ خطوةٍ لقدمهِ اليُسرى ونحنُ على توتُّرٍ
على طِوالِ الطَّريقِ إلى هناكَ وفي العودةِ، خاشينَ من أن نضْحَكَ
عالياً وجاهراً، نتحدّثُ كنّا في همسٍ- كنتُ أنا عِجْلَهُ.
عودُ البِتَوْلا ذاكَ- الذي كان عليَّ أن ألتقِطَهُ- ما اسْتُعْمِلَ عليَّ أبداً. أبداً.
هو قد تدلّى فوقِي مثلُ مِقْوَدٍ.
ما كانتْ لديَّ نيّةٌ في وضعِهِ حولَ عنقي.
بسلُوكٍ عرفتُ أنَّ ذاكَ العُودَ سوف يُضبِطَهُ.
أُمضِى أنا في الحديثِ عن السّوطِ لأنّني رأيتُ
الطّريقةَ التي بها غدتْ جلودُ بعضِ الأطفالِ نيّئةً من صفعِهَا
بفعلِ بعضِ الوالِدينَ وراشدينَ آخرين لا علاقةَ قرابةٍ لهم بهم
بيدَ أنّهُم رأوا أنّ من المناسبِ لهم أن يصبّوا جامَ جَلْدَاتِهِمْ
على روحٍ شابّةٍ كي يكونَ ذلك لها درساً في عهودها القادمةْ- لكي
يُعْلِمُوا العبدَ مَقَامَهُ.
جلدٌ- ذاكَ- حوّلَ وجوهَ الأطفالِ
عن البهجةِ إلى طاعةٍ حجريّةٍ- في كلّ ما حولي.
اختارَ أبي درباً آخراً، وذلكم هو دربُ العقلْ.
ينبغي لهُ أن يكونَ قد تعَلّمَ هذا من رؤيتِهِ لتعاملِ السيّدِ مع ابنِهِ:-
كيف أنّ كلَّ شيءٍ هو "إمّا"، أو "قدْ"- ليس "هذه هي الطّريقَةُ، وهذه وحدُها".
قال إنّني إن ما استطعتَ أن أرى، بالفِكْرِ،
كيفَ كانَ العالمُ وكيفَ سيكُونُ دوماً
فإنّها ستكونُ غلطةً له إن هو وفّرَ عليَّ السّوطْ.
ذلكُم أعذبَ إن واتاني منهُ ولم يُخْلَ ظهري ِ
لكي تُفْتِقَهُ ذراعُ الملاحظِ اللا حُبَّ فيها:-
قاتلةً، فاجرةً، مجرمةً وأشدَّ ثِلُوجَةً.
أحببتُ أيّامي آن ما كنتُ متعلّقاً بثوبِ أمّي.
هي قد انكبّتْ عاملةً في مطعمِ السيّدِ فيما "هذا" الحَشَرِيُّ
ملتصقاً بطرفها وما هي فاعلةً شئياً لتفكّهُ عنها
أو "تهشّهُ" بعيداً عن المنزِلْ. هي أطعمتْهُ رغيفَ سُكّرٍ
ورقِبَتْهُ يسمنُ وغنَّتْهُ أغانٍ عذبةٍ
وحين "نَقَّها" الحَشَرِيُّ، بطريقتِهِ القويَّةِ الرّأسِ، طالباً المزيدَ
أعطتْهُ المزيدَ وما كفّتْ عن أُغنيتِها إلا هُنيْهَةً.
فهِمْتُ من ذلكَ أنّهُ بسببِ الحبِّ هي فعلتْ هاتيكَ الأشياءَ
فأحببتُها بقدرِ ما يستطيعُ حَشَرِيٌّ
جاهِدٌ على سبيلِ محاكاةِ العطفِ والحبِّ الذي أُبْدِيَ لهُ.
تعلّمتُ كلَّ هذا في بيتِ سيّدي الكبيرْ.
تَدْرِيْسِيَ الآخرُ بدأ مع طفلتِهِ الصّغرىْ.
كانتْ تكبُرُنِي بثلاثِ سنواتٍ وكانتْ دوماً مالكةً
أشكالاً مربّعةً ناعمةً تنظُرُ إليها، بلا حِرَاكٍ، لساعاتٍ دونَ توقّفٍ.
دعَتْ هاتيكَ كُتُبَاً وقرأتْ لي منها عالياً بقدرِ ما لنفسِها،
إذ كانتْ مُسْتَذْكِرَةً وقائِلَةً:-
"انْظُرْ ماذا أستطيعُ أنا أن أفعلَهُ فيما أنتَ لا تستطيعُهُ"
وحين سألتُها، للمرّةِ العاشرةِ الفصيحةِ، عن سبيلِ ذلكَ وافقتْ على أن تُظْهِرَ لي
كيْفَهُ إن أنا وعدتُ ألا أُخْبِرَ نَفْسَاً واحدةً.
جعلتْنِي أصلُبُ قلبي وضغطَتْ يدي
على مربّعٍ سمّتْهُ "الإنجيلَ"، ثم قالتْ لي بأن أُقْسِمَ باللّهِ.
قالتْ إنّني ينبغي أن أكونَ قائماً حينما أُقْسِمُ
وألا أُشبكَ أصابعي أو أطرافَ قدميَّ أو أُلوي أنفي،
ثم فتحتْ الوردةَ التي دَعَتْهَا كتاباً وحرّكتْ إصبعي
فوقَ الكلماتِ إذ كانت هي مُغنِّيَةً لهُنَّ:- سمعتُ جوقةً مُرتّلَةْ.
ذاتَ يومٍ أوقفتني وقالتْ، على حينَ غرّةٍ:-
الآنَ تستطيعُ أن تقرأَ وينبغي عليكَ أنْ تتعلّمَ أن تكتُبَ أيضاً.
كانتْ يدي سرطاناً ماشياً، بميَلانٍ، على الجّنبَيْنَ ومُخلّفاً آثاراً سَرَطَانِيَّةً-
على الجَّنبينِ عبرَ الصّفحةِ.
ثم أمسكتْ بيدي فاستقامتْ اعوجاجاتُ الآثارِ
كأنّما السّرطانُ كان قد مشى، على قدمينِ، في خطٍّ واحدٍ.
سألتُها لأيِّ غايةٍ يمكنُني أن أستخدمَ القراءةَ والكتابةْ.
قالتْ إنّني عبدٌ وأنّهُ مُحرّمٌ على العبدِ
أن يعلمَ كيفَ يقرأَ ويكْتُبْ.
قلتُ لها ذلكُم إضاعةٌ عظيمةٌ لرأسٍ فهِيمْ.
ذكّرَتْنِي بأن آخُذَ عهداً عليها بألا أُكلّمَ نفساً واحدةً.
رقبتُها وشعرتُ بالغبينَةِ. حنيتُ رأسي واعتذرتُ.
هشّتْ الهواءَ لكي تنبُذَ بعيداً حسِّيَ بالعيبْ.
هي قد احتفظتْ بموقعي في الكتابِ، أشارتْ إليهِ،
بدأتُ عالياً وجليّاً، جلستْ هي متّكئَةً
على كُرسيّها وأغمضتْ رموشَ عينيها.
رقبْتُها من عَلَى أعلَىْ الكلماتِ الأولىْ.
ينبغي أن أكونَ قد ضِعْتُ في صورتها،
أو في حكايةِ عاشقينَ مصلوبينَ بالنّجُومِ،
على كُلٍّ، فشلتُ في أن أَسمعَ الخُطى وهي داخلةً
وما التفتُّ حولي إلا حينَ شعرتُ
حِضُوراً آخراً، سوى حضُورَيْنَا، في الحُجْرَةِ.
استقامتْ ليديا جالسةً- ينبغي أن تكونَ أحسّتْهُ أيضاً.
شهقنا معاً عالياً، وثبَ الكتابُ، من حضني، إلى البِلاطِ
مُناثِرَاً أوراقَهُ، ثمّ كّنّا تمثالينَ بفكّينِ مُسْقَطَيْن،
مُنتظِرَيْنَ من أبيها أن يفُكَّ أسرَ اللعنةِ بكلماتِهِ.
أمرَ ليديا بالخروجْ. جذبَ حزامهُ، أوعزَ لي بأن أنحني وصاحَ- يا لَهَلاكِي!
آن ما كان هو سائِطَاً لي تحدّثَ. لا تَدَعْنِي، أنا أكرّرُ، لا تَدَعْنِي
أضبُطُكَ أبداً وأنتَ تقرأُ ثانيةً.
إن فعلتَ ذلكَ فسوفَ تُرسلَ بعيداً، بعيداً جداً إلى حيثُ
الصّبيانُ العبيدُ يمُوتُونَ من الجّوعِ، العملِ الشاقِّ والسّوطِ.
أوَ تسمعُنِي؟ لأجلِ أبيكَ وأمّكَ أرجُوكَ أن تسمعُنِي.
الآنَ اذهبْ إلى مرابِعِكَ ولا تُخْبِرْ أحداً بهذا. أفاهمٌ أنتَ؟

نعم يا سيّدي.
إنّي آسفٌ.
شكراً لكَ
على إخلاءِ سبيلي.
أعِدُكَ
ألا أقراُ أبداً
وألا أكتُبُ ثانيةً.
شكراً لكَ.
إنّني جاحدٌ.
شقيٌّ،
يستحقُّ
أن يكونَ عبداً.

أعدُ بألا أفتحَ كتاباً أبداً أو التقطَ قَلَمَاً.
أنا أُنشئُ الكلماتِ في رأسي أو عالياً- لا أكتُبُ شيئاً.

أخبرتُ هذا للأشجارِ، للبشرِ، للنّجُومِ.
استَذْكَرَتْهُ، بخلافِي. أخبرتُها.

قالَ- الأبُ- إنّ ليديا سوف لا تراني، ثانيةً، أبداً.
نتلاقى في اللّيلِ، صِرْنَا، ظهراً لظهرٍ، دونَ قلمٍ
أو ورقٍ. نتحدّثُ من الذاكرةِ:-
الذي تذكّرَتْهُ، لأجلي، من الكُتُبِ،
الذي أنشأتُهُ، لأجلها، في رأسي،
ظهراً لظهْرٍ، في الظّلمةِ، عنْدَ هذهِ السّاعةِ.

الظّلمةُ، يؤكّدُ أبي، تُرسي إن هي دُعِيَتْ
إلى ميناءِ حياةٍ عاطلةٍ.

الظّلمةُ- أُعارِضُهُ- تُسقِطُ مَرْسَاةً
يرثُها العبيدُ من المهدِ إلى اللّحدِ؛
إنّها السفينةُ التي استقرّتْ على مشهدٍ واحدٍ.
مرساتُها صدئتْ في داخلنا- آن وقتُ سقوطها.

إنّ نظرتي تلكَ، قال أبي، قد تحوّلُ مرقدي القشّيَّ
إلى مرقدِ قَرَّاصٍ ذي أسنانٍ مِنشاريّةٍ،
ثم إنّي سوفَ يتعيّنُ عليَّ أن أرقُدَ عليهِ
وزوجتِي الظُّلمةُ إن لم أرْعَوِيْ.

إنّهُ على حقٍّ، قُلتُ، إن رأينا ما أودى به ذاكَ إليهِ.
بيد أنّني ندمتُ على تلكَ الكلماتِ في ذاتِ اللحظة التي كانت فيها واثبةً من فمي.

حاولتُ أن أُصلِحَ ما بيننا، بيد أنّهُ نحّانيَ بعيداً عنهُ
وصرخَ فيَّ، للمرّة الأولى، بأن:- "هناكَ نوعينَ العبيدِ،
يا بُنَيَّ:- الأوَّلُ يتعلّمُ من أخطاءٍ تُورثُهُ السّوطَ والقبْضَةَ،
والثّاني حينَ يُخبَرُ بالحقائقِ، يرى ما يُجدي وما لا يُجدِيْ، ثمّ يسلُكُ.

"اليومَ"، قال أبي، "أرى أنّكَ من النوع الأوّلِ من العبيدِ، لا الثّاني،
وأخافُ عليكَ يا بُنَيَّ".

مضيتُ عنهُ بعيداً وأنا أَهُزُّ رأسي إزاءَ الهُوّةِ التي بيننا:-
أبٌ هو، سجَّانٌ ونذيرُ شؤمٍ.

كان عليَّ أن أذهبَ. أخَذَتْ أمّي، مع الحُمّى،
الأسابيعَ التي أبقتني هُنَاكَ، مُمَارِضَاً إيّاها وأبي.
عملنا آنذاكَ، لكنّا ما تحدّثنا.

كنتُ قد أرفعُ الأشياءَ وهو يُغسِلُ- مُتناوِبَيْنَ عندَ الظّلمةْ.

أنا أجلُسُ عندَ سريرِها وأُهَبْهِبُهَا وأُسقِيها المشروباتَ،
ثمّ أسمعُ هذيَانَها؟ يا لهُ من تعبٍ يشقُّ معهُ عليَّ التّفكيرُ لأجل نفسي!
مجنوناً كنتُ برفقةِ الموتِ اللاهي
الذي كان متلاعبَاً بالمرأةِ التي وهبَتْنِي النَّفَسْ.

كنّا معاً وإيّاها حينما ماتتْ.
أمسكْتُ أنا برأسِها ورَقِبَ هو شفتيها.
صِحْنَا، بيدَ أننا ما أطلقْنَا صوتاً ولا أنشَأْنَا حركاتٍ
سوى كهاتيكَ التي ندعكُ بها عيوننا وننفُخُ أنفينَا.

بذهابِها ما عادَ شيءٌ قادرٌ على أن يُبقِينِي هُناكْ.
أيا أبِي، إنّي آبق،ٌ آبقٌ- أنا أشعُرُ ابتهاجاً وليس خوفاً.

khalifa618@yahoo.co.uk
////////////////////////

 

آراء