أقاشي عوضية وعرض مسرحي أمريكي في الخرطوم … بقلم: محمد الشيخ حسين

 


 

 

abusamira85@hotmail.com

 

صحفي عربي صديق قلق ينظر إلى أحوال البلاد، فينتابه التوتر. قال إنه شعر خلال إقامته في الخرطوم أن لا أحد يعادي أحدا، رغم حرب ملصقات الانتخابات التي تملأ حوائط وشوارع المدينة.

هذا الشعور المتناقض قاده إلى أن يبحث عن خرطوم أخرى، تصور أنه سيبحث كثيرا، لكن سرعان ما استقرت روحه القلقة على أمر جديد مختلف عن طبيعة مهمة تغطية الانتخابات السودانية. وكانت دهشتي بالغة حين حدثني أخر العصر هاتفيا يدعوني إلى وجبة غداء من (أقاشي الدجاج) عند عوضية في أول طريق الموردة من الناحية الغربية.

ولم يتركني لدهشتي بتوضيح أن عوضية سيدة فضلى افتتحت مطعما باسمها في الموردة يقدم طعاما سودانيا شهيا وطازجا وبسعر معقول، مقارنة بمطاعم الخرطوم الباذخة.

عند المطعم كان الزحام شديدا والمكان أنيق ويغمر بالاطمئنان، ويغري بالتأمل وكتابة الشعر، لكن صديق القلق فاجأني بأننا بعد الغداء سنتجه لحضور عرض مسرحي أمريكي في المسرح القومي الذي لن يبعد كثيرا عن موقع المطعم. 

من فرط تعودي على مقالب هذا الصديق، لم أشأ أن أجاريه في الحديث عن المسرح وهلمجرا، ولم يتركني لصمتي بتأكيد أن مهرجان أيام البقعة المسرحية يستحق الاهتمام، لأن الجهة المنظمة من واقع المطبوعات التي اطلع عليها  تملك برنامجا طويل الأمد تسخر له كل إمكاناتها.

وخلص إلى أن من حق ابن الخرطوم أن يحلم بأنها ستكون أفضل بعد عشرين عاما وأن وضع المسرح فيها سيكون أفضل.

في المسرح القومي الذي لا أذكر متى دخلته، كان الحضور أنيقا وكثيفا وفيه الكثير من وجوه الخرطوم المثقفة والملصقات تتحدث عن عرض مسرحي أمريكي لمسرحية (الحرية) لمارك جوزيف بمصاحبة العازف جاكسون اجيا لوممبا.

كان العرض الأمريكي المسرحي بمثابة عرض الافتتاح لمهرجان أيام البقعة المسرحية في دورته العاشرة. وحتى تنضم إلى ـ مثلي ـ إلى قائمة المثقفين، فإن العرض الأمريكي يستخدم فضاء المسرح دون قطع ديكور مساعدة. ويستخدم فقط الستائر ودوائر الإضاءة للمزيد من الإيضاح لمفاصل العرض.

ويدخل الكلام الحوش، حين نعلم أن مسرحية حرية تعني أن (وجودنا معلق في مرارته في حقل من السكر). 

وأهمية التنويه بهذا العرض أن الفنان مارك جوزيف يعتبر أحد صناع المسرح الأمريكي المعاصر. واشتهر بأنه فنان مجدد في وسائط العرض وكاتب مشارك في نصوص عروضه التي تتميز باللغة الشعرية والسحر.

ويمزج جوزيف في عرضه فن الرقص الحديث والمعاصر بفنون التمثيل الصامت وحسن التشخيص، حيث يقدم أكثر من شخصية في ذات العرض مع إجادته لفن (الهيب هوب) الذي يشغل العالم الآن.

أما علاقته بنا والمقصود هنا السودان، فإن جوزيف يهتم في عروضه المسرحية بالبحث في جذر الإنساني الأفريقي الأمريكي، وهنا يكمن سر المعرفة الفنية التي ينشدها المهرجان حين تتحدث وثائقه عن (استخدامات الفنون الأدائية في تعزيز السلام وبناء القدرات). وكل هذا يأتي في سياق مشروع علمي وفني بعنوان (المسرح في مناطق الصراع).

وهذا الاهتمام ينسجم مع شعار المهرجان (البقعة بوتقة السودان)، وهنا يراهن الأستاذ علي مهدي رئيس المسرح الوطني على هذا الشعار، خاصة أن المهرجان يصادف مئوية المسرح السوداني وثلاثينية المسرح الوطني وعشرية المهرجان، يدفعنا إلى القول إن (المسرح الوطني يحمل في الاسم  المعاني خلفه، وتتسع فيه الفكرة بقبول الآخر باتساع الوطن). والدفع يقدمه الأستاذ علي مهدي بإضافة أن المهرجان يحتوي على عرض مصري وآخر تشادي وعشرة عروض سودانية، وفوق كل هذا تكريم شخصية المهرجان الكائن الجميل الأستاذ محمد شريف علي.

كانت ليلة ساحرة رتبت بعفو الخاطر تضمنت مناظر وغمرتنا أريحية صاحب الفكرة وصاحب الحضور القوي الأستاذ علي مهدي نوري السيد عبد الكريم وخير تحية له ولمسرحه ومهرجانه أن نعيد عبارة الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية وراعي المهرجان (منذ انطلاقة المهرجان وعلى مدى التسعة دورات الماضية وهو يؤكد أن المؤسسات الثقافية والمدنية الوطنية تستطيع أن تحقق نجاحاتها بانفتاحها وقبولها للآخر ويظل المسرح الوطني ـ مسرح البقعة ـ واحد من أهم وسائط التنوع الثقافي والتعدد الفني).

 

 

 

آراء