ألا يجدر بالجيش السوداني “الفضل” ان يحفظ ماء وجه؟

 


 

 

ماء الوجه مصطلح اجتماعي يقصد به شرف أو مكانة الشخص، مصدره الصين لكنه متداول في معظم بقاع الأرض. وفي تقاليد المجتمعات، «حفظ ماء الوجه» يعني القيام بعمل ما لتصحيح خطأ أصاب الشخص في شرفه أو أضر بمنزلته الاجتماعية أو المهنية. لكن في الغالب يُستخدم مصطلح حفظ ماء الوجه كغشاء رقيق تُغلَّف به هزيمة طرف أمام انتصار طرف آخر.
من مرتكزات علم المنطق أنّ "البعرة تدل على البعير.. والأثر يدل على المسير، يضرب به في التيقن والتصديق، وفي إثبات وجود أو مآل أي شيء وإزالة كل شك.
بصورة ملحوظة، جنح الكثيرون من الكتاب وناشطي السوشل ميديا، إلى الواقعية، وعمدوا إلى تهيئة الرأي العام، لتقبل زوال دولة 56 الظالم أهلها، والذي تتوالى أشراط سقوطها بتوالي سقوط مقار وقيادات الجيش السوداني كركيزة وحامية لهذه الدولة وريثة دولة الاستعمار الإنجليزي ــ المصري، في أيدي قوات الدعم السريع، آخرها سقوط الكتيبة الاستراتيجية، ثم حصار سلاح المدرعات بالشجرة وسقوط مجمع اليرموك للصناعات الدفاعية مؤخرا، ولم يتبقَ للقوات المسلّحة السودانية، سوى سلاح المدفعية والمهندسين وبالإضافة إلى وادي سيدنا.
بمنطق البعرة والبعير، القائم على المادة والنظام، فالمادة هي معسكرات ومقار الجيش، والنظام هو توالي سقوطها. بهذا المنطق الفلسفي، فإن توالي وتيرة هذا السقوط، لا يعني غير شيئا واحدا، ألاّ وهو سقوط النصف المتبقي من القيادة العامة لقوات الشعب المسلّحة بمرافقها وقياداتها القابعة في "البدروم"، ما لم يتنزل جند من السماء، مزودة بطير أبابيل أو حجارة من سجّيل، توقف زحف قوات الدعم السريع من التقدم نحو عش الدبابير المظلم.
إن كانت للقيادات الحالية لقوات الشعب المسلّحة، وعلى قمة هرمها الفريق البرهان ذرة نخوة، عليهم ألاّ يسمحوا بهزيمة الجيش، وأن يمنحوه ماء الوجه، فالحروب عادةً ما تنتهي بغالب ومغلوب، أو بتسوية توصف أنّها مكسب للجميع، أو باتفاق يمنح كلّ طرف من أطرافها مسوّغاً للادّعاء بكسبها، والمؤشرات جميعها، تشير أنّ خسارة الجيش السوداني للحرب، باتت مسألة وقت، فالقائد الأحمق من ينتظر تلك اللحظة، ليسلم نفسه، مطأطئ الرأس ذليل المحيا.
ولتقبل هذا الخيار، على قيادات الجيش، ترك المكابرة، وبطر الحق والإقرار، أنّ قوات الدعم السريع، هي قوات مسلّحة نظامية ووطنية، خاضوا معها حربا وخسروها، غض النظر عن مبرراتها، وعمن أطلق الرصاصة الأولى.
ركوب الرأس والمكابرة وغمط الناس، نتائجه وخيمة وكارثية، على القيادات، وعلى القوات المسلّحة، وعلى البلاد والعباد. يجب الإقلاع على الاعتقاد المتكّلف، أن قوات الدعم السريع، قوات متمّردة، ومليشيا مرتزِقة، وليس ممكنا أن ترث القوات المسلّحة، كركيزة للدولة وسيادتها. هذا المآل سيفرضه واقع خلاصة الحرب، وهى لها منطقها، وشروطها.
التاريخ لا يستأذن أحد، عندما يقرر تغيير مساره، وكافة الإرهاصات تبشر، بزوال دولة 56 منذ فجر يوم 15 أبريل الماضي، واستشراف ملامح الدولة السودانية الحديثة، هذا الأمر الحتمي، لا يأبه بالعنتريات، ولا يلتفت، إلى الذين ظنوا، أن القوة والسلطة تدومان لأحد، وناسين أنّ دوام الحال من المحال.
جيش دولة 56 مدمن الانقلابات العسكرية، عاشق السلطة، الذي يفتح أبواب قيادته العامة لكل من يلّوح لهم بمشاركة السلطة من الأحزاب السياسية، ذلك الجيش المؤدلج، والذي زُرع وسط صفوفه أكثر من ثلاثة ألف ضابط أسلاموي ملتحي، ومهرطق، غالبيتهم العظمي من إثنيات وجهويات محددة، ذلكم الجيش الذي تمارس كليته الحربية، أبشع أنواع العنصرية العلنية والمتخفية البغيضة، هذا الجيش الذي يستولي على حوالي 83% من اقتصاديات البلد، ويتملك جنرالاته الأبراج الفارهات، ويعاني جنوده الإهمال والعوز وبدائية التسليح والتدريب، ذلكم الجيش المهترئ، والذي يعتمد على المليشيات للقتال بالإنابة عنه، جيش دولة 56 الذي لم يتوقف طيلة تأسيسه عن قتل أبناء الشعب، ويفّرط في حدود البلد، هذا الجيش، الميؤوس عن إصلاحه، لتقاطع مصالح جنرالاته الغارقين في الفساد مع مصالح النخب السياسية لدولة 56 يتداعى الآن غير مأسوف عليه.
هذا الجيش المختلّ هيكليا، والمنكسر نفسيا، والمهزوم ميدانيا، حفر لحتفه بظلفه، بتأسيس قوات الدعم السريع، ضمن سلسلة من المليشيات وشرعنتها، وتضخيمها، ثم الدخول معها في حرب بحسابات خاطئة، مرغمين من صقور الحركة الإسلامية لا أبطال، فإن كان القائمين على أمره، يملكون قرارهم، وإن كانوا هم قادة بحق، عليهم الاعتراف بالهزيمة الميدانية، كما هزمت جيوش من قلبهم، والمبادرة بالتواصل المباشر مع أخوتهم في قيادات الدعم السريع، اليوم قبل الغد، وليس لدينا أدنى شك، أنهم سيتعاملون معهم بالحسنى، لتوقيع اتفاق، يحقن دماء أبناء الشعب السوداني، ويحفظ للقوات المسلّحة السودانية ماء وجهها من الاندلاق، لتبدأ ميلاد دولة السودان الحديث، بجيش قومي ومهني، لا يقتل الشعب، ولا يفّرط في الحدود، ولا يسمح بالمليشيا، ولا يتدّخل في السياسة ولا يمارس التجارة، ولا يعرف المحاباة بين أبناء الشعب في كلياته الحربية.
إذا قلَّ ماء الوجه، قلَّ حياؤه،
ولا خير في وجه قلَّ ماؤه
ــــ صالح بن عبد القدوس ـــ
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة//
/////////////////////////

 

آراء