أيّ كلام – تاني!

 


 

 

aelhassan@gmail.com
حرصت دائما (من باب مضارفة المؤمن على نفسه حسنة) على تجنب قراءة الصحف السودانية والإستماع للإذاعات السودانية، ومشاهدة الفضائيات السودانية (ثم امتد ذلك العزوف لكافة الفضائيات عربيّها وأجنبيّها). خشيت، كما نوّهت لذلك مرارا، على سلامة عقلي وسلامة من حولي إذا أصابني مسّ بفعل ما ترزينا به وسائل الإعلام المحلية من تزييف للحقائق وتزيين للباطل وإنكار لما نراه عياناً.
غير أنني أحيانا أقرأ عناوين الأخبار في المواقع الإلكترونية من باب "جلد الذات" وترويضها خوفا من أن تنسى ما حل بنا، فتقع عيني على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. هذا الصباح رأيت خبرا بعنوان "وزير الاستثمار يخاطب الملتقى الاستثمارى السودانى السنغافورى بجاكارتا" نقلته وكالة الأنباء السودانية (سونا)، رحمها الله وغفر لها ما تقدم وما تأخر. ساورني الشك أن بالأمر خطأ ما أو غرض من الموقع الإلكتروني، فلجأت، مُرغما، على مراجعة إحدى الصحف اليومية التي أتجنبها تجنب السليم للأجرب، فإذا بها تحمل نفس الخبر بكل "ذُبابِه"،  وغلطاته الإملائية، وخلوّه مما يجعل الخبر خبرا يُنشر، خاصة إذا كان الحدث على بعد آلاف الفراسخ من الخرطوم وآلاف السنوات الضوئية مما يفيد الناس. أنقل فيما يلي الخبر كما نُشر (الخطوط تحت بعض الكلمات من عندي):
(وزير الاستثمار يخاطب الملتقى الاستثمارى السودانى السنغافورى بجاكارتا
جاكارتا (سونا): خاطب دكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الاستثمار الملتقى الاستثمارى السودانى السنغافورى اليوم الذى نظمته فيدرالية الاعمال السنغافورية بالتعاون مع السفارة السودانية بالعاصمة الاندونيسية جاكارتا .
وقال ان الملتقى المنعقد بسنغافورا يعتبر خطوة هامة لابراز الامكانيات التى يتمتع بها السودان لافتا الى ان وفد السودان الذى يترأسه قدم شرحا حول الفرص الاستثمارية المتاحة والقوانين التى تحكم العمل الاستثمارى بالسودان .
ولفت الوزير الى مشاركة كافة الجهات ذات الصلة بالاستثمار حيث ضم وفد السودان المشارك فى الملتقى وزارة النفط، الزراعة، المالية، مفوضية تشجيع الاستثمار بولاية الخرطوم، ولايةالبحر الاحمر بجانب 80 شركة قطاع خاص .
واعلن د.مصطفى عثمان اسماعيل ترحيب السودان باعتماد قنصل فخرى للسودان بسنغافورا لرعاية المصالح المشتركة بين البلدين موضحا ان الملتقى أتاح فرصة لشركات القطاع الخاص السودانية مع نظراءهم فى الجانب الاخر للتباحث حول فرص الاستثمار فى البلدين .
ونوه وزير الاستثمار الى ان السودان يشكل محورا اساسيا فى مجال توفير الامن الغذائى مؤكدا حرص الحكومة على تذليل كافة المشاكل التى تعترض المستثمرين مشيرا الى ان السودان قدم مقترح اتفاقية لشجيع وحماية الاستثمار.)
حيّرتني في الخبر وجوه عدة، غير أن أكثر ما حيرني هو الإرتباك الذي سببه لي الخبر بصياغته عن مكان إنعقاد المُلتقى (وهو في سلسلة لا نهاية لها من الملتقيات الإستثمارية التي ستفوق عدد دول العالم، فيما يبدو). قصدت أحد خبراء الشأن الشرق-آسيوي علّه، بنظارته الطبية العظيمة، يُفكك لي شفرة الخبر: هل انعقد الملتقي في سنغافورة أم في جاكارتا؟ وإذا أنعقد في جاكارتا، ما الذي منعه من الإنعقاد في سنغافورة، وهي المقصودة بالملتقى؟ (ولم أشأ أن أسال عن ما أغفله الخبر من تفاصيل هامة عن عدد السنغافوريين الذين لبّوا الدعوة، وصفاتهم، ومن هو سعيد الحظ الذي فاز بالقنصلية الفخرية للسودان في سنغافورة، ولماذا؟)
إعترف صديقي الخبير الشرق-آسيوي بأنه يجهل الإجابة على كل هذه الأسئلة، ولكنه يظن أن جاكارتا هي مكان الإنعقاد، و"يحسب" أن السبب في ذلك هو أن سنغافورة  - كما تعلمون- دولة في مدينة في جزيرة، وربما لا تسع الوفد الكبير المرافق لوزير الإستثمار، وعليه فضّلوا ان "يوسعوا" عند جيرانهم الإندونسيين، مثلما يفعل أهل السودان في مناسباتهم السعيدة والحزينة، بالتمدد في بيوت الجيران وحيشانهم. ثم أردف: والله أعلم!

 

آراء