إذا وقع الانفصال أو تحققت الوحدة؟ 1-2 …. بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
30 August, 2010

 


    
لا يبدو أن الشمال مستعدٌ بدرجة كافية لانفصال الجنوب، ولذا لا بدَّ من عمل يهيء الشماليين لهذا الخيار الذي أصبح ماثلاً، وتزايدت احتمالاته بشكل كبير، بل أصبح عند البعض محسوماً. على كلٍّ مهما كان موقفنا من قضيتيْ الوحدة والانفصال؛ فمن العقل أن نتحسَّب لكل الاحتمالات. أدعو الذين يقودون الآن الحملات لأجل الوحدة الوطنية، إلى أن يضعوا في حساباتهم أن أحلامهم قد لا تتحقق، ولا بدَّ من مراعاة ذلك في التعبئة التي يزمعون القيام بها. المطلوب ألَّا تعلِّي هذه الحملات من سقف التوقعات بشأن فرص الوحدة، ثم يترتب على ذلك خيبة أمل كبيرة تقود إلى ردود أفعال عكسية خطيرة أمنياً.
أسئلة كثيرة على بساط البحث الآن، لا أحد يفكر في الإجابة عليها. إذا وقعت واقعة الانفصال؛ ماذا سيحدث سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟ هل من خطة محددة لكيفية التعامل مع الجنوب في حالة الانفصال؟ هل من دراسة قام بها أي مركز من مراكز البحوث والدراسات التابعة للحكومة أو الخاصة؟ أخشى ما أخشاه أن يصبح صُبح يوم الحادي عشر من يناير من العام 2010 ونحن خلو من أي فكرة تدلنا ماذا سنفعل بعد ذلك اليوم، أو كيف سنتعامل مع الدولة الوليدة، أو بالأحرى كيف نتعامل مع إخواننا السابقين في الوطن. عدم وجود خطة للتعامل مع الحالة السودانية في واقعها الجديد يعني ببساطة أننا نتجه إلى الخيار المتاح والخطير، وهو الحرب.
سياسياً كيف ستكون علاقة الدولتين؟ هل ستتعايشان سلمياً وتعملان على تعزيز المشترك بينهما عبر المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وتعملان لبناء إستراتيجية إقليمة ودولية تعزز مصالحهما المشتركة؟ أم أنهما ستندفعان مباشرة إلى حافة الصراع السياسي؟ من الأفضل أن تعمل الدولتان على بناء إستراتيجية سياسية مشتركة للتعامل الإقليمي والدولي، فالقضايا التي ستواجه أياً من الدولتين ستكون واحدة، الموقف الموحد يمكن أن يحقق مكاسب للطرفين، والعكس صحيح لدرجة بعيدة. العلاقات الثنائية بين الدولتين تحتاج إلى فكرة جديدة، فليس كافياً حسن الجوار، بل نحتاج لما هو أعمق من ذلك بكثير، وهو التعاضد والتعاون المستمر، الذي ينطلق من مصلحة مشتركة، وعلاقات أخوية متجذرة بين الدولتين.
اقتصادياً هناك الكثير الممكن إنجازه في هذا المجال. دع عنك البترول جانباً. فالعلاقات التجارية بين البلدين ترفدها خبرات وتاريخ ممتد يمكن البناء عليه. بإنجاز طريق السلام وفتح الممرات المائية وتشغيل السكة الحديد بطاقتها القصوى؛ يمكن إنعاش العلاقات التجارية بين الشمال والجنوب، بحيث تغلق كل المسارات الأخرى التي تتدفق منها البضائع إلى الجنوب الآن. تحدي القطاع الخاص الشمالي أن يعرف كيف يكسب المستهلك الجنوبي بالمنتج الجيِّد المنافس، وليس على طريقة بيع الريش!! مناطق التَّماس يمكن أن تصبح أسواقاً مشتركة مفتوحة بين البلدين، ولن تستطيع الحدود الجديدة للدولتين أن تغلقها. المطلوب هو استثمار الجغرافيا ببناء مشاريع اقتصادية مشتركة تستفيد من المزايا الزراعية التي تمتاز بها مناطق التَّماس، بحيث يتم تطوير بنياتها الأسياسية بما يخدم نهضتها الاقتصادية.
اجتماعياً بغض النظر عما يحدث في موضوع الجنسية المزدوجة، فمن الحكمة أن نبدأ في نشر روح التسامح بين الجنوبيين والشماليين بعيداً عن روح التنازع والشقاق السائدة اللحظة، لأن عواقب هذه الأجواء المشحونة وخيمة، ولن نحصد منها إلا مزيداً من الآلام. العيش تحت سقف واحد وبمحبة ممكن، وليست هذه ممارسة جديدة نفترعها الآن، بل علاقات حياة مشتركة امتدت عشرات السنين، شهدت توترات محدودة لم تتحول في يوم من الأيام إلى كراهية، ولا إلى عنف متطاول، على الرغم من أجواء الحرب التي امتدت لنصف قرن. التسامح الذي تمتع به الشماليون الذين عاشوا بمدن الجنوب، والجنوبيون الذين عاشوا بمدن وقرى وأحياء الشمال هو الأصل، وحوداث العنف هي الاستثناء. يجب البناء على قمة التسامح وترسيخها بحيث يصبح الانفصال فعلاً سياسياً فوقياً لا يمس حياة الشماليين جنوباً وشمالاً، ولا يؤدي بالضرورة إلى البغضاء والكراهية، ولا تترتب عليه أي أفعال عنف.
نواصل
ibrahim amar [ibamaar@gmail.com]

 

آراء