إذا وقع الانفصال او تحققت الوحدة 2-2

 


 

عادل الباز
1 September, 2010

 


في المقال الأول طالبنا بالاستعداد لاحتمال الانفصال، وعدم الإقدام على تعبئة غير عقلانية تعلي من توقعات الوحدة، الشيء الذي قد يقود لنتائج سيئة في حال حدوث الانفصال. في هذا المقال ننظر ماذا يحدث إذا حدثت المعجزة وتحققت الوحدة. هل نحن مستعدون لهذا الخيار وبأي اتجاه .. هل باتجاه تكريس الأوضاع الحالية، أم أننا مستعدون للمضي في ترتيبات جديدة تثبت الوحدة، وتكسبها ديمومة، دون أن تتعرض لمخاطر كالتي تتعرض لها الآن.
قضايا الوحدة متشابكة ومعقدة أولها كيفية إدارة نظامين في دولة واحدة. تجربة العلاقة بين الشريكين طيلة الفترة الانتقالية كانت نموذجا سيئا في إدارة دولة واحدة. لقد ظل الطابع العام لهذه العلاقة هو التوتر المستمر والصراع اللامتناهي حول كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما أدى عوضا أن تكون الشراكة أداة لبناء الثقة بين الطرفين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، أصبحت أداة لهدم النظام ومشروعيته، بل مثلت تلك الشراكة خطرا ماثلا لوحدة البلاد كما نرى الآن. ولذا فإن هذه الصيغة الحالية من الشراكة النيفاشية بحاجة لتعديل جذري، بمعنى آخر إذا تحققت الوحدة فإن بروتوكولات السلطة والثروة والترتيبات الأمنية تحتاج لنيفاشا تستفيد من تجربة الست سنوات التي أدمى فيها الصراع السياسي جسد الشراكة، وكاد يدمي جسد الوطن.
معضلات الشراكة كثيرة ومتوزعة على كافة البروتوكولات. مثلا بروتوكول قسمة الثروة، إذا تحققت الوحدة يحتاج لإعادة نظر في كثير من جوانبه، فالتجربة العملية أثبتت أن كثيرا مما اتُفق عليه لم يتحقق. مثلا في قضية موارد الدولة الاخرى من جمارك لضرائب وغيرها، ضاعت وتبددت وسط التنازع بين السلطات المركزية وحكومة الجنوب، مما أهدر أموالا طائلة على الحكومة في المركز والجنوب. مسألة أخرى تتعلق بإدارة النظام البنكي في البلاد، فالتنازع في إدارة النظام البنكي ظل هو السمة الأساسية منذ إنشاء ماعُرف بالنافذتين، وحتى الأزمة الأخيرة المتعلقة بتحويلات استحقاقات الحركة جنوبا.
برتوتكول الترتيبات الأمنية إذا تحققت الوحدة يحتاج جهدا خرافيا لمعالجة الإشكالات التي لم يستطع الشريكان معالجتها طيلة ست سنوات هي عمر الفترة الانتقالية. مثلا لازالت القوات المشتركة تعاني من الرؤية الضبابية التي دخلت فيها مما قاد لتجميدها، فلم تشهد لها الساحة أي نشاط مشترك، وظلت متباعدة وكأنها ليست تحت قيادة واحدة، بل كادت تدخل في نزاع مسلح مع بعضها. بحسب نيفاشا إذا تحققت الوحدة، المطلوب دمج الجيشين في جيش واحد، وهذه في تقديري جزء من أُمنيات نيفاشا الطيبة، ولكنها وبناءً على ما يجري حاليا ليس ممكنا دمج الجيشين حتى ولو تحققت الوحدة. فالجيش الشعبي لن يتخلى مرة أخرى عن إدارة الجنوب، ولذا لابد من تفاوض جديد حول وضع الجيشين إذا قُدر للبلاد أن تتوحد.
إشكالات أخرى تتعلق بمشاركة الحركة في السلطة المركزية في الشمال، فنسبة المشاركة في الحكومة المركزية كما اتضح من الانتخابات الماضية لايمكن تأسيسها على الديمقراطية وحدها، ولابد من تمييز إيجابي قد لاتصل فيه نسبة المشاركة إلى ما أعطته نيفاشا للجنوب، ولكن بالضرورة لابد أن يحظى الجنوب بقسمة عادلة في السلطة.
هنالك قضية أخرى تتعلق بما عُرف بالمناطق الثلاث التي تعاني الآن توترا بسبب المشورة الشعبية. من الأفضل طي ملف المشورة بأسرع ما تيسر، وتأسيس علاقة جديدة بين هذه المناطق والحكومة المركزية من ناحية، وبينها وبين الجنوب من جهة أخرى في حالة الوحدة. فلا يمكن مثلا تصوّر جيش آخر غير الجيش السوداني بتلك المناطق في حالة الوحدة، فتبعيض الأمن وتعدد الجيوش والمليشيات في بلد مليء بالصراعات القبلية والإثنية من شأنه أن يقود لتفجير الأوضاع وبشكل عشوائي وجنوني لايمكن السيطرة عليه، فليس ممكنا السيطرة على الحرائق التي تشعلها الغبائن.علينا جميعا أن نفكّر في معادلات جديدة لإدارة البلاد، تتجاوز نيفاشا لأفق جديد.
 

 

آراء