احتكار الاحتفال بثورة الإنقاذ

 


 

 




30 يونيو 2005 - الإمارات

ثم التقى القوم..
اجتمعوا على رفع راية الله وبسط شرع الله كي يتخلل أهل الأرض..
فأصبحت السماوات فوق السودان تسمع آلاف التكبيرات وآلاف التهليلات كل نهار وليل، فكانت هذه موسيقا الملائكة التي لاشك انجذبت بها لهذه الأرض ، كما أنها تتقاطر ليلا في البيت الذي تقرأ فيه آيات الله حتى تزدحم السماء ، يجذبها النور ..

والتقى القوم..
كان النور ينتقل في السلسلة من حبة منضودة لأخرى منذ عقود طوال حتى عامنا هذا، كانوا يجتمعون على الخير، لم تكن الدنيا همهم، كانوا إخوانا في الله، كانوا كالبنيان المرصوص، ينشرون حب الله وشرع الله بين العباد، حتى جاؤوا في الثلاثين من يونيو معا كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.. ورفعوا الكفوف و ثبتوا الصفوف واستنفروا المئات والألوف، وأوصلوا آلاف التكبيرات والتهليلات إلى السماء سويا.. بل ملايين التكبيرات والتهليلات قد وصلت إلى رب العزة منذ قيام ثورة الإنقاذ، فمن يحصيها ؟

فغابت أصوات الجنريترات (مولدات الكهرباء) وحل محلها التهليل، واختفى انتظار حقائب المغتربين كل صيف وخريف لتأتي بأساسيات الحياة والنظافة والدواء والكساء وشئ من غذاء، وظهرت شعارات فلنأكل مما نزرع ولنلبس مما نصنع. واختفت البقالات التي فيها ثلاثة صفوف فقط من السلع البدائية، وكانت لا تسع في حجمها سرير البقال نفسه، وظهر ما ترونه في كل الأحياء السكنية. واختفت باخرة بورتسودان التي كانت تأتي بالنفط أو القمح أو بعض المعونات، والتي إن تأخرت أيام أو أسابيع، كانت أفواه الأطفال لا تنغلق عن البكاء! وصار ميناء بورتسودان يقوم بتصدير وتحريك البواخر من داخل بلادنا.. اختفت أيام البرلمان الذي اعترف فيه النائب الديمقراطي بوجود الفساد و المحسوبية حين قال: "في فساد، نقول مافي... في محسوبية، نقول مافي... في تأخر في الإقتصاد، نقول مافي... في ضيق في المعيشة، نقول مافي..." ، ويواصل حتى يصف حكومته بأنها كالمريض الجبان الذي يخفي مرضه ويخاف الإطلاع عليه! واختفت مذكرات الجيش التي تشتكي من انعدام المهمات وأبسط الملابس والذخائر أيام الحرب على حركة تمرد جون قرنق، والآن صرنا نقوم بتصنيع الذخائر وسلاحها معا ! عادت إلينا العزة والكرامة بقدر المستطاع، وكسبنا استقلال القرار الوطني بقدر تكليف الله بما في وسعنا.

لذا فمن حق كل المواطنين وإن ضاق عليهم رزق ربك حينا من الدهر، ومن حق كل الشرفاء الصادقين أن يحتفلوا برسوخ وبقاء الإنقاذ مرفوعة الراية إلى يومنا رغم تكالب الأمم ! بل من حق كل مهلل و مكبر، أن يفرح ويحتفل بهذه الذكرى، دون حجر من أحد على أحد، أو مؤتمر على مؤتمر، في حق الفرح العميق داخل النفس بقيام واستمرار ثورة الإنقاذ الوطني، رغم أنف أمريكا وأذنابها في يوغندا و كينيا وغيرها من الدول التي تحضن فنادقها بعض المستفيدين من طلب اللجوء السياسي والإقتصادي، وبعض السياسيين مدفوعي الأجر من المتحررين من قيود الإسلام والوطن.



وكلنا يعرف ويعلم ويقر في قرارة نفسه –رغم عناد النفس وتكبرها- أن ثورة الإسلاميين في 1989 هي التي أنقذت البلاد، عندما وصل الحال بوزير الخارجية الأسبق الشريف الهندي ليقول في البرلمان عام 1987: (.. الرجال الذين دفعوا أغلى الأثمان في عودة هذه الديمقراطية، أؤكد ليكم تاني كان شالها كلب ما يقولوا ليهو جر ! على الإطلاق)! عندما سارع الإخوان قبل غيرهم لانتشال البلاد في وقت كانت هناك عدة تيارات سياسية أخرى تسعى للإنقلاب كي تنقذ البلاد، ولكن الله قد اختار في قضائه وأقداره أن يمنح هذا الشرف للإسلاميين بدلا عن البعثيين أو الشيوعيين أو أي قوى أخرى كانت تخطط للثورة التصحيحية والإنقاذية.. ولكن التكبر على الله وعلى النفس هو الذي يمنع الكثيرين من الإقرار بأن شرف هذا الإنقاذ كان على أيدي هؤلاء الرجال المخلصين الذين نعرفهم، هذا التكبر والغرور يجعل البعض يعلن عن رغبته في عودة حال البلاد إلى ما قبل فجر الثلاثين من يونيو!! ومن فيه شئ من خير تجده يقول إن حسنات ثورة الإنقاذ الوطني لا تعد ولا تحصى ، ويقول إن البلاد ارتقت كثيرا وأنه شئ أشبه بالإعجاز حين النظر إلى انجازات حزب واحد كان منفردا بالسلطة ضد حروب داخلية و خارجية ومع هذا لم ينهار ولم تنهار الدولة رغم كل الحصارات ، ويقول لك إنها أفضل السيئين وجعلت السودان رقما لا يمكن تجاوزه في الحسابات الإقليمية وكذلك الدولية ، ويختم بقوله ولكن انظر إلى مساوئها ... ويبدأ في تعداد ما للإنقاذ دور فيه، وما للمعارضة دور فيه، وما للشعب دور فيه، وما للظروف الدولية دور فيه ، ثم يبحث عن كل سيئة يراها ، ويضع كل ذلك في جراب واحد معتبرا أن المسؤول عن هذا الجراب هو الحكومة سواءا قبل نيفاشا أو بعدها ... ولا يحاول بنزاهة أن يشخص بموضوعية سبب المشاكل ، فأسهل ما يأتيه من جواب لكسله الذهني ولتقديسه لنفسه، هو أن الحكومة هي السبب !! وهذا يصب في مصلحة توجهه المعارض ، ويصب في مصلحة إطفاء نار غيرته من كل ما أنجزه رجالات ونساء و شباب الإنقاذ الوطني ، بفضل الله تعالى....

إن في بعض أحزابنا من لا تهمه الأهداف المرجوة، ولكن يهمه من حقق تلك الأهداف.. فإذا تطورت الرياضة لم يهمه أنها تطورت بقدر ما يهمه ألا تتطور في عهد وزير إسلامي ، بل تتطور في عهد وزير معارض أو موالي ! وإذا استخرج السودان البترول فلا يهمه ذلك بقدر ما يهمه أن يتحقق هذا في عهد غير عهد الإنقاذ وألا يكون ذلك على يدي الإسلامي د.عوض، وإن انتشر العلم في البلاد، والجامعات في الولايات، فهو في نظرهم جهل وتردي لأنه قام على يدي الإسلامي بروف إبراهيم أحمد عمر، وإن نجح السودان في تخفيف الضغوط الدبلوماسية الغربية، فيكرهون أن يقوم بذلك الشاب الإسلامي د.مصطفى، وإذا تحقق الأمن للمواطنين فهذا لا يهمهم أبدا بقدر ما يهمهم أن يتحقق هذا في عهد رجل غير الفريق صلاح وغير بروف الزبير ! أما غير ذلك ، فلتتهدم الدنيا ومن عليها وليذهب السودان مأسوفا عليه ويرجع للوراء عشرين عاما أو أكثر، فهذا خير له من أن يحدث التقدم في عهد ثورة الإنقاذ أو ينسب الفضل لحكم الإسلاميين وإدارتهم العلمية للبلاد.. هؤلاء يؤلمهم نفسيا أن يكون أول تخطيط استراتيجي في تاريخ السودان هو في عهد الإخوان، ويضايقهم أن يشرف على تخطيط حفظ كل هذه التوازنات وسط الأمواج الكاسرة إسلاميين مثل شيخ علي و د.نافع. هؤلاء المعارضون الواقفون مثل الطيور على سلك الضائقات التي تصيب الشعب كل آونة وأخرى، يكرهون أن تتحسن الأمور في البلاد، ويسعون بجدية ألا يستقر السودان، وألا يعيش الشعب السوداني في أمان، فهذا يعني ألا حاجة لهم كمعارضة، وهذا يعني ألا شئ يستطيعون كتابته وإثارة العالم به إلا صنع وتكرار الشائعات! وسيجف حبرهم.

هؤلاء النفر المعارضون (الإقصائيون) المتحاذقون الذين جاز لنا نحن أن نقول فيهم: "من أين أتى هؤلاء"، لا يفرحون لاتفاق سلام بين شمال و جنوب، أو بين وسط وشرق أو غرب، وذلك لأن الذي أتى بالسلام هم عقد فريد من الإسلاميين الوطنيين.. فكيف يجلب الإسلاميون السلام دون مساعدة أحد منهم ؟ وكيف تستقر الأوضاع رغم مكائد المعارضة والدعم الغربي لها ؟ وكيف يستخرج الإسلاميون النفط  و يبنون السدود و يشيدون الطرق و يطورون اتصالات البلاد ويغيرون وجه البلاد، و يستمرون في التنمية بصمود عبر السنين ، دون وجود تلك الأحزاب على رأس السلطة ؟؟ إنها غيرة وغل في القلوب... وكيف يصمد اقتصاد البلاد رغم الحصار ؟ وكيف لا ينهار السودان رغم الحروب المتتالية التي واجهتها حكومة الإنقاذ من جميع الدول والأحزاب ؟ إن كل هذا يثير فيهم الحسد والغيظ عندما تكون النار في القلوب ، ويثير فيهم الغيرة عندما تهدأ نار غيظهم مؤقتا.. ليسوا كلهم سواء ، ولكنهم ظاهرون للعيان ، منهم القادة ومنهم الأتباع ومنهم المختفون تحت الرماد...
منهم من هو مستعد ليتخابر مع أعداء الله و الوطن كي يوقف مسيرة إنقاذ البلاد.. منهم من يسعى لأجل انقطاع المياه والكهرباء والغذاء والهواء، حتى تغلي البلاد ! منهم من هو مستعد ليقاتل في سبيل ألا يتم احتساب أي إنجاز وطني لثورة الإنقاذ.. منهم من يود أن تشيع الفاحشة و يعم الفساد في البلاد كي يهلكها الله ويأخذ الإنقاذ ضمن أخذه للبلاد!

إن نفس هؤلاء النفر، يفرحون عندما ينضم لمسيرة الإنقاذ كل من هو فاسد ومتسلق أو متشبث بالكرسي، لأن هذا الفساد في نظرهم سيضر ملف الإنقاذ و سمعتها التي جلبت لها التأييد الذي نالته عبر السنين، ولا يهمهم أن الفاسدين سيفسدون على الوطن والمواطن، مثلما يفسدون على الإنقاذ ثورتها المباركة..

فلنتحد و نواجه حسد المعارضين الإقصائيين، والغيرة التي ستهلكنا جميعا في قارب الوطن، فلنتحد ونواجه المفسدين والظالمين من بين أظهرنا، حتى لا يهلك الله البلاد ، نواجههم بالإستغفار ونواجههم بالإصلاح، ونواجههم بالردع والإرهاب فهناك دوما آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.. هذا ما تربينا عليه في الحركة الإسلامية، وهذا ليس تعصبا لطائفة أو حزب او ثورة، فنحن نؤمن بقول الإمام أبو حامد الغزالي: (من جعل الحق وقفا على طائفة ، فهو إلى الكفر أقرب).. ولكن الحق ظاهر وإن عانى البعض من قضاء الله بأن يضيق عليهم في الرزق، ولكن الحق واضح رغم الإشاعات ورغم المكائد الداخلية والخارجية على الوطن، والحق بائن رغم كل اجتهادات كل من يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم.

فلنعد للجذور ولنعد للأصول حتى نصبح أصوليين مثلما كنا، نراجع أنفسنا – أفرادا وجماعات- ، مستغفرين داخل بيوتنا، مصلحين خارجها.. حتى يعود القوم هم القوم،
فالقوم ما اجتمعوا بادئ ذي بدء إلا على الله و تحكيم أمر الله..
كي تستمر مسيرة الإنقاذ المحفوظة بأمر الله، وتتجدد ثورة الإنقاذ جيلا بعد جيل، ويستمر عطاؤها وإنجازاتها ، وتشيع نورها في البلاد وخارجها.. ويفتح الله علينا وعلى قرانا وبلادنا بركات من السماء والأرض.




oia_1975@yahoo.com
30 يونيو 2005 – دولة الإمارات

O I A [oia_1975@yahoo.com]

 

آراء