الأخبار الفالصو والكتابة الاحتيالية في سودانايل عن “مجزرة بانتيو”

 


 

 

 

ushari@outlook.com
...
أولا،
في الكتابة الاحتيالية
(1)
في مقال بعنوان "مجزرة بانتيو"، الممهور باسم كاتب في سودانايل، أحمد محمود، أزلق هذا الكاتب في مقاله معلومات فالصو عن ذلك الحدث المعروف والمسجلة أغلب تفاصيله في أوراق المحققين من الأمم المتحدة ومن منظمة العفو الدولية ومن مصادر متكثرة منها أفلام فيديو توثيقية، وصور منشورة في الأنترنيت، ومقالات وافتتاحيات في الصحف الدولية ومقابلات في الإذاعات العالمية، وما نشره المثقفون من جمهورية جنوب السودان.


(2)
وأقتبس لغرض هذا المقال بصورة أساسية من تقرير الأمم المتحدة المطلوب بتوجيه مجلس الأمن، عن مذبحة بانتيو. لكني اشرح وقائع التقرير بلغتي، وأضيف إليه من مصادر أخرى.
https://unmiss.unmissions.org/sites/default/files/unmiss_hrd_-_attack_on_civilians_in_bentiu_and_bor_-_january_2015.pdf


(3)
حين أكيف أخبارا بأنها "فالصو" فقصدي هو أن الكاتب تعمد نشر هذه الأخبار الفالصو، بالكتابة الاحتيالية المُتدبَّرة ذات الأغراض، حيث لا يتعمد الكاتب نشر أخبار فالصو إلا لسبب قوي. وليس من الصعب أن نستنبط الأسباب بالنظر إلى الجهة المستفيدة من هذه الأخبار الفالصو.
ولأن الكتابة الاحتيالية المتدبرة لها مكونات وخصائص في لغة نصها وفي سياقها تميزها عن الكتابة ذات الأخطاء غير المقصودة، أو ذات وجهة النظر السياسية التي تضفي على الحقيقة ظلالا، يسهل اكتشاف حركات الخداع والتدليس في هذه الكتابة الاحتيالية ويسهل التمييز بينها وأنواع الكتابة الأخرى.


(4)
تُوقِع الكتابة الاحتيالية صاحبها في تناقضات متعددة، ليس فقط مع الحقائق الثابتة، بل كذلك مع ما في النص المتهالك ذاته. وسيجد القارئ تناقضا بين النص والقصيدة المرفقة.
في كثير من الأحيان لا يبيِّن الكاتب من صنعة هذه الكتابة هويته الحقيقية ولا الكاملة، ولن تجد في الأنترنيت أي شيئ عن شخصيته أو عمله، وهو يجتهد بأن يخفي مكانه، وقد يعطيك صورة فوتوغرافية ما. فشخصية الكاتب والبيوغرافيا الخاصة به، وماضيه، ومكان عمله، وتوجهه السياسي، كلها وقائع ضرورية لتفسير النص الذي ينتجه هذا الكاتب، خاصة بشأن نوع الموضوع. وحين يجتهد الكاتب في إخفاء ذلك كله، يصبح كل ما نرميه به صحيح، حتى يثبت العكس، ولا نرميه جزافا بل على أساس ما في نص مقاله في ضوء الحقائق الثابتة المعروفة وفي سياق النص العام، معتمدين نظرية العقل. قال عمر البشير متذاكيا ذات مرة إذا عندكم دليل على الفساد قدموه لينا!


(5)
سيأتي وقت في منعطف فارق في السودان يكون فيه للأخبار الفالصو من نوع ما جاء في مقال الأستاذ أحمد دور خطير، مثلما حدث في استخدام الروس الأخبار الفالصو للتأثير على نتيجة الانتخابات الأمريكية، وأصبح بعدها موضوع الأخبار الفالصو في مقدمة الهموم في كثير من بلاد العالم.
وقد بلغ نظام الإنقاذ شأوا عظيما في تطوير "سلاح الكتابة" بواسطة جهاز الأمن، وأرى أن الروس الذين أرعبوا أمريكا وأوروبا بالأخبار الفالصو والكتابة الاحتيالية المتدبرة مجرد هواة في هذه الصناعة، مقارنة مع الإسلاميين الذين ابتدروا صناعة الأخبار الفالصو منذ فبركتهم رواية الطالب شوقي في الستينات من القرن الماضي بغرض حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان، دائما في حضور الصادق المهدي وبمشاركته.


(6)
جوهر الكتابة الاحتيالية هو "الخداع" من قبل الكاتب الذي يدخلك في منظومة أكاذيب تبدو في الظاهر حقيقة، وقد بينتُ من قبل أن عددا من الكتاب في سودانايل ينشرون أخبارا كاذبة، ومنهم من ينشر تقارير جهاز الأمن وكأنها آراءهم الخاصة المستقلة. ولابد أن كثيرا من القراء أصبحت لديهم قدرة في ملاحظة هذا الغش منذ أن بينت طريقته عند الإسلامي خالد موسى، وقبل ذلك لدى القضاة الإسلاميين في السلطة القضائية الفاسدة.


...
ثانيا،
حزمة صغيرة من الأكاذيب
(1)
قبل أن آتي لتحديد الفالصو في المقال قيد النظر، أشير إلى أن الكاتب أحمد محمود اجتهد لإكساب مقاله مصداقية، وهي من حركات كتاب الفالصو مشكلتهم المصداقية، حين ادعى أحمد أن اثنين من ضحايا مذبحة بانتيو كانا معروفين لديه، منهما شخص وصفه الكاتب بعبارة "زميلي وأستاذي مربي الأجيال الشاب الخلوق الأستاذ/جمال وادي"، مما يسجل الادعاء بوجود صلة معرفة وثيقة لكنها تظل مبهمة في كلمات بدون محتوى، ولا يحدد الكاتب معنى "مربي الأجيال"، وهو تعبير يطلق على شخص يفترض أن القراء يعرفونه سلفا.


(2)
وكذا حدد الكاتب أن الضحية الأخرى للمذبحة هو "الأستاذ الناشط / بشير يوسف"، وهي كذلك إشارة إلى شخص يفترض الكاتب، تصنعا، أن القراء يعرفونه "ناشطا" في مجال محدد فلا حاجة، إذن، لذكر هذا المجال المحدد، في تقدير أحمد.
وقال الكاتب إنهم، بصيغة الجمع وهو أحمد معهم، ظلوا يحتفلون كل عام بذكرى ضحايا مذبحة بانتيو "وعلى رأس الضحايا" زميله وأستاذه جمال وادي، و"الأستاذ الناشط بشير يوسف"، وإنهم ظلوا، كجماعة تظل وهمية عندي، كل عام في يوم الذكرى يعيدون "تلاوة قصيدة رثائهم لتخليد ذكراهم".


(3)
ثابت أن مذبحة بانتيو وقعت فعلا في يوم 15 أبريل 2014، في ذات المدينة المعروفة. ومن هذه الحقيقة الثابتة انطلق الكاتب أحمد محمود لينسج عددا مقدرا من الأكاذيب وحركات التدليس، وهكذا تدور عملية نشر الأخبار الفالصو بتخليط بعض الحقائق مع الفالصو بأشكاله المتعددة مما ينتهي إلى محض فالصو:


(4)
سجل الكاتب في مقاله أن ضحايا مذبحة بانتيو كانوا "التجار السودانيين"، وفي عبارة أخرى أشار إليهم بأنهم "التجار الشماليين"، معرَّفين هكذا في النص والسياق على أنهم كانوا كذلك هم على وجه الحصر والتخصيص.
لكن الحقيقة هي أن الضحايا كان من بينهم عدد مقدر من الدينكا، والنوير أنفسهم، ومن الأثيوبيين، بالإضافة إلى منسوبين إلى قبائل من دارفور، والمسيرية، والنوبة.


(5)
وكذا لم يكن جميع ضحايا المذبحة من "التجار"، بل كان من بينهم عسكريون وموظفو حكومة من قبيلة الدينكا، ومرتزقة من المسيرية ومن حركة العدل والمساواة، أسميهم "مرتزقة" بسبب المفظعات الإجرامية التي اقترفوها ضد المدنيين في ولاية الوحدة، مما يجردهم من كل شرف جندية أو قضية نضال أو مناصرة مما قد يدعونه.


(6)
ثم كانت أهم كذبة في المقال ادعاء الكاتب أحمد أن الجهة التي نفذت مذبحة بانتيو غير معروفة، وأن هويتها تبقى سؤالا محيرا بدون إجابة. ثم سجل الكاتب بإهمال أن المذبحة حدثت في سياق "معارك ضارية"، وأن هذه المعارك كانت بين "الحكومة الجنوبية ومعارضيها من أتباع مشار". وهو قدم في عبارته "الحكومة الجنوبية" على القتلة الحقيقيين المعروفين لديه وهم قوات مشار والمرتزقة المسيرية.


(7)
أقول إن القتلة الحقيقيين كانوا معروفين لهذا الكاتب الذي يريد الاحتيال على القراء غير العارفين، معتمدا في قولي على عدد متكثر من الأسباب، لكن أهمها عندي الآن ويثبت احتيال الكاتب هو ما ورد في القصيدة التي ادعى هذا الكاتب أنه مع أصحابه في مثل هذا اليوم "نَظلُّ نعيد تلاوة قصيدة رثائهم [الضحايا] كل عام لتخليد ذكري شهدائنا الأبرار".
فالقصيدة غير المعروف شاعرها بل تفضح كذب الكاتب في نص المقال، فيها يتحدث شاهد نجا من المذبحة فيما يبدو من النص، ويحدد الشاعر المجهول أن القتلة هم "أتباع مشار"، الذين نهبوا ممتلكات ضحاياهم ثم قتلوهم:
أتباع (مشار) جاثو الديار
قاصدين دمارها بالثأر
دخلوا صباحا كالجراد
عموا المزارع والخضر
نهبوا الهواتف والنقود
رشقوا الذخائر كالمطر
بعد النهب قتلوا الجميع
والدم علي الوديان شخر


(8)
ثم اجتهد هذا الكاتب الشاب في التذاكي بسعي يائس لاكتساب مصداقية لدى سودانايل، بذره الرماد على العيون حين أزلق عبارة لام فيها حكومة الإنقاذ على "صمتها" وعلى "تعقيبها ... ظلما ... بأن الضحايا ينتسبون إلى الحركات المسلحة"، وأضاف الكاتب لزوم إلغاء الخدعة: "وليتهم [الضحايا] كانوا كذلك!". أي، ليت ضحايا المذبحة كانوا أعضاء "الحركات المسلحة"!


(9)
فجميع كتاب سلاح الكتابة يزلقون ذات هذه الخدع في مقالاتهم ولا يقدرون على التملص منها بسهولة، وهذا الكاتب المبتدئ في فنون الكتابة الاحتيالية تحمس أكثر من اللازم وبالَغ في الكذب، وحين وجد نفسه في ورطة سجل أنه يتمنى لو كان ضحايا تلك مجزرة بانتيو من "أعضاء الحركات المسلحة"! وهي "اللخبطة" التي لا مفر منها حين يدخل المبتدئ في دائرة الكذب.
...
وللإيفاء بلزوم مزيد التحلية والإلغاز، وهو أيضا من حركات كُتاب سلاح الكتابة، تساءل هذا الشاب: "بل وأين موقع الأمم المتحدة والعفو الدولي اللتان كانتا شاهدا عيان لما جري؟"
وحيث هو الكاتب أشار إليهما بالتحديد، فهو لابد كان على علم بالدور المقدر الذي اضطلعت به الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية.
فقد نفذت الأمم المتحدة قرار مجلس الأمن بالتحقيق في المذبحة وأرسلت خلال أقل من أسبوع ضباط حقوق الإنسان في بعثتها بجنوب السودان في معية المختصين بالتحقيق الجنائي، وكتبت تقريرا مفصلا عن المذبحة نشرته وحددت فيه هوية الجناة، على أنهم قوات رياك مشار.
وكذا كتبت منظمة العفو الدولية تقريرا تفصيليا نشرته في موقعها الشبكي.
ويدرك هذا الكاتب بالطبع أن رياك مشار عميل لجهاز الأمن السوداني، وأن قوات مشار كانت مصحوبة عند تنفيذ المذبحة بقوات من قبيلة المسيرية لابد كانت لها علاقة بالحكومة السودانية.


...
ثالثا،
وقائع مذبحة بانتيو
(1)
بعد بداية الحرب بين سلفا كير ورياك مشار في ديسمبر 2013، احتلت قوات رياك مشار عدة مناطق منها بانتيو محل المذبحة، لكن قوات سلفا كيير المدعومة بقوات حركة العدل والمساواة الدارفورية تمكنت من استعادة المدينة في يناير/فبراير 2014، قبل ثلاثة اشهر تقريبا من تاريخ وقوع المذبحة.
واقترفت قوات سلفا كير وقوات العدل والمساواة مفظعات إجرامية ضد السكان النوير على وجه التحديد، مثل نهب الممتلكات والتقتيل واغتصاب الفتيات والنساء. كله ثابت من عدة تقارير أممية، وكنت كتبت سابقا عن هذه النقطة، فسكتت حركة العدل والمساواة.


(2)
في شهر فبراير 2014 سجلت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان في تقاريرها ظاهرة وفود أعداد كبيرة من "التجار الدارفوريين" إلى بانتيو. وسجلت البعثة أن هؤلاء التجار كانت تربطهم علاقات "أسرية وتجارية وأمنية" بجنود وضباط حركة العدل والمساواة، مما هو أصلا متوقع حتى إذا لم يكن هؤلاء "التجار" أصلا أعضاء مدنيين أو عسكريين بلباس مدني في حركة العدل والمساواة.
...
كذلك كان وفَد إلى بانتيو عدد قليل من "التجار" المسيرية، لابد كذلك في علاقة مع قوات المسيرية المحاربة كمرتزقة مع رياك مشار، أو كقوات مسلحة سودانية تعمل تحت غطاء "القبيلة" ذات السيادة. وكان بالمدينة أصلا عدد قليل من التجار الأثيوبيين ومن السودانيين من بينهم أفراد من قبيلة المسيرية قدامى معروفون.
...
سنعرف أن أغلبية "التجار" الدارفوريين الوافدين إلى بانتيو سيلقون مصرعهم في المذبحة، مع أفراد آخرين مدنيين وعسكريين من الدينكا، بالإضافة إلى مدنيين من قبيلة النوير والمسيرية والنوبة ومن دولة أثيوبيا.


(3)
في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 15 أبريل 2014، يوم المذبحة، دخلت قوات رياك مشار النويرية مدينة بانتيو مصحوبة بقوات مسلحة من قبيلة المسيرية. التحمت قوات مشار ومرتزقتها المسيرية مع قوات سلفا كير ومرتزقتها قوات العدل والمساواة وهزمتهما، فانسحبت قوات سلفا الحكومية بينما بقي بالمدينة عدد غير معروف من جنود العدل والمساواة الذين ارتدوا ملابس مدنية واندسوا في وسط التجار والمدنيين في الجامع الذي كان أصلا محل نوم جميع التجار قبل استعادة مشار المدينة.


(4)
في حوالي الساعة 9:30 صباحا في ذات اليوم 15 أبريل كانت قوات مشار سيطرت على المدينة، وبدأت في تنفيذ المذبحة، في المستشفى، وفي الجامع في منطقة ماليباليك وحولها. كانت قوات مشار تبحث تحديدا عن الموظفين الحكوميين من قبيلة الدينكا، وهي قتلتهم مباشرة كلما وجدتهم، وكذا كانت تبحث بالتحديد عن قوات المرتزقة من العدل والمساواة وكذا كانت تقتلهم كلما تحققت من هويتهم، وفي هذا السياق قتلت قوات مشار عددا مقدرا من "التجار" الدارفوريين.
وقتلت أيضا بعض المدنيين من قبيلة النوير الذين كانوا اختبأوا في غرفة بالمستشفى ورفضوا الخروج منها. وجاء في رواية أخرى أنهم كانوا رفضوا الترحيب بعودة القوات النويرية.


(5)
في الجامع، حيث تجمع التجار الدارفوريون والنوبة و"المدنيون" المسيرية وبعض الأثيوبيين، بدأت قوات مشار في تنفيذ عمليات منتظمة للنهب والتقتيل، وفاوض تجار دارفوريون قوات مشار بتقديم رشاوي لها ثمنا لحياتهم، لكن قوات مشار قتلتهم تقتيلا وكانت تصر على رشاوي أكبر.


(6)
تدخل المرتزقة المسيرية التابعون لقوات مشار لإنقاذ حياة التجار المسيرية في الجامع، ولم يصدق بعض جنود النوير أن أولئك كانوا جميعهم "مسيرية"، خاصة حين دخل بين التجار المسيرية تجارٌ من دارفور، فأطلقت قوات مشار النيران على المجموعة المختلطة داخل الجامع وقتلت بعض المسيرية وبعض الدارفوريين الذين قالوا إنهم مسيرية.
...
بعد ذلك أحضرت قوات المرتزقة المسيرية تاجرا مسيريا معروفا لدى النوير ليحدد من هم المسيرية الحقيقيون في الجامع، لإنقاذ حياتهم من موت مقرر، وهكذا نجا التجار المسيرية من الموت.
كذلك أعفت قوات النوير الأثيوبيين من التقتيل، وقرر بعض القادة النوير الذين وصلوا المدينة بعد الظهر، وقد اكتملت المذبحة تقريبا، قرروا التحقيقَ مع الدارفوريين الذين كانوا قالوا إنهم إثيوبيون.


(7)
في النهاية، كانت حصيلة القتلى 306: من بينهم 19 قتلتهم قوات مشار في المستشفى، و287 قتلتهم في الجامع. وليس ذلك هو العدد النهائي الذي يظل غير معروف ويرد أنه تجاوز الأربعمائة، لأن قوات مشار كانت تعمل على إخفاء الجثث.
كان بين القتلى أفراد من قبيلة الدينكا، جميع من تم القبض عليه من الموظفين الحكوميين، وكان هؤلاء الموظفون الحكوميون الدينكا الهدف الأساس لقوات مشار، وكذا كان بين القتلى أولئك النوير الذين أسلفت أنهم كانوا رفضوا الخروج من غرفة في المستشفى تحصنوا فيها، وكان بين القتلى بعض التجار المسيرية، وعدد مقدر من قوات العدل والمساواة والتجار الدارفوريين (عدة قبائل من دارفور)، والنوبة أيضا، وربما بعض الأثيوبيين قليلي العدد أصلا، ونعرف أن أثيوبياً تم ضربه بالرصاص لكنه لم يمت.


(8)
شحنت قوات رياك مشار 250 جثة في لواري وأخذتها من بانتيو لرميها في جدول مياه على بعد ساعتين من المدينة، واستخدمت قوات مشار لتنفيذ هذه العملية الإخفائية للجثث والأدلة الجنائية بعض الدارفوريين الأقوياء الذين رفعوا الجثث في اللواري وركبوا فوقها ورموها في جدول للمياه، ثم أعفت قوات مشار هؤلاء الحمالين من قرار قتلهم وتركتهم أحياء عند بوابة معسكر الأمم المتحدة القريب من المدينة، بعد الجسر، وهم بالطبع الذين حكوا القصة للمحققين.
...
مجمل هذه المعلومات التحقيقية أعلاه أوردها فريق التحقيق الأممي من شهود عيان متكثرين وخبراء وضحايا جرحى وموظفين حكوميين من الدينكا وآخرين كانوا حاضرين، وتم نشرها وتلخيصها على نطاق واسع. وما قدمته كذلك فيه قراءتي الانتقادية للتقرير الأساس الذي لا يستخدم عبارات مثل "مرتزقة"، ولا يفصح عن وقائع معروفة ويبين التقرير أسبابه لإخفاء بعض البيانات.
وقد استجوبتْ فرق التحقيق ضباط رياك مشار الذين نفوا مسؤوليتهم عن المذبحة وادعوا أن قوات سلفا كير والعدل والمساواة هي التي قتلت المدنيين قبل انسحابها. وسجل المحققون في التقرير عدم وجود أي إثبات لهذه الادعاءات.


...
رابعا،
الكاتب الشاب في دروب سلاح الكتابة
(1)
فمن الكذب ادعاء الكاتب أحمد محمود أن الجناة غير معروفين، في قوله الاحتيالي الصريح أن التجار الشماليين الضحايا "خلفوا وراءهم سيلا من الاستفهامات حول من المسؤول عن تلكم الجرائم النكراء؟"
فحتى الضحايا أنفسهم كانوا على علم تام قبل مفارقتهم الحياة أن معذبيهم العازمين على تقتيلهم كانوا من قوات رياك مشار النويرية، ولم تشفع لأولئك الضحايا المحاولات الضعيفة من قبل المرتزقة المسيرية الذين خصوا بالحماية حصرا التجار والمدنيين أفراد قبيلتهم. مما نعرفه من الجرحى الذين لم يموتوا.
وحتى رياك مشار ذاته اعترف لاحقا في البي بي سي هارد توك 14 مايو 2014 أن عمليات التقتيل وقعت من قبل قواته وأنه سيحقق في الاتهامات.
بالإضافة إلى ما أوردتُه سابقا من القصيدة التي يحفظها الكاتب أحمد عن ظهر قلب وسجلها في نهاية مقاله وفيها أن "أتباع مشار" هم الذين قتلوا ضحايا المذبحة.


(2)
وغير صحيح الهراء من نوع قول الكاتب أحمد أن مذبحة بانتيو هي "أبشع مذبحة بشرية تشهدها أفريقيا والعالم"، والكاتب الهَرَّاء لا يكترث أصلا إلى ما إذا كانت أقواله صحيحة أم كاذبة، هدفه الغرض المشدود إلى طمس الحقائق لتزيين صورة عميل جهاز الأمن السوداني رياك مشار، وتثبيت رواية كاذبة أن جنوبيين مجهولين غير معروف قائدهم نفذوا المذبحة. فهو كتب أن "آمرَهم ... أمَرَ ... بإبادة جميع التجار الشماليين بلا رحمة أو ذرة ضمير".
ثم مضى الكاتب إلى ذلك قوله الكاذب إن الضحايا "خلَّفوا وراءهم سيلا من الاستفهامات حول من المسؤول عن تلكم الجرائم النكراء؟"...


(3)
فإذا كان صحيحا أن لهذا الكاتب أحمد الذي لا يفصح عن كامل هويته علاقةُ صداقةٍ ومعرفةٌ بالشخصين اللذين وصفهما بـ "زميلي وأستاذي مربي الأجيال الشاب الخلوق الأستاذ/جمال وادي"، واللذين قال أحمد إنهما كانا من بين ضحايا مذبحة بانتيو، فهذا الكاتب أحمد لا يحترم هذين الشخصين المقتولين في المذبحة، لأنه نشر أخبارا فالصو بغرض إخفاء هوية الجناة الذين قتَّلوا صديقيه تقتيلا في بانتيو، بينما هو كان على علم بهوية هؤلاء الجناة.


(4)
فأقل ما يمكن تقديمه للضحية في مذبحة بانتيو هو الحقيقة، وتحديدا الحقيقة عن هوية الجناة، وكذا الحقيقة عن الآخرين الذين قُتلوا مع الضحية في تلك الوضعية في ذلك اليوم، وهم لم يكونوا جميعهم "التجار السودانيين الشماليين"، حصرا كما حددهم الكاتب أحمد، بل كانوا مدنيين وعسكريين عزلَ من السلاح، ولم يكونوا فقط "شماليين سودانيين"، بل كان معهم أفراد من جنوب السودان ومن أثيوبيا أيضا.
...
وأخلص إلى أن من حق الضحية في مذبحة بانتيو أن تكون مناسبة ذكراه الثالثة خالية من التصنع والكذب والاحتيال.


...
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com


ملحق: نص المقال في سودانايل
في الذكرى الثالثة لمجزرة " بانتيو “.. بقلم: أحمد محمود


تتوالي الأيام والسنين تتري لترسي بنا على مرافئ الذكري الثالثة لمذبحة "بانتيو" عاصمة ولاية الوحدة بجمهورية جنوب السودان التي راح ضحيتها المئات من التجار السودانيين ، بعد أن احتموا مسبقاً بالمساجد والكنائس اتقاء لطيش الطلقات النارية التي لا تعرف العدو من غيره عندما استشعروا الخطر المحدق بهم من كل حدب وصوب ، إلا أن سوء تقديرهم لنوايا وطبائع القوات المهاجمة أوقعتهم في أبشع مذبحة بشرية تشهدها أفريقيا والعالم ، إذ أمر آمرهم بإبادة جميع التجار الشماليين بلا رحمة أو ذرة ضمير ، فدفعوا أرواحهم ثمناً لغدر وحشي جبان ، ليخلفوا وراءهم سيلا من الاستفهامات حول من المسؤول عن تلكم الجرائم النكراء ؟
وما جرم أولئك التجار العزل بينما المعارك أساسا ضاريةً بين الحكومة الجنوبية ومعارضيها من أتباع مشار؟!
ولماذا صمتت حكومتنا السودانية حيال الأمر صمت القبور سوي تعليق مقتضب لها علي فضائية “الشروق" يفيد ظلما بأن الضحايا ينتسبون إلي الحركات المسلحة وليتهم كانوا كذلك!
بل وأين موقع الأمم المتحدة والعفو الدولي اللتان كانتا شاهدا عيان لما جرى؟
ستظل هذه التساؤلات تطارد أصحاب الضمائر الحية إلي أن يحين يوم تنصب فيه موازين عدالة محكمة الشعب التي لا تسقط الحقوق بالتقادم أو بغيره من الأسباب.
من هنا لا ننسى أن نجدد تعازينا لكل أسر الضحايا المغدور بهم في مثل هذا اليوم 15/4/2014
ونظل نعيد تلاوة قصيدة رثائهم كل عام لتخليد ذكراهم وعلى رأسهم زميلي وأستاذي مربي الأجيال الشاب الخلوق الأستاذ/جمال وادي
والأستاذ الناشط / بشير يوسف
.
في يوم عبوس قمطرير
في ليلة ما شافت قمر
(ربكونا) أضحت خلفهم
والكبري حارساه الكجر
كل المداخل أغلقت
وتمساح جوعان وسط البحر
وكنيسه اكتظت خلق
والباقي في الجامع صبر
أخوي (جمال) كان ضمنهم
و (التوم) وآلاف البشر
والمشفي ذاتها إتملت
والخوف سمير طول السهر
تجار مساكين همهم
عيش الوليدات فالسفر
,,,,,, ,,,,,,
رفعوا الأكف إلي السماء
يا الله جنينا الخطر
أتباع (مشار) جاثو الديار
قاصدين دمارها بالثأر
دخلوا صباحا كالجراد
عموا المزارع والخضر
نهبوا الهواتف والنقود
رشقوا الذخائر كالمطر
بعد النهب قتلوا الجميع
والدم على الوديان شخر
,,,,, ,,,,,,,
قتلوا (بشير) قتلوا (جمال)
قتلوا المعالم والفكر
من غير ذنب أضحى الشباب
جثثا مبعثره كالحجر
بكيت وبكت كل الخلوق
والزهرة نوارها انستر
حتى الطيور ناحت وراي
وبكت معاي كل الشجر
أوقف صبابك يا الدموع
ولنرضى بحكم القدر
.
الرحمة والخلود لهم ولكل شهداء الظلم والطغيان بدول العالم

 

آراء