الاستبداد العقلي يؤدي إلى الاستبداد السياسي والتخلف
كان دي سيلفا الرئيس الأسبق لدولة البرازيل ماسح أحذية في شبابه ولكنه كان يملك قلبا مفعما بالأمل بأن كل شيء معقول يمكن القيام به وكأني به قد فقه المعنى المتداول "لو تعلقت همة أحدكم بالثريا لنالها" والذي ربطه بعضهم بمعنى حديث الرسول "ص" ( لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ) ، وقد نجح فعلا للوصول لأعلى منصب في بلاده أي رئاسة دولة البرازيل!
يبقى أن الاستبداد العقلي يجعل بعض الأفراد في بعض الجهات و لربما جهات كاملة وأنظمة في بعض البلاد تصر على أن يبقى الشعب في حالة من الخوف والجهل والفقر وبذلك تسيطر عليه سيطرة تامة ولا تفتح له إلا ثغرة الفساد الإداري كالمحسوبية والرشاوى ليتعيش منها، فيظل الشعب يدور كثور الساقية في حلقة مفرغة لا نهائية من الفساد الأخلاقي والمالي والإداري.
هذه الحالة من الاستسلام وروح القطيع تزيد الشعب فقرا وجهلا تقعد به عن التطلع لمستقبل أفضل فأقصى ما يطمح له الفرد وأسرته أن يجدون قوت يومهم وما يدفعون به المرض عن أجسادهم وقبل الاثنتين يتحاشون ما قد يعرضهم لغضب السلطات الرسمية فما هم إلا رهائن أو مساجين في سجن كبير يسمى الدولة ولكنه محروس في الحدود البرية والجوية والبحرية حتى لا يهرب مواطن من قمع السلطة أو الخروج من متلازمة الخوف التي تمثلها السلطة.
إذن ذلك الاستبداد العقلي يؤدي لاستبداد سياسي، يستطيع النظام الحاكم فيه أن يقبض ويسجن ويعذب وقد يقتل أي مواطن لسبب أو بدون سبب. مما يجبر المواطن أن يظل في حالة بحث طوال حياته عن أمنه ثم طعامه ثم علاجه.
يقبل بعض أفراد الشعب أن يحصل على شيء من الأمن وفتات العيش والعلاج من خلال مشاركته للسلطة الحاكمة في قهرها للشعب. وكذلك تقبل السلطة بتسخير هؤلاء الفاسدين الذين باعوا ذممهم لها لأنهم أكثر إخلاصا لها خوفا من فقدان ما حصلوا عليه من مصالح.
إن النظام الحاكم يقهر الشعب ويخيفه ويجوعه ليشغله بالبحث عن سد رمقه قبل أي شيء وبأي وسيلة كانت. وبما إن المواطن لا يستطيع أن يطالب النظام الحاكم بأي حقوق ولا يستطيع أن يستغل مواطنه الأخر بصورة قد توقعه تحت بطش السلطة فلا يجد سوى خداع مواطنه الأخر بالكذب والرشوة ليستولي على نصيبه من الفتات، وهكذا يصبح الشعب منتج للفاسدين بدلا عن أن يمارس رقابة جماعية تؤدي للتبليغ عن الفساد والفاسدين وتقديمهم للمحاسبة والمحاكمة كما هو الحال في الدول المتقدمة.
يبقى أن النظام الحاكم يقع في جزء من شر أعماله فعدم تطويره للمواطن يحرمه كنظام حاكم من التمتع برفاهية حقيقية، فيضطر المسئول للسفر للعلاج بالخارج لأنه لم يعمل على وجود نهضة صحية في بلاده، ويبقى مهموم على صحته طوال الوقت ويحرص على وجود أطباء خاصين له ولكن هؤلاء فعلهم محدود في غياب المستشفيات والأجهزة الطبية الحديثة. مثال أخر، جحافل سيارات النظام الفاخرة تسير في شوارع كلها حفر لان النظام لم يقم ببناء بنية تحتية مناسبة.
إذن تبقى رفاهية أفراد النظام الحاكم داخل قصورهم فقط ولا تتعداه إلا حين سفرهم للخارج. لان كل ما هو خارج قصورهم يشكو التخلف والسوء.
هذه الدائرة الشريرة المغلقة او الحلقة المفرغة تمنع تطور الدولة وتطور المواطن حاكما أم محكوما؛ لأنها تبقى المواطن سجين الخوف وتبقى السلطة الحاكمة سجان يخاف أن يتحرر المواطن يوما ما من الخوف فيزيده أغلالا بزيادة إفقاره.
يبقى أن طاقات الشعب الفكرية والمادية والجسمانية تظل معطلة. فتجد الكثيرين يتفيئون ظلال الأشجار ويتحدثون حتى لا تعتبر السلطات صمتهم نوع من الإضراب أو المقاومة السلمية لها، فيتحدثون في اللا شيء أو يثرثرون خوفا من تعتبر السلطات أي حديث جاد لهم نوع من شكوى الحال و التذمر الذي قد يتعاظم وينتظم في مطالبة بالحقوق وقد يتطور للثورة على الأوضاع وعلى السلطات الحاكمة.
هذا التسلط والاستبداد السياسي على المواطن من النظام الحاكم، قد يجد ردة فعل طردية من المجتمع الذكوري ضد النساء في بعض المجتمعات. فيمارس تعدد الزوجات بلا سبب مقنع أو إجبار الأرملة على الزواج بأحد أقاربها المتوفي، أو استبداد الزوج مع زوجته فهي لا تخرج من البيت إلا بإذنه وقد تضطر إلى أن تحبو أمامه كنوع من طلب الإذن للخروج، أو تخرج من البيت حافية وتنتعل الحذاء خارج البيت احتراما لزوجها، ومنها منع أم الزوجة من الأكل مع زوج ابنتها على نفس الطاولة !!! . ورغم إنها عادات وتقاليد تتنافى مع الدين الإسلامي ولكنها تطبق وتحترم أكثر من كل الواجبات الدينية عبادات كانت أو معاملات.
من المؤكد أن ذلك المواطن الخائف من استبداد وبطش النظام الحاكم و تلك الزوجة أو الأم المضطهدة و في ظل تلك الظروف الاجتماعية غير السليمة لن يفلحا في تربية نشء صالحين فيستمر تدهور المجتمع وتخلف الدولة. إذن يجب على المواطن أن يعلم أن النظام الاستبدادي الحاكم بكل أجهزته الباطشة يعيش الرهبة من أن يتحرر المواطن من خوفه يوما ما وينهض ويقلب عليه الطاولة، ولذلك يجب عليه ألا يستسلم وان يفكر خارج الصندوق فيخرج من "العقل القياسي" إلى "العقل الإبداعي" ويعرف أن له مشيئة فعالة سيستجيب لها القدر.
أنشد الشاعر ابوالقاسم الشابي
"إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
***
أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
***
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ"
wadrawda@hotmail.fr